تحالف قاعدة اليمن والسعودية

الكراهية الدينية، الطائفية، التحريض على القتل

المرجعية الوهابية لتنظيمات القاعدة

الجزء الثاني ـ تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب

سعد الشريف

صحيح أن تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب تشكّل في العام 2009، بعد اندماج فرعين من تنظيم القاعدة في السعودية (أعلن عن وجوده العملي في مايو 2003) واليمن، وتعّهد بتوجيه ضرباته للمنشآت النفطية والأجانب وقوات الأمن بهدف إطاحة العائلة المالكة في السعودية والحكومة اليمنية برئاسة علي عبد الله صالح وصولاً الى إقامة إمارة إسلامية تمهيداً للدخول في مشروع إقامة الخلافة أو الإمامة الكبرى، بحسب الأدبيات السلفية.

وجّهت للتنظيم تهمة محاولة تفجير طائرة ركاب أميركية في ديترويت خلال عيد الميلاد من العام 2009، واعترف شاب نيجيري يدعى عمر فاروق عبد المطلب بأنه تلقى تدريبات على أيدي ناشطين في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وجهّزوه بالأسلحة والمتفجّرات، واعترف بأن آخرين أيضاً قد تلقوا تدريببات مماثلة.

بعد سلسلة ضربات تلقّاها تنظيم القاعدة في السعودية عقب مقتل قادته مثل خالد الحاج، وعبد العزيز المقرن، وصالح العوفي، إضطر عناصر التنظيم للهرب الى اليمن، التي مثّلت خياراً مريحاً لتنظيم القاعدة، حيث تمّ الاستفادة من ضعف الحكومة المركزية اليمنية، وبدأوا في تشكيل خلايا وقواعد لهم في أبين وشبوه في الجنوب اليمني. ويتحدث الحوثيون عن استغلال الحكومة اليمنية لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب في حربها مع المقاتلين من أتباع المذهب الزيدي، ولكن الخسائر التي تلقّاها التنظيم دفعته الى إخلاء ساحات القتال والتوجّه الى مناطق نائية في الجنوب.

نشاط القاعدة في اليمن يعود الى استهداف المدمرة كول الأميركية في العام 2000 والذي أسفر عن مقتل سبعة عشر بحاراً أميركياً، الا أن القاعدة لم تأخذ شكلها التنظيمي الا في منتصف العقد الأخير، خصوصاً بعد أن تكشّفت حقيقة الرواية المبالغ فيها عن حجم القاعدة، فلم يكن، بحسب تقييم أحد القادة الحوثيين، حتى 2009 سوى تنظيم ضعيف مبعثر، غير قادر على خوض مواجهات مسلّحة واسعة بالطريقة التي تعكسها وسائل الإعلام الرسمية سواء في اليمن أو حتى وسائل الاعلام الأجنبية.

تكّثفت عمليات تنظيم (قاعدة الجهاد في جزيرة العرب) في الجنوب اليمني وخصوصاً في محافظات أبين وشبوة ومأرب وفي حضرموت عموماً، وهي المناطق التي قصدها أسامة بن لادن لتعبئة المقاتلين وتشكيل التنظيم، إلى جانب عمليات نوعية محدودة ومتقطعة للتنظيم في العاصمة صنعاء، كالعملية التي قامت بها سرية الشيخ أبي عمر البغدادي في 26 إبريل 2010 واستهدفت السفير البريطاني. وفي بيان حول عملية اقتحام (كتائب الشهيد جميل العنبري) لمبنى الأمن السياسي بعدن في يوم السبت 8/7/1431هـ ـ الموافق 19 يونيو 2010 أسفرت العملية عن قتل عدد من ضباط وجنود الأمن السياسي في رد على عمليات المداهمة التي تقوم بها أجهزة الأمن اليمنية في محافظة مأرب.

من وجهة النظر الأميركية، أن معيار قوة التنظيم برز في قدرة عناصره وعددهم 23 سجيناً من الهرب من سجن في صنعاء في الثالث من فبراير 2006 عبر نفق طوله 25 متراً تم حفره على مدار شهرين، وأن يكون من بين الفارّين العقل المدبّر للهجوم على المدمّرة كول، ويدعى جمال البداوي. وبالرغم من أنه تم القاء القبض على معظم السجناء الفارين، باستثناء مساعد بن لادن، عبد الكريم الوحيشي (أمير التنظيم)، وآخر يدعى قاسم الرايمي، وكانا مسؤولين عن تجنيد عناصر جديدة من جنسيات عربية وأجنبية.

أعلن التنظيم في العام 2008 عن عدد من العمليات الانتحارية ضد سوّاح غربيين، وكذلك هجوم صاروخي ضد السفارة الاميركية أدى إلى مقتل عشرة حراس يمنيين وأربعة مدنيين قبل أن يلقوا مصرعهم. وبعد أربعة شهور من الحادث، خرج الوحيشي ليعلن في تسجيل مصوّر عن اندماج فرعي القاعدة فى السعودية و اليمن ليشكلا معا (القاعدة ومنظمة الجهاد فى شبة الجزيرة العربية )، وظهر خلالها نائب زعيم التنظيم الجديد سعيد علي الشهري وهو سعودي الجنسية تم اطلاق سراحه من معتقل جوانتانامو فى نوفمبر/تشرين الثاني 2007 ومعتقل سابق آخر و يدعي محمد عاتق الحربي القائد الميداني للتنظيم. لابد من الاشارة الى أن التنظيم بدّل إسمه لاحقاً من (تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب ـ أرض اليمن) الى (تنظيم قاعدة الجهاد في جنوب جزيرة العرب). وكان هروب عناصر قيادية في القاعدة من السعوديين أمثال سعيد الشهري وصهره يوسف الشهري ومحمد العوفي وإبراهيم الربيش وغيرهم قد التحقوا بالإئتلاف القاعدي الجديد في اليمن، بعد أن فشل برنامج (المناصحة) في تصحيح أفكارهم حول الجهاد والولاء والبراء والنصرة والطائفة المنصورة..

