قطر المتآمرة!

محمد شمس

سرّبت صحيفة العرب اللندنية التي اشترتها السعودية أخبارا تحت عنوان (صبر السعودية ينفذ وإجراءات متوقعة ضد الدوحة) وقالت ان العلاقات متوترة بين البلدين وان مسؤولا سعودياً سلّم امير قطر رسالة من الرياض تطلب منه مراجعة سياساته والاّ… ونقلت عن مصدر سعودي مسؤول ان الرياض تفكر في اجراءات عقابية بينها غلاق الحدود البرية والجوية مع قطر وتجميد اتفاقات تجارية. سبب غضب الرياض حسب الصحيفة: دعم عناصر اخوانية سعودية؛ دعم الحوثيين؛ الوقوف ضد السيسي.

وجعلت الصحيفة من أخبارها هذه هاشتاقاً تجمّع فيه (بيض) الإمارات والسعودية معاً؛ كلٌّ منهما يزيد في التحريض، ويزايد على الآخر.

السعوديون، وأكثرهم من رجال المباحث، لم يقصروا في الشتم والسخرية والتنقيص الى حدّ لا يمكن نشر معظم ما قالوه. ولكن ما هو مخفف التالي:

أميرة الحربي ترى ان قطر مجرد حارة من حواري جيرانها، وهي تدس اصبعها في كل زاوية في الوطن العربي؛ وقال مغرد بأن قطر تريد ثورة في السعودية؛ ثم انها (اخونجية) تتآمر على الإمارات والكويت. يزيد المغرد الغامدي الجرعة فيقول ان حكام قطر انصاف رجال مفلسين، الى آخر الشتم. فيما يصف احدهم قطر بانها (قطرائيل) وقد حان وقت دعسها. وقطر بالنسبة لآخرين موالين (لا تفرق عن لحد في خدمة الكيان الصهيوني)، وأنها أصغر من اي محافظة سعودية وتعيش مراهقة سياسية. ويهددها احدهم: (اسكتوا وإلاّ ضمّيناكم للمنطقة الشرقية)؛ وربما تمّ دكّ القصور؛ خاصة وانه يتجمع فيها حثالة العالم؛ و(لو قرأ الشيخ السديس خارطتها وقرأ عليها الرُّقْيَةْ ونَفَثَ فيها لسقطت أبراج قطر)!

ليست قطر وحدها عدو الوحدة الخليجية، بل ومعها سلطنة عمان، كما يقول مغرد سعودي. وهناك حزمة من المؤامرات القطرية غير معروفة من قبل: دعم الأثيوبيين في العاملين في السعودية؛ وجريمة دعم الربيع العربي؛ اضافة الى دعم قطر للحوثيين. إذن.. هي قطر التي خانت وتآمرت على السعودية وعلى الإمارات، وهي التي تتعاون مع ايران، وما بعد ذلك من جرم. وهناك جرائم أخرى لقطر، اذ يقول احد المباحث أن بها كنائس ويهود، ويسأل: لماذا لم نر أحداً يهددها ويتوعدها او يفجر فيها؟ ثم انها حليفة أردوغان ضد المملكة، فهي كالزائدة الدودية في جسم الخليج.

ورغم كل هذا، فقطر تمثل مشكلة صغيرة. يقول المغرد نواف: (فقط نرسل لكم كم دوريّةْ شرطة ونقضي عليكم ونستحلّكم). هناك حل آخر لهذه الدويلة الخائنة حسب (بيضة) سعودية أخرى: الدّعْسْ. او الضربة القاضية ان غضبت السعودية ونفد صبرها؛ وهو حلٌّ آتٍ مالم تقم قطر بتسليم قيادات الإخوان المصريين لحكومة السيسي؛ وما لم تكشف (القطرائليين السعوديين)!

