المنطقة من الإحتقان الى الإشتعال

ردود فعل السعوديين على خطاب تركي الفيصل

سعدالدين منصوري

تظاهرة سعودية بامتياز، تلك التي حفّت بمؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس الأسبوع الماضي. بطل التظاهرة هو رئيس الإستخبارات السعودية الأسبق الأمير تركي الفيصل، الذي خطب في المعارضين ومعهم جمهور عربي مستورد للتصفيق، وبدا حديثه بالفارسية: (ايرانيان عزيزة) وأنهاه بـ (خُدا حافظ(!.

ثمانٌ وعشرون دقيقة مدّة الخطاب الذي القاه تركي الفيصل، حوى تمجيداً للثقافة الإيرانية، ولكنه في نفس الوقت شنّ فيه هجوماً غير مسبوق على إيران، وعلى رموزها الأحياء والأموات. كما شنّ هجوماً على حماس والجهاد الإسلامي واتهمهما بنشر الفوضى في المنطقة.

الفيصل استعلن العداء لإيران في حدوده القصوى، فقال: (أنا أريد إسقاط النظام).

حقاً، لم يكن مؤتمر معارضة ايرانية ذاك الذي عُقد في باريس، والذي كان مُتجاهَلاً لسنوات. بل كان مؤتمراً سعودياً بامتياز. كان حشداً سعودياً وتمويلاً سعودياً ومصفقين عرب دفعت لهم السعودية.

البحرين ارسلت وفداً للمؤتمر بناء على طلب السعودية.

والإمارات ارسلت وفداً للمؤتمر، وكأنه يعقد لأول مرة، وليس مؤتمراً سنوياً لتلك المعارضة المأزومة.

ونواب مصريون مدفوع لهم من السعودية حضروا للمؤتمر.

ومعارضون عرب وسوريون كثر ملأوا مقاعد المسرح يصفقون ويهتفون بالعربية: (الشعب يريد اسقاط النظام)!

نواب اوروبيون، وساسة امريكيون سابقون، ورجال مخابرات امريكية وصهيونية وغربية، حضروا المؤتمر في تظاهرة استعراض لقوة السعودية الإعلامية والمالية، من أجل ان يشهدوا اطلاق صورايخ سعودية من لسان تركي الفيصل، يقول فيها علناً بأنه لا مكان للصلح مع هذا النظام في طهران، وان الرياض فتحت كل الجبهات.

صحيفة سبق الإلكترونية التابعة لوزارة الداخلية السعودية، قالت بأن خطاب تركي الفيصل (هزّ أركان إيران. إنه الجريء الذي صفع الملالي)، وكأن الدول يسقطها خطاب يائس من باريس. والتلفزيون الروسي وبناء على التصعيد السعودي تحدث عن السعودية التي بدأت مشروع إسقاط النظام الإيراني. ولأن الرياض تريد ان تمنح جمهورها نصراً بعد يأس، يتحدث الشيخ سعد البريك متسائلاً: (هل بدأ الربيع الفارسي في ايران) وقال ان كلمة تركي الفيصل فيها حقائق من السحر الحلال! وأثنى على مقالة لعبدالعزيز قاسم، الموظف في وزارة الداخلية، كتبه لصحيفة قطرية، ووصفه البريك بأنه قلم وطني، لأنه كتب في كيفية اشغال إيران من الداخل. وانتقد البريك ضمنياً قناة الجزيرة لأنها لم تغطّ بما فيه الكفاية مؤتمر المعارضة الإيرانية، أي انها لم تجاري السعودية في التصعيد كما ينبغي.

الشيخ الوهابي المتطرف هو الآخر محمد السعيدي، قال ان كلمة الأمير تركي الفيصل (موفّقة، ومنتقدوها غاب عنهم أن اللعب بين البلدين بات على المكشوف). وأضاف: (جهودك لا تسقط دولاً، لكنها تبني مشروعاً، وتجمع حلفاء، وتوحد جهوداً، وذلك يحقق تقدماً لإنقاذ الأمة من جرائم الملالي). فالأمة المسلمة ليست مبتلاة بالأمريكان ولا بالصهاينة ولا بالمستعمرين، ولا بالدواعش والقواعد التي يفرخها الوهابيون وآل سعود، وانما مبتلاة بإيران فحسب!

