كذبتَ يا سمو الأمير!

هناك الكثير من الموضوعات الهامّة التي تطرح للنقاش في مواقع سعودية على شبكة الإنترنت، حيث يفصح المتحاورون عن بعض من مكنوناتهم الداخلية وضمن هامش معقول من الحرية، بحيث يمكن رصد هذه الحوارات واعتبارها بشكل عام مؤشراً على اتجاهات الرأي العام السعودي، بأكثر مما تعبر عنه الصحافة والإعلام المحليين.هناك على شبكة الإنترنت، يقوم أفراد ممن يمكن اعتبارهم منتمين الى الطبقة الوسطى العريضة في المملكة بالتعبير عن اتجاهاتهم وميولهم وآرائهم. هؤلاء في مجملهم وكما يبدو من الحوارات العديدة مسكونين بأنواع مختلفة من الهموم الجمعية، لم تجد لها متنفساً في الإعلام المحلي، ولا يمكن طرحها إلا بكثير من الحذر حتى لا يحظر الموقع محلياً، مع أن أكثر المواقع الحوارية السعودية أصبحت محظورة.

ما يهمنا هنا، هو استجلاء للآراء المختلفة بين السعوديين في قضايا وطنية مصيرية بالغة الحساسية. وسنقوم في كل عدد بعرض قضية من القضايا، وآراء المختلفين، الذين لم يجدوا إلاّ مواقع الإنترنت لطرحها على بساط النقاش. الموضوع التالي منقول عن http://bb.tuwaa.com/showthread.php?s=&threadid=21358

* * *

نقلت صحيفة لوس انجليس تايمز الأميركية (3/8/2003) عن الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي قوله ان قرار الاصلاح في السعودية متخذ والارادة السياسية موجودة وللمفاجأة فان هناك توافقا على ذلك. واضاف قائلا للصحيفة: (ان البعض يأتي الى هنا ولديه الانطباع بأن المجتمع يغلي لدرجة الانفجار وان الحكومة تحاول كبح الناس عن الاصلاحات ولكني أرى العكس من ذلك، فأنا أرى الحكومة هي التي تغلي من اجل الاصلاحات بينما الكبح ربما يأتي من الناس).

في حديث الأمير أعلاه كذب وتعالم وتجنٍّ على حقائق وأحداث وأشخاص ومبادرات من جميع ألوان الطيف الإجتماعي والفكري الموجود في هذا المجتمع، سمع بها القاصي والداني! ولن يلام الأمير وهو (يعمم) هذه النظرة على الشعب بأكمله، لأنه يعتقد أن هناك من سيصدقه، وأن هناك من سيقول له : صدقت!

ولكننا هنا نقولها وبملء أفواهنا التي (يبست) من الظمأ، كما يبست هذه الأرض من كلأ الإصلاح والتغيير! نقول له : كذبتَ! أيها الأمير! فالشعب هو الذي يغلي من أجل الإصلاح والتغيير!

والشعب بجميع (ألوانه) مثله مثل بقية شعوب العالم يطمح للأفضل.. ومن الطبيعي أن تجد فيه من يتبع أولئك الذين (وضعتموهم) انتم ليقولوا للشعب ويكذبوا عليه: بأن التغيير سيكون ضد الدين وضد (المذهب) و ضد..(الخصوصية اللعينة)!

وأنت أيها الأمير من أصحاب المسكنات الذين يخرجون علينا كل يوم (بموضة) جديدة.. الهدف منها إمتصاص هذا( الغليان) الشعبي! وامتصاص ردات فعل (المؤسسة الدينية) عن طريق..تجميد (طموحات) الأحرار والشرفاء!

لم لا، ونحن قد تعودنا منكم أنكم لا تستمعون إلا لمن (يلغ) في إنائكم! ولا تستمعون إلا لمن يمسك (الخنجر) وراء ظهره عياناً بياناً!

وإن صدقت الصحيفة الأميركية فيما نقلت عنك هنا فأقول: كذبتَ ياسمو الأمير! كذبتَ!

* * *

ومن هو الذي سيرد عليه في الصحافة الأميركية ويقول له: أنت (تكذب)؟!