المدمرة كول بعد تفجيرها

كانت العملية الأولى المزعومة للتنظيم الجديد خارج البلاد فى أغسطس 2009 في السعودية هي محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية السعودي لشؤون الأمن. نقول المزعومة لأن تقارير أخرى شكّكت في صحة الرواية بالطريقة التي ذكرتها الحكومة السعودية.

كثرة العناصر اليمنية في تنظيم القاعدة لا تعكس على الإطلاق إشارة أيديولوجية من أي نوع، بل هي مرتبطة بطبيعة اليمن، الأرض والإنسان، فقد كانت اليمن وافغانستان بيئتين نموذجيتين لاحتضان مشروع السلفية الجهادية، لأسباب عديدة من بينها الطبيعة الجبلية المناسبة لحرب العصابات، والفقر (60 بالمئة من سكان اليمن تحت خط الفقر بحسب تقارير الامام المتحدة)، وانخفاض المستوى التعليمي، وضعف الحكومة المركزية المفضي الى انفلات الأوضاع الأمنية، انتشار السلاح بكثافة بين السكّان المحليين. وبحسب قائد حوثي (بإمكانك العثور على الرصاصة والدبابة في سوق السلاح اليمنية).

فقد شارك عناصر القاعدة العائدين من أفغانستان في الحرب الاهلية في اليمن العام 1994 الى جانب الجيش اليمني الشمالي، وكان اليمن ملاذاً آمناً لآلاف المقاتلين العرب الذين عادوا بالإنتصار ضد الإحتلال الروسي في أفغانستان أواخر الثمانينات من القرن الماضي.

حين ننتقل الى البعد الأيديولوجي للقاعدة، نجد أن كيمياء العلاقة الأيديولوجية بين أسامة بن لادن والدكتور عبد الله عزّام، تعود الى بداية الثمانينات حين انتقل عزّام الى السعودية بعد طرده من الأردن الذي منع من التدريس في جامعاتها، ثم فصله من جماعة الاخوان المسلمين في الأردن بسبب إقامته معسكراً للتدريب على الحدود مع فلسطين، موطنه الأصلي.

في السعودية، تعرّف عزّام على الفكر السلفي الجهادي والتقى بابن لادن وكان في العشرينات من عمره، حيث التقى مبدءا الهجرة والجهاد، فبينما تشبّع ابن لادن بفكرة الهجرة من عزّام الذي عاش حياته مطروداً من بلده الأصلي من قبل الصهاينة، ثم من الأردن التي كانت وطناً بديلاً له، فيما تشبّع عزّام بفكرة الجهاد التي عثر على تأصيل عميق لها في الأدبيات السلفية. وكانت ثقافة الهجرة والجهاد ما يميز العقيدة السلفية الوهابية التي شرعنت سفك دماء السكّان المحللين والمناطق المجاورة، وتالياً إقامة دولة آل سعود، ومن مكوّناتها ولد تنظيم القاعدة.

تتلمذ إبن لادن على يد عبد الله عزّام في السعودية، قبل أن يعملا سويّاً في أفغانستان من خلال (مكتب خدمات المجاهدين) الذي أسسه عزّام سنة 1983 لتعبئة وتجنيد المقاتلين العرب المتطوّعين للجهاد في أفغانستان ضد الإحتلال السوفياتي، وكان يقوم المكتب بمهمات إغاثية وطبية إلى جانب وظيفة التعبئة الاعلامية. نشير هنا الى أن انتقال عزّام الى أفغانستان جاء وظيفياً، حيث كان يعمل أستاذاً في جامعة الملك عبد العزيز بجدة وتمّت إعارته الى الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام أباد، سنة 1981. وحين التقى عزّام وابن لادن في أفغانستان لم يرق للأخير طريقة أستاذه في العمل، حيث كان ينزع الى تكثيف كل جهوده في العمل العسكري، فيما واصل عزّام مشروعه في توفير خدمات إغاثية وثقافية للمشروع الجهادي الأفغاني، الى لحظة قتله مع إثنين من أبنائه في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1989 في بيشاور بعد تفخيخ سيارتهم.

قاد إبن لادن حملات التعبئة الإيديولوجية في اليمن الجنوبي، وخصوصاً حضرموت، في سبيل التحريض على القتال ضد السوفييت في أفغانستان، فدفعت القبائل أبناءها للهجرة الى (دار الحرب) و(أرض الجهاد)، فتقاطروا بوحي من الفتاوى الجهادية على أفغانستان، قابلتها رغبة أميركية في توجيه كل السهام ضد الروس في (لعبة أمم) لم تتقن الكتل البشرية القادمة من الجزيرة العربية كنهها.

كان عبد العزيز المقرن (قتل في يونيو 2004)، قائد تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، حينذاك يخوض مواجهات عسكرية ضد القوات الأميركية في الصومال العام 1992، وكان شباب يمنيون من القاعدة مثل أبو طارق الفضلي وجمال النهدي يقودون حرب عصابات ضد الحزب الاشتراكي اليمني الحاكم في الجنوب، ولكن بعد نهاية الحرب في صيف 1994، قرر الفضلي والنهدي قطع صلاتهما بالقاعدة والقبول بمكافأة مادية ووظيفية من قبل القيادة السياسية اليمنية في الشمال.

مهما تبدّلت هوية قيادة التنظيمات الفرعية لشبكة القاعدة، فإن ثمة ثابتاً راسخاً لا يخضع لقوانين التغيّر، ذاك هو الثابت الأيديولوجي الذي يمثّل حجر الزاوية، بل الدافع الرئيسي للإلتحاق بتنظيم جهادي، والانغماس في عمليات ذات طابع سادي بإسم الجهاد. من منطقة القبائل في باكستان مروراً بأفغانستان والعراق وبلاد الشام واليمن وشمال أفريقيا وصولاً الى أوروبا غرباً والى شبه القارة الهندية شرقاً وجمهوريات الاتحاد السوفياتي ـ سابقاً ـ شمالاً، وإلى القارة الأفريقية جنوباً، ثمة لغة مشتركة تتداولها التنظيمات الجهادية، لغة تستمد مفرداتها من الأدبيات السلفية الوهابية في الجزيرة العربية. إنها مرجعية ضخمة تراكمت منذ ظهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد وصولاً الى الجيل الصحوي الذي برز في التسعينيات من القرن الماضي، رغم تنصّله لاحقاً من كل ما صدر عنه من فتاوى، وبيانات، وتصريحات تحرّض على القتال..