رئيس تحرير جريدة السياسة الكويتية، النجدي الأصل، والسعودي الهوى، أحمد الجار الله، ينصح العرب والمسلمين بقراءة خطاب الأمير تركي الفيصل لما له من أهمية. والإخواسلفي خالد العمار يخاطب متابعيه: (استمتعوا بكلمة تركي الفيصل الفخمة في مؤتمر المعارضة الإيرانية بباريس. سياسة سعودية خارجية نفخر بها). واضح ان تركي الفيصل اصبح هنا يمثل السياسة الخارجية السعودية. والإخواسلفي كساب العتيبي، المعارض السابق، ابتهج بالكلمة النارية الجماهيرية للأمير تركي في مؤتمر المعارضة، واعتبر ذلك خطوة جريئة جداً، لها ما بعدها. ما بعدها؟ هذا يعني: التصعيد أكثر من الإحتقان الى الإنفجار والمواجهة! او بتعبير الإعلامية السعودية ايمان الحمود: (المنطقة ستنتقل من الإحتقان الى الإشتعال).

وكل هذا يجري سعودياً باسم العالم الإسلامي التي تزعم السعودية قيادته، يقول الامير خالد آل سعود: (الأمير تركي الفيصل يتحدث بلسان كل مسلم غيور على عقيدته وعلى عالمه الإسلامي). لا والله، إنه يستخرج أمراض ونفاق آل سعود، ولا يمثل إلا آل سعود ومحازيبهم من المتصهينين الطائفيين.

ويعتقد الداعية الوهابي المتطرف محمد البراك، بأنه (مهما كان شكل النظام الذي يخلف النظام الحالي في ايران، فلن يكون قريباً منه في السوء). وهابي متطرف آخر يقول: (لن تسقط ايران إلا بدعم الأهواز اعلامياً وحربياً، وضمها لرابطة العالم الإسلامي وجامعة الدول العربية). وبحسب نجدي متطرف ثالث: (اذا بدأت السعودية العمل على اسقاط النظام الإيراني، فكل عوامل سقوطه متوفرة، ما يحتاج فقط هو تحريكها). أما الإخواني المتسعود، والذي انضمّ الى قطر، محمد مختار الشنقيطي، فيرى أن (مواجهة ايران الجادة تكون بتسليح الأحرار الذي يقاتلونها في الشام وتسليحها نوعياً، لا بالخطابات التطبيعية يا تركي الفيصل).

لكن من بين المؤيدين لآل سعود، سواء في تطبيع العلاقات مع اسرائيل، والهجوم على المقاومة الفلسطينية، واعتبار ايران العدو وليس اسرائيل، وجد من يختلف مع تركي الفيصل تكتيكياً، وذلك خشية من ارتداد تصريحاته سلباً على مملكة آل سعود.

الصحفي محمد آل الشيخ قال: (مشاركة الأمير تركي الفيصل في مهرجان المعارضة الإيرانية، يعطي الملالي ذريعة ان المعارضة مُخترقة. أعتقد انها خطوة غير محسوبة جيداً). وتركي الحمد قال أن (مشاركته كانت خطوة غير موفقة. هذه المشاركة ستضفي شرعية مفقودة على التدخل الإيراني في شؤون الجوار). ولأن تركي الحمد مع سياسة الصدام والحرب، رأى ان المعارضة الحقيقية في الداخل في، الأهواز وكردستان، ورأى ان اسقاط النظام الإيراني يبدأ بدعم المعارضين هناك في الداخل الإيراني. وبالنسبة للحمد فإن دعم المعارضة الإيرانية من قبل السعودية ضرورة (ولكن دون الظهور في الصورة بشكل مباشر)! ولكن يا دكتور هذا ما كانت تفعله حكومتك سابقاً، ولكنها الآن ارادت ان تستعلن ذلك فقط. أكثر من هذا اقترح الحمد التالي: (لو ألقى مثقف سعودي شيعي المذهب تحديداً، كلمة تركي الفيصل في مؤتمر المعارضة الإيرانية، لكان التأثير أكبر، ومصداقية للمعارضة أقوى). وحلم تركي الحمد بأن تكون باريس التي مثلت بداية انتصار الخمينية بزعمه، ان تكون باريس ذاتها نهاية لها.

هذا الكلام يعيدنا مجدداً الى ان النخبة النجدية بكل الوانها الطائفية والمناطقية مريضة بالوسواس الإيراني، ولا يوجد لها عدو في هذا الكون غير ايران.

وعلق الصحفي عبدالله بخيت فقال: (الإيرانيون قوميون. يحتمل اذا تدخل اجنبي مع المعارضة ان يتكتلوا خلف حكومتهم، حتى وإن كانت مكروهة).

مع هذا، ظهر لنا ابن النظام، الإخواني الذي عمل طويلاً مع تركي الفيصل في جهاز استخباراته، وأخذه معه الى لندن حين اصبح الفيصل سفيرا، ثم الى واشنطن، وتبوّأ رئاسة تحرير صحيفة الوطن ذات مرة.

انه جمال خاشقجي، الإخواني في الأيديولوجيا، وفي السياسة هو ملكي سعودي، وفي الممارسة الشخصية يكسر المحرمات البديهية دينياً.

