كارين هاوس عن السعودية:

الثورة آتية لا محالة

في مقالته حول كتاب كارين إليوت هاوس حول السعودية، شعبها، ماضيها، دينها، ومستقبلها، أورد مايكل توتن في مقال له في (نيويورك تايمز) في 16 نوفمبر 2012 بعنوان (المملكة المغلقة)، قصة بيتر بيرغ مؤلف كتاب (المملكة)، وهو شاب عميل في الاف بي آي سافر على متن طائرة الى الرياض وسأل صديق موسمي له عن السعودية وماذا تشبه، فأجابه بأنها (تشبه الى حد ما المريخ)، بحسب إجابة أحد الخبراء.

كارين هاوس

يعلق توتن بأنها ليست بالدقة كالمريخ، ولكن بالنسبة لمعظم الأميركيين قد تكون السعودية مثل عالم آخر غير أي جزء آخر مسكون. إنها متميزة عن بلد حر مثل الولايات المتحدة، وليست جمهورية تسلّطية حديثة مثل كوريا الشمالية الشيوعية، ولكنها نوع آخر من النظام الديكتاتوري، أو كما وصف ذات مرة كريستوفر هيتشنس العالم المغلق الذي تحكمه عائلة كيم في بيونغيانغ، أي مكان (حيث أن كل شيء ليس واجباً على الإطلاق يكون ممنوعاً على الإطلاق).

أما بالنسبة للصحافية الفائزة بجائزة بوليتزر كارين إليوت هاوس مؤلفة الكتاب المومأ إليه أعلاه فقد كانت تتراود على زيارة المملكة السعودية لأكثر من ثلاثين عاماً، وفي كتابها هذا تميط اللثام بمهارة عن هذا المكان المبهم بالنسبة لأولئك المختصين بالشؤون الاقليمية وكذلك القراء العاديين بصورة عامة.

تصف هاوس المجتمع بأنه كالمتاهة (حيث يناور السعوديون بصورة لا نهائية عبر طرق متعرجة بين جدران عالية من الأحكام الدينية، والقيود الحكومية، والتقاليد الثقافية). تصف اليوت كيف تعيش النساء فيما يشبه أماكن مغلقة، ولا يجوز لهن الاجتماع سوى مع عوائلهن.

تتحدث عن الفوارق بين نجد والحجاز والمنطقة الشرقية، حيث تبدو نجد على النقيض من الحجاز، بطابعها الحضري على ساحل البحر الأحمر. وفي المنطقة الشرقية، حيث تتركز الاحتياطيات البترولية للبلاد، يعيش المسلمون الشيعة تححت وطأة القمع، حيث ينظر اليهم الوهابيون بوصفهم هراطقة. أما الاسماعيليون في الجنوب حيث الروابط التاريخية مع اليمن، فقد جرى تجاهلهم بصورة غير حميدة. وجميع هذه المناطق منقسمة على قاعدة القبيلة، وكل قبيلة منقسمة الى عوائل.

ولكن ما يعتبره توتن الجدار الأعلى ـ أي عائق المعلومات حيث يتم تقييد معرفة العالم الأوسع وطرقها ـ ينهار بصورة سريعة. وبفضل الانترنت، فإن الشباب (حيث أن 60 بالمئة من السعوديين هم في العشرين من أعمارهم أو أقل من ذلك) يعرفون كل شيء عن الحياة في المجتمعات العربية الأكثر هدوءاً وفي الغرب. وهم لا يشترون النظام السعودي بنفس الطريقة التي كان آباؤهم وأجدادهم يفعلون.

يقول رجل أعمال متوسط العمر للسيدة هاوس (عقولنا في صندوق، ولكن الشباب قد تحرروا بواسطة الانترنت والمعرفة. فلن يتحملوا ما نحن عليه). ويقول شباب في العشرين من عمره (فتح فيسبوك أبواب أقفاصنا) فيما يقول مسؤول في الجامعة (الشباب لديه سيارة ومال في جيبه، ولكن ماذا يمكنه فعله؟ لا شيء. إنه يشاهد التلفزيون ويرى الآخرين وهم يفعلون أشياء لا يمكنه القيام بها ويتساءل لماذا).

تتحدث هاوس عن أن حدثاً كبيراً ينتظر السعودية، وتسبغ عليه عنوان الثورة التي ترى بأنها آتية لا محالة. جميع المعطيات والأرقام تشير الى ذلك. التاريخ، الفكر الاستبدادي، الفقر، انعدام المساواة، التركيبة الاجتماعية، الخلافات المقبلة على الحكم… جميعها عوامل تؤكّد أن الثورة التي عمل آل سعود على تأجيلها منذ انتفاضات الربيع العربي، في طريقها الى ربوع المملكة، لكن السؤال هو متى، وكيف سيتعامل الرئيس الأميركي المقبل مع التحدي الأكبر عندما ينفد الوقت ويبدأ انهيار أكبر شركائه الشرق أوسطيين؟

كل تلك المعطيات عالجتها الصحافية كارين إليوت هاوس في كتابها عن السعودية (On Saudi Arabia: Its People, Past, Religion, Fault Lines and Future). شرحت بشكل تفصيلي عوامل تفجر الثورة داخلها ثم انهيارها، ومكونات شعبها وتاريخها ودينها والخطوط الحمراء ومستقبلها. قدمت صورة قاتمة عن البلاد التي تغلي بالتوترات والغضب الداخليين.

