الإسلاميون والديمقراطية في السعودية

عمر المالكي

شأن كثير من الإسلاميين في العالم العربي، كان الاسلاميون في المملكة السعودية، حتى أواخر الثمانينات من القرن الماضي أشدّ ميلاً نحو النموذج المعياري للدولة الإسلامية الذي جرى تعريفه وشرحه في مصّنفات العلماء، والفقهاء، ومؤرخي الإسلام. ولذلك، شجعوا المؤمنين على الإلتزام بالواجبات المنزلة من السماء، والنأي بأنفسهم عما يعتقد بأنها أفكار غير أخلاقية وغريبة، مثل الليبرالية والعلمانية وهلم جرا. وحتى ذلك الحين، لا يمكن العثور على أي مكوّن للديمقراطية في الأدبيات السياسية للإسلاميين في المملكة السعودية، كما لا يمكن الإشارة الى أي حركة إسلامية على الإطلاق تبنّت بصراحة الخيار الديمقراطي في استراتيجية التغيير الخاصة بها. وعلى الرغم من أن الإسلاميين تمسّكوا بأفكار سياسية طموحة، مثل إعادة إحياء نموذج الأمة الإسلامية، سواء كان ذلك من خلال الوسيلة الثورية، أو التدرج، فإنهم أغفلوا النقاش حول الديمقراطية.

سيكرّس هذا البحث جهداً خاصاً لقراءة تطور الخطاب السياسي للاسلاميين في المملكة السعودية، وسوف يتركّز النقاش حول الديمقراطية في أعقاب أزمة الخليج الثانية في مطلع التسعينيات من القرن الماضي.

الاسلاميون والبحث عن الديمقراطية

د. السيف: التوفيق بين الديمقراطية والشورى

حتى نهاية التسعينيات من القرن الماضي، صوّر الاسلاميون في السعودية الديمقراطية بوصفها فكرة دخيلة ولابد من مقاطعتها إن لم يكن محاربتها. بالنسبة للجماعات السياسية الشيعية، وخصوصاً (منظمة الثورة الاسلامية في الجزيرة العربية) و(حزب الله الحجاز)، يجب أن يقوم نظام الحكومة الإسلامية على مبدأ ولاية الفقيه. وذكر الشيخ حسن الصفار، الزعيم السابق لـ (منظمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية): (إن قيام الجمهورية الاسلامية في جزء محدود من العالم الإسلامي (= إيران) لا يرضي المؤمنين، أو يحقق أهدافهم المقدّسة. إن الهدف النهائي هو إقامة حكومة مليار مسلم، وإحياء الحضارة الإسلامية. وأن الحكومة الاسلامية ـ في ايران ـ تعتبر نقطة الانطلاق للحركة الإسلامية..)(1).

على أية حال، في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، تمّ استبدال منظمة الثورة الاسلامية في الجزيرة العربية الى: الحركة الإصلاحية، كما تمّ التخلّي عملياً عن الخطاب الثوري، واعتماد الإعتدال، والمبادئ الديمقراطية والتغيير السلمي والتدريجي، الذي ينطوي على اعتراف غير مباشر بالنظام السعودي. في سبتمبر 1993، تمّ التوصّل إلى اتفاق بين قادة الحركة الاصلاحية والملك فهد، أفضى الى وقف جميع أنشطة المعارضة في مقابل عفو عام عن جميع السجناء السياسيين الشيعة، وعودة أعضاء الحركة الإصلاحية الى الديار.

بالنسبة للتيار السلفي العام، فقد تمسّك بنموذج دولة تتوافق مع الشريعة، وتضمن دوراً بارزاً لعلماء الدين، كونهم حرّاس الفضيلة والقيم وأحكام الإسلام. وعلى الرغم من أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب لم يشغل نفسه في الكتابة حول طبيعة الدولة الإسلامية، فإن كتاباته الأخرى تختزن دلالات حول نموذج الدولة التي يتنباها ويناصرها، وهي الدولة التي تلتزم القانون الإسلامي (الشريعة).

يقترح الشيخ ابن عبد الوهاب ستة مبادئ، فرضها الله على البشرية، من بينها تقديم الولاء والطاعة لمن حكم. ويرى بأن استكمال شروط الوحدة يتوقف على طاعة من حكم حتى لو كان عبداً حبشياً(2). ومع ذلك، فإن العلماء اختاروا دوراً فعالاً من أجل رصد وتوجيه الحكام السعوديين حتى لا يحيدوا عن خط الشريعة الإسلامية.

على هذا النحو، تمسّك علماء الوهابية بفكرة تقاسم العلماء والأمراء مسؤولية فرض وتطبيق السياسات المتعلّقة بالشؤون العامة. وقد قضى التحالف التاريخي بين الشيخ محمد بن عبدالوهاب والأمير محمد بن سعود في 1744 بأن تكون الشؤون الدينية بيد العلماء فيما تصبح الشؤون السياسية والزمنية من اختصاصات وامتيازات آل سعود على وجه الحصر. وكانت الإنتقادات الموجّهة لجهيمان العتيبي، قائد انتفاضة الحرم في العام 1979 تحوم حول انحراف الحكم السعودي عن طريق الشريعة الإسلامية.

المحفوظ: لا مواطنة بدون مشاركة
شعبية في القرار

ومع ذلك، ساهمت ثلاث أحداث رئيسية في تحول كبير في الموقف السياسي، وبرامج واستراتيجية التغيير لدى الجماعات الاسلامية والمثقفين في المملكة.

- وقف إطلاق النار الذي تمّ التوصل إليه بين العراق وإيران في أغسطس 1988.

- إنهيار الاتحاد السوفياتي السابق في 1989.

- غزو االنظام العراقي السابق للكويت في أغسطس 1990.

لقد استحثّت هذه الأحداث جميع الإسلاميين تقريباً في منطقة الخليج لإعادة تقييم برامجها السياسية، وأدائها في الفترات السابقة. وفي حين أن الإسلاميين في الكويت والبحرين على ما يبدو سارعوا في تكييف برامجهم السياسية للشروط الديمقراطية التي توافرت نسبياً في بلدانهم، فإن الاسلاميين في المملكة السعودية بدأوا بكسر المحظورات التي فرضها العلماء والحكام السعوديون على السواء لجهة البدء بنقاش مفتوح حول الديمقراطية والحكم الصالح عموماً.

فيما يتعلق بانعكاسات وقف إطلاق النار بين العراق وإيران واجهت (حركة الطلائع الرساليين) التي كانت (منظمة الثورة الاسلامية في الجزيرة العربية) تنتمي إليها تنظيمياً وأيديولوجياً، تصدّعات خطيرة في وقت تبدّدت فيه الآمال بإطاحة نظام صدام حسين في بغداد. ونتيجة لذلك، خضعت (منظمة الثورة الاسلامية في الجزيرة العربية) لتقييم جدي حول استراتيجيتها، وتوجّهاتها السياسية والفكرية ما أدى في نهاية المطاف إلى انفصالها عن الحركة الأم.

من جهة ثانية، ومع شروع مسلسل إنهيار الاتحاد السوفياتي السابق في 1989، بدأت أفكار جديدة حول الشفافية، والإصلاحات والمساءلة بالتبرعم في المنطقة. على سبيل المثال، شرع الإسلاميون الشيعة في مراجعة عميقة لمعتقداتهم السياسية، وخلصوا الى تبني منظومة المبادىء الديمقراطية بما يشمل حرية التعبير، حرية الصحافة، ومؤسسات المجتمع المدني، وهلم جرا. ويمكن تصور هذا التحول كمرحلة إنتقالية للاسلاميين الشيعة، وبالنظر لحقيقة أنه في سبتمبر 1993، بدأت الحركة الاصلاحية الشيعية سلسلة محادثات مع النظام السعودي، خلصت الى تجميد جميع أنشطة المعارضة في الخارج، وبالتالي عودة غالبية أعضاء الحركة الى البلاد.