هو يعرف أن الشعب وصل الى مرحلة من التدجين، حتى أنه ليحار في أمره، فمن يصدق؟

يصدق الواقع الذي يقول أن قرار الإصلاح لم يتخذ بعد؟ أم يصدق طويل العمر الواجب تصديقه ولو بالقوة؟

* * *

أتدري ما يؤلم أكثر: أن يكذب، ويدري أنه يكذب، وهو يدري أننا نعلم أنه يكذب، ومع هذا يريد أن يصدقه الآخرون وهم يعلمون بكذبه، ثم يصدق كذبته التي أطلقها!

الأجيال القادمة، ستنصب المشانق لنا!

* * *

(ان البعض يأتي الى هنا ولديه الانطباع بأن المجتمع يغلي لدرجة الانفجار وان الحكومة تحاول كبح الناس عن الاصلاحات ولكني أرى العكس من ذلك، فأنا أرى الحكومة هي التي تغلي من اجل الاصلاحات بينما الكبح ربما يأتي من الناس).

أنا شخصيا أوافق سموه نسبيا فيما قال فلدينا أزمة ايدلوجية عميقة وجماعات ضغط غير معلنة تمارس نفوذها وسلطتها الفكرية على الأغلبية لدينا تحت شعارات عديدة كلها ليست لها علاقة بالتشريع بل مرتبطة بعادات وتقاليد وقيم بالية!

ولو لدينا مراكز لقياس الرأي العام لتفاجأت بالنتائج.

وللأسف هناك من يطبل للديموقراطية وتوسيع المشاركة في صناعة القرار ولكنها تظل مجرد شعارات لا يعمل بها شخصيا! ولا يفقه المفاهيم الحقيقية لمعنى الحريات وحقوق الانسان حتى على مستوى اسرته الصغيرة، ولنا في مشاكل الطلبة والطالبات صور ونماذج وكذلك في المستشفيات والمراكز الصحية وقضايا الاسر أمام القضاء، ناهيك عن مراكز الاستشارات الأسرية!

نعم أوافق سموه ان هناك فئات تكبح الاصلاحات وتحاربها بقوة! ومن وجهة نظري الشخصية لن ولن ولن يكون هناك اصلاح سياسي منفصل عن الاصلاح الاجتماعي والثقافي ووعي بقيمة الذات الانسانية والفكرية.

* * *

سأقدم لسموه نصيحة بأن يجعل في حديثه هامشاً من الشك بدل القطعيات في الحديث. ربما، فقط ربما كان هناك مجموعة واحدة كان أعضاؤها وحدهم بنظر سموه لهم قيمة، أما بقية الشعب فهم مجرد مشاهدين للمسرح السياسي ولا يعترف بمواطنتهم.

* * *

أرجو أن لا ينقطع لكم عرق، ممتاز، جيد، شرفاء، أحرار، وكأن الآخرين المختلفين اولاد كلب! متى نترك مفردات البعث و الناصرية و التكفير و الهجرة. هناك من يقول بأن الشعب مدجن من ناحية، ومن ناحية أخرى يقول ان الشعب هو الذي فجر العالم من الشيشان لنيويورك! علمونا بالضبط: هل هو مدجّن أم ماذا، وإذا كان مدجناً، فهل هو مدجن بالقتل والقمع، أم مدجناً بالأمان والخير؟

البعض يرى: اما اصلاح على الطريقة السويسرية أو الشيعية، والا سنزعل أيها الأحرار!

نحن الشرفاء والأحرار لا نرضى أن يمس أحد الاسرة الملكية بأهانات سوقية، وألفاظ شوارعية، سواء رضي الارهابيون اتباع المليونير الهالك ام لم يرضوا، وسواء رضي أشباه (الجلبي) أم لم يرضوا.

الاصلاح سيكون متدرجا وخطوة خطوة، و ببطء، و نرفض التغييرات الهوجاء ارضاء لهذا او لذاك، حتى لو ارادت الاسرة المالكة ذلك (ما عدا الاصلاح المالي والاقتصادي، الذي نريده عاجلا).