ظهر لنا الخاشقجي مدافعاً عن تركي الفيصل قبالة الحمد، فقال ساخراً: (انتقاد مشاركة تركي الفيصل في مؤتمر المعارضة الإيرانية يشي أن بعضنا يريد دحر ايران بالتمنّي وبدون عمل وجهد وطني او بالإعتماد على حليف لا يوجد)؛ ‫واضاف:‬ ‫(‬قال أحدهم ان تركي الفيصل أعطى ايران ذريعة لدعم معارضة سعودية‫.‬ إن استطاعوا جمع معارضة سعودية تكفي لملء قاعة صغيرة بفندق بباريس‫..‬ فليفعلوا‫)!‬

يظن الخاشقجي بجهالة ان الانتصار على ايران يكون بحشد زمرة من المنافقين والمصفقين في صالة بفندق بباريس!

اخواسلفي هو محمد العزام، اراد الإستفادة من نقد التكتيك الذي اتبعه تركي الفيصل، ليهاجم الحمد وآل الشيخ المتهمان بالعلمانية والإلحاد فقال: (لم تصدق عيناي ما قرأت هذا الصباح. اثنان من التيار الليبرالي السعودي غاضبان لوجود الأمير تركي الفيصل في اجتماع المعارضة الإيرانية)!

لكن سلطان الجميري، الإعلامي، رأى هو الآخر التالي‫:‬ ‫(‬مشاركة تركي الفيصل وتصريحاته في مؤتمر المعارضة الإيرانية، أيّاً كان التمثيل شخصياً أو رسمياً، هو تخبّط سياسي، ونكبة للمعارضة) الإيرانية بالطبع. والداعية الإخواسلفي الشيخ سعد التويم لا يرى دعم المعارضة الإيرانية في الخارج، بل في الداخل: (أي معارضة لإيران خارج ميدان المعركة مضيعة وقت، ولن يخدم إلا إيران).

اما المغرد الشيخ ضاوي، فخاطب متابعيه على تويتر: (أعرف أن مشاركة الفيصل أفرحتكم، لكن هذا الشيء راح يخلّي ايران تسوّي نفس الشيء، وتدعم معارضين سعوديين بالعلن. وقتها وِشْ رأيك؟). وأضاف: (كل شيء ممكن تفهّمه، إلا المتناقض، اللي يكفّر كل الإيرانيين، ويتمنى لهم الموت، ويسمّيهم مجوس، والحين قاعد يطالب لهم بالحريّة)! وفي ذات الإتجاه قال باسم ان تركي الفيصل يقول بأنه لن يسمح للنظام الإيراني بالتدخل في شؤون الدول العربية: (الأصح ان توقفوا أنتم تدخلاتكم). ومغرد اليمني يسخر: (بالأوّل أنجزوا هاشتاق «تحرير صنعاء»، ثم فكروا بهاشتاق «إسقاط إيران»..)، واضاف: (شويّةْ بدو يفكرون أن الإنتصارات تتحقق بوصول الهاشتاق للترند).

حماس تسيء للسعودية

لم يكتف تركي الفيصل بتوجيه صواريخ عائلته الحاكمة باتجاه ايران، بل اتجه الى حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين وواصل شنّ الهجوم عليهما، استكمالاً لما قاله عادل الجبير قبله بنحو اسبوع ومن باريس ايضاً حينما تعهد علناً وللغرب والصهاينة بتجريد حماس والجهاد الإسلامي من السلاح، ساخراً بنضال الفلسطينيين، وأن جهادهم لا قيمة له، وان التضحيات سببها هم وليس الصهاينة.

حماس ردت ببيان باهت فقالت: (تصريحات الفيصل تسيء الى قضيتنا ومقاومتنا ولا تخدم إلا الاحتلال الصهيوني وتوفر له الذرائع لمزيد من عدوانه على شعبنا ومقدساتنا)، وأضافت: (نرفض افتراءات الأمير تركي التي لا أساس لها من الصحة، وهي مجافية للحقيقة والواقع).

ويبدو ان السعودية اغتاظت اكثر من حماس، على خلفيات تصريح موسى ابو مرزوق الذي قال: (ما قدمته ايران من دعم للمقاومة الفلسطينية على صعيد الإمداد أو التدريب او المال، لا يوازيه سقف آخر، ولا تستطيعه معظم الدول). فرد عليه احد رجال المباحث السعوديين المعروفين: (قاتلك الله، ما قدمته المملكة من دعم مادي ومعنوي وسياسي لا يقارن بأي دولة أخرى، ولكنكم إخونجية خونة ناكرون جاحدون وصفويو الهوى).

