إصلاح مناهج التربية الوطنية والدينية

نحو ''تنجيد'' الوطنية و''توهيب'' الدين

بعد أزمة احتلال الكويت، شعرت العائلة المالكة بضغط المنافسة من التيار العقائدي الوهابي الذي حاول استثمار الأزمة الداخلية، وحالة الضعف التي ألمّت بالأمراء السعوديين، من أجل زيادة حصّته في الحكم، وفي خضم الصراع بدا أن العائلة المالكة بصدد استدعاء سلاح (الوطنية) لأول مرّة في تاريخها.

هدف (الوطنية) المستدعاة لم يكن هدفاً جامعاً، بل هدفه إقصائي، أي تقليم أظافر حلفاء الأمس ومنعهم من طرق المنافسة السياسية للعائلة المالكة. والوطنية المستدعاة سعودياً، لم تأتِ كطفرة وعي بأهميتها في تدعيم اللحمة الداخلية، وإنما من أجل ديمومة تحصيص السلطة بين الأطراف المحتكرة دونما تعديل رغم تغير الظرف الذي حدث بعد أزمة احتلال الكويت.

أما كنه الوطنية التي أظهرها الأمراء، فهي ليست الوطنية الجامعة للسكان، وإنّما الوطنيّة النجدية. هذا هو محتواها وجوهرها الداخلي.. فالأمراء حديثو عهد بالموضوع الوطني، ولا يعرفون أو يدركون حتى اليوم كيف يؤسسون ثقافة وطنيّة جامعة، هذا إذا كانوا جادّين في ذلك. ظهرت تجليّات الوطنية النجدية في موضوعين، أحدهما إدخال مادّة التربية الوطنية كمنهج في التعليم، والثانية إعادة إنتاج تاريخ العائلة المالكة، وتلميع دورها في توحيد البلاد، فظهرت المئوية، مئوية التوحيد، رغم أن احتفالهم يحمل مغالطة تاريخية وهي أن توحيد المملكة لم يمض عليه مائة عام، ولا تسعين عاماً ولا حتى ثمانين عاماً. المملكة توحدت عام 1932، الموافق 1354هـ، فما الذي جعلهم يستعجلون مئوية التوحيد؟!

في عام 1416هـ/ 1996م قررت وزارة المعارف استحداث مادة دراسية جديدة باسم: التربية الوطنية. توقيتها أنها جاءت بعد أزمة احتلال الكويت كما قلنا، وأنها كانت ردّ فعل على انتفاض السلفيين من أجل زيادة حصّتهم في الحكم.

كان المعتقد أن التربية الدينية المكثّفة للنشء ستعزز الإنتماء والولاء للعائلة المالكة، وتمنح شرعية الخضوع لها.

ما حدث كان عكس ذلك، فالوهابية العقائدية المتطرفة ومناهجها الدينية لا يمكن إلا أن تكرّس مشاعر العداء والتنافر بين المواطنين، لطبيعة تلك المناهج الحادّة في عدائها لعقائد المواطنين أنفسهم، وهي مناهج تحمل في طياتها بصورة صريحة لا لبس فيها تكفيراً لأكثرية سكان المملكة.. الأمر الذي انعكس على ولاء هؤلاء للنظام السياسي القائم الذي يدعم تلك المناهج، ويعتقد بأنها غطاءٌ شرعي جيّد.

وكان الإعتقاد فيما مضى أن مادة التربية الوطنية تتوفّر في المواد الدينية الكثيرة إضافة الى مادة التاريخ، وهاتان المادتان تؤكدان شرعية النظام الدينية والتاريخية، على الأقل بين نجد وأهلها.

لكن النظام التعليمي المؤسس طائفياً أظهر ناتجاً مذهبياً متطرّفاً، في كلا الإتجاهين.. أنتج التطرّف الوهابي الشديد ليس ضد أكثرية المواطنين ممن يخالفونهم المذهب، بل ارتدّ ذلك على النظام، بغية دفعه في الإتجاه الذي يرغبون، وزيادة حصتهم في أجهزة الدولة الى حد أن هناك من كان يعتقد بأن العقائديّة الوهابية، كانت تعدّ نفسها لتكون البديل السياسي للعائلة المالكة. وأنتج أيضاً تطرفاً مقابلاً بين أتباع المذاهب الأخرى الذين قابلوا التطرّف الوهابي العقائدي والسياسي بتطرّف من جنسه، وإن كان أقلّ في حجمه.

