حين تكون المواطنة السعودية فاقدة المعنى

سعودي يقاتل الى جانب الأميركيين في العراق

في الوقت الذي تقوم به السلطة السعودية بـ (تنجيد) المؤسسات الحكومية، وفي الوقت الذي أضحى فيه الإنضمام الى الجندية حكراً على فئات محدودة، تستثني مناطق ومذاهب وقبائل معيّنة قد لا تدين بالولاء للنظام السعودي، أو هي مشكوكة الولاء.. فاجأت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية الرأي العام السعودي بخبر عن شاب سعودي يحمل الجنسية الأميركية يقاتل الى جانب الأميركيين في حربهم ضد العراق. الشاب كما تقول الصحيفة من أب سعودي وأم أمريكية مسلمة من شيكاغو ويقيم في الولايات المتحدة، وهو جندي في الجيش.

وذكرت صحيفة ''وول ستريت جورنال'' في عددها الصادر في الخامس من أبريل الجاري أن الشاب السعودي الأمريكي، يوسف الغامدي، التحق بالجيش الأمريكي بعد أحداث 11 سبتمبر، وهو يبلغ من العمر 22 عاماً وقد ولد في مدينة جدة التي أكمل شهادته الثانوية فيها ثم التحق بالعمل في شركة أرامكو السعودية. ولكن حبه للمغامرة والبحث عن فرص جديدة في الحياة جعله يغادر أرامكو ويذهب إلى الولايات المتحدة لزيارة أقاربه الذين كان يقضي معهم أوقات الصيف في مدينة شيكاغو. وأضافت الصحيفة أنه (بعد حوالي عامين من العمل لدى أرامكو ذهب إلى شيكاغو لزيارة أقاربه وللتفكير في بعض الأمور وكان في سيارة أجرة متجهاً إلى مطار لاغورديا في نيويورك يوم 11 سبتمبر عندما شاهد واحداً من أبراج مركز التجارة العالمي يتحول إلى كرة من اللهب. ونظر إلى الطائرة المخطوفة الثانية وهي ترتطم بالبرج الآخر. وبعد ثلاثة أشهر من ذلك التحق بالجيش الأمريكي ولم يخبر والديه لأنه كان يعرف أنهما سيعارضان قراره).

ويصف يوسف الغامدي نفسه بأنه وطني (أمريكي)، ويعمل سائق دبابة في الكتيبة 166 المدرعة في مدينة فورت هود بولاية تكساس التي اتجهت إلى الكويت للمشاركة في الحرب على العراق. وقد طلب الغامدي من قائد وحدته أن يسمح له بتغطية اسم العائلة الذي يلبسه على شارة الاسم التي يعلقها الجندي على صدره لكي لا يثير عداء وكراهية العرب. ومع هذا، تصنف الصحيفة يوسف بأنه متدين جداً، ولا يقبل من الأكل إلا ما هو (حلال) حيث يقوم الجيش الأمريكي بتقديم الوجبات (الحلال) للجنود المسلمين العاملين فيه. ويعود سبب عدم إخبار يوسف لوالديه بالتحاقه بالجيش الأمريكي، حسب الصحيفة، إلى أن والده يرى أنه لا يليق برجل سعودي أن يلتحق بأي جيش غير الجيش السعودي، بينما تعارض والدته المسلمة الفكرة من قبل أن تتزوج أباه، لأنها ترى أن الجيش مرتع للمخدرات والشذوذ الجنسي والانحراف.

من جهة أخرى ترى الصحيفة ''أن يوسف الغامدي قد يعاني من التمييز في الجيش الأمريكي ليس فقط لأنه سعودي - وهذا يعيد لأذهان الأمريكيين أحداث 11 سبتمبر، بل ولأنه مسلم، خاصة وأن حسن أكبر - الجندي الأمريكي المسلم، ألقى القنابل اليدوية والسلاح على زملائه في الكويت''. ولكن الصحيفة تؤكد أن رؤساءه لا يرون فيه إلا جندياً مخلصاً ولا يظهر عليه بوادر التمرد أو الخيانة للجيش الأمريكي. كما يرون أنه ذو فائدة في شرح الفروق الثقافية وتفهيم الجنود الأمريكيين بما قد يعتبر غير لائق عند العرب - خاصة المدنيين العراقيين.

وهكذا تنتصر الوطنية الأميركية على الوطنية السعودية التي تفرّق بين حاملي الهوية والجنسية والقائمة على التمييز بين المواطنين. ولو أن الغامدي تقدّم للعمل العسكري في الجيش السعودي لربما جاءه الرفض.

العار الوهمي الذي تستشعره الحكومة السعودية أو حتى المتلبسين بمشاعر وطنية وهمية يسيئهم رؤية أحد المحسوبين عليهم وهو يشارك في جيش أميركي متناسياً ما يجب عليه بحسب الأعراف القبلية والتقاليد العربية والهوية الشرقية الدينية الا يكون ضالعاً في ما فيه جلب العار والشنار لأهله وعشيرته. ولكن ما نسيه الواهمون هو إخفاقهم الذريع في بناء مشاعر وطنية حقيقية وتنشئة ثقافة وطنية، فالدولة التي لا يتميز مواطنوها عن غيرهم سوى بجواز سفر أخضر بات منبوذاً في مطارات العالم.

لماذا يلام الغامدي الأميركي على مشاركته في العدوان الأميركي على العراق، ولا تلام الحكومة على فشلها في صناعة وعي وطني وفي تشجيع الناس على حب أوطانهم، التي بات كثيرون يفضلون اخفاء هويتهم (السعودية) لأنها لم تعد تمثل هوية مشرّفة ولا تحمل عزة لهم، فلا هي تحمل خصائص وطنية شاملة، ولا هي تمثل رمزاً وطنياً حقيقياً أو تعكس تراثاً وتاريخاً ومجداً يستحق الاشادة والافتخار. هناك كثيرون يرفضوا أن يقال عنهم سعوديين لأن في تلك النسبة إهانة وعبودية وإذلالاً، وفيه أيضاً محو واستئصال لكل ما يربط المنتسبين من انشدادات عائلية وتاريخية وثقافية، ولكل ما هو عزيز الصلة عليهم من أرض، وذاكرة جماعية، وتقاليد في الأكل واللبس واللهجة.

الغامدي الأميركي رغم ما يشكله من مثال صارخ على غياب الرابطة الوطنية التي تحول دون اختراق المحرمات ومنها العدوان الأميركي على العراق، الا أن الأمثلة على غياب تلك الرابطة ولكن في غير هذه المواضع تكاد تسد عين الشمس، فالوطن الذي لم يولد بعد لا تتوقع أن يولد منه مواطنون يرعون مشاعر وهمية لدولة غير وطنية لأن منهم من حارب تحت العلم الأميركي، فهناك من لديهم استعداد لممارسة الطب والتعليم والهندسة والبناء والطيران في أميركا وأوروبا لأنهم يشعرون بالكرامة في غير وطنهم.

الصفحة السابقة