قد تختلط الأوراق حين يجري الحديث عن هوية الأعضاء في التنظيمات القاعدية، ولكن بإمكان الدراس للمدرسة الوهابية أن يعثر وبسهولة وسرعة فائقة على المرجعية الأيديولوجية الأصلية لهذه التنظيمات.

مجلة صدى الملاحم الناطق باسم القاعدة في جزيرة العرب

صدى الملاحم.. نشرة وهابية

حين نقرأ مجلة (صدى الملاحم) الناطقة بإسم تنظيم (قاعدة الجهاد في جزيرة العرب)، إلى جانب نشريات، وأفلام دعائية، وبيانات صوتية صادرة عنه، فإن النتيجة التي يمكن للمرء أن يخرج بها هي أن المرجعية الفكرية لدى هذا التنظيم هي ذاتها لدى التنظيمات الفرعية الأخرى في بلاد الشام والعراق وافغانستان. الجدل الدائر حول موقف تنظيمات القاعدة من علماء المؤسسة الدينية الرسمية في السعودية لا يدور حول صحة النص السلفي أو سقمه، بل حول تطبيقاته. وغالباً ما يتركّز الخلاف بين الطرفين حول الموقف من الحكومة السعودية حصرياً، إن كانت تدخل في إطار (الطوائف الممتنعة)، أي الطائفة التي تمتنع عن الامتثال لأحكام الاسلام.

وقد جاء في كتاب (السياسة الشرعية، ج1 ص 106 ومابعدها) لشيخ الاسلام ابن تيمية: (وأيما طائفة ممتنعة انتسبت إلى الإسلام وامتنعت من بعض شرائعه الظاهرة المتواترة فإنه يجب جهادها باتفاق المسلمين، حتى يكون الدين كله لله). وقد أدخلت أجهزة الأمن والاستخبارات في مسمى الطوائف الممتنعة، ما برر استهداف عناصرها من قبل التنظيمات القاعدية. قد يستحضر ذلك ماورد في محاضرة للشيخ الصحوي السابق سلمان بن فهد العودة بعنوان (رسالة الى أخي رجل الأمن) يحذّره فيه من الوقوف الى جانب الدولة من خلال اعتماد مبدأ (الطاعة العمياء)، وقال بأن واجب رجال الأمن هو الدفاع عن الدين من أي اعتداء فهو حسب قوله (الجريمةُ العظمى التي تأخذ رقم واحد، والتي يجب أن يجعل رجل الأمن من جهده جهداً كبيراً في مقاومتها وكشفِ من يعملها أو يمارسها وإيقافه عند حده). كما نبّه رجل الأمن من دعاية الحكومة الرامية الى التهويل من خطر رجال الصحوة (ملأوا قلبك أخي رجل الأمن خوفاً وذعراً، حتى أصبحت إذا رأيت ذا اللحية فكأنما رأيت بعبعاً مخيفاً أو شيئاً عنيفا؛ وبالمقابل خوفوه بك، وجعلوك سيفاً مسلّطاً على رقبته، فصار ما إن يراك ببزتك وبدلتك حتى يرى الموت الأحمر ويدري أنه إن لم يَقتُل يُقْتَل، وصرت أنت وإياه حينئذ ضدين لا يجتمعان.. إنه الدم، إنه القصاص، قال الله تعالى {ولكم في القصاصِ حياةٌ يا أولي الألباب} والقاتلُ مقتول ولو بعد حين، وسيقضي القاتل أياً كان بقية عمره في قلق لا يهدأ وتوتر لا يسكن، وذلك أن يزرع الله تعالى في قلب القاتل شقاء لا سعادة معه قط..). وفي مكان آخر ينذر العودة رجل الأمن من سوء العاقبة في الدنيا (فلماذا تنـزعج أخي أو ينزعج غيرك من خبرٍ يقول: مقتل ضابط أو شرطي في بلد كذا؟ ثم تسر بخبرٍ يقول لك اقتحام منـزل وقتل عشرين من المتطرفين..).

كثافة الرمزية العقدية والتاريخية بطابعها الديني في الثقافة الجهادوية السلفية ينبىء عن نزوع شديد الضراوة نحو التميّز عن الآخر، والانعزال في شكله المتعالي والمتمرد، تضاف إلى نزعة مبيّتة نحو اختطاف التمثيل الشعبي والمدرسي للدين (=الإسلام). مفردات ذات دلالة دينية وتاريخية مثل (بدر، أبو هريرة، أمير الجماعة، وعد، غزوة، معركة، ملحمة، القصاص العادل)، إلى جانب عناوين ذات تركيبة سجعية من قبيل (القول الصراح في حكم استهداف السياح). نقرأ في سلسلة الافلام التعبوية التي صدرت عن تنظيمات القاعدة في اليمن والسعودية في العام 2009 عناوين مثل (فزت ورب الكعبة) وتتضمن وصايا منفذي عملية استهداف الكوريين الجنوبيين في اليمن، وفيلم (غزوة الفرقان) والذي يشتمل على صور عن تنفيذ الهجوم على السفارة الأميركية في صنعاء وفيه وصايا المنّفذين، وفيلم (معركة مأرب) ويوثّق الاشتباكات التي دارت بين وحدات من الحرس الجمهوري اليمني في آب (أغسطس) 2009، مع عناصر القاعدة في محافظة مأرب، 170 كم شمال شرق صنعاء.