لم يعجب ال سعود بيان حماس التوضيحي الذي تدافع فيه عن نفسها، رغم برودته، فلازالت حماس تأمل استفاقة ضمير العائلة المالكة ولو متأخرا، وأنى لها ذلك. بدلاً من ذلك، جند آل سعود حملة على حماس في الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي، وافتتح الأزلام هاشتاقاً بعنوان: (حماس الرافضية تسيء للسعودية)! على طريقة: رمتني بدائها وانسلّتْ! وهذا ما أغضب عدداً من المواطنين، الذين رغم الضغط الأمني تحدثوا بغضب.

‫عبدالرحمن الكنهل، قال بغضب: (حماس ضمير وجهاد أمّة خانها الأعراب، رضيَ من رضي، وأبى من أبى)؛ وواصل: (حماس شرف أمة، وعزّ مقاومة مشروعة، وتركي الفيصل لا يمثّلنا ولا يمثل إيماننا بقضية لم تمّت فينا). وأمجد يقول: (تركي الفيصل هو الإرهابي الصهيوني وليس حماس. حركة حماس المجاهدة هي أعظم مقاومة في العالم، وأعتذر لأهلنا في غزّة). والمغردة هديل تقول مخاطبة آل سعود وتركي فيصلهم: (لا أنتم اللي دعمتوهم بالسلاح، ولا تَبُونْ أحد يدعمهم. تَبونْهُمْ يستسلمون للعدو، ويتركون قضيتهم حتى ترضون).

ووصف المغرد تركي الشهراني من وضع الهاشتاق المسيء، بأنه (حقير وكذاب، ومَنْ صدقه بدون قراءة خطاب حماس، سفيه. حماس لم تسيء لنا، بل تستنكر تصنيفها ارهابية). اما الدوسري، سعد، فذكّر بأن جدّ الملك سلمان الثامن، إسمه مرخان، وهو يهودي الأصل، أصبح فيما بعد نجدياً، وانتسب الى قبيلة عْنِزة ووائل، وهو لا أصل له. وتساءل: (كم قتل آل سعود من اليهود، وفي المقابل كم قتلوا من المسلمين والعرب. هذا يفضح نفاقهم وعمالتهم وخيانتهم للأمة). وختم: (كل من يعارض آل سعود فهو بنظرهم رافضي مجوسي عميل إيران، حتى ولو كان وهابياً متعصباً). واليوم كل من يحمل السلاح في وجه الصهاينة فهو عند آل سعود رافضي، سواء كنتَ سنياً او شيعياً (إن لم تمشِ على هوى آل سعود فانت رافضي).

تجمع احرار جزيرة العرب، سخر من الهاشتاق: (حماس اليوم رافضية، وغداً كافرة، هكذا تجري الأمور في عقيدة الدين السعودي. عقيدة مشوهة، دستورها المصالح السياسية والعرش). وتساءل مغرد آخر: (أنتم كل من زعّلكم صار رافضي ويستحق الموت. الى أين تأخذون وطنكم)؟! وذكرتنا مارغريت بأنها هي ذات السعودية التي وصفت حماس بالمجوسية والإيرانية، وصفت قبلها حزب الله وأهل اليمن وأهل الشام بأنهم مجوس. انه مشروع صهيوني.

لكن أتباع النظام السعودي لهم رأي آخر.

يقول المباحثي طلال الضوّي: (ظهرت حقيقة حماس. باعت فلسطين لإسرائيل، وشقّت الصف، بالمال الإيراني. هذه هي صفات الخونة). مباحثي آخر هو ناصر البهيجي يمتدح هجوم تركي الفيصل على حماس والجهاد فيقول: (كلمة العربي الأصيل تركي الفيصل أوجعت أذناب إيران في المنطقة، قبل ان توجع ايران نفسها، ولذلك نرى حماس الرافضية تسيء للسعودية). أخرق ثالث من حزب آل سعود الأمني، محمد المسعود، يرى أن (من يسيء للسعودية فهو يسيء للإسلام والمسلمين أجمع).

فقد أصبح آل سعود هم الإسلام، وهم بوصلته، وهم مطبّقوه، رغم انهم لا يعدون سوى منافقين أفاقين، بل ان وهابيين آخرين أخرجوهم من النفاق الى دائرة الكفر البواح.

واخيراً عبيد القحطاني يرى إعمال السيف في رقاب الشيعة، وبينهم حماس، فهم داء وبلاء ما له علاج إلا السيوف المرهفة! حسب زعمه ورغبته الضالّة العمياء.

لكن مشايخ السلطة ودعاة الوهابية الآخرين بقوا على صمتهم، ويستصحب دعمهم لكل ما قاله تركي الفيصل وامتدوحه عليه!

الصفحة السابقة