الـســيّـد

في رثاء العالم الجليل السيد محمد علوي المالكي


لم يبقَ يومٌ في الحجازِ ولا غدُ

لم يبقَ بعدكَ سيّدٌ يا سيّدُ

لم يبقَ بعدك من نهيمُ بحبهِ

فالحبُ بعدكَ في العروقِ مجمّدُ

اليوم ودَّعكَ الحجازُ ومن بهِ

يا من لهُ في كلِّ قلبٍ مرقدُ

والشعرُ بعدك ميتٌ .. فقصائدٌ

مدفونةٌ .. وقصائدٌ تتشهّدُ

وتوحدتْ حُزناً عليكَ قلوبُنا

لولاكَ ما كانتْ هنا تتوحّدُ

حَمَلَتْكَ آلافُ الرقابِ ورَحّبتْ

بقدومكَ (المَعْلاةُ) وهي تزغـردُ

وإليكَ آلافُ القبورِ تسابقتْ

كلٌّ يقولُ: أنا هُنا يا سيّدُ

كُلٌ يُريدكَ أن تَمرَّ ببابهِ

فهنا يدٌ ممدودةٌ وهنا يدُ

حرَّكْتَ حتى في الجمادِ دماءهُ

يا منْ تقومُ لهُ القبورُ وتقعدُ

* * *

يا أيها الحيُّ الذي تحتَ الثرى

مازالَ صوتُكَ بيننا يتردّدُ

مازلتَ تأتينا وتجلسُ بيننا

وتقول: قال اللهُ قالَ محمدُ

وكأنَّ وجهكَ ليلةٌ قمريةٌ

النورُ من أنوارها يتزودُ

وكأنَّ قبركَ روضةٌ مخضرةٌ

فالطينُ درٌ والترابُ زُمردُ

وثيابكَ البيضاءُ زادَ بياضُها

فكأنها تحتَ الثرى تتجدّدُ

لم تأتِ من قبرٍ ولا من حُفرةٍ

مازالَ في عينيكَ كحلٌ أسودُ

هل أنتَ حيٌ لا تراهُ عيونُنا؟

أم ميتٌ في كلِّ يومٍ يولدُ

* * *

يافارســاً ما باعَ يوماً سيفهُ

اليومَ سيفُكَ عندَ رأسكَ يرقدُ

وسيوفُ بعضِ القومِ إما رُكَّعٌ

في طاعةِ الدنيا وإما سُجَّدُ

الخائفونَ على (غنائم) عِلمهمْ

والنرجسيونَ الذينَ تجمّدوا

العابدونَ نفوسهمْ وجيوبهمْ

من في عباءاتِ الفسادِ تجعدوا

والجاثمونَ أمامَ كلِّ غنـيمةٍ

والساجدونَ لمن يحلُّ ويعقدُ

جُلُّ العقيدةَ والفضيلةَ عندهمْ

(قِرشٌ) يُوَحَّدُ أو (ريالٌ) يُعبدُ

يجرونَ خلفَ بطونهمْ وورائهمْ

للحقِّ أبوابٌ تُهانُ وتوصدُ

* * *

فهمُ الأسودُ على بقايا أرنبٍ

وهمُ النعاجُ أمامَ من يستأسدُ

والدينُ والدنيا سواءٌ عندهم

ذا مصلحٌ فيها وذاكَ مجدّدُ

ما أعجبَ الدنيا التي في حُبّها

بعضُ اللحى تبكي وبعضٌ تسجدُ

* * *

مازلتَ تشكو يا حِجازُ فهل تُرى

سيردُّ عنكَ الظلمَ يومٌ أو غدُ

أوَ تشتكي والوحيُ فيك منزّلٌ

و (البيتُ) فيكَ ومنكَ جاءَ (محمدُ)

أوَ لستَ أرضاً السماءُ تُحبُها

ويحبُها ربُّ السماءَ و (أحمدُ)

أوَ ليسَ منكَ المؤمنونَ الأولونَ

ومنكَ أولُ من هَدَوا ومن اهتدوا

وعلى ثَراكَ تقهقرَ الكفرُ الذي

اليومَ أنتَ بهِ تُـحَدُّ وتُجـْلَدُ

مازلتَ تشكو بعضَ من ركبوا الهوى

وتعددتْ أهواءهمْ وتعدّدوا

فهمُ الظـلامُ المستبدُّ بلونـهِ

وهمُ (الخوارجُ) والضبابُ الأسودُ

ماذا إذا كتبوا وقالوا وادّعوا

لا أنتَ (بلقيسٌ) ولا هم (هدهدُ)

فاللهُ أعلمُ بالحجـازِ وأهـلهِ

إن آمنوا أو أشركوا أو ألحدوا

وغداً ستنتصرُ القلوبُ وينتشي

وطنٌ هو الحبُ الكبيرُ الأوحدُ

وتسيرُ من نَجدٍ قوافلُ حبّها

فيزيدُ من يهوى ومن يتبغددُ

وتبوحُ بالحبِّ الدفينِ قصائدٌ

فيحنُّ (زريابٌ) وينشدُ (معبدُ)

ويعيشُ ذاكَ الحبُ شيخاً بيننا

هو (مالكٌ) و (الشافعيُ) و (أحمدُ)

وتظلُ نجـدٌ كالحجـازِ كريمةً

فالكحلُ نجدٌ والحجازُ المرودُ

* * *

يا سيّداً في موتهِ وحياتهِ

هذا وداعٌ نارهُ لا تبردُ

فاسألْ قلوباً شَيعتكَ إلى متى

ستظلُ مالِكَها الذي لا يُوجدُ

في الحبِ يشقى العاشقونَ بحبّهمْ

وقلوبُنا الملأى بحبكَ تسعدُ

ستظلُ فارسنا الذي تاريخهُ

يُتْلى على سمعِ الزمانِ ويُسردُ

أسقيتنا لبنَ الإبـاءِ وخَمـرهُ

وتظلُ تسقينا ونحنُ نعربدُ

والعلمُ عندكَ لايـباعُ كغيره

والحقُ عندكَ سيفُهُ لايغمدُ

وتقابلُ الأمجادُ عندكَ بعضها

فلكلِّ مجدٍ عند بابكَ مقعدُ

إن كانَ في علمٍ فكُلكَ عالِـمٌ

أو كانَ في نسبٍ فكُلّكَ سيّدُ

الصفحة السابقة