يمكن قراءة الأدبيات القاعدية بوصفها تمظهرات أمينة عن الهوية الأيديولوجية الأصلية للتنظيمات القاعدية. في مجلة (صدى الملاحم) التي صدر العدد الأول منها في شهر محرم 1429هـ (الموافق يناير 2008)، أول ما تلحظه هي أسماء المحررين الذين يحملون دلالات تاريخية ودينية مثل (أبو بصير، أبو بالقعقاع الجنوبي، أبو العلاء الحضرمي، أبي فراس، ذو الفقار)، ثم تأتي العناوين بنفس الزخم الدلالي: (وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن)، (أضواء على عملية أبين)، (منبر حسان)، (لا تكلف إلا نفسك)، ( وعلى الطريق رجال)، (في ظلال الظلال)، (حادي الجهاد)..

في مقالة (وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن) والتي تروى قصة نبي الله يوسف (عليه السلام)، رسم ملاحم استراتيجية عمل التنظيم وقال بأن (الفرار سنّة من سنن الأنبياء) في ضوء عدد من الآيات القرآنية التي تحدّثت عن مبدأ الفرار، وقال (ينال المسلم بالفرار الحكم في الأرض والعلم والمعرفة بالله (ففرت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً وجعلني من المرسلين ـ الشعراء 21)، وأن الفرار الى الله من الدنيا والقعود فيها يهب للمسلم القوة والتمكين (ففروا الى الله إني لكم منه نذير مبين ـ الذاريات 59) ليختم بعد ذلك بدعوة (فأين الفارين (هكذا) من الدنيا المقبلين على الآخرة فليلجوا باب التمكين وليلحقوا بإخوانهم وليوحدوا جهودهم وليبذلوا أموالهم). والفرار لا تعني مجرد انتقال مكاني للجسد، بل هي تعبّر عن حالة تمرّد وجحود بالواقع الذي يراد الانقلاب عليه وتغييره من وجهة نظر إيمانية.

عبارات لها وقع خاص في البيئة السلفية مثل (ممسكون بالراية.. ماضون على الجهاد.. مراغمة الطواغيت.. بلاد الرافدين.. ذرى خراسان، أرض الصومال.. أذناب الصليبيين.. اليهود والنصارى..)

ونقرأ في العدد الآول موضوعاً عن الجهاد وأنواعه، من بينها جهاد الدفع، أي دفع الكفّار عن بلاد المسلمين ويكون فرض عين على جميع المسلمين؟

محاولة اغتيال محمد بن نايف من أهم نشاطات قاعدة جزيرة العرب

ولم يغفل محررو العدد إيلاء المرأة أهمية جهادية، حيث أضيء على دور المرأة، داعية، ومحرّضة على القتال والجهاد، على غرار ما فعلت أم عمارة في أحد وحنين واليمامة.. وحتى الطب الشعبي أو ما يطلق عليه النبوي الذي يرجع فيه الى ابن القيم.

في اقتتاحية العدد الثاني من (صدى الملاحم) في ربيع أول 1429هـ بعنوان ثابت (هذا بيان للناس)، وعنوان متغيّر (براءة) ثمة موقف واضح (أننا نبرأ من كل كافر داخل جزيرة العرب وأنه حلال الدم والمال، ولا أمان له، لعدم شرعية حكومة الأسود العنسي بل هي أولى بالخروج من جزيرة العرب وبناءً على ذلك فلا تصح عقودهم وأمانهم لأن فاقد الأهلية الشرعية لا يعطيها فهذه العهود لا تلزمنا ويسعنا ما وسع الصحابي الجليل أبو بصير رضي الله عنه وأرضاه). ويضيف (فنبرأ إلى الله من هذه العهود والمواثيق التي عقدها الكافر المرتد الخائن الذي أباح جزيرة العرب لهؤلاء الكفرة المحاربين والمشركين من اليهود والنصارى وغيرهم). وهذا الرأي يستدعي ما ورد في كتاب (تحكيم القوانين) للمفتي الأسبق للملكة الشيخ محمد بن ابراهيم، وكتب شرحاً عليه الشيخ سفر الحوالي، وأفصح عن موقف عملي إزائه الشيخ حمود التويجري.

وعلى النسق نفسه تبدو الاعداد اللاحقة التي تتناول موضوعات مشابهة بذات الزخم الديني والعاطفي حيث لا يكّف محررو المجلة عن استثارة الجمهور من أجل الالتحاق بركب (القاعدة).

في العدد 14 من (صدى الملاحم) الصادر في شهر رجب 1431هـ نقرأ في الافتتاحية (والعاقبة للمتقين) أن عملية عمر الفاروق جاءت بعد القصف الأميركي على أبين وشبوة، أو (بمثابة رسالة مفادها أننا لن نترك الثأر لإخواننا المظلومين في كل مكان، وكرسالة أخرى للمسلمين في كل مكان أن يحذوا هذا الحذو ويخطوا نفس الخطى..) وأوضحت (أن المجاهدين ماضون في مشروعهم في التربّص بأئمة الكفر المجرمين ودهاقنة الشر الصليبيين..).

وتميّز العدد بسرد سيرة الشيخ عبد الكريم حميد الذي التقاه أحد عناصر التنظيم في سجن بريدة في القصيم العام 1425 هـ ـ 2004، حيث جاء فيه: (أن أعظم ما يمكننا الحديث عنه من حياة الشيخ هو مناصرته لقضايا الجهاد والمجاهدين، وصدعه بالحق، وبغضه وتكفيره للطواغيت). وينقل عنه (سمعته كثيراً ما يؤكد على كفر الدولة السعودية وكان يقسم على ذلك، وقد حدّثني أحد تلامذته أنه وفي يوم من الأيام وفي أحد مجالسه كان الشيخ يتحدث عن الزهد وعن طبيعة حياة السلف، وفجأة دخل مجموعة من الناس وكأنهم ليسوا من أهل البلد، فظن الشيخ أنهم ممن قطع الفيافي والقفار وجاء ليشاهد حياة الشيخ وزهده كما يفعل كثير من الناس، فتفحص الشيخ وجوههم ثم قال: أيها الإخوة، ومع أن الزهد والبعد عن مظاهر الترف والرجوع إلى حياة السلف هي من الأمور التي ينبغي على المسلم الاهتمام بها في هذا الزمان، إلا أن هناك أمورٌ أهم منها ويجب أن نذكرها، وهي ما يحصل في هذه الأيام من قتال في بلادنا، ولعل بعضكم يتساءل: كيف للشباب أن يقاتلوا دولة تزعم أنها مسلمة وأنها تطبق شرع الله، وأنا أقول لكم وأختصر عليكم الجواب: لعنة الله عليَّ إن كانت الحكومة السعودية مسلمة، ورددها مراراً).

