الــوهــابــيــّـة: مـذهـب الـكـراهـيـة

مـشـايــخ الـتـكـفـيـــر

الجزء الخامس ـ 2

سعد الشريف

في تواصل مع قراءة التراث التكفيري الوهابي، نستكمل مشوارنا في استعراض مقولات مشايخ التكفير في السعودية، والذي كانت لديهم مساهمات مؤثّرة في تنشئة ثقافة التكفير والاقصاء الديني:

الشيخ الفوزان

الشيخ صالح الفوزان

الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، عضو اللجنة الدائمة للإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء في السعودية. عرف بمصنّفاته المثيرة للجدل، إذ يعدّ كتابه (التوحيد) المقرّ سابقاً ضمن منهج التعليم الرسمي، وهو شرح على كتاب (التوحيد..الذي هو حق على العباد) لزعيم المذهب الوهابي، الشيخ محمد بن عبد الوهاب، من المصنّفات الأشهر له، لما أحدث من ردود فعل غاضبة لدى الشيعة في المنطقة الشرقية والإسماعيلية في نجران والسنّة والصوفيّة في الحجاز، ما اضطرت وزارة التعليم إلى إستبداله العام 1993 بكتاب آخر، بقليل من التنقيح بعد إزالة العبارات المثيرة التي تنطوي على تكفير طوائف عديدة من المسلمين.

رؤية تكفيرية في التكفير

قبل أن نقوم باستعراض محتويات المصنّفات البارزة للشيخ الفوزان، نتوقف عند مقالته في التكفير، لما تشتمل عليها من نقاط جديرة بالتأمل. في مقالة له بعنوان (التكفير وضوابطه) يبدأ الفوزان بتعريف جدلي للتكفير ويقول بأن التكفير (معناه الحكم على مسلم بالكفر)، وفي هذا التعريف ما ينبىء عن استبطان من نوع ما، وكأن التكفير مصوّب في الأصل للمسلم دون سواه. ثم يقسّم الفوزان الناس الى ثلاثة أقسام: متطرّف، ومتساهل، ووسط. فالخوارج، بحسب تعريفه، (يغلون في التكفير فيكفّرون المسلمين بكبائر الذنوب التي هي دون الشرك والكفر وهذا مذهب باطل)، والمرجئة وهم، بحسب رأيه، طرف (يرى أن المسلم لا يكفّر لو عمل ما عمل من فعل المحرّمات وترك الواجبات مادام أنه مصدّق في قلبه بالله ودينه..)، ويضيف: (وهذا مذهب المرجئة قديماً وحديثاً ويتبناه اليوم كثير من الكتّاب الذين لم يدرسوا عقيدة السلف فيرون أنه لا يجوز التكفير مطلقاً، لأنه عندهم تشدد وغلو وتطرف، ولو ارتكب الإنسان كل النواقض حتى إنهم لا يكفرون اليهود والنصارى..).

لابد من الإشارة إلى أن التعريف الذي يسوقه الفوزان، رغم ما يختزنه من شحنة كيدية لإثبات الموقف العقدي، ليس بالضرورة ينطبق على المرجئة في التاريخ أو الحاضر. ومع ذلك، فإن الفوزان كفّر المرجئة وقال عن مذهبهم بأنه (مذهب باطل يتيح لكل مفسد وكل ضال ومنحرف أن يفعل ما يشاء من أنواع الردّة والإفساد). والحال أن المرجئة إنما ظهروا كرد فعل على إفراط الخوارج في التكفير، ولذلك جاءت مقولاتهم متساحة دينياً الى حد كبير، ورفضوا تكفير المسلم، وقالوا بأن مرتكبي المعاصي من المسلمين مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم، وهناك تفصيل طويل في عقيدة الارجاء وارتباطها بالتحوّل السياسي في الفترة ما بين مقتل عثمان وعلي.

أما المذهب الوسط، وفق حسابات الفوزان، فهو (الجميع بين نصوص الوعد ونصوص الوعيد). فأهل السنة، أي السلفية الوهابية، (لا يحكمون على مسلم بالكفر إلا إذ ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام المتفق عليها والمعروفة عند العلماء..)، وأي علماء؟ الجواب بطبيعة الحال: علماء الوهابية، كما سيأتي.

مصطلح (نواقض الإسلام) وتحديدها يعتبر إبتكاراً وهابياً. وقد وضع مؤسس المذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب رسالة في مصنّفه (كتاب التوحيد) بعنوان (نواقض الإسلام)، وحدّدها في عشرة نواقض على النحو التالي:

1 ـ الشرك في عبادة الله تعالى، قال الله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).. ومنه الذبح لغير الله، كمن يذبح للجن أو للقبر، وفي نسخة أخرى (للقباب).