وكانت أزمة الخليج الثانية في عام 1991 نقطة تحول حاسمة لقوى المعارضة عموماً في منطقة الخليج. فقد خلقت الأزمة رد فعل مزدوج: فقد ساهمت، من جهة، في تقوية التيار الاصلاحي في منطقة الخليج. على سبيل المثال، تمّ رفع طائفة من العرائض الى الملك للمطاالبة بإدخال إصلاحات فعالة،على أرضية أن سياسات الدولة كانت مسؤولة عما جرى في الثاني من آب (أغسطس) 1990.

وكانت أزمة الخليج الثانية في عام 1991 نقطة تحول حاسمة لقوى المعارضة عموماً في منطقة الخليج. فقد خلقت الأزمة رد فعل مزدوج: فقد ساهمت، من جهة، في تقوية التيار الاصلاحي في منطقة الخليج. على سبيل المثال، تمّ رفع طائفة من العرائض الى الملك للمطاالبة بإدخال إصلاحات فعالة،على أرضية أن سياسات الدولة كانت مسؤولة عما جرى في الثاني من آب (أغسطس) 1990.

الولاية للعلماء فقط

على العكس من ذلك، هاجم كبار العلماء بقيادة المفتي السابق الشيخ عبد العزيز بن باز أولئك الذين ينتقدون علناً أداء الحكم السعودي والدعوة لإجراء إصلاحات، مؤكّداً مبدأ النصيحة وفق الطرق التقليدية (نصيحة السر)، وتقديم المشورة بعيداً عن الأضواء.

أما بالنسبة للحركة الاصلاحية وحزب الله الحجاز، فإن الصلح مع النظام في سبتمبر 1993، أدى إلى تقديم قراءات جديدة حول الاسلام تتوافق أولاً مع التحوّل السياسي في الحركة الإصلاحية، وثانياً تطوّر مستوى وعي قادة الحركة. فقد كرّس توفيق السيف، الذي أكمال تعليمه العالي في جامعة ويستمنستر في لندن وتحديداً في مركز الديمقراطية، كرّس رسالة الدكتوراه للبحث في التوافق بين الاسلام والديمقراطية، في ضوء التجربة الإيرانية. كما نشر كتاباً حول (الديمقراطية في بلد مسلم)، والذي ترجم فيه أعمال مجموعة من المفكّرين الإيرانيين.

في جلسة لقاء علني في الثاني من آذار(مارس) 2009، ألقى السيف محاضرة عن (الديموقراطية في الإسلام)، واختار تعريفاً موارباً للديمقراطية. فقد ذكر بأن الديمقراطية هي تجربة الإنسان التي تخضع للتعديل والتطوّر بسبب، من جهة، فهم الدين، ومتطلبات عملية الاحياء والتحديث في أي مجتمع، من جهة أخرى.

وفي تأكيده على الحاجة إلى الديمقراطية في العالم العربي، يولي السيف أهمية كبيرة ما أسماه (شراكة التراب). ويوضح أن الإنسان مشدود الى الأرض التي ولد فيها، وبالتالي فإنه يصبح شريكاً في تشكيل الواقع، ومساهماً في إنتاج نظام لجميع الشركاء في الوطن والملكية، وهذا يمنحهم الحق الكامل في إدارة شؤونهم، على حد قوله.

ويجادل السيف بأن تطوّر الديمقراطية يتطلب (عقلاً نقدياً)، ومناخاً إجتماعياً مناسباً، والذي يمكّن الأفراد من المشاركة في صنع النظام الإجتماعي والوطني(3). ويرى السيف أن (الديمقراطية هي أفضل لبلدنا). ويوضّح (نحن قادرون على صياغة نموذج للحكومة التي تشتمل على الشروط الأساسية للنظام الديمقراطي المتوافق مع قيمنا الدينية). ومع ذلك، فهو يعتقد أنه لا يمكن أن تتحقق هذه الديمقراطية إلا على أساس إجماع وطني(4).

محمد محفوظ، وهو كاتب وناشط شيعي، ألّف سلسلة من الكتب على أسس ديمقراطية مثل المواطنة، والتعددية، والتعايش، ومكافحة الطائفية. من حيث مبدأ المواطنة كشرط أساسي للتعايش والوحدة الوطنية، يقول محفوظ: (لا يمكن تحقيق مبدأ المواطنة في مجالنا الاجتماعي والوطني دون توسيع مساحة المشاركة في الحياة العامة.. فكلما اتسعت القاعدة الاجتماعية لجهة تحقيق دور مؤثر في الحياة العامة، كلمااقتربنا من معيار المواطنة)(5). وكتب جعفر الشايب، وهو عضو قايادي سابق في الحركة الاصلاحية وناشط في مجال حقوق الإنسان، وعضو، حالياً، في المجلس البلدي بمحافظة القطيف، بأن انتشار الديمقراطية وتبلّور المفاهيم السياسية والثقافية مثل التسامح، والتعايش، والتفاهم المشترك، والمحاسبة، والمساواة أمام القانون، وحقوق الإنسان وغيرها مع جميع التدابير العملية اللازمة تساعد على خلق أطر حديثة للعلاقات الإجتماعية. ولذلك، يطالب بتحديث البنية السياسية من أجل استيعاب المؤسسات المستقلة التي تكون موجهة نحو تطوير المجتمع(6).

العواجي: انتقاد المدرسة الوهابية

وبسبب المعاناة الطويلة من التمييز على قاعدة مذهبية، ناصر الشيعة في المملكة السعودية الديمقراطية كمخرج لأزمتهم. من وجهة نظر الشيعة في السعودية، فإن المواطنة تقدّم حلاً مثالياً لمعاناتهم المتجذرة بسبب السياسات التمييزية. ومن غير المفاجىء، أن يشدّد الناشطون الشيعة على المساواة، كجوهر في مبدأ المواطنة. على العكس فإن الحكّام السعوديين يعتبرون الولاء هو الركيزة الأساسية للمواطنة.

والواقع، أن كلا من الشيعة وحكام السعودية يلوذون بتعريف انتقائي للمواطنة. وبعبارة أخرى، كل طرف يلامس جانباً يلمح الى معاناته الخاصة ومصلحته.

وفي رد على سؤال إنتماء الشيعة في السعودية الى الدولة، يقول السيد حسن آل نمر، وهو قيادي سابق في حزب الله الحجاز، أن السياسي يتحمّل مسؤولية كبيرة في هذا الصدد، لذلك يجب ان يمهد الطريق للشيعة لترجمة ولائهم الوطني. هناك من يحاول احتكار الدولة، ورمي الاتهامات على الشيعة، والصوفية والاسماعيلية(7).

من وجهة نظر علماء المدرسة السلفية، فإن المواطنة لا بد أن تندغم في الإيمان، والذي على أساسه يمكن تصنيف الأفراد. وعليه، يرفض العلماء المواطنة في حال تعني المساواة بين الرعايا بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية. وهذا الموقف يردّه العلماء الى آية قرآنية (أفنجعل المسلمين كالمجرمين. مالكم كيف تحكمون) (القلم آيات 35 ـ36).

وفي هذا السياق، برزت ظاهرة العرائض، التي تدعو لإصلاحات سياسية (نظام دستوري، وحكم القانون، الشفافية، والمساءلة، والحريات الفردية..الخ). هذه الظاهرة شملت السعودية، والكويت، والبحرين، وقطر. نشير إلى أن الذين وقّعوا على العرائض ينتمون الى القوى الإسلامية والوطنية في الخليج.