حقاً لقد تضمن الهاشتاق كمية كبيرة من السفاهة والوقاحة من المغردين المباحيثيين السعوديين. فهل تستحق قطر ذلك؟

المغرد الربيع يعتقد ان سبب فتح السعودية للمعركة مع قطر يعود الى رفض الأخيرة التوقيع على الإتفاقية الأمنية الخليجية التي تريدها الرياض؛ وتسخر المغردة ياسمين من لعب الرياض دور (المظلومة) بحيث لم يتبق أحدٌ إلا وتآمر علينا؛ ايضاً تسخر منيفة: (حتى الخليج ضدنا. المفروض السعودية تقول لا صديق لنا إلا أنا)! وايضا حمزة الحسن يقول: كل يوم يفتح لنا آل سعود معركة مع الآخرين؛ ودائماً هم ضحايا. وتابع: فقد القوم عقلهم، لن يبق لآل سعود من صديق؛ ورأى ان الهدف اشغال الرأي العام المحلي وتكتيله وراء النظام.

بالأمس زعم آل سعود بأن سلطنة عمان تتآمر عليهم، ثم قالوا انها الإمارات، والآن هي قطر ولذا تمّ توجيه القطيع ضدّها. لكن لدى ابو زيد القحطاني مقياس في التمييز بين المواقف: (من كان عدوّه آل سعود، فاضمنوا له صحّة المنهج). لكن ماذا لدى الرياض أن تفعله ضد قطر؟ تجيب سارة الخالدي ساخرة: (الله يستر.. فالبوارج تحرّكت من قاعدة الجنادرية؛ ومفاعلات أُم رقيبة النووية طبيعية. جاءكم الموت يا قطر)!

بعد ايام من التسريب.. جاءت مفاجأة صاعقة بالنسبة للمواطنين الخليجيين المضللين بدعاية (خليجنا واحد). لم يدر بخلدهم أن يصحوا على وقع سحب سفراء ثلاث دول خليجية من قطر. الله يخزي الشيطان، هكذا قالوا! عين وأصابتنا! مؤامرة جاءتنا من الصفويين الذين يريدون تمزيقنا!

كثيرون لم يستوعبوا الصدمة، فطفقوا يتعوذون من الشيطان الرجيم، ويحاولون ان يحفظوا تماسك المواطنين الخليجيين رغم خلاف الأنظمة. السعودية كانت أساس المشكلة مع قطر، وستكون هي المشكلة نفسها بعد حين مع غيرها! لم تعد شقيقة كبرى كما يقال، وغير قادرة على حل المشكلات بالحسنى، ولا بالإقناع، بل بعضلات باهتة ثبت هشاشتها في أكثر من ازمة محلية واقليمية.

الرعونة والصلافة السعودية تحيل مجلس التعاون الى وضع أقرب ما يكون الى الإنهيار بعد ان كان الجميع يفاخر بأنه تجمّع اقليمي ناجح، بل هو الوحيد الناجح، بعد سقوط الجامعة العربية والأحلاف العربية الأخرى. الآن تبيّن ان الداء العربي مستوطن في جميع الدول، خاصة السعودية التي لفرط ما تلقته من ضربات في سياستها الخارجية تكاد تفقد عقلها ورصانتها ان لم يكن قد فقدتهما بالفعل.

بيان الدول الثلاث حسب وكالة واس السعودية للأنباء، يشير الى ان قطر لم تلتزم بالنظام السياسي لمجلس التعاون فيما يتعلق بالاتفاقية الأمنية الموحدة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الخليجية الأخرى بل هددت الأمن والاستقرار باعلامها ودعم منظمات وافراد لم يسمهم البيان، الذي اشار الى الوساطة الكويتية التي لم تفلح، والتحذيرات المباشرة التي وجهت لقطر والتي لم تقبلها، فما كان من الدول الثلاث الا سحب سفرائها كوسيلة ضغط. قطر رفضت المعاملة بالمثل وسحب سفرائها، والى هنا لم تنته المشكلة بل بدأت.

معلومات عديدة تسربت تفيد بأن اجتماع الكويت الأخير لوزراء الخارجية والذي حضره امير قطر بنفسه، زاد من الأزمة حين أهان سعود الفيصل امير قطر، وهدده، وسخر منه ومن بلاده.

قسام الرويلي تقدم برجاء الى المعنيين بالأمر ان لا يستعجلوا في اتخاذ القرارات واطلاق الأحكام، فالمواطنون لم يعودوا يصدقون، وأرفق صورة لصحيفة عكاظ قديمة وفي مانشيتها الأول تكفر فيه الرؤساء المخالفين: (جمال عبدالناصر كافر بالإجماع)! فهل سيكفّر أمير قطر بعد ان اعتبرت بلاده تهدد الأمن السعودي؟!