وينقل تقرير لموقع (مونيتور) عن الكتاب، الذي صدر حديثاً، أن أكثر من 60 في المئة من السعوديين هم دون العشرين، غالبيتهم لا تملك الأمل في الحصول على وظيفة. 70 في المئة من السعوديين غير قادرين على تملك منزل. 40 في المئة دون خط الفقر.

ويُعَدّ أفراد الأسرة المالكة، الأمراء والأميرات، أكثر من 25 ألف فرد، ويملكون غالبية الأراضي والمصالح القيّمة، بما أن النظام يقدر لكل منهم راتباً وثروة. وأكثر، المملكة لا تأكل مما يزرع أبناؤها، ولا تلبس مما يصنعون، حياة المملكة تقوم على عمل العمال الأجانب. الـ 19 مليون سعودي يعتمدون على 5.8 ملايين عامل أجنبي لتسيير الأعمال.

وبحسب هاوس، فإن الاختلافات بين الأقليم، وحتى (العنصرية الإقليمية)، هي (واقع يومي في الحياة السعودية). فأهل الحجاز في الغرب والشيعة في الشرق مستاؤون من أسلوب الحياة الصارم للوهابية، الذي فُرض باسم القرآن في صحراء نجد الوسطى.

إضافة إلى ذلك، بات التمييز الجنسي، وهو ضرورة بالمفهوم الوهابي، مشكلة متنامية، بعدما أصبحت المرأة السعودية متعلمة ومن دون أمل في الحصول على عمل. 60 في المئة من المتخرجين السعوديين نساء! لكنهم لا يشكلون سوى 12 في المئة من القوى العاملة.

ثورة في السعودية، لن تكون مماثلة في أي بلد عربي. ثورة في السعودية تعني ثورة في ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم، بما أن برميلاً من أصل 4 ينتج هناك.

إضافة الى ذلك، فإن التحالف الأميركي السعودي هو الأقدم في المنطقة، يعود الى عام 1945 حين التقى الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت مع مؤسس المملكة عبد العزيز بن سعود وأبرم معه صفقة النفط مقابل الأمن. أما اليوم، فإن الولايات المتحدة بحاجة الى السعودية أكثر من أي وقت. صادراتها النفطية من المملكة. التحالف مع مصر (بعد الانتفاضة) بات مشكوكاً فيه. العراق ينحو باتجاه ايران. والسعوديون هم حلفاء أساسيون للأميركيين في الحرب على (القاعدة) في اليمن وغيرها؛ فالاستخبارات السعودية ساعدت في إحباط هجومين على الأقل للتنظيم داخل اميركا منذ 2010. هذا إضافة الى اهمية الدعم السعودي من أجل احتواء إيران.

رغم هذه الأهمية لآل سعود بالنسبة إلى واشنطن، هناك في المقابل مصدر للقلق. الاستخبارات الأوروبية تقول إن أغنياء السعودية لا يزالون الممول الأول للجماعات الأصولية الإسلامية، ومن ضمنها (طالبان) الأفغانية و(لاشكر طيبة) الباكستانية. كذلك فإنها ساعدت نظام جارتها الصغيرة البحرين على سحق الانتفاضة الديموقراطية في الجزيرة التي تستضيف الأسطول الأميركي الخامس.

ومن الناحية التاريخية، المملكة السعودية هي الدولة الثالثة التي أنشأها آل سعود. الدولة الأولى تأسست عام 1745، لكنها انهارت بسبب التدخلات الخارجية والخلافات الداخلية على ولاية العرش. والثانية تأسست في عام 1824، والثالثة هي الدولة الحالية المؤسسة في عام 1932. والثلاث بُنيت على تحالف بين أسرة آل سعود وفكر محمد بن عبد الوهاب. ومعلوم أن هذا التحالف شكل عماد تماسك المملكة واستقرارها حتى الوقت الراهن.

وقائع وأرقام تعرضها كارين في كتابها، الذي تشير فيه إلى أن المملكة كانت محظوظة في الآونة الأخيرة بقيادات جيدة. لكن الدولة الثالثة لآل سعود، على موعد مع مواجهة غير مسبوقة في خلافة العرش. وتقول إن التاريخ غير مشجع أيضاً، فالدولة الثانية انهارت بسبب خلافات على السلطة في أواخر القرن التاسع عشر. إضافة الى ذلك، فإنه كلما نجحت الثورات في العالم العربي، اقتربت الثورة أكثر من أبواب آل سعود، لأن السعوديين سيطمحون بدورهم الى حكومة أكثر ديموقراطية.

لكن الكاتبة تحذر من أن هذه الثورة قد تأتي من الأصوليين الغاضبين من التحالف مع الأميركيين. وتقول إن هناك سيناريوات مختلفة لما يمكن أن يحصل في المملكة. الملكيات المطلقة غير قابلة للإصلاح، لذلك فإنه ما إن يبدأ التغيير في الدكتاتوريات العميقة يصعب السيطرة عليه.

الصفحة السابقة