بعد العودة الى الديار، سعى قادة الحركة الاصلاحية الشيعية للتكيّف مع المناخ السياسي الجديد، والتموضع في سياق القوى الوطنية، التي بدأت تزدهر في العام 2001. وقد حققت الحركة الإصلاحية نجاحاً ملحوظاً خلال الانتخابات البلدية في 2005، كما سيطرت على المجالس البلدية في القطيف والإحساء. ومع ذلك، لم يمر ماجرى دون ردود فعل، لأن توقّعات الناس قد تجاوزت الى حد كبير مثل هذه التحركات غير المجدية.

في هذه المرحلة، من المهم أن نلاحظ أن قوتين كبريين من القوى المحلية خاضتا مناظرة ساخنة وجادة حول الصلاحية الدينية للتوفيق بين الإسلام والديمقراطية.

أولاً: المؤسسة الدينية، التي تنظر إلى الديمقراطية باعتبارها فكرة دخيلة، منتجاً صليبياً، وإشراك صنم في العبادة مع الله..

إن الدور غير المقيد وتمدد نطاق عمل المؤسسة الدينية، يعتبر من الناحية الأيديولوجية على تعارض مع التغيير على الإطلاق. من وجهة نظر النخبة الدينية، فإن الإصلاحات السياسية تنطوي أولاً على نيّة تخفيض دور المؤسسة الدينية وسلطتها المستقلة وحصّتها في الدولة، وثانياً أنها، أي الاصلاحات، ستغيّر حتماً طبيعة الدولة، وثالثا أنها ستقضي على ميول الهيمنة والواحدية، ما يؤول الى التعددية. وباختصار، فإن المؤسسة الدينية تعارض الإصلاحات، لأنها سوف تكون الخاسر الأكبر.

وفي حقيقة الأمر، فإن علماء الوهابية كانوا مسؤولين عن إجهاض النقاش حول الديموقراطية، ودعم القمع الذي تمارسه الدولة ضد الاصلاحيين. ويساهم الخطاب الرسمي الديني في تعطيل عملية الإصلاحات السياسية وحتى النقاش حول الإصلاح والديمقراطية.

الأحمري: نحن الأشد حاجة للديمقراطية

مقتدر خان ، مدير قسم الدراسات الدولية في كلية ادريان ، يقول ما يلي:

أسرعت الى أحد أعضاء مجلس الشورى في استوديو التلفزيون حيث كنت سجلت مقابلة لمدة ساعة حول الديمقراطية الإسلامية، وقد وبخني لأنني لم أكن نقدياً بالقدر الذي كنت عليه في السابق. استمعت إليه يوجّه اللوم الى الجامعة (جامعة الامام محمد بن سعود على الأرجح) وعلماء الوهابية لكونهم مصدر المشكلة وراء الإرهاب في العربية السعودية. “كل ما يعلّم”، حسب قوله ، “هو أن تكره أولئك المختلفين عنك” دينياً بطبيعة الحال. “ومن الناحية الاقتصادية، نحن بلد افي القرن العشرين ولكن من الناحية الفكرية نحن في القرن الرابع عشر”. نصحته بالتحدث الى بلاده والملك كما تحدّث لي، بنفس القدر وبصوت عال(8).

الإسلاميون من مختلف الخلفيات المذهبية تجنبوا الانتقادات العلنية للنظام السعودي من أجل عدم استفزاز العلماء الكبار الذين سيردوا فوراً للدفاع عن وضعهم والمصالح التي تربطهم مع العائلة المالكة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الخطاب الديني يمهّد الطريق للحكم السعودي ويحثّه على اتخاذ إجراءات قاسية ضد أولئك الذين يطالبون بالديمقراطية.

التفسيرات الرسمية للإسلام تمنع أي أحكام غير متوافقة مع الخطاب الوهابي التقليدي. على الرغم من أن العديد من الإسلاميين السعوديين لا ينتمون إلى المدرسة الوهابية، فإنهم يفضّلون عدم الكشف عن معتقداتهم السياسية. وبالتالي، فإن الخطاب الرسمي الديني هو المسؤول عن عدم وجود كتاب من تأليف إسلامي سعودي حول (الإسلام والديمقراطية)، اللهم إلا أن يكون مكرّساً لإثبات عدم التوافق بينهما.

إن عدم وجود البنية التحتية للديمقراطية يسهّل بصورة حتمية جهود النظام لعزل، وقمع، وحتى اعتقال أو إعدام المخالفين لفتاوى العلماء.

كتبت سامية نخوّل في مارس 2004:

حين أفتى أعلى سلطة دينية في السعودية (المفتي العام الشيخ عبد العزيز آل الشيخ) هذا الشهر ـ مارس ـ بأن الاسلام يمنع الرجال والنساء من الاختلاط في الأماكن العامة، فإنه يعيد تعيين الحدود للإصلاحيين الذين يضغطون من أجل حقوق المرأة في المملكة المحافظة جداً(9).

في الحقيقة، إن غياب النقاش الديموقراطي في السعودية لا يعزى فقط إلى التدابير القمعية للدولة، أو فشل الدولة في تطوير هياكلها والسبل من أجل تلبية شروط الديمقراطية، ولكن يعزى أيضا إلى الدعم الديني الواسع والمستمر الذي يقدّمه العلماء للحكم السعودي.

وتجدر الإشارة إلى أنه، عندما يتعلق الأمر بمجال الحكومة ، فإن الخلافات داخل النخبة الدينية الوهابية تتلاشى. ولذلك، فإن الخلاف بين الوهابية والمتشددين والمعتدلين ليس حول ما إذا كانت الديمقراطية متوافقة مع الإسلام أم متعارضة، ببساطة لأنهم جميعاً يعتقدون بأن الديمقراطية تمّ تصنيعها من قبل الكفّار والمشركين. الفرق هو، في المقام الأول، يتركّز على ما هو مدى سلطة العلماء في الدولة. يصرّ الشيخ عبد الله التركي والشيخ ناصر العمر على أن مفهوم ولاية الأمر ينطبق فقط وحصرياً على العلماء.

ابن باز: لا مانع من الإنتخابات (لغير السعوديين)

لتأصيل وتعميق المناقشة القصيرة التي دارت في قصر الملك عبد الله حول ولاية الأمر، كتب الشيخ ناصر العمر وهو من صقور السلفية المتطرّفة، مقالاً مطوّلاً بعنوان (على بصيرة)، تبنى فيه فكرة الشيخ التركي. ويناقش العمر بأن (ولي أمر الناس لابد أن يكون من أهل الدعوة والبصيرة).

وفي رد فعل على نقد الرأي القائل بأن أولي الأمر، هم أولئك الذين في السلطة، ينطبق بصورة رئيسية على العلماء، الذين لهم اليد العليا على الأمراء، يلح العمر على الرأي المستند على التفسير القرآني لآية 83 من سورة النساء (إذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به، ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا)(النساء ـ 83).

ويقول العمر أن في ذلك إشارة الى العلماء والأمراء، مع أن طاعة الأخيرين أي الأمراء مزمومة بالعلماء، وهذا ليس مبنياً على تفسيره الخاص، حسب قوله، ولكنه مستند على إجماع السلف من العلماء، وما أبانه شيخ الشيخ إبن تيمية(10).

ويؤكّد العمر على مبدأ أن عالم الدين هو الاوفر حظاً لقيادة الأمة، إذا كان يتمتع بخصائص القيادة، مثل الخلفاء الراشدين الذين فضّلهم الناس(11).