ونقل حديثاً بين الشيخ حميد وعدد من مشايخ المناصحة:

(حدثني الشيخ ذات مرة فقال: جاءني وفد من أحدى الجامعات - التي تسير على منهج الإسلام السعودي - أرسلتهم الدولة لكي يثنوني عن مناصرة المجاهدين وطلبوا الجلوس معي فرفضت الجلوس معهم، وقلت لهم: إنكم قوم تستحقون الهجر لأنكم تأكلون بدينكم، وقد جعلتكم الدولة بوقاً لها تحارب به المجاهدين، قال: فألحوا عليّ وقالوا: إن الأمر ضروري جداً يا شيخ، قال: فجلست معهم على مضض، فكان مما قالوه لي: يا شيخ نحن نعلم صدقك ومحبتك لنصرة دين الله، ولكنك تزكي أشخاصاً هم ليسوا على جادة الصواب، ولا يمثلون الجهاد كأسامة بن لادن وعبد العزيز المقرن ويوسف العييري وغيرهم، يقول: فقلت لهم مستهجناً: أصحيح أن هؤلاء ليسوا بمجاهدين ؟ قالوا: نعم ليسوا بمجاهدين وطمعوا مني بذلك، قال: فقلت لهم: الذي أعرفه أن بلاد المسلمين محتلة خاصة العراق وأفغانستان ولا بد من جهاد هؤلاء المحتلين فإن لم يكن أسامة ومن معه مجاهدون فأين المجاهدون ؟ قالوا: لا يوجد يا شيخ مجاهدون في زماننا، قال: إذا لماذا لا تذهبون أنتم لجهاد الأمريكان في العراق وأفغانستان؟ قالوا: نحن ضعفاء يا شيخ ولا نستطيع جهاد الأمريكان، قال: فلماذا لا تعدون العدة، وتقيمون المعسكرات لتدريب الشباب على السلاح ؟ قالوا: لا نستطيع يا شيخ نحن عاجزون عن ذلك، فقال: إليكم عني، لا يوجد مجاهدين في هذا الزمان؟ ولا تريدون أنتم الجهاد؟ ولا تريدون الإعداد فما أبقيتم لدينكم؟، ثم قال لهم: والله أن أسامة ومن معه على خير وجهاد وسأبقى مناصراً لهم ماداموا على الحق ثم قام وتركهم).

دخل التنظيم في مناقشة الاختلاط في الجامعات السعودية، واعتبر دعاة الاختلاط بالانهزاميين، وجاء (يخرج على الأمة نشاز من دعاة الانهزامية المنبهرين أمام انحطاط الغرب، فاقدي الثقة في ثقافتهم الاسلامية ممن يتحدث عن جواز الاختلاط..)، وقال (إن الحديث عما يحصل في جامعة عبد الله آل سعود لم يعد حديثاً عن الاختلاط، وإنما حديث عن التداخل والامتزاج بين ذكر وانثى بدون محرم، أو ضرورة في ظل وجود الفضائيات الفاسدة المتخلية عن القيم والمتنكرة لها..). ويرجع في ذلك الى كتب المدرسة السلفية مثل ابن القيم الجوزية، وابن تيمية، وغيرهما.

وفي مقالة بعنوان (منهج الكتاب والسيف) نقل عن ابن تيمية قوله (ولن يقوم الدين الا بالكتاب والميزان والحديد، كتاب يهدي به وحديد ينصره). وأن المدافعة والمقاتلة تحتاج الى أمرين أساسيين هما: الرجال والأرض، (فإذا وجد الرجال وجب وجود الأرض) (فإذا أردنا أن نقيم دولة العدل التي جاء بها الإسلام على أرض الواقع -وهذا واجب شرعي- فلابد أن نجد المكان المناسب لإقامتها كما فعل قدوتنا محمد..). واعتبروا أن أرض اليمن هي (أرض مدد وجهاد) و(أنها مهيأة للدعوة بالكتاب أكثر من فعل السيف، وهذا ما جعلنا بفضل الله نكثف أمر الدعوة، ويكون العمل العسكري يقوم على العمليات النوعية..) ويختم (وما نراه بفضل الله من استدراج الله لحكام الجزيرة المرتدين، وكيف بدأت عروشهم تتهاوى وتنهار، وشعوبهم تلعنهم بالليل والنهار..).

منظّرا القاعدة فكرياً: العودة والحوالي

ولابد من الإشارة الى أن محرّري مجلة (صدى الملاحم) والبيانات الصادرة عن التنظيم لا يمكن إلا يكونوا من طلبة العلم الشرعي، كما تخبر سعة اطلاعهم على الفتاوى الشرعية، وإتقانهم لضوابط اللغة الدارجة في حقل العلم الشرعي، كما تكشف عن قدرتهم على المحاجّة وبيان أوجه القضايا الخلافية في المستوى الفقهي، وكثافة حضور النصوص القرآنية والنبوية وكذلك التفاسير والفتاوى والآراء المتباينة. في مقالة بعنوان (الفتوى بين قيود الشرع والقيود الدخيلة) في العدد الرابع عشر من (صدى الملاحم) جاء بأن (العلماء موقعون عن رب العالمين، وعليه فيجب ألا يكون لغير الله عليهم سلطان، حتى تكون الفتوى على الحاكم الأعلى لهذا الكون، وهو الذي وكلهم في التوقيع، وأخذ عليهم الميثاق بالبيان، وعدم الكتمان)، ويذكّر هذا الرأي بما ورد في مقالة للشيخ ناصر بن سليمان العمر بعنوان (على بصيرة) من جزئين وجاء في الجزء الأول منه (فالأمراء والحكّام يرجعون إلى العلماء فيما يشكل عليها من أمر الشرع، وما يقرّره العلماء يلتزم به الأمراء، لأن العلماء هم الموقعون عن رب العالمين) ـ أنظر موقع المسلم، على بصيرة (1 ـ2) بتاريخ 17/4/1427هـ.