الصحافي المغرد عصام الزامل فهم الموضوع على هذا النحو: (سبب سحب السفراء هو موقف قطر الداعم لمعارضي الانقلاب في مصر)، لكن راكان غير مقتنع بأن المشكلة سببها الإخوان فقط، فمصر لم تسحب سفيرها. الموضوع اكبر من هذا. وخالد السهيل قال ان قناة الجزيرة هي السبب لأنها نشرت الفتنة بين أخوة التراب! ومثله محمد بيك يقول ان قطر ارادت تطويق السعودية بحلف مع تركيا واليمن ومصر فمنيت بخسارة، بل انها حاولت مع الباكستان وأغرتها بالمليارات لعزل السعودية.

الاتهامات السعودية كثيرة ولكن جذرها فيما يبدو ان قطر لم تخضع للسياسة السعودية تجاه ملفات محددة وترى ان لها الحق كدولة ان تلعب دوراً مستقلاً عن الموقف السعودي. ويطالب المغرد الكنهل بعدم تصديق بيان السعودية واخواتها، فهذه الدول تلفق الاتهامات ضد مواطنيها، فهل ينبغي علينا تصديقها عندما تتهم دولاً اخرى؟. ويتساءل حمزة الحسن: لماذا تريد الرياض تطابقاً في المواقف، وماذا يضيرها ان كانت قطر مثلما الكويت من قبل تبحث عن دور مستقل او اختلفت في بعض السياسات؟ وابن عربي يرى المشكل في الرياض ودلل على ذلك تصريح بندر بن سلطان لوول ستريت جورنا، بان قطر مجرد قناة و٣٠٠ مواطن وهؤلاء لا يصنعون دولة. انها نظرة دونية، ما يعني ان هناك انحداراً في مكانة الرياض الاستراتيجية سواء عند الخصوم او الحلفاء او حتى الأشقاء.

لتلطيف الأجواء المتوترة بين المغردين، دعا المغرد المستكلب لولاة أمره، الأمير مشعل بن عبدالعزيز الى (تشبيك دولة قطر بالكامل، ووضع لوحة عليها تقول: ممنوع الإقتراب، أملاك خاصة) مثلما يفعل في الداخل.

المدافعون عن قطر بين السعوديين كثرة، وهناك عموماً عدم ارتياح من الموقف السعودي الرسمي. العليوي يرى ان مشكلة قطر هو دعم الثورات والديمقراطية، ويقول: (لا يوجد بند في وثيقة مجلس التعاون ينص على حظر دعم الديمقراطية)؛ والكاتب خالد الوابل رد على البيان الثلاثي بأن الشعوب لا تعلم فحوى اتفاق الرياض المزعوم، ولهذا ستصبح الإشاعة سيّدة الموقف. وفؤاد خاطر يقول انه وصل الى قناعة بأن من نتخلّى عنه يكون الأقرب للحق والحقيقة. بمعنى ان الموقف القطري اقرب الى الحقيقة والحق.

اخواني سعودي تساءل: (هل الخارجية السعودية مصابة الحَوَل؟ نحن نبحث عن سفير ايران). بمعنى انه يريد قطع العلاقة مع ايران وليس مع قطر، في حين ان الرياض عيّنت قبل ايام سفيراً جديداً لها في طهران. والمغرد الحضيف عبر بألم: (تفرّقنا على يدكم، فتبّت كل أيديكم). وراكان يقول بأن ماجرى من سحب السفراء كان بمثابة المسمار الأخير في مجلس التعاون الذي افترض انه يسير باتجاه الاتحاد!

غريب هذا البيان الثلاثي فهو بدأ (بناء على ما تمليه مبادئ الشريعة الاسلامية من ضرورة التكاتف والتعاون وعدم الفرقة) لينتهي بسحب السفراء؛ بل ان مغرداً اماراتيا موتوراً رأى (عدم الإكتفاء بسحب السفراء، بل يجب توجيه ضربة عسكرية لكي تعرف قطر حجمها الطبيعي)!

مقبلون نحن على تغيرات دراماتيكية في كل المنطقة، ومنها السعودية ودول الخليج. لننتظر اذن.

الصفحة السابقة