صدق الأمير، مع أني افضل لو كان غازي القصيبي بدلاً منه.

* * *

لا يجب أن يتخيل (الأمراء) أن تأسيس مركز للحوار الوطني.. بمثابة بديل للبرلمان، ولا يكون على بالهم تعيين أسماء للحوار من فئات مختلفة.. أن ذلك بديلاً للإنتخابات. ولا يجب أن يفهموا أن الصمت.. معناه الهدوء، فالبراكين والزلازل تظهر فجأة.

* * *

تظاهرة النساء من أجل السماح لهن بقيادة السيارة مضى عليها اثناعشر عاماً. من الذي كبح عمل أولئك النسوة: الدولة أم المجتمع؟ وماذا اتخذت الدولة من تدابير بشأن مطالب تلك النسوة؟

فهل يقول وزير الخارجية كلاماً لا يعنيه؟ ولماذا لا تتفق أفعال الدولة وأقوالها حتى تحظى تصريحات المسؤولين بالمصداقية؟!

* * *

العائله المالكه فيها حمائم وصقور، ولكن فيما يخص سعود الفيصل فهو من اقطاب وقياديي الإصلاح في المملكة، وله تـأثير كبير في إقناع ولي العهد بتبني المنهج الأصلاحي. في المقابل هناك الحرس القديم ويتزعمه سلمان ومعه الطيب سلطان وينفذ مخططاته نايف، وسياسة هذا التيار هي المحافظة على المعاهدة القديمة بين المطاوعة وخاصة المدجنين منهم والمؤسسة الحاكمة.

* * *

يقول الأخ: الاصلاح سيكون متدرجا وخطوة خطوة، و ببطء، ونرفض التغييرات الهوجاء إرضاء لهذا او لذاك!

يمكن الرد عليه بالتالي:

عقلي.. صاحب الفخامة عقلي..

صار يجِّدف في بحر الظلماتْ..

بأقلامٍ تمجِّد الشيطانْ..

تؤلّه الجبروت والطاغوتْ..

في الصحف والمجلاتْ..

في الإذاعات وفي التلفزيوناتْ..

بالقهرِ والعهرِ.. والتلاعب باللفظ والكلماتْ.

(هشام حافظ)

* * *

من متابعتي أنا مصدق انك تغلي، ولكن الشعب يغلي مثلنا فمبالغة لا تليق بحصيف مثلك.

أنا مع القائلين ان الحكومة تريد الإصلاح أكثر من الشعب السعودي، ولكن يديها مكبلتان (وفي الحقيقة ان الحكومة هي من جنت على نفسها). وأذكرك بحادثة الدمج ـ دمج الرئاسة العامة بوزارة المعارف ـ وغيرها كثير.

الحوار الوطني ليس بديلا للأصلاح ولم تزعم الحكومة ذلك ابدا، ولكنه خطوة اوليه ضرورية.

هناك اكثر من علامة على ان عملية الإصلاح قد دارت عجلتها في المملكة بالفعل (الإعتراف بوجود المشاكل من فقر وبطالة وغيرها شيء جديد علينا، وكذلك الحرية النسبية للأعلام رغم الكبوات).

أما حكاية صقور وحمائم، فقد تكون صحيحة، والله يمد بعمر ابو متعب.

وأخيراً، ارجو ان توافقني ان التغيير المدروس وليس البطيء هو الخيار الأفضل.

* * *

فقط : من هم المثقفون والعلماء والفعاليات التي قالوا عنها؟ دعوا (الأمير) يكذب، ويقول ما يريد.. فهو لن يكشف عورته.. إنه يوجه حديثه للخارج.. لكن انظروا إلى النباح المتعالي من صحافتنا وكأن موافقة جلالته (على تأسيس مركز للحوار) صارت أم المكارم.. وكأننا (طبقنا) الديموقراطية 500%. لقد تخطينا الهند وبريطانيا و ليس ببعيد أن نقول أن السعودية صارت أكبر ديموقراطية في الشرق الأوسط!

يا وجعنا استمر.. استمر..

* * *

هذا الامير المستهلك يشفق لحاله بالفعل!

لم يعد امامه الا القول بان الشعب ضد الاصلاح!