2ـ من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكّل عليهم كفر إجماعا.

3ـ من لم يكفّر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر.

4ـ من اعتقد أن غير هدى النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذي يفضّل حكم الطاغوت على حكمه فهو كافر.

5 ـ من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به كفر.

6 ـ من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثواب الله أو عقابه كفر..

7 ـ السحر ومنه الصرف والعطف فمن فعله أو رضي به كفر

8 ـ مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين والدليل قوله تعالى (ومن يتولّهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين).

9 ـ من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج من شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج من شريعة موسى عليه السلام فهو كافر.

10ـ الإعراض عن دين الله تعالى لا يتعلّمه ولا يعمل به، والدليل قوله تعالى (ومن أظلم ممّن ذكِّر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون).

ثم يختم بالقول: (لا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف، إلا المكره. وكلها من أعظم ما يكون خطراً، ومن أكثر ما يكون وقوعاً..)(1).

طائفة النواقض أعلاه تشتمل على عبارات غامضة وأحكام مطلقة، تجعل من إستخدامها من قبل أهل دعوته أمراً بالغ الخطورة والتعقيد. على سبيل المثال، يعقد الشيخ إبن عبد الوهاب رابطة بين الذبح الذي لا يقصد به إشراك أحد في عبادة غير الله، بالشرك بالله مع أنه في أسوأ الحالات عادة جرت أن يذبح في مكان ولي للبركة وليس للتعبد وتوزيع لحم الذبيحة على الفقراء، وهكذا جرت العادة في كل أرجاء العالم الإسلامي، ولم نسمع أن أحداً قام بفعل الذبح أو النذر بدافع إشراك أحد من الخلق في عبادة الله وحده لا شريك له، ولكن الشيخ يلحّ على أن الذبح مظهر من مظاهر الشرك بالله، ويقرن ذلك بما جرى في الأقوام السابقة!

كذلك الحال، في الناقض الثاني وهو بلا شك ينطوي على مغالطة كبيرة كونه يضع (الواسطيّة) في مقام المزاحمة لخالق الكون ورازق الخلق، والحال أن المسلم إنما يرجو نيل شفاعة نبيه المصطفى، كما في أحاديث مستفيضة عن شفاعته صلى الله عليه وسلم للعصاة من أمته يوم القيامة، وكقوله تعالى (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً)، فالآية الكريمة لا تقف عند المعنى الظاهر في (واستغفر لهم الرسول)، لوجود آية أخرى صريحة (ومن يغفر الذنوب إلا الله)، ولكن ضمّ استغفار الرسول للقوم الذين أرادوا التوبة رجاء لقبولها من الله. وهناك مواقف عديدة لجأ فيها الصحابة لبعضهم في مواقف شديدة طلباً لتحقيق أمر أو نزول بركة أو رحمة من الله، وكما فُعل مع العباس عم النبي.

النواقض العشرة ذات طبيعة جدليّة، وتعتبر المدخل الذي يرد منه كل من أراد الترويج لثقافة التكفير، على قاعدة أن من لم يكفّر كافراً فهو كافر، ومن شكّ في كفره فهو كافر، الأمر الذي يشجّع الناس على الإنغماس في عقائد بعضهم، فيخرجون من يشاءون من الدين ويدخلون إليه من يشاءون، ويعقدون نادياً للتداول فيما انعقدت عليه قلوب المؤمنين، فهذا مؤمن، وذاك كافر، وذلك منافق، وقد يصدرون أحكاماً بقتل فلان بتهمة الردّة عن الدين، لمجرد أنه يختلف مع المذهب الرسمي، وتطال آخر تهمة الإنحراف عن العقيدة، والضلال، ويتكفّل رسل الموت من أهل الدعوة بإيصال رسائل التهديد للكتّاب كما فعل الفوزان.

الفوزان الذي يستحضر النواقض العشرة، يضع شروطاً للحكم بالردّة أو الكفر على من ظاهره الاسلام وهي:

1 - ألا يكون جاهلاً معذوراً بالجهل كالذي يُسلم حديثاً ولم يتمكن من معرفة الأحكام الشرعية أو يعيش في بلاد منقطعة عن الإسلام ولم يبلغه القرآن على وجه يفهمه أو يكون الحكم خفيّاً يحتاج إلى بيان.

2 - ألا يكون مكرهاً يريد التخلص من الإكراه فقط.