ناتج المناهج العقائدية الوهابية المتطرفة ارتدّ عكس المطلوب، وإن لم يقنع العائلة المالكة بعمل شيء تجاه ذلك، فلازال للوهابيين ثلاث جامعات من سبع، إضافة الى سيطرتهم والى ما قبل بضعة أشهر على كامل جهاز تعليم الإناث، وهو شرط لقبولهم بتعليم البنات في الستينات الميلادية!. وبدا أن مادّة التاريخ وفق ذلك لا تفي بالغرض.

ربما أدّت المراجعة أو الملاحظة الأوليّة، الى الإعتقاد بأن جميع مناطق وسكان المملكة يجب أن يكونوا هدفاً للتربية الوطنية.. ولكن هذا لم يعتمد لأسباب عديدة، أهمها أن ذلك لا ينجح مادام التعليم محكوماً بالوهابية، أي أن تغييراً جذرياً في الأيديولوجيا يجب أن يحدث قبل أن يصبح مفعول التربية الوطنية ناجحاً، وهذا التغيير مكلف للعائلة المالكة، لا تقبل به لجذريته.

من وجهة نظر العائلة المالكة، كانت هناك حاجة الى منهج وطني في التعليم مفصّل في الأساس لدفع غائلة الوهابية المتطرّفة، ووجد الأمراء انهم لا يجب أن يكونوا رهيني شرعية رجال المذهب فحسب، وإنما اعتماد البديل الوطني ضمن محيط نجد في الأقل.

لكن مناهج ''التربية الوطنية'' جاءت متأخرة، وكأنها علاج السرطان بكبسولات ألم الرأس.

ترى من يعلّم الناس الوطنية، ويربي النشء عليها؟.

من يكتب المناهج؟

ووفق أي أُسس؟

إنهم هم.. أعداء الوحدة، وفي نفس الوقت المستفيدون الأكبر منها.

إنهم هم الغارقون في التمزيق والتفتيت، دعاة الوهابية السياسية.

هم من يريد أن يعلّم بقية الشعب المبتلى بضيق أفقهم كيف تكون الوطنية، أو كيف هي قائمة.

هم من يجلس اليوم ويدبج المناهج ليعلّم الضحايا فضائل السكوت والصمت.

ماذا يقول دعاة المناطقية والطائفية والإحتكار السياسي عن الوحدة، وسائلها، غاياتها؟.

إنها نفس أفكارهم القديمة، التي مزّقوا بها الوطن يعيدون انتاجها من جديد.

يقولون: إن ''العقيدة الصحيحة'' هي أساس الوحدة. أي هي الوهابية التي لازالوا يحلمون بفرضها على كل الشعب ولو بالعنف.

ويقولون أن إحدى غايات الوحدة: محاربة البدع والخرافات! ومعلوم أية (بدع) يحاربون، وأية (خرافات) يعنون. ونعلم ما يستتبع تحقيق غاياتهم تلك من استمرار للحرب الطائفية وسياسة الفرض والإكراه. وهم يقولون كثير كلام عن المساواة والإنجازات وحب الوطن ومحاربة الحاسدين.. وهو كلام يغطي من وجهة نظرهم ويكشف من وجهة نظرنا جوهر مشكلة البلاد المبتلاة بهم.

أعداء الوطنية، أنصار التسلّط والتطرّف والإستبداد، الأنانيون الذين تقوم سيادتهم وعزّتهم وكرامتهم على حساب المواطنين الاخرين، تاريخاً وهوية ومصالح وثقافة.. أعداء الوطن والوطنية، يريدون وطنية على مقاسهم.. تخدم مصالحهم، وتضلّل الباقين من أبناء الشعب.

يريدون الريادة في مجال (الوطنية) مع أنهم أعداؤها.

ويريدون السيادة بمذهب تجاوزه الزمن، لا يستطيع أن يتكيّف مع الحياة وتطوراتها.

يريدون وطنيّة مؤسسة على (تاريخهم).. تتناغم مع (مشاعرهم) وحدهم، وتراعي (مصالحهم) وتحفظ تفوّقهم.

المواطنون يدعون الى الوطنية بغية المساواة في الحقوق والواجبات.

وهم يريدونها أداة لتعزيز استئثارهم وفئويتهم.

المواطنون العاديون بالكاد يتقبّلون (وطنيّة سعودية) وهم يريدونها (وطنيّة نجديّة).