ويضع التقوى معياراً في الفتوى، وأن من صفات صلاح العالم (الصدع بالحق دون النظر لهوى الحاكم، بخلاف من يصدع بالحق الذي لا يخالف هوى الحاكم) ، ويضرب مثلالاً (فمثلا نرى بعضهم هذه الأيام يسب الرافضة الحوثيين، ويتغاضى عن رافضة المدينة والقطيف، فعلمنا أنه ليس غضباً لأعراض الصحابة، ولكنه غضب لجبل الدخان).

ويقسّم العلماء من حيث الاستقلالية الى ثلاثة أقسام: علماء رسميون، وهم الذين يعتاشون على مرتّبات الدولة (فهؤلاء ستكون فتاواهم متأثرة بأقواتهم)، وذكر مثالين: الشيخ الشثري الذي أفتى بحرمة الاختلاط وفصل من منصبه، والشيخ إبراهيم الدبيان، وفصله من مهنة التدريس، وكان الدبيان من بين الموقّعين على (بيان حول تغيير المناهج في السعودية) في يناير 2004.

والقسم الآخر: علماء ليسوا رسميين ولكنهم مقيّدون، وضرب مثالاً لذلك الموقعين على (مذكرة النصيحة): (حيث تضمنت المذكرة ذكر مكفرات عدة، ثم نراهم اليوم يعلنون الولاء التام لولاة أمرهم، مع أن الولاة لم يزدادوا إلا سوءً، فما الذي تغير؟ أهو الحق أم الرجال؟).

أما القسم الثالث: علماء مستقلون، ومن الأمثلة على ذلك الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي، صاحب الموقف المعروف من هجمات الحادي عش من سبتمبر ومن تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن. يقول الكاتب (فقد مرّت بالأمة قضايا كانت ساحة الفتوى خالية من التجرّد من القيود، لولا فتاوى معدودة من الشيخ حمود وقلة من العلماء المستقلين). وذكر أيضاً الشيخ سلمان العلوان الذي لا يزال معتقلاً في السجون السعودية. وذكر الكاتب بأن الحكومة عرضت عليه خيارين: (إما أن يقبل عضوية هيئة كبار العلماء، أو أن يستمر في التدريس، لكن لا يتكلم في أي حدث داخلي أو خارجي، ولمّا لم يقبل الشيخ أحد هذين العرضين لم يجدوا له دواء إلا جامعة يوسف عليه السلام). ثم يختم بكلمات ذات دلالة ايديولوجية:

(كم نحن بحاجة إلى مثل ثبات أحمد بن حنبل في وجه الخليفة، وجرأة ابن تيمية والعز بن عبد السلام في الإنكار على الحكام، وشجاعة محمد بن عبد الوهاب في مواجهة أهل عصره، حتى حولهم من البدعة إلى السنة، ومن الشرك إلى التوحيد، أما مجرد التدريس الذي لا يعالج ما في الواقع من أمراض المعاصي، فهو أسلوب ناجح في حفظ العلم في صدور المتعلمين، لكنه علم لا يتجاوز صدور الطلبة، وجدران المكتبات).

وتعرّض الكاتب لـ (هيئة كبار العلماء)، ليس من منطق إيديولوجي فهؤلاء (شابت لحاهم في طلب العلم وتعليمه، ونشر التوحيد والصدع بالحق) كما تربّى على ذلك منذ نعومة أظفاره، ولكن اكتشف بعد ذلك (أنهم حولوا جزيرة العرب ومهبط الوحي وقلب الإسلام إلى قاعدة للصليبيين الأمريكان..).

في المقابل، أورد الكاتب صوراً من مواقف العلماء في (الصدع بالحق) على حد قوله، وكلهم ينتمون للمدرسة الحنبلية في القديم، أما الجديد فذكر سيد قطب ثم ذكر قائمة كلهم ينتمون الى المدرسة الوهابية مثل الشيخ عبد الله عزام، والشيخ حمود الشعيبي (الذي صدع بفتوى ضرب أبراج التجارة العالمية) حسب قوله، والشيخ يوسف العييري، والشيخ عبد الله الرشود، والشيخ وليد السناني، والشيخ محمد الصقعبي، والشيخ حمد الحميدي والشيخ فارس آل شويل الزهراني، والشيخ أبي قتادة الفلسطيني، والشيخ خالد الراشد..

في مقابلة مع نايف بن محمد القحطاني الملقّب (أبو همام القحطاني)، يقول بأن ما دفعه لاختيار الجهاد في جزير العرب وليس أفغانستان أو العراق هو آية قرآنية طالما ترددت في أدبيات الصحوة في التسعينيات من القرن الماضي (قاتلوا الذين يلونكم من الكفّار وليجدوا فيكم غلظة)، وكذلك حديث منسوب الى الرسول (صلى الله عليه وسلم) (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)، وهو حديث إعتمده زعيم القاعدة أسامة بن لادن في رسالته المعنونة (إعلان الجهاد على الأمريكيين المحتلين لبلاد الحرمين (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) واعتمد فيها على كتاب ألّفه الشيخ سفر الحوالي في 1991 بعنوان (كشف الغمة عن علماء الأمة).وبإمكان القارىء للكتيّب أن يلحظ بسهولة اللغة السائدة في الأدبيات القاعدية، ونختار هنا عينة عشوائية من بعض العبارات الدارجة في بيانات تنظيمات القاعدة (تداعي أمم الغرب النصرانية.. إتحاد أوروبا الصليبية.. الغرب الصليبي، الرويبضات، العلمانيين، أمة التوحيد، الرافضة..).

وكان الحوالي من أصحاب الرأي القائل، كما جاء في المقدمة، بأن الوجود العسكري الاميركي في السعودية هو احتلال عسكري مخطط له مسبقاً.

