بعد الاعلان عن مشاركة المرأة:

اللحيدان يشكّك في أهليّة الملك للولاية

خلاف مشايخ السلطة يعكس صراع الأجنحة السياسية في العائلة المالكة

عمر المالكي

من تابع السجال الهزلي بين جناح الملك من جهة والشيخ صالح اللحيدان، المدعوم من الجناح السديري، ومن وزير الداخلية، الأمير نايف على وجه الخصوص، لا يخطر بباله سوى المثل الشامي (فخّار يكسّر بعضه)، فالشارع قد تجاوز هذه الخصومات الهابطة بين العائلة المالكة، أو بعض الأجنحة فيها، والمؤسسة الدينية، وليس هناك من لديه حماسة لمثل هذه الخلافات الهامشية التي تهدف إلى إيهام الرأي العام بأن الملك أقدم على خطوة جبّارة، وصنع قراراً تاريخياً وعظيماً على حساب العلاقة الاستراتيجية مع العلماء، الشركاء التاريخيين والتقليديين للحكم السعودي.

في الفعل ورد الفعل تكمن نزعة الوصاية لدى الأمراء والعلماء، فهم يتعاملون مع السكّان بوصفهم تابعين، عبيداً، وقاصرين، ولا بد من الهيمنة على شؤونهم وتقرير مايناسبهم وما لا يناسبهم، بحسب منسوب الوعي لدى الطرفين المتواطئين على تخفيض توقّعات الناس إلى مثل هذا التسطيح الذي بلغه حال هذا البلد، فيما تجاوزت الشعوب العربية بسقف مطالبها رأس النظام وتطالب بـ(إسقاط النظام) وليس الرئيس.

اللحيدان: مشاركة الشعب تخلّ بولاية الملك

قول اللحيدان: الإقصائية المتعالية

ذكر الشيخ صالح اللحيدان، رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق، وأقدم عضو في هيئة كبار العلماء الحالية، في برنامج (الجواب الكافي) الذي تبثّه قناة المجد الفضائية الوهابية في 30 أيلول (سبتمبر) الماضي، رأيه في إعلان الملك بتمثيل المرأة في مجلس الشورى المعيّن، ومشاركتها في (نصف) الإنتخابات البلدية القادمة التي ستجري بعد أربع سنوات (بمشيئة الله تعالى وتوفيقه!). وقبل التعليق، نورد النص الكامل والحرفي لجواب اللحيدان:

على أي حال بالنسبة للشورى وما يتعلق بها كان رأي بها أصلاً بالشورى تترك لولي الأمر ولا يكون بترشيح من الناس لأن المستشار يرجع أمره للمستشير. والشأن في أمور الاسلام، أن ولي الأمر لا يُفرض عليه أناسٌ يستشيرهم، فإذا كان وضع ولي الأمر أنه يحتاج أن يُفرض عليه معناه أنه ليس أهلاً للولاية. فولي الأمر أمر الناس أن يسمعوا ويطيعوا له حتى ولو رأوا أنه أخطأ، لأن ليس كل رأي الأنسان حق كلما يراه، قد يرى الإنسان أمراً وهو لا يعرف ماوراء هذا الأمر، لا يدري مالدوافع، ولا مالذي حمل ولي الأمر على أن يقول كذا وكذا.

بالنسبة لي كان بودي أن الملك لم يقل أنه شاور هيئة كبار العلماء أو بعضهم، كان بودي أنه لم يذكر أحداً، ويقول إنني رأيت هذا وإذا هناك في تحريم فعلى من يرى التحريم أن يقدّم.

أنا عضو في هيئة كبار العلماء، ولم يبق في هيئة كبار العلماء من جلس أول جلسة فيها إلى يومنا هذا إلا أنا وعبد الله المنيع وأعضاء الهيئة إنما جاءوا بعدي والهيئة قبل ذلك إنما سماها الشيخ محمد بن ابراهيم للملك فيصل وكان يغلب على ظني أنهم أربعة عشر شخصاً ولم يبق أحد من هؤلاء حيّاً إلا صالح اللحيدان.

