وجـوه حجازيـة

الشيخ أحمد ناضرين

هو أحمد بن عبد الله بن حسين ناضرين. ولد في عام 1300هـ.

عالم فاضل، درّس بالمسجد الحرام. تلقى العلوم عن مشايخ أجلاّء منهم: الشيخ عمر باجنيد والشيخ محمد الخياط، والشيخ عبد الرحمن دهان، والشيخ شعيب الدكالي المغربي وغيرهم.

وكان قد التحق بالمدرسة الصولتية وتخرج منها وأُجيز بالتدريس، فدرّس بالمسجد الحرام، وعقد حلقة درسه في الحصوة التي أمام باب المحكمة، وبجانبه حلقة زميله في الدراسة الشيخ سالم شفي.

تضلّع في الفقه والنحو. وكان رحمه الله يستولي على قلوب تلاميذه وعقولهم فيغذيها بنور العلم، ويهديها الى سبيل الرشاد، كالنور يهدي الضال وينير الدلج فينسلخ الظلام ويطهر النفوس من أدران الجهل، وكالبوتقة تظهر الذهب فيذهب ما به من خبث.

وكان يقول لطلابه في كل مناسبة: ليست الغاية من العلم أن تعلم فحسب، بل الغاية أن تعمل بما تعلم من الخير، وأن تكون قدوة لغيرك في الخير، ولا تتعلم العلم لتكتمه أو تفخر به، بل لتنتفع وتنفع غيرك.

كان رحمه الله متقشفاً يدعو الى الخشونة، ويقول: اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم.

وكان جمّ التواضع يداوي جهل الفظ الغليظ بالحكمة والرفق والوعظ والنصح.

وكان بجانب علمه سديد الرأي، تحدثه في أدق الأمور فيكشف لك ما فيها من دقة ويبين ما فيها من غموض، فإذا بها واضحة جليّة لا تقبل ريبة ولا شكاً. وتلجأ إليه لتجد منفذاً من أزمة وقعت فيها وعقدة أحكم عقدها، فإذا به يدور حولها في رفق ولين فلا تلبث أن تجد لها حلاٌّ يدلك عليه ويرشدك اليه، فإذا بك خارج من الورطة ناجياً لا غبار عليك.

عُيّن قاضياً في المحكمة الشرعية بمكة، وفي أثناء عمله حدثت قصة تعد من المواقف العجيبة والقوية في حياته في القضاء، وتوحي بقدرة في التصرف، وأنه لا يخشى في الله لومة لائم، وهي كالتالي:

كان الشيخ عثمان سفر مغترباً في عهد الحسين، فلما استقرّ الحكم للملك عبد العزيز عاد الى مكة، وكانت له أوقاف بمكة استولت عليها ابنة عمه طيلة غيابه وتصرفت في ريعها، فتقدم بالشكوى الى قاضي المحكمة الشيخ أحمد ناضرين، فطلب القاضي ابنة عمه فأقرّت بتصرفها في الوقف طيلة غياب ابن عمها، ووقعت على إقرارها.

وكان الملك عبد العزيز قد أصدر منشوراً يزعم فيه نصرة المظلوم، فلجأت إليه وادّعت أنها مظلومة، فأمرها بمراجعة القاضي لتخبره بأن الملك وكيلها، فأسرعت الى القاضي واشعرته بأن وكيلها هو الملك عبدالعزيز، فسجّل إقرارها، وأمرها بحضور وكيلها، وفي الموعد المحدد حضر الملك وبصحبته القاضي بن بليهد، فقُرئت الدعوى والإجابة، فحكم القاضي على المرأة بدفع جميع ما تسلمته من ريع الوقف لابن عمها وتسليمه الوقف.

فنظر الملك عبد العزيز الى الشيخ عبدالله بن بليهد، وقال: هذا هو الشرع!

وبعد التنفيذ، وقف الشيخ أحمد ناضرين للملك وسلّم عليه وقال له: إنني ابن بائع لقيمات، ولم أصل الى هذا المنصب إلا بفضل الله ثم بالعلم والتمسك بأهدافه القيمة. إنني منفذ لحدود الله، وأوامر جلالتكم لحماية المظلوم، وهذا لون من ألوان الظلم التي ارتكبته المرأة بظلمها ابن عمها في الوقف، وإنني لم أتصلب في القضية إلا دفاعاً عن الحق ونصرة المظلوم.

ثم قدّم بعدها استقالته، بسبب تدخلات الملك في شأن القضاء.

التحق رحمه الله بمدرسة الفلاح، فكان بصلاحه أداة هداية استنارت بها قلوب طلابه، فكان منهم القاضي العادل، والعالم العامل، والمدرّس المنتج، والموظف الكفء.

رحمه الله ورحم من ترحّم عليه.

توفي رحمه الله بمكة المكرمة في عام 1370هـ (1).


(1) عبد الجبار، عمر، سير وتراجم، ص 47. وغازي، عبدالله بن محمد، نثر الدرر بتذييل نظم الدرر، ص 24. وقزاز، حسن عبد الحي، أهل الحجاز بعبقهم التاريخي، ص 255. والحبشي، ابو بكر بن أحمد بن حسين، الدليل المشير الى فلك أسانيد الإتصال بالحبيب البشير، ص 46. وأبو سليمان، محمود سعيد، تشنيف الأسماع، ص 59. والفاداني، محمد ياسين، قرة العين في أسانيد شيوخي من أعلام الحرمين، جـ1، ص 48.

الصفحة السابقة