3 - ألا يكون متأوّلاً تأوّلاً يظنّه صحيحاً فلابد أن يبيّن له خطأ تاويله.

4 - ألا يكون مقلّداً لمن ظنّه على حق إذا كان هذا المقلد يجهل الحكم حتى يبيّن له ضلال من يقلده.

5 - أن يكون الذي يتولى الحكم عليه بالردة من العلماء الراسخين في العلم الذين ينزلون الأحكام على مواقعها الصحيحة فلا يكون الذي يحكم بالكفر جاهلاً أو متعالماً(2).

في التعليق على الشرط الأول نستدعي ما ورد في مقالته (الجهل والعذر به) والمنشورة في موقعه الرسمي بتاريخ 20/3/1432هـ، حيث أعاد الفوزان إنتاج قسمة الجاهلية (العامة والخاصة)، فجاءت الجاهلية الخاصة هذه المرّة مخفّفة بقوله (أما الجاهلية الخاصة قد يبقى شيء منها في بعض الناس). ولكن في تفصيل العذر بالجهل يكمن الموقف التكفيري، (فالجاهل يجب عليه أن يسأل أهل العلم فلا يعذر ببقائه على جهله وعنده من يعمله..)، ولكن كيف يعلم أنه جاهل؟

الشروط التي يضعها الفوزان تصدر عن عقيدة تنزيهية بنزعة إقصائية، فهو لا يرى، على الإطلاق، مكاناً للتعددية المذهبية في الإسلام، والرد النمطي هو: (الحق واحد وليس متعدداً، وهو معروف ومن أراده يقدر على الوصول إليه). ولذلك فهو يفترض وجود كافر ضلّ طريقه إلى الإسلام الصحيح، وأن ثمة خيارات أمامه للحيلولة دون بقائه على كفره، كما تلفت إلى ذلك بوضوح الشروط الثلاثة الأخيرة.

الفوزان الذي انتخبته (حملة السكينة) بالتنسيق مع وزارة الداخلية السعودية كيما يكون أحد المشاركين في مشروع الأمن الفكري، في مسعى لتخفيف أو تعديل الآراء المتطرّفة المشجّعة على العنف والكراهية الدينية والتكفير، يجد نفسه مرتبكاً في تقديم نصّ متماسك. غالباً ما تكون فتاوى الفوزان أسيرة للغة السائل، ولذلك تأتي الإجابات متناقضة في ذاتها، أو متعارضة مع آراء عقدية أخرى.

نزعة الواحديّة لدى الفوان يمكن العثور عليها في ضوء مواقفه من الفرق الإسلامية الأخرى. ففي سؤال حول خضوع الثقافة الإسلامية المعاصرة تحت تأثير فكر الخوارج والمعتزلة على أساس أن هذه الثقافة تشتمل في بعضها على (تكفير المجتمعات والأفراد وتسويغ العنف ضد العصاة والفسّاق من المسلمين)، ولكن إجابة الفوزان تجاوزت الحكم على ضلال الخوارج والمعتزلة، وراح يجيب على تكفير المجتمعات، الذي رغم معارضته له في الظاهر، فإنه ما لبث أن ثبّته حين قال (فمن ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام التي ذكرها علماء أهل السنة والجماعة حكم بكفره بعد إقامة الحجة عليه)(3).

في سؤال عن التساهل في إطلاق لفظة الردّة على المسلم، وانتداب المسلمين (من يرون لإقامة حد الردّة في المحكوم بردّته عندهم إذا لم يقم به السلطان)، بدا واضحاً أن الفوزان ينافح عن النظام السعودي أكثر من منافحته عن الرؤية الشرعية السلفية/الوهابية. فهو لم يتعرّض بحال لأولئك المتساهلين في إطلاق لفظة الردّة على المسلم، ولكنّه أسهب بطريقة مثيرة في الدفاع عن موقع السلطان بوصفه صاحب الحق المطلق في تطبيق الحدود. فبدأ إجابته بالقول (إقامة الحدود من صلاحيات سلطان المسلمين، وليس لكل أحد أن يقيم الحد.. فالحدود من صلاحيات السلطان المسلم.. ومن وظائف السلطان في الإسلام ومن صلاحياته إقامة الحدود.. فالحاصل أن إقامة الحدود من صلاحيات السلطان.. ولا يجوز للأفراد أن يقيموا الحدود لأن هذا يلزم منه الفوضى ويلزم حدوث الثارات والفتن...)(4). وتفسير هذه الحماسة في المنافحة عن موقع السلطان أن تبني القاعدة إطروحة الخروج على السلطان، واعتبار النظام السعودي كافراً ينطوي على تهديد لموقع الفوزان، بل وموقع المؤسسة الدينية الوهابية بأسرها، ما يدفع بهم لتبني مواقف مستميتة في الدفاع عن السلطان.

