هل تغيّرت الحكومة أم تغيّر دينها؟

هناك الكثير من الموضوعات الهامّة التي تطرح للنقاش في مواقع سعودية على شبكة الإنترنت، حيث يفصح المتحاورون عن بعض من مكنوناتهم الداخلية وضمن هامش معقول من الحرية، بحيث يمكن رصد هذه الحوارات واعتبارها بشكل عام مؤشراً على اتجاهات الرأي العام السعودي، بأكثر مما تعبر عنه الصحافة والإعلام المحليين.هناك على شبكة الإنترنت، يقوم أفراد ممن يمكن اعتبارهم منتمين الى الطبقة الوسطى العريضة في المملكة بالتعبير عن اتجاهاتهم وميولهم وآرائهم. هؤلاء في مجملهم وكما يبدو من الحوارات العديدة مسكونين بأنواع مختلفة من الهموم الجمعية، لم تجد لها متنفساً في الإعلام المحلي، ولا يمكن طرحها إلا بكثير من الحذر حتى لا يحظر الموقع محلياً، مع أن أكثر المواقع الحوارية السعودية أصبحت محظورة.

ما يهمنا هنا، هو استجلاء للآراء المختلفة بين السعوديين في قضايا وطنية مصيرية بالغة الحساسية. وسنقوم في كل عدد بعرض قضية من القضايا، وآراء المختلفين، الذين لم يجدوا إلاّ مواقع الإنترنت لطرحها على بساط النقاش. الموضوع التالي منقول عن منتدى الساحات السلفي:

http://alsaha.fares.net/sahat?128@230.8WolhzdHL8L.1@.1dd48fe5

* * *

هل كان دين القيادة السعودية صحيحا وقامت بتغييره أو تقوم بتصحيحه الآن.. أم ماذا؟ السعودية قامت كحكومة ونادت بتطبيق شريعة الإسلام ودعمته فعلا.. ولن ندخل في نوايا هذا التنادي هل هو لنصرة الدين فعلا أو لليقين بأن هذه البلاد لا يحكمها إلا راية الدين.. لكننا سنأخذ بالظاهر. لكن ما أردت الحديث عنه الآن هو شعورنا بأن هناك تناقضا ما بين الحاضر والماضي.. هذا الشعور شعور حقيقي لأحداث واقعية ملموسة. هل كان التطبيق في السابق خطأ والآن نقوم بتصحيحه.. أم كان صحيحا ونقوم الآن بمخالفته.. أم هو صحيح في ذلك الوقت وصحيح في هذا الوقت؟ بمعنى آخر: لماذا هذا التغيير وما حقيقته؟ لماذا بالأمس كنا نحارب أشياء بإسم الاسلام.. واليوم ندافع عنها بإسم الاسلام؟ الأمثلة كثيرة في هذا المجال في الاعلام والتجارة والمعاملات وما يتعلق بالنساء. فلماذا يحصل هذا التغيير؟ إن أخذنا بظاهر العمل لما تقوم به الحكومة السعودية فإننا وحسب ما تعلمناه في مدارسنا ومن علماء السعودية بأن ما تقوم به الحكومة السعودية في بعض القرارات هو إقصاء للدين وليس لنصرة كلمة الله. هل التطبيق في ذلك الوقت كان مناسبا لترسيخ الحكم، في حين ينسجم تفسير ما يحصل في هذا الوقت مع ما حصل في السابق؟ أم إنها فعلا كانت تفهم الاسلام خطأ وأن الحكومة السعودية انجرفت وراء علماء ضيقوا واسعا وحجروا على الناس فحرموا حتى التطيب لدرجة أن الطيب يعد من النجاسات في وقت سابق؟ هل نحن كشعب وحكومة وقعنا ضحية تضييق كان ردة فعل لما كان يحدث في ذلك الزمان من انتشار الشرك والبدع.. أم وقعنا ضحية لخطة محكمة لترسيخ الحكم.. ام إن حقيقة الإسلام أوسع مما تم تصويره وتعليمه لنا؟

لا نريد طبعا التشكيك في ديننا.. لكننا نريد معرفة عمق العلاقة بين حكومتنا وديننا وبيننا وديننا. هل للغلو في المذهب الحنبلي تأثير بحيث يكون التشدد السابق إمتداد لهذا الغلو؟ هل إختلاط العادات والتقاليد التي يتعصب لها أهل نجد خاصة بالدين أثر فيما حصل؟ هل تمثل هيئة كبار العلماء في وقتنا الحاضر نموذجا لعلماء نجد الذين اتبعوا فيما مضى الشيخ محمد بن عبدالوهاب؟