إن المحاولات التي قامت بها العائلة المالكة لصياغة شكل جديد للوهابية مستمدّة من النسخة الأصلية، وهو النموذج الذي يمكن تسويقه في الغرب، فشلت في تعزيز تفسيرات جديدة للإسلام. إن الوهابية الليبرالية الهجينة مالبثت أن تلاشت سريعاً حيث فشلت في إنتاج فهم جديد للإسلام، والذي يمكن مقاربته ديمقراطياً.

الصور النمطية للوهابية كحركة طهرانية وإصلاحية بدأت بالتشظي ليس فقط بسبب الفظائع التي تسببت في وقوعها في الحادي عشر من سبتمبر والسابع من يوليو، وغيرها من الهجمات الإرهابية، ولكن بسبب اندلاع التناقضات داخل الدولة السعودية والمتعلقة بالدعاوى الدينية، والعدالة، والثروة، والحريات. أدرك الناس أن العائلة المالكة فاسدة وتستغل الإسلام لمصالحها الخاصة..

ومن الممكن الآن سماع انتقادات للوهابية ممن كانوا في يوم ما وهابيين مخلصين، حيث لم يعد ينظرون الى الوهابية بوصفها محصّنة أمام العيوب العقدية، ناهيك عن كونها آلية للتعامل مع التحديات الجديدة.

ديمقراطيون ولكن غير سلفيين

محسن العواجي، بين نشطاء سلفيين آخرين، ينتقد المدرسة الوهابية كونها عائقاً أمام الإصلاحات، منادياً بتغييرات جوهرية ومؤّثرة.

في محاولة لتعزيز خطاب إصلاحي، قدّم مجموعة من الاسلاميين، من مختلف الانتماءات الطائفية، عريضة في يوم 16 ديسمبر 2003، إلى ولي العهد الأمير عبد الله، الملك الحالي، تطالب بالملكية الدستورية. ودعت المجموعة القيادة السعودية بإقرار الحريات، والحقوق لجميع المواطنين على أساس التقاليد الإسلامية. كما دعت المجموعة إلى برلمان منتخب وفصل السلطات، وقضاء مستقل، ومنح التراخيص لمنظمات المجتمع المدني. وناشدت المجموعة الأمير عبد الله من أجل تشكيل لجنة وطنية لصياغة دستور دائم للبلاد على أساس الشريعة الإسلامية، مع الأخذ بعين الاعتبار المطالب المذكورة في العريضة. وعلاوة على ذلك، ينبغي أن تتم الموافقة على الدستور من قبل الشعب في استفتاء عام يجري خلال عام(12).

محمد الأحمري، مفكر إسلامي يناصر الديمقراطية بوصفها مبدأ الحكم. ويثير الأحمري سؤالاً: هل نحن بحاجة إلى الديمقراطية؟ فأجاب: نحن الشعب الأشد حاجة للعدالة والحرية والمساواة، وكذلك المحافظة على المال العام، وإقرار حقوقنا التي منحها الله لنا منذ الولادة.. الأمة كلها، على حد قوله، سقطعت، نتيجة لسقوط الكرامة، وعليه فإن الفرد يرتفع فيما الأمة تسقط. ولذلك، فإن الإستبداد يعتبر خيانة عظمى؛ وصدّام هو مثال حي للغطرسة. فلو كان عادلاً، فكان عليه أن يستمع لنداء العقل.

الظواهري: اجتناب فتوى ابن باز

في محاولة منه للحيلولة دون الوقوع في فخ المصطلحات، يشدّد الأحمري على أنه مهما أطلق عليها سواء شورى ملزمة، حيث يتم إنتخاب اعضائها، أو الحكم العادل، وهو هدف الأمور كلها، لا يجب الوقوع على حافات المصطلحات.

في مقالة له بعنوان (انتصار الديمقراطية على الصنميّة في الانتخابات الأميركية)، ناصر الأحمري فوز باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية. وقال (ان الديمقراطية العملية هي التي انتصرت، والتي جعلت الشعب المتعلّم والجدلي يعرف من هو الأكثر تأهيلاً وعملياً، وعليه تخلّص من عقد اللون، والنسب، والأصل. وهذا ما كفل بقاءهم وحياتهم لفترة أطول أكثر من غيرهم، إنها الأمم العملية التي تتغلب على الوثنية الرجعية)(13).

في إسقاطه على العالم الاسلامي، يجادل الأحمري، بأن (الصنمية، التي تهيمن على المسلمين تفضي الى تسلّم زمام السلطة من قبل الأقل حكمة، وشجاعة، ونظرة، يجب أن تضمحل، حيث أن الصنمية هذه تصوّر على أن الكفاءة، والذكاء، والعقل، والكرامة، والطيبة ليست موروثة، إنها الصنمية التي لا تسمح للمسلمين بأن يحكموا من قبل الأكفأ).

في إطار مناصرته لقيمة الحرية، فإن الأحمري ينتقد أولئك الذين يصفهم (تافهين، ضعفاء، جهّال، مضلّلين، وأميين بالرغم من كونهم يحملون شهادات جامعية والذين ينظرون الى الحرية والديمقراطية بكونها مصطلحات أجنبية وأفكار غامضة، أو بتحفظات يجلّيها جهلهم، أو لا يرون فيها مجداً قابل للتحقق، ولذلك يفضّلون العبودية بدلاً من الحرية. وعليه، يجادل بأن المشكلات ستستمر حتى تتغلب الديمقراطية على الصنمية)(14). كرد فعل، انتقد السلفي المتشدّد الشيخ ناصر العمر الأحمري بشدّة على خلفية مناصرة الأخير للديمقراطية الأميركية. يقول العمر بأن بعض طلاّب العلم فرحوا بفوز أوباما، ولذلك باركوا أمريكا والمبالغة في (تمجيد) مبادئها، ولذلك توافقوا مع أصدقاء أميركا وأولئك من ذوي مرضى القلب(15).

ورداً على ذلك، الأحمري يؤكد أنه مما لا شك فيه أن الديمقراطية هي النظام الأمثل للحكومة، إنها المثل الأعلى الموجود في عصرنا، وأفضل نظام معترف به من قبل الإنسانية عبر العصور، بل هو بلا شك مصدر إلهام للشعوب(16). الأحمري يبشّر بالديمقراطية العملية على أساس أغلبية الأصوات، وليس الديمقراطية الليبرالية(17).

ورداً على سؤال حول الأسباب القانونية للمشاركة في البرلمانات، قال المفتي السابق الشيخ ابن باز أن (لا مانع من المشاركة في البرلمان، في حال كان الهدف هو دعم الحق وليس الموافقة على الباطل، حيث أن المشاركة تعني اعتناق الصواب والانضمام إلى الدعاة إلى الله، وبالمثل، لا مانع من الحصول على بطاقة انتخابية لتمكينكم من انتخاب الدعاة الصالحين ودعم الحق وأهله)(18). وكان ذلك أيضاً واضحاً في رد اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء على سؤال حول حكم التصويت والترشّح. وأجابت اللجنة بأنه:

(لا يجوز للمسلم أن يعلن نفسه مرشحاً على أمل الإنضمام الى حكومة لا تلتزم بالأحكام الالهية، أو أن يعمل بخلاف الشريعة الاسلامية. فلا يجوز للمسلم أن ينتخبه أو أي شخص آخر في مثل هذه الحكومة، مالم يبتغي المرشّحون والمصوّتون المسلمون حث الحكومة على الالتزام بالشريعة الإسلامية، وذلك باللجوء إلى مثل هذه الوسيلة للتغّلب على الحكومة، وإن كان ينبغي أن يتسنّم المرشحون المنصب الذي ليس ضد الشريعة الاسلامية). ووقع على الفتوى كل من الشيخ إبن باز، والشيخ عبد الرزاق عفيفي، والشيخ عبد الله بن غديان، والشيخ عبد الله بن قعود(19).