في أول كتاب عن التربية الوطنية في سلسلة مدعومة من وزارة التعليم: (في آفاق التربية الوطنية في السعودية) تأليف أحد الشخصيات من عمق نخب الوهابية السياسية (د. سليمان الحقيل) استاذ التربية في جامعة محمد بن سعود، لا تبدأ الوطنية إلا بتحالف محمد بن سعود وابن عبد الوهاب لتقوم دولة (نجد).

إنها الوطنية النجدية التي لا تفرق بين حدود نجد والأحساء، وحدود نجد ونجران..

صارت الأحساء والقطيف ليس (ملحقاً) من الملحقات النجدية كما اعتدنا أن نقرأ ذلك، بل هي (نجد) كإمارة آل خالد وإمارة آل هذال في نجران (ص 17)!

حتى الجغرافيا صارت ملعباً للإستهتار. أما التاريخ فليس لأحد تاريخ قبل ذلك التحالف النجدي، وليس هناك إسلام صحيح أو غير صحيح قبل تلك (الدعوة الصحيحة.. الدعوة النجدية).

تاريخ الوطن هو تاريخ احتلال نجد وسيطرتها. فوصولها الى مناطق بعيدة لتحتلها على أنهار من الدم، كما هو معروف بالضرورة من تاريخ الوهابية (مثل العراق وعمان واليمن والبحرين..) وصولها الى هذه البقاع دلالة عظمة.. أما الضحايا الذين يكتبون تاريخهم كما في عمان فلا يرون في الإحتلال الوهابي إلا كلّ أمر سيء من قتل ونهب واستخفاف بالحرمات، وتعصّب في الدين بدون وجه حق.

وحينما يغزى النجديون أو تحرّر المناطق التي احتلوها (الحجاز في القرن التاسع عشر مثلاً) فإن القوات التي تحاربهم تعتبر من كتاب المناطقية والطائفية (قوى شر زاحفة ـ ص19). ولأن التاريخ لا يعني غير أنفسهم فهم يكتبونه على هذا النحو في مادة التربية الوطنية ومن منظور إسلامي أيضاً: (لكن النجديين، لم يقنطوا من رحمة الله، ولم ييأس آل سعود.. واستطاع تركي بن عبد الله أن يكسر شوكة الطغاة وينازل أعداء الوطن، ويطهّر الأرض من دنس الإحتلال، وأن يعيد لنجد وحدتها وكرامتها بعد الفوضى والتفرق والإنحلال).. هل هذا تاريخ المملكة أم تاريخ نجد؟

كيف يمكن للشعب أن ينتمي الى تاريخ غيره، تاريخ احتلاله هو، تاريخ سيطرة الآخرين عليه، تاريخ جعله مواطناً من الدرجة الثالثة والرابعة، حوّله من سيّد نفسه الى مسود من غيره، تاريخ حمل معه هدر الكرامة، ولا يخاطبه بل يخاطب خصومه؟!

والعائلة المالكة وفق هذا التاريخ ليست سيدة وطن، بل سيدة نجد فحسب. يكتب الحقيل مادة التربية الوطنية على هذا النحو: لقد نجح تركي بن عبد الله وذلك دلّ على (حبّ أهل نجد للبيت السعودي وتقديرهم له، ولولا هذا الحب والتقدير لما نجح ـ ص20). هل هذا تاريخ بلد أم فئة. هل هذا ما يجب أن يكتب في أول كتاب عن التربية الوطنية؟.

واقرأ هذه الفقرة: (لقد جرّب أهل نجد أنواعاً منوعة من نظم الحكم قبل العهد السعودي.. لذا لم يتردّدوا في نصر الراية السعودية.. ودفعوا ثمنها غالياً، ودماءً زكيّة بذلوها في سبيل نجد، فرفعوا شأنها وعظموا قدرها، فأحبّتهم وناصرتهم ـ ص20). هذا ما تجود به قريحة الوهابية السياسية إذا ما جلست على كرسي الإفتاء الوطني. يريد المؤلف أن يذكّر آل سعود بفضل نجد عليهم، ويذكّر النجديين بفضل آل سعود عليهم، وباقي الشعب الذي سالت دماؤه هدراً للتوسع النجدي، فهو غير معني بهذا التاريخ.

من الواضح ان هناك مشكلة نجدية، ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية.. مشكلة من يحكمها ويستخدمها في حروبه. لم تكن هناك مشكلة عامة في باقي الجزيرة العربية.