* * *

ليس لدي شك بأن المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله كان صادقا في دعوته وخدمة الإسلام وكان متدينا محافظا ولا أبالغ عندما أقول بأنه أعظم قائد عربي معاصر. ولعل من توفيق الله له أن تبنى الإسلام منهجا. ثم أوكل التطبيق إلى المؤسسة الدينية وأحسن الظن بها. وهنا لا بد من الإقرار بأن المؤسسة الدينية هي التي تولت التطبيق المنهجي في التعاملات والعبادات والمناهج. ولا بد أن نتذكر أن هذا أعطى المؤسسة الدينية ثقلا كبيرا جعل الجميع بما فيهم القيادة السياسية يغضون الطرف عن أخطائهم. وبرغم أن المؤسسة الدينية تميزت بالورع إلا أن الجيل الأول مضى وبقي حسن الظن هو الضمانة الوحيدة لسلامة التطبيق. وقد كانت المؤسسة الدينية شبه معزولة عن الحياة العامة والناس تعتمد على بعض المريدين في إمدادهم بالمعلومة. ولهذا جاء علمهم في شؤون الدنيا نزر وخاطئ في بعض الأحيان وبدت في بعض الأحيان أقرب إلى الجهل في رفضها لحقائق علمية منها أن الأرض تدور وأنها دائرية وأنه يمكن معرفة جنس الجنين..الخ.

ومع الوقت اكتسبت المؤسسة الدينية قدسية تحرم المساس بها أو بشيء من اختصاصها حتى لو كان عوارا واضحا. ولنضرب مثالا على تعليم البنات فبعد أن قيل أنه حرام وأن من دفع بمحارمه للتعليم فهو ديوث، أصبحت المؤسسة الدينية هي المسؤولة عن تعليم المرأة. وكانت في يوم من الأيام وحل فساد لا يتم التعيين فيها إلا برشوة من مال أو عرض ولم نشاهد هذا الفساد الإداري في تعليم الأولاد إلا على نطاق ضيق جدا. ولك في القضاء وبعض فضائحه مثال آخر. أضف إلى ذلك كما أشرت أن كثيرا مما يمكن أن يطلق عليه عادات اجتماعية أصبح من ثوابت الدين.

الواضح أن التطبيق للمنهج الإسلامي لم يخلو من أخطاء وهذه مسؤولية المؤسسة الدينية. واليوم يعتبر التغيير ضرورة لأن النتائج كانت سيئة في أغلب تطبيقاته.

* * *

لي سؤالان: هل تعني بأن دعوة الملك عبدالعزيز صادقة أي أنه رفع راية الدين لنصرة الدين فقط وليس لأي مكاسب سياسية.. بمعنى أنه لم يتخذ تبني الإسلام وسيلة للوصول إلى الحكم؟ هل لو أخطأت المؤسسة الدينية فيما هو مخالف لمصلحة الحكومة وكان له وجه شرعي فهل كانت القيادة السياسية ستسمح لها أم ستتدخل؟ فإن كانت ستتدخل فلماذا لم تتدخل ضد التطبيقات الخاطئة الأخرى؟

* * *

الملك عبدالعزيز مؤسس الدولة السعودية الحالية لم يخرج كرجل ينشر الإسلام او ليجدد او ليقرر الدعوة من عدمها. الملك عبدالعزيز خرج من الكويت ليستعيد ملك اجداده في الدرعية ويريد محاربة ابن رشيد وقصته في الإستئذان من والده عبدالرحمن قصة مشهورة وفي الكثير من المصادر ولا عيب في ذلك. وحينما دخل الرياض كان يريد ملك أبيه وجده ويريد بناء الدولة وإلا لما قتل ابن عجلان عامل إبن رشيد، فهل كان ابن عجلان مشركا او كافرا او يحكم بغير شرع الله. بل هو تنافس على الدولة وهو منهج يتبعه كل مؤسسي الدول. كانت الظروف مواتية لعبدالعزيز ليقيم دولته واستغل الظروف بذكاء وعبقرية مفرطة. فتوجه الى الحجاز بعد فرقة الأشراف والثورة العربية التي أضعفتهم. ومن ثم كان إهتزاز بريطانيا العظمى وتحالفها معه ضد العثمانيين في الجزيرة مما جعلها لا تتصادم معه في الأقاليم الشرقية وان حاولت ذلك، ولكن إتفاقية العقير الشهيرة كانت فاصلة ووحد الملك عبدالعزيز دولته وان كانت بريطانيا انذاك ترى ان حدود دولة عبدالعزيز هي من رسم حدودها او ان حدودها لا تطعن الخطط البريطانية.