الحوالي: الديمقراطية كفر دون شك!

وقد سئل العلماء عن الحكم الشرعي في الإنتخابات التشريعية في الجزائر سنة 1991، فقالوا: المسلمون الذين يعيشون في أي بلد لا يلتزم بالشريعة الاسلامية، عليهم أن يبذلوا كل الجهود لتطبيق الشريعة الاسلامية، وأن يدعموا جميعاً الحزب الذي يُعرف بأنه يهدف الى تحقيق هذا الهدف، وعلى الضد فإن مساعدة أي حزب لا يدعو لتطبيق الشريعة الإسلامية يعتبر حرام، وفي الحقيقة تقود أولئك الذين يفعلوا ذلك الى الكفر(20). وفيما يبدو، فإن الفتوى كشفت سر المرونة المتعلّقة بالأنشطة الحزبية، لأنها تخدم الهدف، أي تطبيق الشريعة الإسلامية. وقد يكون من المفيد الإشارة إلى أن أعضاء اللجنة الدائمة للأفتاء والدعوة والإرشاد أجازوا لأهل دعوتهم الانضمام والعمل في الأحزاب السياسية، بما في ذلك العلمانية والاشتراكية منها، بهدف تأثير المسلم فيها وتوجييها نحو الاسلام(21).

وقد فنّد الزعيم الثاني في تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري،، الحكم الشرعي لدى ابن باز في سماحه للسلفيين الكويتيين بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية. وبناء على دليل فقهي وروائي وسيري، كتب الظواهري في العام 1989 نشرة بعنوان (نصح الأمة باجتناب فتوى الشيخ بن باز بجواز دخول مجلس الأمة). وبالمثل، نشرت مجموعة سلفية، أغلب الظن على صلة وثيقة بتنظيم القاعدة، كتيباً بعنوان (حقيقة الديمقراطية)، والتي ظهرت في جزء من سلسلة أصطلح عليها (فاعلم أنه لا إله الا الله) يستدعي فيه حكماً فقهياً سابقاً لابن باز حول المبطلات العشرة للإسلام، والذي ينطبق فيه المبطل الرابع على أولئك الذي يعتقدون بجواز الحكم بغير ما أنزل أو بالإلتزام بالشريعة في المعاملات، والعقوبات، حتى وإن لم يكونوا يؤمنون بأن هذه الأحكام مفضّلة على الشريعة).

وأيضاً، صوّر الشيخ إبن باز في كتابه (نقد القومية العربية)، نفاذ الأحكام الزمنية هو في حقيقة الأمر (فساد كبير وكفر بواح وردّة فاضحة)(22). في تعقيب على هذا الرأي، تجادل المجموعة بأن أعضاء البرلمانات هم مسؤولون عن استمرار الحكومة في الحكم على أساس القوانين الزمنية، وبالمثل، هم مسؤولون عن تشريع القوانين الجديدة، وكلا الوظيفتين كفر بواح.

وتزعم المجموعة بأنه مع الأسف الشديد، واصل الشيخ ابن باز اقتفاء أثر بعض طلبة العلم في إضفاء الشرعية على المشاركة في البرلمان المشرك على أساس الضرورة، وهذا التقليد/ الاتّباع محرّم دينياً وبهتان. ومن بين أتباع ابن باز الشيخ سفر الحوالي. وبالرغم من أن الأخير ألّف كتاباً حول (العلمانية)، والذي تناول فيه الأصل الشركي، فقد نقلوا عن الحوالي في كتابه (العلمانية ص 687) قوله: (من بين العيوب، أن بعض الناس يبدو أنهم يواجهون صعوبة في استعمال مصطلحات مثل الكفر والجاهلية على أولئك الذين أطلق عليها الله تشريعات، وشروط، وأشخاص بذريعة أن هذه الأنظمة، وخصوصاً الديمقراطية العلمانية، لم تنكر وجود الله، ولم تمنع أداء الفرائض العبادية، وبعض الأشخص تحت الأنظمة العلمانية يشهدون الشهادتين ويؤدّون الفرائض مثل الصلاة، والصيام والزكاة، ويحترمون العلماء، والمؤسسات الدينية..الخ. فكيف نجرؤ على القول بأن العلمانية نظام جاهلي وأن المؤمنين جاهليون).

تواصل النشرة نقد الرأي الإستشاري لابن باز بأنه: مهما يكن الذي يصدر فتوى يجب أن يدرك الحقيقة القائمة، حتى لا يخدع من قبل من يطلبون الفتوى حتى لا يلبسون الواقع القبيح رداءً صالحاً، مثل أولئك الذين يسبغون على الديمقراطية المشركة حلة الدعوة الالهية. إن شروط أن تكون مفتياً تتضمن الوعي بالواقع القائم.

الفوزان: مع الإنتخابات بدون نساء
واطفال وفوضى وغوغاء!

في محاضرة بعنوان (الممتاز في شرح بيان ابن باز)، علّق الشيخ الحوالي على نتائج الانتخابات في الجزائر في 1991 بأن (من حيث المبدأ، نؤمن بأن الديمقراطية هي من دون شك كفر، ونؤمن أيضاً بأن صعود الاسلام في الأرض لن يكون عبر هذه الوسيلة والاسلوب، ولكن السبيل الحق والطريقة هو بمناصرة ونشر عقيدة الدين، ونشرها بين الناس، وحثّهم على تطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى نصل الى مرحلة التمييز بين الخطوط. وبعد ذلك، يأتي الجهاد بإسم الله، وقيام الدين، عقب نشر العقائد بين الناس)(23).

في ضوء موقف الحوالي، يمكن التمييز بين بعدين: المثالي والعملي (البراغماتي). المثالي يفرض أن الديمقراطية محرّمة دينياً، فيما البعد العملاني يملي حكماً إستثنائياً كونها قدراً وواقعاً لا يمكن الفرار منهما، ولابد للفقيه أن يدلي برأي ديني في قضية حادثة لا مفر منها، بعد أن أصبحت حقيقة واقعة. ولذا، فإنه يسمح بالإنخراط في العملية الانتخابية من أجل إنقاذ ما يمكن انقاذه، على أساس كونها أقل الضررين أو أهون المفسدتين.

وفي هذا المنعطف، ظهر اتجاهان متباينان داخل المجتمع الوهابي. وفي حين تميل الغالبية إلى تشجيع المشاركة في العملية السياسية بهدف الهيمنة عليها ومن ثم تطبيق الأجندة السلفية، فإن الاتجاه الجهادي كان يميل الى مقاطعة العملية السياسية، باعتبارها فاسدة من الناحية الدينية.

الشيخ صالح الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، يمثل مظهراً من مظاهر العقيدة السلفية من حيث التمسّك بمبدأ التعيين. وقد سئل عن الانتخابات، قياساً على انتخاب الخليفة عثمان (رضي الله عنه) عبر لجنة استشارية تتألف من ستة أعضاء، قال الفوزان: إذا كان الأمر كذلك، نعم، ولكن ليس من الفوضى والغوغاء، وشراء أصوات الناخبين. لا هذا ليس من الإسلام ، ولكن (أهل الحل والعقد)، أي النخبة الدينية والاجتماعية والسياسية الذين يحوزون الحق اختيار واحد، وهذا هو الحكم الإسلامي في الانتخابات. الفوضى والغوغاء والنساء والأطفال هي نظام غربي(24).