ولم يفصح بالحقيقة التي لم تعد تخفى على أحد بان من يقف ضد الاصلاح هم اصحاب النفوذ الكبار وليس الشعب!

ولكنه الفشل في تسمية الاشياء بأسمائها الصحيحة والقفز على الحقائق.. وقد نسمع أن تنطيم القاعدة هو العقبة المفترضة والمصطنعة لهذا الاصلاح المزعوم!

* * *

كيف استطاع صاحب السمو أن يعرف بأن الشعب( لا يغلي)؟!

سأقول لكم كيف.. وإنطلاقاً من قناعات المسئولين لدينا، والتي صدقها البعض، ووقف البعض عندها كثيراً.

لدينا يا صديقي أزمة ايدولوجية عميقة. من خلق هذه الأزمة؟ المسئول يقول: الشعب!

ولدينا جماعات ضغط غير معلنة تمارس نفوذها وسلطتها الفكرية على الأغلبية لدينا تحت شعارات عديدة كلها ليست لها علاقة بالتشريع بل مرتبطة بعادات وتقاليد وقيم بالية!

ترى من أسس تلك الجماعات؟ المسئول يقول: الشعب؟ من بارك خطواتها؟ ومخططاتها؟ المسئول يقول: الشعب؟

ولو كانت لدينا مراكز لقياس الرأي العام لتفاجأنا بالنتائج! حسنٌ: لماذا ليس لدينا مراكز قياس للرأي العام؟ المسئول يقول: الشعب لا يريد؟ وفي هذه النقطة بالذات.. هل تتذكرون العريضة الموقعة من 104 من أبناء هذا الوطن، وماتبعها من أحداث.. أحد نتائجها كان (حجب) منتدى طوى، مثلاً؟

هل تتذكرون الموقع الذي أنشأه زميل عزيز علينا هنا لجمع التوقيعات التي تؤيد هذه العريضة، وقام الأخ فارس بن حزام بنشره، وساهم أخ آخر بتفعيله هو وكثير من الأحبة هنا؟

لو إعتبرناها جميعاً أو بعضنا مقياساً للرأي العام هنا! فسنكتشف حينئذ أن صاحب السمو يكذب!

ولو أخذت الدائرة الإجتماعية التي حولي أنا كمثل، وأنا متأكد أنها موجودة حول أكثر من أخ وأخت هنا.. ماذا سنكتشف؟ بالنسبة لي: أكثر من النصف (يغلون) كالمرجل على أوضاع هذا البلد! ويغلون من أجل الإسراع بالإصلاح! والمشاركة السياسية! او الإجتماعية! كل في مجال إختصاصه ورغباته!

إذن، ومن هو مثلي.. فماذا سيقول لمسئول يعتبر (جماعات الضغط) أعلاه هم الشعب فقط! ويتناسى العرائض التي قدمت! والمبادرات التي.. نحرت تحت أقدامهم! والمضايقات التي نالها البعض بسبب تلك المطالب!

وبيننا الآن من هؤلاء الكثير! أليس هؤلاء من الشعب؟ هل يستطيع هذا الأمير (السامي) أن يصرح بأن هناك عرائض ومبادرات قدمت للأمراء، وأنهم ينظرون فيها الآن!؟

أتحداه! واتحدى من يطبل له! نعم أوافق سموه ان هناك فئات تكبح الاصلاحات وتحاربها بقوة! ولكن.. هل هؤلاء هم الشعب (كله)! أم أنهم (الصوت الأعلى) نهيقاً، وصراخاً! وإمتيازات!

ختاماً..

أنا لا أقول بأن الشعب (كله) يغلي.. فلن أقلّد الأمير! فالشعب يغلي! بطرق كثيرة أتمنى أن تحسوا بها! ولا أقول بأن الحكومة كلها تغلي!.. فأطبل لمن لا يستحق! لأن الشيء الوحيد الذي يغلي في الحكومة هو (دلال القهوة الصفر)!

يقول البعض: الإصلاح لا بد أن يأتي مدروساً! وبسرعة! فلا مجال.. للكسل!