اما تصادم الملك عبدالعزيز مع الإخوان وهم جنوده السابقين فسببه ان تجييش هؤلاء في البداية كان تحت ستار ديني ليصل عبدالعزيز الى توحيد الدولة بأقصى حد ممكن. ولي دليلان الأول إن دخول الملك عبدالعزيز لمكة المكرمة وطرد الأشراف منها كان بمساعدة خالد بن لؤي الشريف فهل كان خالد مسلم أم مبتدع. ثانيا كلنا يعلم ان الملك فيصل بن عبدالعزيز دخل الحديدة واستولى عليها فلماذا تراجع منها الجيش السعودي، وهل يجب نشر الإسلام فقط الى جيزان حتى تبوك ومن جدة إلى الخبر. هنا جاء انقلاب الأخوان على الملك لانهم يرون انه يريد تغيير المباديء التي زرعها فيهم.

ما يحدث الآن هو في الحقيقة إنحناء أمام العاصفة الأمريكية ومحاولة ضرب التيار الديني لكي ترضى أمريكا. وما فتنة المطاردات وتوزيع وتلفيق تهم الإرهاب إلا للإبقاء على الكرسي وليست من اجل دين او من أجل الحفاظ على أمن فالشعب السعودي لم يقتل بعضه بعضا والمستهدف هو العدو الأمريكي. الحكومة تهاجم الوجود الامريكي في العراق وتصف أمريكا بالمحتل ولكنها تمنع وتحرم وتشدد على منع من يريد من السعوديين ان يشارك في محاربة الأمريكان في العراق مما يخلق إزدواجية.

* * *

لا أرى تعارضا بين نصرة الدين وطلب الحكم. ألم يقل المهاجرون للأنصار منا الأمراء ومنكم الوزراء. ألم يتقاتل الصحابة وكل يرى أحقيته بالخلافة؟ أما الملك عبد العزيز فقد كان معروفا عنه صدقه في نصرة الإسلام ولم يتنكر له بعد تمكينه بل لقد دعمه ودعم مؤسساته. ولقد كان معروفا عنه هدفه السياسي كذلك ولم يتنكر له. أول انحراف لبس ثوب الدين هو ما حدث في السبلة وتم استئصاله. برغم أنه تجاوز عن بعض أخطائهم التي سبقت السبلة. ولكنه تجاوز صحبه النصح وتوسيط الوسطاء من قبل الملك عبد العزيز. ولقد أدركت المؤسسة الدينية دورها فكرست فقه طاعة الوالي لعلمها بأن الوالي يكرس هيمنتها. ولقد كان هناك تعارضات متكررة مثل تحريم البرقية وغيرها تم تجاوزها بسهولة. أما لماذا سكتت السلطة السياسية عن أخطائهم فلست مبالغا إن قلت حسن النية والمصالح المتبادلة.

* * *

الموضوع ليس موضوع هل كان دين الحكومة صحيحا وقامت بتغييره أو تقوم بتصحيحه الآن. ولكن المشكلة نشأت من إسناد الأمر إلى غير أهله. لقد قفزت إلى إدارة الدوله، وكافة شؤونها فئة لا شافع لها إلا انتسابها لمنطقة نجد والقصيم بالذات، وتولى أمر الدولة، العام والخاص، هذه الفئة من الناس التي اجتهدت الدولة في ترسيخها وإحلالها محل رجالات الدولة الذين كان لهم باع طويل في النهوض بها، كما أغدقت على أتباع تلك الفئة وعلى مناطقهم الأموال الطائلة، بحيث أصبحوا هم أثرياء المملكة والمتحكمون في أمر تجارتها وأراضيها وخلافه، وتولوا على قلة زادهم وضعف بضاعتهم أمور الدولة بدءا من الوزارات مرورا بالقضاء والتعليم والإمامة في الحرمين الشريفين وغيره من المساجد وأغلب مناصب ووظائف الدولة، وتم خلال هذه الحقبة نقل وزارة الخارجية إلى الرياض، كما تمت سعودة أو بالأصح تنجيد مؤسسة النقد، ونقل مركزها الرئيسي إلى الرياض، وكذلك الحال بكثير من المصالح الحكومية الأخرى، وتم بث العنصرية بشكل علني، فسموا أهل الحجاز طرش بحر، ولا يصح أن يرأسوا طوال الشوارب من أهل نجد حتى لو كانوا لا يفقهون شيئا، وأطلقوا على أهل الجنوب صفر سبعه، وأنهم أصلا من اليمن فلا يحق لهم التمتع بما حباه الله لهذه البلد من ثروة، إحتكروها هم دون الآخرين. أما أهل جيزان ونواحيها فهم لا يعتبرونهم بشرا أصلا، والمنطقة الشرقية شيعة ومن وجهة نظر متدينيهم أطلقوا لمن يخالفهم في المذهب نعوتا، فأهل الحجاز صوفية، وهكذا. إن الخلل الذي قاد المملكة إلى ما هي عليه اليوم، ليس تبنيها منهجا مذهبيا معينا، ولكن الخلل جاء من تولية أمر إدارة الدولة إلى أناس لا خلفية تعليمية أو حضارية أو إنسانية أو ثقافية لديهم. بل أناس يملؤهم الحقد والعنصرية من رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم، الأمر الذي أعاد المملكة للخلف عشرات الأعوام.