نجد كانت تبحث عن حل لمشكلها الخاص. فإذا كان هناك من يعبد الأشجار وغيرها فهم أهل نجد، وإذا كان هناك من فوضى ففي نجد، وإذا كان من هو بعيد عن روح الإسلام فجاءت الدعوة الوهابية او كما كانت تسمى الدعوة النجدية لتنقذهم فهم أهل نجد، ولا علاقة للسكان الآخرين بذلك. وحينما تُسرد فوائد الحكم المركزي السعودي، فلنجد حاجة خاصة ومصلحة خاصة ونظرة خاصة تجاهه.

إن تاريخ المملكة، حين يُكتب من زاوية التربية الوطنية، وليس الوطنية النجدية، وهو بحاجة فعلاً لإعادة كتابة عليه أن:

ـ لا يستفزّ دول الجوار التي عانت من احتلال الوهابيين، خاصة عُمان واليمن.

ـ لا يستفزّ المواطنين غير النجديين وهم الأكثرية وأن يحترم مشاعرهم وتاريخهم.

ـ وأن يركز على جوامع الفائدة من التاريخ.. ما يعتبر مقبولاً لدى الجميع وما يعتبر فائدة مشتركة.

يمكن أن يُقبل تاريخ العائلة المالكة مع بعض التشذيب، وكذا دورها في توحيد المملكة. وهذا يختلف عن كتابة تاريخ نجد والتأكيد على دورها. في الحالة الأولى تصبح نجد والمناطق الأخرى على قدم المساواة من حيث المعاناة من خلال ما تعرضت له أثناء عملية توحيد البلاد. أما في الحالة الثانية فهناك تغليب لدور نجد ووضع اعتبار لتضحياتها بحيث تكون مبرراً لما هي سادرة فيه اليوم من إخضاع البقية لسلطانها. وفي الحالة الأولى يتم التعاطي مع العائلة المالكة كرمز لبقية الشعب، ولكن في الثانية تكون العائلة المالكة تابعاً خاصاً لمنطقة. وكتب التربية الوطنية السعودية لا تريد أن تعطي العائلة المالكة شخصية مستقلة عن نجد، فليس من مصلحة النخب الطائفية سياسياً ودينياً أن يتمّ ذلك، والعائلة المالكة من جانبها تخشى أن تكون مستقلة، أو لا تعتقد أن بإمكانها التمرّد على الرحم الذي ولدت منه.

كتب التربية الوطنية تظهر فوائد العائلة المالكة لنجد والعكس، أي فضل نجد على العائلة المالكة، وتبرز دور المذهب النجدي وفضله على آل سعود، وفي المقابل تظهر دور آل سعود وفضلهم على المذهب ونشره. حتى الملك عبد العزيز كاد أن يتحوّل الى (شخصية عامة) ولكن النجديين جعلوه شخصية نجدية، أو أسطورة نجدية، يستخدمونها وينفخون فيها ليبرروا سيطرتهم واستفرادهم بمقدرات البلاد.

أيضاً فإن التربية الوطنية النجدية تصرّ على اعتبار مناطق المملكة ملك آباء وأجداد آل سعود! منذ متى كان الحجاز أو كانت عسير أو كانت حائل أو كانت القطيف والأحساء ملكاً لآباء وأجداد آل سعود؟ وهل الأرض تستباح بهذه الصورة، وبهذا المنطق السقيم؟ إن التربية الوطنية لا تتواءم مع مقولة ''ملك الآباء والأجداد''.. فهذا المنطق يجب أن يمحى من الكتب، لأن بقاءه استفزاز لمشاعر المواطنين، قد يعمّق فيهم الكره والإشمئزاز ويدفعهم للعمل وفق ذات لاستخلاص ''ملك آبائهم وأجدادهم'' مما يسمونه احتلالاً نجدياً. يفترض في كتب التربية الوطنية التأكيد، حتى إن لم يكن ذلك صحيحاً، على أن مؤسس البلد كان يقصد الوحدة، وليس المنفعة الشخصية وملك الآباء والأجداد.

ترى لو جاء الخالدي وقال أن ملك آبائه وأجداده سابق على ملك آل سعود. ولو جاء الحجازي والجنوبي والشيعي في الأحساء والقطيف، وفعلوا نفس الشيء، أفليس مصداقيتهم في الحديث بهذه اللغة أقوى من مصداقية آل سعود. إن منطق ملك الآباء والأجداد يضعف آل سعود حتى في نجد نفسها، فما بالك في المناطق الأخرى. لقد ذهب ذلك الزمان الذي يعتبر فيه احتلال بلد تملكاً له. وهذا المنطق المتهافت يجب أن يختفي لأنه لا يقدّم فائدة حاضرة اليوم لا لآل سعود ولا إلى النجديين.