تأصيل لاهوتي للتكفير

مصنّفات، ومقالات الفوزان، وكذالك محاضراته الدينية لا تكف عن التذكير بالرؤية العقدية للعالم من منظور وهابي، حيث تقسيم الخلائق الى مؤمنين وكفّار، بدرجات متفاوتة بحسب نوع الحكم الذي ينالهم: كفر أكبر وكفر أصغر، وشرك أكبر وشرك أصغر، ونفاق أكبر ونفاق أصغر(5).

نبدأ باستعراض أهم النقاط المثيرة للجدل في كتاب الفوزان (التوحيد)، والذي يقول في مقدّمته (إقتبسته من مصادر كثيرة من كتب أئمتنا الأعلام ـ ولا سيما كتب شيخ الإسلام إبن تيمية، وكتب العلاّمة إبن القيم، وكتب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه من أئمة الدعوة المباركة..)(6).

بعد أن يسرد تاريخ التوحيد منذ آدم حتى نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم مروراً بإبراهيم عليه السلام، يقول (إلى أن فشا الجهل في القرون المتأخرة، ودخلها الدخيل من الديانات الأخرى، فعاد الشرك إلى كثير من هذه الأمة بسبب دعاة الضلال، وبسبب بناء القبور، متمثلاً بتعظيم الأولياء والصالحين، وإدعاء المحبة لهم حتى بنيت الأضرحة على قبورهم. واتّخذت أوثاناً تعبد من دون الله بأنواع القربات من دعاء واستغاثة وذبح ونذر لمقاماتهم...)(7). ثم يسوق مثالاً على ذلك بالقول: (ومع هذا الشرك الذي وقع في البشرية قديماً وحديثاً فالأكثرية منهم يؤمنون بتوحيد الربوبية، وإنما يشركون في العبادة.. ولم يجحد وجود الرب إلا نزر يسير من البشر: كفرعون والملاحدة الدهريين والشيوعيين في هذا الزمان..)(8).

في تعريفه للشرك الأكبر يقول الفوزان: (هو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله ـ كدعاء غير الله والتقرّب بالذبائح والنذور لغير الله من القبور والجن والشياطين، والخوف من الموتى أو الجن أو الشياطين أن يضروه أو يمرضون ـ ورجاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله من قضاء الحاجات وتفريج الكرباء مما يمارس الآن حول الأضرحة المبنيّة على قبور الأولياء والصالحين)(9).

يقسمّ الفوزان الجاهلية الى عامة وخاصة: والعامة التي انتهت ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما الجاهلية الخاصة فهي متعلقة ببعض الدول، وبعض البلدان، وبعض الأشخاص وهذه حسب رأيه لاتزال باقية، ويرتبّ الفوزان على ذلك نتيجة (وبهذا يتّضح خطأ من يعممون الجاهلية في هذا الزمان فيقولون: جاهلية هذا القرن وما شابه ذلك والصواب أن يقال: جاهلية بعض أهل هذا القرن أو غالب أهل هذا القرن)(10)، وفي ذلك رد غير مباشر على كتاب محمد قطب (جاهلية القرن العشرين).

في التقييم الإجمالي، فإن كتاب (التوحيد) يقدّم مثالاً شديد الإضرار بسمعة الحكومة السعودية، ان لم يكن بالإسلام كدين التسامح والإعتقاد الحر، إذ يؤسس الشيخ الفوزان للرؤية العقدية التي تصنّف الأغلبية الساحقة من سكان المعمورة في قائمة الكفار وتستبقي بعضاً منهم (وهم أهل السنة والجماعة = أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب) في خانة (الفرقة الناجية) التي ستضطّلع بمهمة إصلاح الكون وإعادة البشرية إلى الصراط المستقيم.

لا قيمة للتحذيرات المتعاقبة من إنتقال امتياز (التكفير) من العلماء إلى غيرهم، فثمة مخارج شتى لمن دونهم تسمح بنقل بل إشاعة هذا الإمتياز، حتى ليصل الى العامة. فالعالم يتولى تأصيل التكفير وعلى طلبة العلم والعوام الترويج له بناء على قاعدة (من لم يكفّر كافراً فهو كافر)، ما يجعل التكفير فريضة دينية، فكل من كفّره العالم وجب على العامي تكفيره.