* * *

الحكم السعودي من بداية الملك عبدالعزيز لم يتخذ الدين الا وسيلة من ضمن الوسائل المتاحة للتخلص من الخصوم خاصة مع القوة الضاربة لقوة الاخوان. الملك استخدم هذه القوة بكفاءة عالية حتى انتهت مهمتها بالقضاء على جميع اعدائه فقضى بعدها على الإخوان بالتعاون مع البريطانيين. مسالة قيام الاسرة السعودية على اساس ديني لا اساس له من الصحة لا من قريب ولا من بعيد والدليل تحالفه مع اهم دولة عدوة للاسلام والمسلمين في ذلك الوقت وهي بريطانيا ومحاربته لتركيا الاسلامية.

القلة من رجال الدين يمكن اعتبارهم علماء وذوو احلام ونهى، ولا أعتقد انهم يزيدون عن عدد اصابع اليد الواحدة وبكل اسف كان العديد منهم تبرزه الدولة لغرض في نفسها. المؤسسة الدينية للاسف تسير على منهج الاحوط والتحوط والتشدد الى درجة كبيرة حتى انهم شطوا في ذلك كثيرا والى حد بعيد فارهقوا غيرهم وارهقوا هم انفسهم.

المفارقة ان نفس هؤلاء العلماء لهم جانب لين غريب ومفرط الى حد كبير مع الاسرة الحاكمة مما اوجد نوعا من التناقض وقلة في مصداقية المؤسسة الدينية اضافة الى انها اثبتت للجميع انها بعيدة عن رأي الشارع وتطلعاته بل في احيان كثيرة هي تقف ضد هذه التطلعات وضد هذه الرغبات والحقوق الشرعية للمواطنين.

* * *

لماذا علاقة المؤسسة الدينية بالحكومة علاقه مرؤوس ورئيس او علاقة محامي بموكله فالمؤسسة الدينية لدينا في الوقت الذي تمارس التشدد في خطابها للمجتمع، هي التي تبرر تصرفات الحكومة فهي لا تحلل الا ما تجيزه الحكومه وتحرم ما تمنعه الحكومة. هل هذا هو الشرع؟

* * *

أنا اميل الى أن التشدد القائم لدينا يمكن تسميته بالوهابية فهو تشدد متناقض، اضافة الى ان بعض العلماء تجد لديهم نوعين من الفتيا للموضوع الواحد احدهما خاص والاخر عام بل لن تستغرب ان تجد مفتيا يساله سائل على الهواء مباشرة عبر احدى القنوات ويقول للسائل اتصل علي مباشرة بعد الحلقه لاعطيك الجواب، مع ان السؤال عام وليس خاصا ولكن هذا المفتي لايريد ان يسمع الناس اي نوع من الرخص والترخص وكأن بعضهم احتكر الدين لنفسه ولخاصته. نحن الان مقبلون على ما يمكن ان يسمى ثورة انقلابية للكثير من المفاهيم والمسلمات خاصة مع محاولة البعض من رجال الدين السذج ولاهداف لاتخفى على عاقل جعل العادات والتقاليد جزءا من الشرع .

* * *

منذ تحول الحركة الوهابية الى حركة سياسية وهي تستعمل الدين لتحقيق رغبات ومصالح سياسية. الان هناك الضغوط السياسية الخارجية والداخلية، وسلاح الدين انقلب على حكومة المملكة فهي حبيسة فكرها القديم وشرعيتها القديمة. الحل هو المشاركة الشعبية الحقيقية في الحكم لكي لا تكون الحكومة حبيسة الفكر والتاريخ الوهابي.