غني عن القول، فإن مثل هذا النقد اللاذع ضد مبدأ الانتخابات، ينسجم مع العقيدة السلفية الأصلية من حيث الموقف من الابتكارات الحديثة، والتي لا سند لها أو دعامة في كتاب الله وسنة رسوله المصطفى (ص)، وتراث السلف الصالح. ومع ذلك، فإن إتجاهاً مؤقّتاً برز من السلفية السائدة والرامي إلى إحلال موقف متوازن تجاه الحقائق المتغيرة على أساس توازن بين (المفاسد) و(المصالح). ونتيجة لذلك، مثل هذا الموقف يشير إلى ميل أيديولوجي عميق الجذور، أي الإعتقاد بأن المؤمنين السلفيين قد يعيدون من خلال سماتهم الخاصة إحياء النموذج الأصلي للمجتمع الإسلامي.

وفي سؤال حول موقفه من المشاركة في الانتخابات البلدية (جرت في العام 2005)، أجاب الشيخ عبد الله بن جبرين، العضو السابق في هيئة كبار العلماء: (بالنظر الى أهمية الانتخابات، والنتائج المنتظرة منها فيما يخص تحسين الوضع في البلاد، واختيار الأصلح والأهم للبلاد وللمؤمنين، فإننا نرى أهمية المشاركة في هذه الانتخابات، واختيار الأصلح من بين المرشّحين، الذين يتميّزون بالخبرة، والمعرفة، والصلاح، وخدمة المشاريع البلدية، وبالأمل في أن المرشّحين ينتمون الى أهل الأعمال الصالحة والصلاح.. وأن يختاروا ما يناسب هذه البلاد، واختيار الأشخاص الصالحين والراشدين. ومتى ما تقدّموا، فإن ذلك خير في الوقت الحاضر والمستقبل). وغني عن القول، أن أهل الخير المقصودين في فتوى الشيخ ابن جبرين ينتمون حصرياً للعقيدة السلفية، ويمتثلون بتعاليمها وأحكامها كيما تحظى بدعم ومباركة هيئة كبار العلماء، الذين حثوا أتباعهم بشكل غير مباشر للتصويت لصالح مرشحين معينين.

وعلى مايبدو، فإن الفتاوى السياسية التي أصدرها علماء الوهابية، أثارت جدالاً ساخناً مفتوحاً وسط كثير من المراقبين، حيث أن الدولة لم تعد كياناً علمانياً تحت تأثير رجال الدين، فقد أصبحت دولة ثيوقراطية. وعليه، فإن تأثير العامل الديني في الشؤون الدنيوية حصراً سيقود دون مناص إلى تشويه وظيفية الدولة فيما يتحقق العدل، والمساواة، والحريات. وما يبعث على السخرية، أن الجماعات السلفية في الكويت والبحرين إلتزمت فتاوى صادرة من قبل علماء وهابيين في موضوع الانتخابات، بينما لم يلتزموا بفتاوى أخرى، مثل تحريم قيادة المرأة للسيارة.

وزير التعليم السابق في الكويت أحمد الربعي انتقد النزعة الإنتقائية للسلفيين في الكويت في اتّباع الفتاوى. وكتب: (إذا كانت المسألة هي الانصياع للفتاوى فالمفروض أن يتم الالتزام بفتوى قيادة السيارة. بل ان هؤلاء السلفيين كانوا يأخذون على الاخوان دخولهم البرلمان (مجلس الأمة) في السابق، وقد كانوا ضد دخول الرجل للبرلمان، ثم افتى زعيمهم ونقل عن الشيخ بن عثيمين رحمه الله، شفاهة «ادخلوها.. اتتركونها للعلمانيين والفسقة؟» وينقل عن الشيخ الالباني رأيه بعدم جواز الترشيح للبرلمانات ولكنه يقول إنها مسألة خلافية)(25).

المحمود: الديمقراطية لا تنمو في بيئة سلفية

الفوزان: بدعة الانتخابات

من الجدير بالذكر هنا أن الشيخ ابن عثيمين سئل في ما يعرف بـ (اللقاء المفتوح مع الشيخ ابن عثيمين، شريط رقم 211): ما هو الموقف الشرعي من الإنتخابات في الكويت، أخذاً بنظر الاعتبار أن غالبية الاسلاميين والدعاة الذين شاركوا كانوا قد تعرضوا للتضليل من الناحية الدينية؟ وأيضاً: ماهو الموقف الديني من الانتخابات الفرعية القائمة على التحالفات القبلية؟ وكان الجواب على النحو التالي:

أعتقد بأن الانتخابات واجبة، ويجب أن نختار الشخص الصالح، لأنه إذا أخفق الناس الأخيار من فعل ذلك، من سيحل مكانهم؟ يجيب: الناس الأشرار، أو الناس السلبيون الذين ليس فيهم لا خير ولا شر، وإنما يتبعون من له صوت أعلى، يجب أن نختار من يناسب، فإذا قال شخص ما: لقد اخترنا شخصاً، ولكن غالبية المجلس كانت على خلاف ذلك، نقول: لا مشكلة، فقد يضع الله البركة في هذا الواحد ويوصل رسالة العقيدة الصحيحة ومن ثم سيكون له تأثير، ولكن نحن بحاجة الى المخلصين لله، ونحن ننظر في الأشياء المادية والنظرة الحسية، ولكن لا نأخذ في عين الاعتبار كلمة الله.. أقول: حتى لو اشتمل البرلمان على عدد قليل من الأخيار والصالحين، فيجب أن يؤمنوا بالله العظيم الجبّار. ومن يقول بأن البرلمان هو غير جائز من الناحية الشرعية، أو لا يشمل المذنبين، أو يجلس معهم، فنقول بعد ذلك: هل نجلس ونتفق معهم؟ ويجيب: نحن نجلس معهم لنبين لهم الحق(26).

وأبعد من ذلك، قال: (بعض الأخوة العلماء يقولون بأن المشاركة غير جائزة شرعاً، لأن الرجل الحق يجلس مع الآخر الشرير)، ويتساءل: (هل الرجل الحق يجلس كيما يتحوّل الى شرير أو ليرشده الى الطريق الحق؟ إذا لم ينجح في الجولة الأولى، فإنه سينجح في الثانية).

وسئل عما اذا كانت الانتخابات الفرعية على أساس الانتماءات القبلية، أجاب الشيخ ابن عثيمين: (كلها نفس الشي ـ أي أن كل أشكال الانتخاب واحدة في المؤدى، فالهدف هو أن تختار الشخص الصالح).

ويجب التذكير هنا أن هذا الرأي لا ينطبق على المسلمين الذين يعيشون في الغرب، أو في بلد غير مسلم، ولكنه يقتصر على المسلمين في الكويت ، وقال بأن (إذا صوّت المسلمون، وإذا كان المسلمون) يلمح إلى موقف المذهب الوهابي من المجتمعات التي تقع خارج حدود العقيدة السلفية.