جميع من رشّحهم الشيخ محمد بن ابراهيم خرجوا من دنياهم ولم يبق فيهم إلا صالح اللحيدان وكان يومها أصغرهم سنّاً. كنت رئيس المحكمة الكبرى بالرياض.

ولي الأمر إذا اختار أحداً يستشيرهم لا يقال لا يحق ولكن ان تشتير أحداً ولكن على ولي الأمر ان يتقي الله في من يختاره وان يتقي الله في الجمهور يحرص على حماية عرضه يحرص على استجلاب محبة ما رضي الله عنه. ولي الأمر واجبه عظيم ومسؤوليته كبيرة ويتسامح له بما لا يتسامح للناس الآخرين.

ولي الأمر المحدود الولاية إذا ارتكب أمراً ليس في الشرع تحريم له يلتمس له فيه العذر أما المحرّمات فلا يؤذن لأحد.

بالنسبة ما أودّه، وأنا حين سمعت كلمة خادم الحرمين وماجاء في الإستشارة بدون شك أنا لم أعلم شيء قبل سماعي لكلمة خادم الحرمين الشريفين. أنا لما رأيت نزول من كانوا مع خادم الحرمين الشريفين قبل أن يخرج الى المنصّة، سماحة المفتي وبعض أعضاء الهيئة كرئيس مجلس القضاء الأعلى الشيخ صالح الحميد وعبد الله بن محمد رئيس مجلس الشورى ولا أظن أن معهم أحداً من بين الأعضاء، وأنا ما كنت أرفع رأسي حتى أنظر من ينزل حتى لا أحرج أحداً يأتي ليضطر للسلام علي، فما كانت أفعل ولكن لما خرج الملك صرت أنظر من ينزل فمع هذا أسأل الله جلّ وعلا أن يوفق ولي الأمر في هذا لأن يكسب رضا جميع أهل الخير في بلادنا وان كسب رضاهم وان يكون فيما بينه وبين الله جل وعلا في غاية الجمال والكمال..

لا أعتقد ولله الحمد أن في البلد أحداً أغير منا على هذه البلاد، لكني أرجو أن يكون مثلي بالملايين. أنا أجزم أنه لا أحدا لا من ولاة الأمر ولا من حولهم ولا من يعيشون في سائر بلادنا لا أعتقد بأن هناك أحداً أنصح مني لهذه الدولة وأغير عليها وأشد اهتماماً بحفظها مني، ولكني أجزم ان امثالي بحول الله كثيرون كل من يحمل عقيدة الاخلاص ويوالي لها فإنه حتماً ولي للدولة.

جواب اللحيدان تضمّن نقاطاً مثيرة تتصّل بموضوعات رئيسية: موقع الحاكم (ولي الأمر)، العلاقة بين العلماء وولاة الأمر، موقعيّة اللحيدان والعلماء في الدولة، العلاقة بين المجتمع والدولة.

في الموضوع الأول: لا شك أن مفهوم اللحيدان لولي الأمر يؤسس لسلطة شمولية بل وللحكم الفردي، حين وهب الحاكم (ولي الأمر) صلاحية مطلقة في صنع القرار الذي جعله امتيازاً خاصاً بالحاكم، لا يشاركه فيه أحد إلا العلماء. بل اعتبر عودة الحاكم إلى الشعب نقطة ضعف وتفريط في مبدأ ولاية الأمر.

في الموضوع الثاني، المتصل بالعلاقة بين العلماء وولاة الأمر، يزعم اللحيدان بأن العلماء وحدهم دون سواهم (من الحاشية أو خلطاء ولاة الأمر وسواهم) الأمناء على الدولة والحرّاس عليها. اللحيدان يؤسس لمفهوم دولة من نوع خاص، يتقاسم فيها العلماء والأمراء السلطة، ولذلك هو يطلب من ولاة الأمر كسب رضا من أسماهم (أهل الخير)، في إشارة الى العلماء، ليربط ذلك بالسماء، فيكون رضاهم من رضا الله سبحانه وتعالى.