* * *

العلاقة الخاصة التي ربطت بين الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب والامير المؤسس للدولة السعودية الاولى محمد بن سعود رحمهما الله كانت علاقة تأسيس بين شيخ مجدد وأمير موحد وكانت هذه العلاقة مبنية على اساس قوي هو تصحيح العقيدة ونصرة الاسلام الصحيح وفق ايدولوجية محددة تتوافق مع الزمان والمكان والظروف الاجتماعية والسياسية السائدة وقتها اذا ما اخذنا بالاعتبار ان هذه الاحداث كانت في القرن الهجري الحادي عشر وقد مضى عليها اكثر من ثلاثة قرون. وإذا كانت تلك العلاقة الثنائية التي كانت بين الشيخ والامير وفق أيديولوجية معينة وفهم محدد صالحة قبل قرون فلا يعني أنها صالحة للقرن الحادي والعشرين بشكلها الجامد وخصائصها الفكرية والثقافية الخاصة بزمانها ومكانها والظروف المحيطة بها والعوامل المختلفة والسائدة وقتها.

* * *

أرى ان حكم الملك عبدالعزيز لم ينطلق من خلال نصرة الدين ولكنه رجل فطين وذكي قرأ تاريخ الامم وعلم انه لا بد من مبداء ينطلق منه لاسترداد ملك ابائه واجداده ولم يكن ينفع في الجزيرة العربية غير الدين، لهذا كان مطية الحكم. وقد ورد في مجلة الدارة العدد الثاني لعام 1403هـ أن أحد بنود الاتفاق بين الملك عبدالعزيز والحكومة البريطانية ينص على ان لا يتم تعيين حاكم للبلاد لا تكون الحكومة البريطانية راضية عنه وهذا يعني ان الاسلام كخيار للدولة مستبعد ولن يكون الحكم في رجل يعرف بالتدين.

* * *

قامت الدولة السعودية الاولى الجهادية السلفية على المؤازرة بين الدين والسيف فسعدت واسعدت البلاد والعباد وتبعتها الثانية وكذلك الثالثة، ولكن الذي يجري ليس اصلاحا وانما هو افساد، شئ منه هوى وشئ منه ضغوط صليبية بالتعاون مع اوليائهم العلمانيين.

* * *

المملكة وهي تتخذ من الاسلام منهجاً في الحياة والتعامل لا تسطيع العيش في معزل عن النظم الدولية ولا تستطيع التفرد بقرارات فردية دون النظر الى ميزان المكاسب والخسائر، ولعل واقع الحال الان يفرض علينا ان نكون في موقف تقديم التنازل لكي تستمر المسيرة، فضيق هامش المناورة السياسية مع الغرب يحتم علينا حني روؤسنا للحظات لاستيعاب هذه المرحلة الحرجة. هذا بخصوص الاتفاق على ان الاسلام قابل للبقاء وانه مشروع حضاري يمكن له استيعاب المتغيرات الدولية بمرونة لا تفقدة الجوهر.

المؤسسة الدينية تسير وفق التطور الطبيعي لقانون التغيير واعتقد ان الحال لن يقف عند هذا الحد فكما وقفت في وجه تعليم الفتيات في المملكة مع بداية التأسيس، تقف الان في وجه قيادة المرأة للسيارة لذات السبب، واعني لعدم النضوج في هذه القضية، وسوف يأتي زمن نستغرب فية من ان احداً وقف ضد هذا القرار واعني قيادة المرأة. أما اسباب تشوش الصورة كما اعتقد، فهي:

اولاً: تقوقع المؤسسة الدينية على نفسها وعدم انفتاحها على الحياة مما جعلها فاقدة الحضور بل تعدى الامر ذلك الى تحولها لعالة على تطور المجمتع تقيس الامور وفق منظور لاهوتي بعيد كل البعد عن العلوم الحديثة والمنجزات العصرية.

ثانياً: تصرف بعض الجماعات الدينية في المملكة على شاكلة الجماعات الدينية في اوربا القروسطية من خلال التعامل بمبدأ احتكار الحقائق والتفرد بشئون الدين وكل ماله علاقة بالله ورفض الواقع والعلوم والتطور والشعور بالانتداب لحفظ القيم والفضيلة.

ثالثاً: مسايرة المؤسسة السياسية للمؤسسة الدينية بل تدجين الاخيرة وفق مقايضات لا اريد الخوض فيها ولكن يمكنني ان اقول استثمار طويل الاجل من قبل الحكومة في المؤسسة الدينية ومنحها اكثر مما تستحق.

رابعاً: ارتباط الفكر الديني بالخريطة الجغرافية للمملكة وتفرد مناطق بالانتداب لأمور الدين مما ساهم في اختلاط الاعراف السائدة في تلك المناطق بالدين حتى ظهر دين في سياق فكري اجتماعي عرفي يخلط اعرافه بالدين ويخرج بقطة منحوتة.