عبدالله عزام، ابتعثته السعودية الى افغانستان ففرخ القاعدة

يقول الحوالي في نفس الكتاب سالف الذكر (ص61) ما نصّه: (لقد ظهر الكفر والإلحاد في صحفنا وفشا المنكر في نوادينا ودعي إلى الزنا في إذاعتنا وتلفزيوننا واستبحنا الربا حتى أن بنوك دول الكفر لا تبعد عن بيت الله الحرام إلا خطوات معدودات). وعن تحكيم القوانين الوضعية يقول الحوالي (أما التحاكم الى الشرع ـ تلك الدعوى القديمة ـ فالحق أنه لم يبق للشريعة عندنا إلا ما يسميه أصحاب الطاغوت الوضعي الأحوال الشخصية وبعض الحدود التي غرضها ضبط الأمن (ومنذ أشهر لم نسمع شيئاً منهم عن حد أقيم) ومع ذلك وضعنا الأغلال الثقيلة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصفدنا الدعوة والموعظة بالقيود المحكمة، وهذا من استحكام الخذلان وشدّة الهوان ومن يهن الله فما له من مكرم). ويختم بالقول، بأن الصراع الدائر خلال التاريخ المعاصر بين دولة العقيدة ودولة الرفاهية، وكانت وسيلة الثانية هي التغريب التي أفضت الى أن سلّط الله الذل على الدولة السعودية (ووقعت النازلة فارتجف منا كل قلب وذهل كل لب بعد أن كنا منصورين بالرعب، واستيقظنا فإذا جيشنا الذي كان أيام سيادة المبدأ الأول (قبل سبعين سنة) أكثر من (400.000) مجاهد وعجزت أمهر الاستخبارات العالمية عن اختراقه لا يتجاوز اليوم خُمُس ذلك العدد وبينهم كثير من متبعي الشهوات ومضيعي الصلوات وأصبحنا نستجدي لحمايتنا أمم الأرض كافرها ومسلمها حتى دويلات أفريقيا الفقيرة). وتساءل (أفيكون المغضوب عليهم أحرص على الموت وأخلص لدينهم وأمتهم وأحفظ لأموالهم منا). وفي محاولة أخيرة منه لتعبئة العلماء في مواجهة قرار استقدام القوات الأجنبية (أو الصليبية كما يسمونها)، ولكن ظنه كما يقول (قد خاب إذ سرعان ما عادت السكرة واستحكمت الغفلة ورانت الذنوب وضاع صوت النصح بل حُورِب ومُنِع)(ص ص 61 ـ62).

في سياق موازٍ، يضع الشيخ الحوالي تصوّراً لما أطلق عليه لاحقاً الهلال الشيعي، وقد أسماه الحوالي بالقوس الرافضي، والذي جرى استعماله بكثافة من قبل حكومات وأخيراً ورد في أدبيات القاعدة:

(إذا تصورنا ذلك أدركنا خطراً كبيراً يهدد المنطقة في حالة تدمير العراق وإحلال التحالف الشيعي محله (إيران-سوريا-العراق الذي سيصبح دولة شيعية بعد فصل الأكراد- ثم بقية المناطق الخليجية كالبحرين والإمارات وشرق السعودية- والوجود الشيعي واضح فيها، ولا ننسى أن نذكر أن كثيراً من الناطقين بالعربية في جنوب تركيا من النصيرية أيضاً، أما باكستان فكثير من قادة جيشها الكبار شيعة ومعهم إخوانهم القاديانية والبريلوية). يقول (إنها مصيبة عظمى لو أصبح هذا القوس الكبير قوساً رافضياً يهودياً توجهه الصليبية الغربية المتحالفة).

وأوصى الحوالي في مكان آخر من كتابه (ص ص 37 ـ38) العلماء بضرورة (تنبيه وسائل إعلامنا إلى الخطر الرافضي القادم وبيان فداحة الخطر الذي تقع فيه عندما تؤيّد المعارضة العراقية الرافضية وتسميها المعارضة الإسلامية وتصف آيات ضلالها بأنهم علماء الإسلام في حين تهاجم بلا هوادة جبهة السودان وجبهة الجزائر وأمثالها من الحركات الإسلامية التي مهما أخطأت فهي لا تقارن بخطر الرافضة!!) وزيادة في تهويل خطر الشيعة يقول الحوالي (إن الرافضة هم أولياء اليهود والنصارى في قديم الدهر وحديثه، ولا أظن الغربيين إلا قد أدركوا الفرق بينهم وبين أهل السنة جيداً وأخشى -لا قدَّر الله- أن نصحو على إمبراطورية مجوسية تمتد من الهند إلى مصر!!) ويستدرك في الأخير (أما إن صحونا الآن فسنقطع عليهم الطريق بإذن الله).

ونجد أصداء لمقولات الحوالي وعلماء وهابيين آخرين في بيانات القاعدة ونشرياتها، فقد جاء في منبر التوحيد والجهاد (6) (هذه عقيدتنا ومنهجنا، ص 4)، تقول اللجنة الشرعية لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين: (والرافضة عندنا طائفة شرك وردّة)، وهو نفس رأي عضو هيئة كبار العلماء السابق الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين بحسب فتوى رقم (11092) في موقعه الرسمي على الإنترنت (الرافضة غالبا مشركون حيث يدعون علي بن أبي طالب دائما في الشدة والرخاء حتى في عرفات والطواف والسعي، ويدعون أبناءه وأئمتهم كما سمعناهم مراراً وهذا شرك أكبر وردة عن الإسلام يستحقون القتل عليها، كما هم يغلون في وصف علي رضي الله عنه ويصفونه بأوصاف لا تصلح إلا لله كما سمعناهم في عرفات، وهم بذلك مرتدون..).