في الموضوع الثالث: تحدّث اللحيدان مطوّلاً عن نفسه، وأفرط في استعمال كلمة (أنا)، بل جعل من نفسه محوراً ومرجعية وحيدة في هيئة كبار العلماء، وأن تجاوز الملك له عنى بالنسبة له تجاوزاً للهيئة بأكملها، فهو أول من حضر الجلسة، وأقدم عضو فيها، وأنه أنصح وأغير وأشد اهتماماً مما عداه في هذه البلد، ويتطلع لأن يكون هناك ملايين مثله. إنها نرجسية فارطة ولكن بنكهة أيديولوجية، فالرجل غضب من الاستبعاد والتجاهل أكثر من غضبه للموقف المبدئي من مشاركة المرأة.

في الموضوع الرابع: يسلب اللحيدان من الشعب ذكوراً وإناثاً حق المشاركة والتمثيل، فهو حين يمنح ولي الأمر سلطة مطلقة، ويرى في نفسه والعلماء من أمثاله وحدهم الفئة الراشدة والعقل العلوي للدولة، يصبح الشعب بكل مكوّناته مجرد رعايا، تابعين، قاصرين. هو لا ينطلق من مفهوم الدولة حين يقارب العلاقة بين المجتمع والدولة، بل يتعامل مع كيان تنتظم فيه التراتبيات المؤسسة على المفهوم العقدي للسلطة.

اللحيدان الذي كان على استعداد لأن يفتي بجواز قتل ثلث الشعب السوري من أجل أن ينعم الثلثان بالحرية، نفى أي دور لمواطني بلاده في الحياة الكريمة، وسلبهم حتى مجرد المشاركة في مجلس معيّن، يدرك هو قبل غيره أن هذا المجلس أقل من إستشاري وأبعد عن كونه تشريعياً.

السؤال الكبير: هل ثائرة اللحيدان وحماسته الواضحة في الجواب الكافي تعبّر عن حميّة خالصة ومنافحة عن الشريعة، كون الملك إقترف محرّماً وموبقة لا يصحّ السكوت عنهما، أم أن اللحيدان شعر بأنه لم يكن من بين من استشارهم الملك، فأصابته غيرة وتسلل إليه فايروس الحسد، المتفشي بين العلماء؟

من وجهة نظر ما، فإن حديث اللحيدان المسهب عن نفسه، يجعل الكلام عن الغيرة والحسد وارداً، بل ومعقولاً. وأيضاً، هناك عامل آخر، فإن اللحيدان المقرّب من الأمير نايف قد يكون ما قاله مكوّناً في صراع الأجنحة. فمن المعروف أن حتى هيئة كبار العلماء منقسمة في الولاء، فبعضهم أقرب الى الملك منهم الى الأمراء السديريين وخصوصاً نايف وسلمان.

إقالة اللحيدان من رئاسة مجلس القضاء الأعلى تسببت في إحداث صدمة له، وهو الذي كان يتوقّع أن يتسنم منصب المفتي العام للمملكة بحكم السابقية، والخبرة، وما يعتبره الولاء العريق لولاة الأمر، وهذا ما يفسّر إحالته الى نفسه بأن ليس هناك من هو أخلص منه ولا أغير منه على هذه البلاد. وفي مثل هذا الكلام إشارات (شفرة اللحيدان)، الى المعنيين، سواء في جناح الملك أو جناح نايف وسلمان.

صالح آل الشيخ: قرار الملك شرعي!