* * *

كنت أتمنى لو انك أفسحت في الحوار مجالا لاصحاب الفكر الآخر كي يشاركوا ويطرحوا مرئياتهم حول مستقبل وطنهم، لا أن تقصر النقاش على (أعضاء مجلس تشخيص مصلحة النظام) الذين اخترتهم بعناية، ربما لانهم يتفقون معك في المنهج والفكر والرؤية! أتمنى أن تدرك ويدرك الاخوة الآخرون أن مجتمعنا واسع ومتنوع جدا ويضم بين أركانه وجهاته تيارات مختلفة ومذاهب فكرية ودينية متعددة خلافا لما يعتقده البعض، فمن الافتئات على الواقع إذن أن يتصدى لمناقشة الشان الوطني العام أشخاص لا يمثلون إلا تيارا واحدا في الساحة قدر له أن يكون هو المهيمن على ما عداه بفضل الدعم والتمكين الرسمي، ومن العسف وعدم الموضوعية أو المنهجية أن تهمل بقية التيارات والأطياف الأخرى وتستبعد من دائرة الحوار!

أين الاخوة الشيعة من نقاشكم، بل وأين إخواننا الآخرون من المالكية والشوافع والاسماعيلية؟! أليسوا هم أيضا اخوة كرام يشاركوننا هموم الوطن وتشغلهم هم أيضا وبنفس القدر وربما اكثر هموم الحاضر ومشاغل المستقبل؟! ثم هل هموم المتحاورين هنا، أي الاخوة الأعضاء الحصريين في مجلس تشخيص مصلحة النظام، هل همومهم هي نفس هموم الاخوة الليبراليين والحداثيين والعصريين وغيرهم من الداعين إلى تحديث المجتمع والأخذ بأسباب التقدم والرقي والحضارة؟! ألا يكون الحوار اكثر ثراء وجدوى وفائدة بوجود أشخاص مختلفين ومتنوعي الأفكار والتوجهات والمشارب لكنهم في النهاية ينتمون للوطن نفسه ويشتركون في نفس الهدف وذات الغاية؟!

للأسف عندما رأيت العنوان وقرأت المقدمة أدركت أن مشكلتنا العويصة والأزلية في هذا المجتمع هي آفة الإقصاء ونفي الآخر المختلف، وهو مرض يبدو انه ليس مقتصرا على التيار المتشدد من السلفية وانما تبدو أعراضه وعلاماته واضحة حتى عند التيارات السلفية الأخرى التي خيل لنا أو توهمنا أنها معتدلة نسبيا وأقل جنوحا نحو التطرف والأحكام الحدية والطروحات الاقصائية!

وفي الختام أعيد ما كنت كتبته في مكان آخر، وهو أن أي مبادرة أو خطة للإصلاح لن يكتب لها النجاح ما لم تكن مرتكزة على وعي صاحب القرار بان المواطنة الحقة مرهونة بإشاعة العدل والمساواة والحرية المتكافئة بين كافة فئات وطوائف المجتمع، وفي موازاة ذلك يجب بذل كل جهد ممكن ـ على المستويين الرسمي والشعبي ـ باتجاه إيجاد واقع اجتماعي وفكري جديد يكفل تبلور ثقافة مجتمعية جديدة ومتسامحة ومنفتحة وبعيدة عن الجمود والتحجر والتطرف الديني والإقصاء، تعترف بحق الآخر في الاختلاف وتعي أهمية التنوع والتعددية الفكرية والمذهبية ودور ذلك في إثراء القيم الحضارية والإنسانية للمجتمع.

* * *

من الهزال في عقائدنا وديننا واقتصادنا وقوتّنا.. أننا لا نستطيع أن نأخذ موقفاً صلباً في اي موضوع.. لا نستطيع في أن نحكم في إستهزاء مسلسل تلفزيوني بهذا الدين فضلاً أن نناقش تاريخاً نتاجه هذا الهزال وهذا الخور. الملك عبدالعزيز كان فذاً، كان رجلا بدرياً في عصر الزندقة أو كان إماماً في عهد الضياع. من الأفضل أن نناقش توجه الدولة الآن مباشرة لا أن نناقش ما كان دين الدولة قبل مئة عام.. ذلك عصر هزيل وهذا عصر أهزل منه والله عز وجل لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