نقرأ في (صدى الملاحم) العدد 14 أيضاً:

(وإذا أخذنا بالاعتبار الحصار المطبق من دول الطوق، التي تخنق الفلسطينين وتقوم بدور الحارس لحدود "دولة إسرائيل" من جميع الاتجاهات، ومن هذه الأطواق الطوق الشمالي لـ"إسرائيل" الذي يفرضه حزب الله الرافضي الذي يقوم بحراسة شمال "إسرائيل" منذ زمن بحكم سيطرته التامة على جنوب لبنان، ويقوم بتأمين حدود "إسرائيل"، ولم يكتفي الحزب بهذا الدور الخبيث، بل انسحب قرابة الثلاثين كيلومتر داخل الأراضي اللبنانية، وقَبِلَ بقرار 1701 بعد حرب "تموز" والذي كان يقضي بأن يضاف إلى انسحاب حزب الله نزول وتمركز قوات "اليونيفل" الصليبية، لتقوم بدور حماية حدود إسرائيل الشمالية، ولمنع المجاهدين من استهدافها عبر جنوب لبنان، ومع ذلك فقد اخترقت صواريخ المجاهدين من كتائب الشهيد عبد الله عزام هذا الطوق المحكم ووصلت إلى إسرائيل، وإذا كان هذا الطوق من جنوب لبنان يأتي بتواطؤ "حزب الله الرافضي" الذي يزعم أن إسرائيل عدوة له وأنه يحاربها وأنه حزب يمثل "المقاومة" ، فكيف سيكون الطوق من قبل دول قبلت بإسرائيل وطَبَعت معها وتبادلت السفارات والسفراء مثل الأردن ومصر، وتمد الأخيرة إسرائيل بكميات ضخمة من الغاز بأقل من سعره في السوق، في حين تغلق المعبر الوحيد لنفوذ البضائع والمواد الغذائية والطبية إلى المحاصرين في غزة؟ إذا وضعنا في اعتبارنا هذا الطوق المحكم؛ علمنا مدى الصعوبات التي تواجه المجاهدين الصادقين في سبيل المواجهة والتلاحم المباشر مع "دولة إسرائيل"..). وهو نفس ما ورد في بيان (ولتستبين سبيل المجرمين) التابع لكتائب عبد الله عزّام.

وفي 29 كانون الثاني (يناير) 2011 أطلق الرجل الثاني في تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب سعيد الشهري المعروف بإسم (أبو سفيان الأزدي) تحذيراً للمسلمين السنة مما أسماه (الحلف النصراني الرافضي)، في رسالة صوتية بثّت على مواقع دينية مقرّبة من تنظيم القاعدة.

الرسالة التي استغرقت مدتها دقيقة، قال الشهري الذي أمضى ست سنوات في سجن غوانتماموا ثم أطلق سراحه من السجون السعودية ضمن برنامج (المناصحة)، (أصبحت أمريكا وايران حلفا واحدا ضد الشعوب السنية في المنطقة). وأضاف أن (ما شاهدناه في المنامة بين وزيرة الخارجية الاميركية (هيلاري كلينتون) ووزير الخارجية الايراني (السابق منوشهر متقي) في الإجتماع الذي عقد لحرب الارهاب في اليمن خاصة والذي حضره أكثر من عشرين دولة لهو أكبر شاهد على الحلف النصراني الرافضي). الشهري يشير الى حوار المنامة، وهو منتدى حول الأمن الإقليمي، عقد في بداية كانون الأول (ديسمبر) 2010، في العاصمة البحرينية وشاركت فيه الوزيرة كلينتون ومتكي (الذي عزل في وقت بعد ذلك)، وبمشاركة أغلب الدول العربية (السنيّة).

يقول الشهري (ها هي ايران اليوم تتهيأ لحرب عدوها الاول من أهل السنة والذين ليس للرافضة عدواً سواهم). وتساءل الشهري (أين هي صواريخ كروز" الاميركية التي استخدمت في ضربات على اليمن، من حزب الله الشيعي اللبناني الذي يتجمع في لبنان "بعشرات الالاف يوم عاشوراء).

نستدعي هنا ما عكف مشايخ الصحوة على التشديد عليه من توصيفات تهكمية وازدرائية ضد حزب الله في لبنان وإيران. يقول الشيخ ناصر العمر المشرف على موقع (المسلم)، في مقابلة معه بتاريخ 22/6/1431هـ ("حزب الشيطان" "حزب اللات" وأنا أسميه "حزب الشيطان" ولا أتردد في ذلك، وأقوى المتآمرين مع اليهود هم إيران على مر التاريخ، والخطورة على المسلمين من اليهود وأمريكا وإيران, على حد سواء، وهذه قناعتي أرددها منذ أكثر من عشرين سنة، وما زلت مقتنعاً بها، و "حزب اللات" حمى الحدود الإسرائيلية منذ زمن, ولا يستطيع مسلم العبور بسبب هذا الحزب، والذين دفعوا الثمن باهظاً في لبنان هم أهل السنة..).

وهو نفس موقف أغلب مشايخ السلفية من الشيخ عبد الله بن جبرين، والشيخ سفر الحوالي، والشيخ صالح الفوزان، وغيرهم الكثير ممن يحملون نفس النظرة عن حزب الله، بل الشيعة عموماً.. وإضاف تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب الى ذلك حركة حماس التي تمارس دور الحارس أيضاً لحدود الكيان الاسرائيلي، وإن جاءت العبارة مخفّفة لأسباب معروفة، مذهبية بدرجة أساسية، كقولهم بأن ثمة بطولات وملاحم يسطرها المجاهدون الصادقون في داخل فلسطين، (على الرغم من المضايقات التي يواجهونها مؤخراً للأسف من حركة حماس التي يفترض بها أن تكون داعمة للجهاد والمجاهدين لا أن تكون عائقاً دون ذلك)، ونقل عن أحد قادة التنظيم المدعو الشيخ أبو بصير في لقاءه مع الصحفي عبد الإله شائع أن محاولات كانت تجري لإدخال مجاهدين لقطاع غزة إلا أن حركة حماس رفضت ذلك)، وقال (ثم إننا رغم الحصار نرسل المدد إلى العراق وإلى أفغانستان وإلى الصومال والحمد لله، وحتى إلى فلسطين، لكن حركة حماس للأسف رفضت استقبال مهاجرين ذهبوا إليها فترة تفجير معبر رفح، بل إنها أخرجتهم من قطاع غزة).

الصفحة السابقة