وأصدر الشيخ محمد ناصر الألباني، المحقق السلفي المعروف في علم الحديث، فتوى فيما يتعلق بالانتخابات البرلمانية في الجزائر والأردن في عام 1991. ويؤكد:

(لدينا موقفان من الانتخابات، فالذين ليس لديهم معرفة قد يظنون للوهلة الأولى أنهما متناقضان، ولكنهما ليسا كذلك: الأول، نحن لا ننصح الأفراد أو الجماعات المسلمة بترشيح أنفسهم لهذه البرلمانات. الثاني: نطلب من المسلمين في أي بلد في العالم ما يلي: إذا كانت الحكومة تفرض نظاماً إنتخابياً، حيث يتنافس المحازبون للفوز بمقاعد في البرلمان بأعداد كبيرة لأعضاء حزبهم. في هذه الحالة، إذا تم ترشيح بعض المسلمين، ونحن ننصحهم بعدم القيام بذلك، ولكن اذا فعلوا لدينا موقف آخر، ثم نقول: إن الحكم الشرعي يقتضي في حالة كان المسلمون عالقين بين فسادين إثنين، وجب عليهم اختيار أقلهما فساداً، وهو البرلمان، والذي سيدار، شئنا أم أبينا، من قبل غير المسلمين. وهناك أيضا فرق كبير بين المرشحين للبرلمان، وإن كان الجميع مسلمين، ولكن بعضهم من الأخيار وبعضهم أشرار، وبعضهم يخدم قضية الإسلام وبعضهم يخدموا مصالحهم، أو كتلتهم، أو حزبهم. فهم لا يعيرون أي إهتمام لمصالح الإسلام. فلا بد أن يختار الناخبون المسلمون المشاركون في الإنتخابات المرشّحين النافعين للإسلام، وحين نقول بأن المسلم لا يجب أن يسعى للدخول في البرلمان، لأنه سيدمّر نفسه الى جانب مخالفته لأحكام الشريعة الاسلامية).

ومع ذلك، يستدرك الألباني قائلاً بأن ليس كل الناس تلتزم بفتواه، رغم أنها على الحق وهناك آخرون من يجادل ويخالف، بغض النظر عن كونها خطأ أو أنهم قادرون على أن يكونوا من أهل الاجتهاد. وهذا واقع، فكثير من المسلمين الأخيار سيسعون للإنتخابات في البرلمانات، وسينصحون الأفراد المسلمين للتصويت لصالح الأخير، وليس للكفّار (الشيوعيون وغيرهم). وهذا سيقلّل من شأن الشر، وبدلاً من البقاء في البيوت وليس المشاركة في اختيار نوابك(27).

وتكشف الآراء الدينية للعلماء عن حقائق كبيرة، فهي من جهة تؤكّد على الرؤية العقدية إزاء المجتمعات غير الوهابية، والتي تحكم، وفق المعايير العقدية الوهابية، بواسطة قوانين غير إلهية. بعد ذلك، فإن استراتيجية التغيير لدى الوهابية تتباين، فبينما يميل علماء الى مقاطعة العملية السياسية، حيث أن المشاركة فيها تسبغ مشروعية عليها، فإن علماء آخرين يميلون الى المشاركة في الانتخابات ولكن بنيّة مستترة لناحية تغيير الوقائع السياسية على الأرض. وباختصار، فإن المحازبة الوهابية تستعمل الانتخابات لإجهاض الديمقراطية، والتي قد تأتي بأشخاص غير وهابيين الى السلطة.

وملخص القول فإن المناظرة حول الديمقراطية في السعودية تواجه عقبتين أساسيتين: دينية وسياسية. بالنسبة للإسلاميين السلفيين، فإن تأييد الديمقراطية سيعتبر معصية لفتاوى العلماء، وعليه سيوضع في خانة (الشرك الصريح)، والذي قد يؤدي الى الكفر، ومن ثم قد يتم تصنيفه في إطار ردة، والذي يضعه أمام خيارين: التوبة أو العقاب (التعزير والإعدام).

بالنسبة للإسلاميين من مختلف المدارس الفكرية، الذين يناصرون الديمقراطية بصورة علنية، سيتم تصوّير موقفهم على أنه نشاط احتجاجي، أي نزع الشرعية عن الحكم السعودي، وربما إتهامهم بالتعاون مع حكومة أجنبية. على سبيل المثال، بعد النشاطات الاصلاحية في يناير 2003، وجّهت الحكومة السعودية تهمة للإصلاحيين بتهديد الوحدة الوطنية، والتعاون مع أطراف أجنبية. المثير للسخرية، أن الأمراء السعوديين يفضّلون عدم الكشف عن هوية تلك الأطراف الأجنبية، بالرغم من كونهم معروفين، وهم الأميركيين في المقام الأول.

فقد قال الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية في مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول (هؤلاء الأشخاص يسعون لإحداث شقاق في وقت كانت البلاد تبحث عن وحدة وطنية ورؤية واضحة، وخصوصاً في وقت تواجه فيه تهديداً إرهابياً)(28). وبعبارة أخرى، اعتبرت الاصلاحات تهديداً لوحدة الدولة السعودية. هذا، أيضاً، يعني أن النية الحقيقية لمن يسمون بالأمراء الليبراليين لم تكن مع الإصلاحات.

هذا يقودنا إلى مختلف العوامل التي تسهم في: إما التخلي عن، أو تأجيل المناقشة حول الديمقراطية في المملكة السعودية. ومن الأهمية بمكان أن نؤكد على البيئة السياسية والاجتماعية والدينية التي تطرح فيها موضوعة الديمقراطية للنقاش والتداول. هذا يلمح الى طبيعة وعي الاسلاميين في السعودية بمصطلح الديمقراطية. حتى نهاية الثمانينات من القرن الماضي، أعتبرت الديمقراطية معادية للمجتمع الديني المحافظ، بل جرى تصويرها على أنها أحد وسائل الغزو الغربي للعالم الإسلامي. وغني عن القول، إن مثل هذه القناعات أرضت الحكم السعودي، والذي سيشجّع الناس على الحرب ضد التدخل الأجنبي، في حين يفيد الأمراء السعوديون من الموقف الشعبي من الديمقراطية لتعزيز حكمهم ومشروعيته.

بالنسبة للسلفيين، فإن الخطاب السياسي كان حتى ذلك الحين غير متماسك وغامض، ببساطة لأن الهيكل التنظيمي للإسلاميين السلفيين ليس قوياً بدرجة كافية، فهم مبعثرون داخل المجتمع السلفي في نجد. على أية حال، فحتى نهاية التسعينيات من القرن الماضي، من الصعوبة بمكان تحديد علامة فارقة في الموقف من الديمقراطية في الأدبيات السلفية، بما في ذلك، المعتدلين نسبياً. المثير للدهشة، أن عدوى التسييس فشلت في زحزحة الآراء المتطرفة لدى الناشطين السلفيين، بشأن شكل الحكومة التي يمتسّكون بها.

ومع ذلك، فإن الانقسام داخل المجتمع السلفي بعد الحادي عشر من سبتمبر جلبت إلى السطح إتجاهاً جديداً، يميل الى اعتناق مبدأ الديمقراطية وإن ضمنياً. على سبيل المثال، قدّم الكاتب السلفي محمد علي المحمود مقالات جريئة في الصحف المحلية، ينتقد فيها بشدة السلفية التقليدية والمتطرفة ، كونها معارضة للثقافة الديمقراطية.

مثل بعض منظري الديمقراطية، يجادل المحمود بأن الديمقراطية لن تنمو بصورة طبيعية في التربة التي ليست مستعدة لمثل هذا المفهوم. وبعبارة أخرى، فإن الديمقراطية تتطلب بنية تحتية مما يساعد على تعزيز الديمقراطية، أي وجود منظمات مجتمع مدني، وحرية الصحافة، والتعبير والاحتماع في سبيل تخصيب الوعي الشعبي بالديمقراطية (محمد على المحمود، ديمقراطية ما قبل الديمقراطية، بداية أم نهاية، صحيفة الرياض، 10 يوليو 2007).