* * *

هل اختلطت عليكم الامور في عفوية دنيوية؟ ام تحاولون خلطها او طحنها في مطاحن الهوى؟ مشكلة البشر في هالديرة فهمهم لفلسفة الحكم كما اوردها الشاعر حمدان من قديم الزمان. مشكلتنا الحقيقية اننا عشنا دهور وازمنة في نعيم الهوى، انغمسنا فغرقنا فاخذتنا الدنيا عن الصراط المستقيم، غفونا وجرفنا الزمان الى مؤخرة الامم، وبكلام اهل العصر لم يكن لدينا برنامج لا ديني ولا دنيوي. تنبهنا متأخرين عن ركب الامم، نحاول اللحاق ولكن لا مطية. برز فينا ومنا من ينادي بمطية الدين، للحاق بالركب، ونعم المطية ولكن هناك من يرى في هذه المطية تهديدا لدنيويته التي عاشها.

* * *

هل ولاة أمرنا في هذا الوقت في حالة تصحيحية لدين الآباء؟ إن قلنا نعم فهذا يعني أن دين السابقين فيه من الخلل ما فيه. وإن قلنا: هم على الحق السابق فنحن حتماً كأمة.. أشر من حمير رأت الشيطان، وإن كان السابقون على الحق واللاحقون إنحرفوا عن المنهج السليم فما أحرانا أن نقول الحق نصحاً لولي الأمر. وأرجو هنا أن لا يأتي من يقول أن الدوائر الدينية لها دور فيما يحدث، وإلا كنا ندور في حلقة مفرغة من تحديد المسؤليات.. وأظن أن الطفل الآن يعرف أن السلطة الدينية لا تهش ولا تنش.. وأنها مسلوبة الإرادة إما لسطوة السلطان اولفتنة (الأحمران). المؤسسة الحاكمة تحكم الشرع فيما ينفعها وإذا تعارض ذلك مع أي وضع سياسي داخلياً كان او خارجياً فأقرب الطرق للتنفيس هو الضغط على التيار الديني لأنه هو الباعث والمحرك للناس حماساً وركوداً. وأرجو أن لا يخرج علينا أحد الطيبين ويقول أني أكفر الدولة. ما أود قوله أن ولاة أمرنا في الوقت الحالي (من باب حسن النية) غلّبوا السياسة على الدين وضربوا بالدين عرض الحائط.

* * *

إن الملك عبد العزيز عندما كان في سدة الحكم كان يرى أمورا لا يتعمق بها أنها ستكون ذات بعد ديني أو غيره، إنما كان الهم الرئيسي لديه هو نجاح هذه الدولة ولذلك عهد المعاهدات وأعطى للبريطانيين ما يرضي غرورهم، واستلم منهم ما يثبت وجودهم، وأعطى للعلماء ما يريدون ومنع منهم بعض الأمور، كل ذلك لهدف واحد هو تثبيت هذه الدولة، ولذلك فإن تثبيت الحكم أساس والباقي يأتي تبعا له ولو استقرأت التاريخ لرأيت هذا واضحا وضوح الشمس حتى فتح بني أمية وبني العباس لكثير من الأرض ما هو إلا توسع استيطاني لم يكن الدين له أولوية في فكرهم.

* * *

قرأنا في التاريخ الذي صاغته الحكومة السعودية بأن الملك عبدالعزيز لم يرافقه في فتح الرياض أي من العلماء في ذلك الوقت.. وهنا مسألة مهمة.. إذ غاب أو غُيّب عنّا رأي العلماء في ذلك الوقت والذين كانوا تحت إمرة إبن عجلان.. ومن أبرز العلماء في ذلك حسب معلوماتي: الشيخ محمد بن عبداللطيف ال الشيخ، جد المفتي الآن، والشيخ بن عتيق، والشيخ حمد الفارس. وكان أول ما قام به الملك عبدالعزيز أن قرب هؤلاء العلماء له وأكرمهم، وأعتقد أن هذا يعتبر أول تحالف بين السياسة والدين في تاريخ المملكة. نستنتج أن بذرة إنشاء المملكة العربية السعودية لم تكن مدعومة دينيا وبالتالي فإنها سياسية بحتة في بدايتها.. اقترنت بالجانب الديني. حيث تم تجاوز مسألة الخروج وشرعيته وأصبح الأمر واقعا.. وبالتالي يتغير الحكم في المسائل الشرعية تبعا له. نلاحظ أن دور عائلة ال الشيخ كان معدوما في بداية المملكة.. وبدأ دورهم فيما بعد ذلك.. ولكنهم حصلوا على نصيب الأسد من الإهتمام الحكومي. الملك عبدالعزيز حينما مكن العلماء في المشاركة لتأسيس المملكة ربما لم يكن يدر في خلده أن هناك بعض الجوانب سوف تصطدم مع بعض الرؤى السياسية له.. مما يفسر بعض حوادث التصادم بينه وبين جماعات الأخوان. من جهة أخرى فإن المستوى العلمي لعلماء نجد كان ضعيفا في ذلك الوقت، ولم يكن لهم حضور قوي. فحدث كثير من الأخطاء وتراكمت وانعكست فيما بعد على الحالة الاجتماعية والسياسية للمملكة بشكل عام.