ستبقى نجد موطن آل سعود، وستبقى مناطق المملكة الأخرى مستقلة الشعور والمشاعر والسكان والتاريخ، لا يملكها إلا أصحابها، حتى وإن تعاطى معها أمراء آل سعود بمنطق المالك المحتل.

الوطنية النجدية تدرك مواطن الخلل لديها، تدرك أنها تميّز جماعة على أخرى، ومواطن على آخر، ومنطقة على أخرى.. وتجيء الكتب الوطنية! لتنفي ذلك، وكأن المواطنين يصدقون ما يقال، فهذا الكلام الدعائي يفترض أن يجد له سوقاً خارجية، أما من يعيش التمييز لا يقنع بعكسه إن كان يعاني منه منذ مولده وحتى وفاته.

تقول الوطنية النجدية، ولسان الحال: يكاد المريب أن يقول خذوني: (جميع ـ لاحظ جميع ـ المواطنين في المملكة العربية السعودية أمام شريعة الله سواء.. ولا شك أن تطبيق هذه المساواة يشيع في نفوس المواطنين الرضا والإطمئنان على حقوقهم وحاضرهم ومستقبلهم ويجعل المواطنين يتسابقون للدفاع عن وطنهم الذي يعيشون فيه عيشة كريمة تقوم على المساواة في الحقوق والتلاؤم في الواجبات. إن التلاحم منقطع النظير بين القيادة والشعب في المملكة العربية السعودية نتيجة من نتائج تقرير المساواة في هذا البلد الأمين، وإن تحقيق المساواة للمواطنين عامل من عوامل الإستقرار منقطع النظير الذي يعيشه المواطن السعودي في مدينته وقريته وهجرته ـ ص93)..

أيضاً فقد (امتاز أسلوب القيادة السعودية بالعدل بين المواطنين، فهو لا يؤمن بالحقد ولا بتغليب فئة من المواطنين على فئة أخرى.. ـ ص 108).

وإن (النعمة الكبرى التي نعيشها ليست لمواطن دون مواطن، وإنما هي نعمة للجميع.. ـ ص147).

والمؤلف سليمان الحقيل في الكتاب الثاني من سلسلة كتب التربية الوطنية: (الوطنية ومتطلباتها في ضوء تعاليم الإسلام) يقول ص139: (لا ينحصر العدل في القضاء، بل أنه يشمل جميع أعمال وتصرفات الدولة، فالدولة تعدل في معاملة مناطق المملكة، وفي معاملة الأفراد والجماعات والوزارات والمصالح والمؤسسات، فهي لا تظلم بريئاً لأنه ضعيف، ولا تجود بخيراتها على منطقة خاصة، أو فئة معيّنة، أو تحرم المناطق والفئات الأخرى... الخ).

فهل المصطلين بنار التمييز الطائفي والمناطقي سيصدقون هذا الكلام؟

إن التربية الوطنية قبل أن تصبح درساً للتلاميذ في المدارس، يجب أن تمارس ويكون لها مصداقية على الأرض، وإلا فإن الكلام لا يفيد وحده، بينما الأفعال تخالفه.

الآن ونحن بعد أحداث سبتمبر، يثار موضوع المناهج السعودية من زاوية مختلفة، ليس ضد الآخر الداخلي (أي ضد المواطن غير الوهابي) فهذا صار من الأمور المألوفة منذ قامت الدولة السعودية الحديثة، ولكن ضد الآخر الخارجي (غير المسلم وربما المسلم أيضاً). وها هو الحديث يجري من جديد حول إصلاح المناهج المتطرفة التي هي في واقع الأمر انعكاس لواقع المملكة الثقافي والسياسي والإجتماعي. إنها انعكاس لواقع التطرف الذي اختطف حاضر المملكة وربما بعض مستقبلها.

ما عسى أن يجود علينا دعاة الطائفية السياسية والمناطقية والمذهبية. ترى هل يوكل الأمراء لهم إصلاح المناهج الدينية وبنفس الطريقة التي أصلحوا بها المناج الوطنية؟



إطبع الصفحة الصفحة السابقة