مركز عدالة: خنق ولادة مجتمع مدني

الحكومة السعودية تعادي قيام مجتمع مدني مستقلّ عنها، في أي حقل كان، ومهما بلغت حاجة المجتمع للجهد غير الرسمي، اي المنظمات غير الحكومية. وعبثاً حاول مجلس الشورى أن يفصّل مشروعاً للمنظمات غير الأهلية، مراعياً مخاوف السلطات الأمنية والسياسية، ويعطيهما سلطات خنق المنظمات إن تجاوزت حدودها، إلا ان المشروع لم يرَ النور حتى الآن، ولازال في أدراج السلطة التنفيذية.

الناشطون الحقوقيون والسياسيون يريدون العمل فيصطدمون بغياب التشريعات التي تجيز لهم ذلك، فلا أحزاب ولا نقابات ولا تجمعات ولا مؤسسات يمكن أن تقوم بدون موافقة السلطة، وهذه الأخيرة ترفض ذلك لأنها في الأساس ترفض ذات العمل والتوجه الحقوقي والسياسي والتطوعي عامة.

وخلال السنوات الماضية جرت محاولات عديدة لتأسيس جمعيات حقوقية وفق المتطلبات الرسمية وليس مصادمة لها، ولكن دون جدوى، وحين يعمل الناشطون تحت يافطاتهم الجديدة وأحيانا بانتظار الموافقة الرسمية ومنح ترخيص للعمل، يتمّ اعتقالهم بحجة تأسيس جمعية غير مشروعة، كما هو الحال مع (حسم) وأخواتها السابقات، أو يتم التحقيق معهم في المباحث وتهديدهم بالاعتقال كما هو الحال مع جمعية الاتحاد لحقوق الانسان، ما اضطرهم للتوقف. وهذا ما دفع بالناشط الحقوقي وليد أبو الخير الى تسجيل مرصده لحقوق الإنسان في كندا، ولكنه لازال يحاكم اليوم بتهمة القيام بأنشطة مخالفة لأنظمة الدولة.

مركز عدالة لحقوق الإنسان، حاول الإلتفاف على الخنق الرسمي، بصرف جهد أكبر لإقناع السلطات بتسجيله رسمياً، وبتجنّب المواضيع ذات الحساسية العالية لدى السلطات، وأيضاً عبر الإصرار على القنوات الرسمية والقضائية لتحقيق مبتغاه. فقد تقدم بطلب تسجيله منذ نحو عامين، ولكنه ووجه بالرفض، فرفع دعوى على وزارة الشؤون الاجتماعية المعنية بالأمر، وبعد تهرّب وغياب ممثلي الوزارة مرّات ومرات وبعد أكثر من سنة ونصف من المحاولات و١٣ مرافعة، تم رفض تسجيل المركز.

وثّق مركز العدالة جميع مرافعاته القضائية والقانونية في موقعه على الإنترنت، كأخبار متتالية منذ بداية طلب التأسيس، ومن ثم اعتراضه على رفض الطلب من قبل وزير الشؤون الاجتماعية بحجة عدم توافق اهدافه مع لائحة الجمعيات الخيرية، مروراً بوضعه كمركز يعمل بدون ترخيص لعام كامل، ثم رفض المحكمة الادارية النظر في دعوى مركز العدالة المقدمة ضد الوزارة؛ وتغيّب ممثل الوزارة من جلسات المحكمة.

لكن في نهاية الأمر، لم تكن الأهداف هي الحجة التي خرج علينا بها المسؤولون في رفض الترخيص لمركز عدالة، وإنما مخالفته للشريعة الإسلامية!

فقد وجدت السلطات أن أفضل طريقة للمنع هي ربط الأمر بمخالفته للدين، وكأن القمع الرسمي حلال شرعاً! وجدت السلطات أن النظام الأساسي لمركز عدالة يتضمن اعتماده من جهة المبادئ والمعايير مرجعية القانون الدولي لحقوق الانسان، والقانون الدولي الإنساني، والمواثيق الإقليمية اضافة الى الأنظمة والتشريعات المحلية ذات العلاقة. وهنا جاء في صك الحكم الرافض لدعوى مركز عدالة ضد وزارة الشؤون الاجتماعية بأن من المعلوم يقينا ان كثيراً من القوانين الوضعية غير موافقة للشريعة، والمملكة دولة اسلامية دستورها كتاب الله؛ وبالتالي فإن الركون لهذه القوانين الوضعية من غير تقييد.. فيه مخالفة للمادة الأولى  من نظام الجمعيات الخيرية.

لكن القضاة الذين نظروا في القضية (صالح المحيسن، ومعاذ خالد التركي، وعبدالمحسن العنزي) يعلمون ان هذا مجرد تلاعب، فالحكومة نفسها وقعت على معظم الاتفاقيات والمواثيق والقوانين الدولية، فهل حلال الحكومة حلال، وحرامها حرام؟

الصفحة السابقة