أنا أقول بأن الأغلبية الصامتة لديها ما تقوله الآن!

هل فهمتم ياأصحاب المعالي والفضيلة والسمو!؟

* * *

أحد الإخوة لا يريد إصلاحات على طريقة جلبي!

ومن منّا ذكر الجلبي أو اللبلبي؟ أم أن المسألة مجرد تعريض بالشيعة؟

والأخ ذاته يريد إصلاحات تدريجية! ما شاء الله عليك! أعطني خطوة واحدة اتخذتها الحكومة في سبيل هذه الإصلاحات؟

ثم ماذا تسمي إصلاحات الكويت وقطر وعمان والإمارات والبحرين؟ هل هي قفز؟ ام تدرج؟

الجميع سوانا منشغل بالإصلاحات.. لأننا أصلا لا نريد اعطاء هذا الشعب اي صلاحية يقف بها أمام (كلمة الشيوخ أبخص).

فالمسؤلون عندنا هم وزراء للأعلام والنفط والداخلية والسياحة والتراث وفوق هذا هم علماء اجتماع ومصلحون بل وحتى مفتون.

باختصار: أمقت الأبواق والمطبلين.

* * *

حسنٌ يا سمو الأمير: ما هي الإصلاحات التي (نوت أو تنوي) الحكومة إتخاذها فعارضها الشعب في ذلك؟

أرجو ان لا (ينط) لي بعض المتفيقهين ليتكلم عن اشياء بديهية -كما ذكر احدهم في غير موقع- مثل بطاقة المرأة معتبرا اياها خطوة اصلاحية! تصوروا! في بلد مثل بلادنا يعتبر البعض ان اصدار بطاقة للمرأة خطوة اصلاحية!

الله يرحم أيام النيجر وغواتيمالا!

* * *

لم يكذب سمو الأمير، واعتقد أن غواية المفردة استدرجتك إلى ما لا تقتنع به. في مجال الإصلاحات: الحكومة متقدمة على الرأي العام بشكل يراه حتى الأعمى! وهي تسير عبر حقل الغام من المعارضة والتشكيك؛ بل أن غالبية الشعب تتحفز وتنتظر لتعارض أي قرار إصلاحي قبل صدوره! لو كان الأمر بيد الحكومة لما كنا بهذه الدرجة من التخلف والتقوقع!

* * *

لم يكذب سعود الفيصل، ولا يستحق أن تقول عنه ذلك.. ومن الإنصاف أن نقول أن حملة الفكر الليبرالي يميلون إلى الدعة والسكون ويفرون من المواجهة، فيما يتسيد الفكر الإرهابي الساحة ويفرض اجندته على الدولة وانظمتها. هذه هي الحقيقة المرة.

* * *

نعم صدق سعود الفيصل بهذه الجملة(المُجرّدة)!

لكن عند وضع هذه(الجملة الصحيحة بذاتها) في السياق التاريخي.. نجد ان هذا وضع الكره في ملعب الحكومة (والاسرة الحاكمة) بالذات! فهي التي تتراجع عن الاصلاح رغم رغبتها الشديدة في ذلك، وأعتبره جُبناً.. ومادامت الرغبة موجودة عند الحكومة والقدرة كذلك.. فلا نريد مزيدا من الاعذار او التراخي!

تمنيت لو كنت موجودا مع الصحافية الغربية التي سألت الأمير سعود، حتى اطرح السؤالين التاليين على سموه:

أولا: اين كان هذا (الفرن) او (اسطوانة الغاز) مخبئة طوال السنوات الماضية التي كانت حكومتنا الرشيدة أثنائها تصبح وتمسي على البرود؟

ثانيا: هل يعترف سموه بالخطأ الجسيم الذي ارتكبته الحكومة طوال السنوات الثلاثين الماضية بعدم اخذها بأسباب الاصلاح السياسي والاجتماعي؟. من الذي يجب ان يتحمل هذه السنوات الكثيرة الضائعة؟ والتي لو تم بها الاصلاح لتم اختصار (بل وربما سد الباب) كثير من مشاكلنا المتنوعة التي نعاني منها؟