رد جناح الملك

تلقى جناح الملك عبد الله كلام اللحيدان بجديّة ولم يتردد في تقديم رد سريع عليه، خصوصاً وأن اللحيدان تجاوز في ردّه حدود النقد، وشكّك في أهلية الملك للولاية. وفي تعليق له على كلام اللحيدان، شدّد وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ في رد نُشر في 2 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري على إضفاء البعد الديني على ما ورد في كلمة الملك في مجلس الشورى، كما أكّد على التواصل وليس القطيعة بين الحاضر والماضي في تاريخ المملكة السعودية، فإدخال المرأة في مؤسسات الدولة العامة حسب قوله آل الشيخ (موجود منذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز، وقد كان موجوداً في بعض الأشياء، وكذلك كان موجوداً في عهد الملوك أبناء الملك عبد العزيز..)، وأن قرار الملك بالمشاركة لم يكن يهدف الى خرق محظور شرعي أو إجتماعي، وحسب قوله (أن المرأة في الشريعة الإسلامية حظيت بمكانة كبيرة، وفي القرآن الكريم إذا ذكر المؤمنون ذكرت المؤمنات، هذا من جهة التكليف الشرعي، أما من جهة الواجبات المطلوبة منها فالإسلام دعا المرأة إلى أن تكون نافعة لها ولزوجها ولأولادها وفي بيتها، ونافعة - أيضاً - لمجتمعها وتحقيق المصالح).

وشرح الوزير آل الشيخ طبيعة الخلاف بين العلماء في المسائل الاجتهادية، ولفت الى وجود خلاف بين علماء المؤسسة الدينية، وأوضح بأن الملك حين أعلن قرار المرأة المشاركة في الشورى والبلديات كانت (وفق ضوابط شرعية)، وأنه استشار كثيراً من أهل العلم من داخل هيئة كبار العلماء ومن خارجها، ثم علّق بالقول أن المسألة خلافية (فإذا أكّد له العلماء أن الشريعة لا تسمح به، فإن هذا يلغي النظر فيه، أما إذا كانت المسألة فيها اجتهاد وبعض العلماء قال إن هذا أمر طيب، ولكن بعضهم قال: لا، معارضا المسألة، أي هناك اختلاف في المسألة الاجتهادية بين العلماء، فهنا حق ولي الأمر أن يختار ما هو الصالح في الرأيين من كلام العلماء سيما إذا كانت الأدلة تدل على مشروعية الأمر وجوازه).

وانتقد آل الشيخ الجناح الآخر الذي يرى في المرأة كائناً شريّراً، وأكّد على (أن يكون الظن بالمرأة دائماً الظن الحسن، لأن المرأة السعودية مثل الرجل نشأت على طاعة الله تعالى، وتعلمت تعاليم العقيدة الصحيحة وتعرف الضوابط الشرعية)..

وزير العدل وعضو هيئة كبار العلماء الدكتور محمد العيسى قال بأن (أغلبية هيئة كبار العلماء، إضافة إلى علماء كبار وقياديين في الأوساط الشرعية، باركوا مشاركة المرأة في الشورى عضواً وبالمجالس البلدية مرشحة لنفسها ومرشحة لغيرها).

في ضوء الردود والردود المضادة، فإن أسوأ ما يمكن أن تصل اليه الأمور هو سجال فارغ حول مشاركة المرأة في الحياة العامة، والآراء الفقهية المتباينة، فيما الغالبية الساحقة من هذا الشعب تعيش أجواء ربيع العرب، وثقافة المشاركة الشعبية الكاملة، لا الإنشغال بجدال عقيم، يعود الى قرون بعيدة، ولا يلامس هموم الناس، وهو بمثابة صراع بين أهل السلطة سواء كانوا أمراء أم علماء. فإذا كان اللحيدان يرى بأن إشراك الناس في الشورى يعدّ سبباً كافياً لفقدان الملك للأهلية، فليس هناك ما يدعو الناس الذين لم يعر اللحيدان رأيهم أية أهمية لإحترامه، لأنه إنما قال ذلك في سياق صراع الأجنحة التي يمثّل اللحيدان أحد أدواتها السديرية.

الصفحة السابقة