وعلى الرغم من أن المحمود يبدو أنه قد تخلّى عن انتمائه السلفي، أيديولوجياً على الأقل، لكنه لا يزال ضمن فئة الإسلاميين السعوديين، وأن مقالاته الجريئة لا تزال تحظى بنفوذ واسع في المجتمع السلفي. في مقال بعنوان (الديمقراطية ومعادلة الوعي الجماهيري) نشرت في صحيفة الرياض في (5 يونيو 2008)، لفت المحمود الى أن عيوب التجارب الديمقراطية في العالم العربي لا ينبغي أن تبرر رفض المفهوم بالجملة، وإنما ينبغي دعمها. وكونها عملية ثقافية، فإن الديمقراطية تحتاج الى فرصة للتطور تدريجاً. وبالإضافة إلى ذلك، فإن نجاح التجربة الديمقراطية في أي بلد عربي معين هو نجاح للعرب جميعاً، والعكس بالعكس. وفي هذا السياق، يبدو المحمود داعماً للديمقراطية الشعبية، لكونها آلية أو أداة بيد الناس في المجال العام. واستناداً إلى اطروحة جوستاف لوبون وسيمون فرويد في سيكولوجية الجماهير، فإن المحمود يفضّل الديمقراطية الليبرالية، بوصفها الصيغة المثالية لتطوير الديمقراطية وسط الشعب، حيث تنخرط الجماهير مباشرة في الحياة السياسية وترسم شكل الديمقراطية الخاص بها، والتي هي استيعابية وشاملة.

ويحذر المحمود من اختطاف الديمقراطية من قبل المتطرفين، عبر اللجوء إلى الجماهير التي تتبع لها. ويؤكد أنه: لم يتم اختراق الديمقراطية في عالمنا العربي والإسلامي من قبل الجماهير، بل من قبل الأصوليين الذين لديهم الوسائل لاستخدام الجماهير بهدف الهيمنة على الديمقراطية. إنه يشير إلى المساواة بين جميع المواطنين باعتبارها مظهراً للسلوك الديمقراطي، والتي يلتزم بها المتطرفون أثناء الحملات الانتخابية، في حين يحتفظون بأجندة خفية يجري تطبيقها بعد الإنتخابات. على هذا النحو، يدعو المحمود إلى تقليص تأثير الجماهير إلى أن تكون قادرة على إجهاض محاولات تضليلها، من قبل أولئك الذين يملكون قدرة تعبئة مشاعر الناس لأغراضهم الخاصة.

في مصطلحات وتعبيرات غامضة جداً، طالب أعضاء ما يعرف بـ (منتدى الملكية الدستورية) الذي يقوده الأديب والناشط السياسي عبد الله الحامد، باستعادة مجلس الشورى من الحكومة. وفيما تعمّد الحامد تفادي مصطلح الديمقراطية، فإن 99 سلفياً تقدّموا بعريضة الى الملك عبد الله في الأول من بريل 2007 طالبوا فيها بتطبيق الإصلاحات التي تبناها في العام 2003، بشأن تطبيق العدل، وحكم الشورى، وتوزيع الثروة والسلطة، والسماح لمنظمات المجتمع المدني بالعمل بحرية.

وفي الخلاصة: أصبح واضحاً منذ مطلع التسعينيات أن ما يقرب من جميع القوى السياسية الإسلامية تخلّت عن أهدافها الثورية والتحول نحو الديمقراطية والاعتدال السياسي.

ولابد من الإشارة هنا الى أن التحول نحو الاعتدال قد لا يدوم طويلاً في حال أصرّت الحكومة على رفض أو تشويه مطالب الغالبية العظمى من السكان، فقد يولّد الاحباط السياسي قناعات جديدة، تستند الى التناقضات بين أهدافها الاستراتيجية والتكتيكية. فقد تخرج من بين عباءة القوى السياسية المعتدلة اتجاهات متطرّفة، وقد تتخلى القوى نفسها عن خيار الاعتدال، إذا لم يفضي الى نتيجة عملية. وباختصار، فإن اعتناق الديمقراطية في بلد مازال يرفض السير في بداية الطريق اليها يجعل عوامل التشدّد صالحة.

فبدون المشاركة الفعالة من جانب الإسلاميين وغيرهم في عملية صنع القرار، فإن من المرجح جداً ظهور جماعات راديكالية يمكن أن تسهم في مرحلة جديدة من التطرف الديني. ويمكن أن تجد هذه الجماعات في عوامل تحريضية جديدة: عهد جديد للاستعمار، وإصلاحات مشوهة، وعولمة متوحشّة، وهوية ممزّقة، واحباط سياسي، وحرمان اقتصادي.


المصادر

1 مقابلة مع الشيخ حسن الصفار، بتاريخ 20 يناير 1986 مجلة (الثورة الاسلامية) الناطقة باسم منظمة الثورة الاسلامية في الجزيرة العربية، عدد 72، مارس 1986، ص 24.

2 الدرر السنية في الأجوبة النجدية، جمع عبد الرحمن العاصمي النجدي، (د.م.ط) الطبعة الثانية، 2004، الجزء الأول ص 173

3 http://www.saihatalthagafy.com/main/news.php?action=show&id=22

4 http://www.rasid.com/artc.php?id=26509

5 محمد المحفوظ (محرر)، المواطنة والوحدة الوطنة في المملكة العربية السعودية، بيروت 2008، ص 143

6 المصدر السابق ص ص 173، 175

7 مقابلة مع الشيخ حسن النمر، إعداد إيمان القحطاني، ميدل ايست ترانسبيرنت، بتاريخ 14 أغسطس 2008

8 جريدة الاهرام مايو (6 ـ12) 2004

9 Samia Nakhoul, Saudi Arabia's Clerics Set Boundaries on Reforms, Reuters February 1st, 2004

10 الشيخ ناصر العمر، على بصيرة، بتاريخ 17 ربيع الثاني 1427هـ نشر على موقعه الرسمي، المسلم.

11 الشيخ ناصر العمر، على بصيرة المصدر السابق، الجزء الثاني

13 محمد الأحمري، الفجر الكاذب للديمقراطية، 21 إبريل 2006

14 محمد الأحمري، انتصار الديمقراطية على الوثنية في الانتخابات الاميركية، مجلة (العصر)، 12 نوفمبر 2008

15 الشيخ ناصر العمر، تعليقان على نتائج الانتخابات الأميركية، بتاريخ 11 نوفمبر 2008، موقع المسلم.

16 برنامج (إضاءات) على قناة (العربية) مقابلة مع الأحمري بتاريخ 2 فبراير 2009

17 مجلة (العصر) الالكترونية، مصدر سابق

18 http://www.islamweb.net/ver2/Fatwa/ShowFatwa.php?Option=FatwaId&lang=A&Id=5141

19 فتاوى اللجنة الدائمة، الجزء 23، ص ص 406 ـ 407

20 فتاوى اللجنة الدائمة، الجزء الأول، ص 373

20 فتاوى اللجنة الدائمة، الجزء الأول، ص 373

22 الشيخ بن باز، نقد القومية العربية، منشور في موقعه الرسمية، ص 27

23 http://www.alhawali.com/index.cfm?method=home.SubContent&contentID=3513

24 الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، حكم الانتخابات، فتوى رقم 8027 منشورة في موقعه الرسمي على الانترنت

24 الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، حكم الانتخابات، فتوى رقم 8027 منشورة في موقعه الرسمي على الانترنت

26 حكم الانتخابات، مقتطفات من سلسة محاضرات بعنوان (الباب المفتوح، شريط رقم 211، للشيخ ابن عثيمين

27 مقتطفات من شريط رقم 344، من سلسلة محاضرات بعنوان (الهدى والنور)

28 NEIL MACFARQUHAR, Saudis Uneasily Balance Desires for Change and Stability, The New York Times: May 4, 2004

الصفحة السابقة