* * *

وددت أن أضيف رأياً ليس جديداً هنا، وإنما هي ملاحظات وتساؤلات:

اولاً ـ من عادة الأنظمة الديكتاتورية أن تبرّر تقاعسها عن الإصلاح بالقول أن شعبها متخلّف، وأنه يقف ضد الإصلاحات، أو أنه غير مهيء لها، ومثل هذه العبارات سمعناها من أنظمة كثيرة، ولكن الحكومة السعودية لاتزال تصرّ عليها، مع ما تنضوي عليه من إهانة مباشرة الى الشعب بأنه متخلف ولا يفيد فيه التعليم، إذ لو كان آل سعود يحترقون فعلاً أو يغلون! من أجل الإصلاحات، لكانوا علّموه كيف أن الإصلاحات مفيدة له! ولكانت صحافتنا المحلية مضت في التنظير لتلك الإصلاحات. ولكنها مجرد ذريعة تريد أن تقول للأميركيين بأن العائلة المالكة إصلاحية، وأن الشعب قطيع من الهمج والمتطرفين والجهلة والمتخلفين الذين لا يستحقون منكم الدفاع عنهم أو الضغط علينا من أجلهم!

ثانياً ـ جملة الأمير هي احتجاجية على الغربيين الذين يرون أن الشعب يغلي! مطالباً بالإصلاحات، وهو يقول لهم لا الشعب ليس مهتماً بالإصلاحات، ولن تكون هناك آثار سلبية على هذا الغليان!، وراح يزايد بأنه إن كان هناك من يطالب بالإصلاح فلن يعدو سوى الإمراء.

لا شك أن ليس كل الشعب يغلي، ولكن معظم الشعب متألم من وضعه سواء كان صحياً او تعليمياً أو وظيفياً أو غير ذلك، ومن منا ليس مصاباً بمشكلة من المشكلات الكثيرة التي تواجهنا، وأكثر الناس يرون في الإصلاحات المتعددة الجوانب الإقتصادية والسياسية وسيلة لتحسين وضعهم لذا فهم معنيون بالأمر مباشرة. فالقضاء على الفساد وإصلاح الجهاز الإقتصادي، ووقف تعدي الأمراء على الأراضي العامة وعلى النفط المتقاسم بين كثير منهم، إنما يعني تحسيناً لوضع الأغلبية من الشعب. ولذا فإن حصر الإصلاحات بجماعة محددة غير صحيح. وقد يكون حل المشكل الإقتصادي غير ممكن بدون حل الموضوع السياسي فما لم يكن هناك إصلاح سياسي لن يكون هناك إصلاح إقتصادي، فالإصلاح عملية متراكمة يدعم بعضها بعضاً. الإصلاح في التعليم يصلح التوظيف والإصلاح السياسي يفتح الملفات الإقتصادية الساخنة، وحرية التعبير وتناميها تفتح النوافذ السياسية، وهكذا.

ثالثاً ـ لا يوجد في العائلة المالكة من يقف مع الإصلاح باستثناء الأمير عبد الله وطلال الى حد ما. هذا ما نعرفه. أما التيار السديري المسيطر فهو ضد الإصلاحات بكل عنف. أما أن سعود الفيصل إصلاحي ويدعم عبدالله، فمن يقول عن شعبه أنه جاهل وأدنى مستوى من جيرانه ويحتقره بتلك العبارات التي نشرت، فلا أظنه يتمتع بشيء من المصداقية فضلاً عن أن يقبل الإصلاحات. وفوق هذا فآل فيصل جميعاً شخصيات ضعيفة في صناعة القرار السياسي للبلاد.

رابعاً ـ لا توجد شرائح في المملكة لا تريد الإصلاحات إلا بعض السلفيين المتطرفين، وهؤلاء يعتقدون بأن الإصلاحات ستسحب البساط منهم، وستدخل لاعبين جدداً لا يرضون عنهم إما لكونهم علمانيين أو روافض! وهنا هم يتفقون مع الجناح المتطرف في الحكم. وهذا أحد أوجه تفسير العلاقة بين التيار السلفي والأمير نايف الديمقراطي جداً!

* * *

الصفحة السابقة