* * *

لا أحد يشك بأن تحرك ابن سعود من الكويت هو لاستعادة الملك. وأما أنه كان يخشى المشايخ ولهذا فقد جاملهم وأعطاهم فهذا غير صحيح. فالجميع يعلم أنه لم يكن للعلماء سمعة ولا أمر ولا نهي. وأما الأخوان وحركتهم فقد كانت حركة فيها انحراف كبير ويكفي أن تعلم أن أحد زعمائهم كان له خروفا ويمنعه من الأكل ليصوم عنه رمضان. وكانوا من الجهل الكبير بحيث أنهم يذهبون بكل تبجح لأي الحضائر ويقولون نريدكم أن تسلموا على أيدينا. ولم يشتهر من البادية بالتدين إلا محمد بن هندي من عتيبة رحمه الله. أما البقية فقد حاولوا التحالف مع الانجليز فيما بعد السبلة. لم يكن عبد العزيز مجبرا على أن يعطي كل هذه السلطة للمشايخ. ولكنه تفرغ للسياسة وترك الأمور الدينية لهم. ومع ذلك فشلت السلطة الدينية في: استيعاب التغيرات مثل تحريم تعليم البنات وتحريم الراديو والتلفزيون..الخ؛ وفي التعليم النسائي حيث انتشرت الرشوة والمساومة على الأعراض؛ وفي النظام القضائي حيث ينتشر الفساد والرشوة.

في المقابل نجح الجانب السياسي في ترسية دعائم الدولة ولكنه لم يسلم من علات الجانب الديني، فالفساد الإداري والمالي والرشوة والواسطة الظالمة تأكل حقوق الناس.

* * *

كان هناك علماء وكان هناك طلبة علم ولكن كانت السياسة وأمور الحكم هي المسيطرة وقد يقتل الناس في ذلك السبيل والتاريخ لاينسى أحداثه. الذي يحدث الآن لا يختلف كثيراً عمّا كان يحدث آنذاك مع إستثناء وضع الناس الإقتصادي والإجتماعي والعلمي وبروز العلماء وطلبة العلم والضغوط على هذا الدين من القوى الخارجية والتي أدت إلى تفطن الناس على كل مستوياتهم الى أن المراد بالمجابهة هو هذا الدين. أما اساسه فاللعب معهم له قواعده التي يمكن التصرف في حيثياتها. ولاة الأمر لدينا الآن لا يقلون ذكاءً عن السابقين ولكن ظروف الوقت الحالي تختلف جداً عن تلك الأوضاع ونحن نرى أن حاجز المعارضة العلنية قد كسر في هذا الوقت مع توفر كل إمكانيات السيطرة وكل أدوات الحكم القوي. ولاة الأمر مسلمون، لا شك في ذلك، ولكن الدين يصبح قضية سياسية إذا تعارض مع المصالح، فيناقش الدين وتأثيره مثلما يناقش تأثير العلمانية وتأثير التطرف وتأثير الوجود الأجنبي وهكذا. ولذلك نرى أن الحس الديني عند الساسة يرتفع وينخفض حسب متطلبات الساحة السياسية.

* * *

فيمن تمثلت السلطة الدينية سابقاً ولاحقاً؟ ومن قوادها؟ وماهي معالم إتخاذ المؤسس للدين كهدف من الأهداف؟ سيقول البعض أن المؤسس قام بحركة تجديدية في الدين وكسر الأصنام حول الكعبة وأنه لا يضاهيه إلا الشيخ ابن عبدالوهاب! مزاعم لا تخلو من إجحاف، وانحيازية لا تخلو من مقاصد الله أعلم بها. في صالح من كان تعطيل القضاء ونشر الرشوة وفتح الإعلام على مصراعيه لأهل الفساد؟ وفي صالح من كان إستعداء نصف المجتمع على مقررات هذا الدين وعلى أعراف أهل البلاد؟ هذا كله كان في صالح من إزدادوا غنىً وفحشاً وقلة أدب مع أهل هذه البلاد وحملة الدين القويم. إذن الدين أصبح هدفاً.. جيدا!

* * *

الصفحة السابقة