وبحسب فتوى رقم (322) بعنوان (من لم يكفّر الكافر) في الموقع الرسمي للفوزان، جاء السؤال: هل عندما يتضايق الإنسان من وصف اليهود والنصارى وعبّاد الأوثان بأنهم كفّار يكون فيه نفاق أو صفة من صفات المنافقين؟

الجواب: يخشى عليه من الردّة أيضاً..من لم يكفّر الكافر فهو كافر مثله(11).

ـ فتوى رقم 9503 بعنوان (النصارى كفّار)، ونصّ السؤال: في بلادنا في السودان رجل يلقب بالمفكر الإسلامي يقول بعدم كفر النصارى وأن قوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ) أي غطى، كما أنه يقول بتقارب الأديان، فهل نسمي ما عليه النصارى اليوم دين، مع أنهم ينكرون نزول المسيح في آخر الإسلام؟

الجواب: من اعتقد هذا فهو كافر لأنه قد ساوى بين الكفر والايمان، ولم يتبرأ من الكفار فهذا يعتبر كافراً(12).

وفي كتاب صادر عن وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بعنوان (الولاء والبراء في الإسلام) للشيخ الفوزان، وهو ضمن سلسلة كتابات تحريضية أعدّها الفوزان. نحن إذن أمام تراث مثير للجدل، لا تحتمل عباراته معانٍ أخرى، بل هو معنى واحد ورسالة واحدة تحمل بداخلها مجموعة إملاءات يراد من المسلم الإمتثال لها وتنفيذها بحذافيرها. للكتاب سطوة جبّارة، ولا يترك لقارئه فسحة التفكير في الأساس الإستدلالي لقائمة الأحكام الصادرة عن مؤلفه.

يصوغ الفوزان الموقف العملي من الكفّار وأهل الضلال. فالموالاة، كما تنبىء عبارات الفوزان، لا تقف عند حدود المعنى الديني الحصري للكلمة، بل تضاف إليها أبعاد أخرى منزوعة من الواقع أكثر منها من النص الديني، ويزداد الأمر بلاءً حين لا يكفّ الفوزان عن الجنوح نحو تفتيش الخبايا والنوايا ليصوغ حكماً محكماً ينزله منزلة الوحي، سيما حين تذّيل الأحكام بآيات قرآنية. وتنفث فكرة الموالاة لدى الفوزان كراهية بين الأقارب قبل الأباعد، فالإيمان يعني، في وعي الفوزان، كره الآخر المخالف كرهاً نفسياً لا عقدياً. فهو يقبل من هذا (المصنّف كافراً) كل منتجه التكنولوجي، ولكنه يصرّ بإلحاح على نبذ ما اعتبره هذا الكافر شأناً خاصاً كالأكل واللباس. والمثير للسخرية، أن الفوزان يحرّم ما يصفه بـ (الرطانة بلغتهم إلا عند الحاجة)(13)، ويعدّ ذلك من باب التمثّل أو التشبّه بالكافر.

لم تسلم الجاليات المسلمة المهاجرة الى الغرب، فراراً بدينها ومصيرها إلى بلاد (الكفار)، إذ يلزم الشيخ الفوزان هذه الجاليات بعدم الإقامة في بلاد الكفّار والإنتقال إلى بلاد المسلمين لأجل الفرار بالدين. ونسي أن الحريات الدينية وضمانها في بلاد (الكفار) مكفولة أكثر منها في بلاد المسلمين. ولأن الشيخ الفوزان، كما يوحي فحوى كتابه، لم ينتقل الى خارج حدود (دياره الاسلامية!)، فإنه بلا شك يجهل ما يقوم به أهل دعوته في (ديار الكفر) حيث عمارة المساجد وانتشار الدعاة بما يفوق قدرة تحمّل الدول الإسلامية.

فقد جاء أهل دعوته إلى الغرب الكافر، بحسب عقيدته، ونشروا رسالتهم وسط الجاليات المهاجرة وبين المجتمعات الغربية، بل وخرجوا على قوانين الدول التي نشطوا فيها، فهل الإقامة في بلاد الكفر كانت (تدلّ على موالاة الكافرين)، حتى يصدر الفوزان حكمه بحرمة (إقامة المسلم بين الكفار إذا كان يقدر على الهجرة).

ما يزيد الأمر غرابة، أن السعي في مناكب الارض والأكل من رزق الله بات خاضعاً لمنطق الولاء والبراء، ويشمل ذلك حتى السفر (لغرض النزهة ومتعة النفس). فالسفر إلى (بلاد الكفار مُحرَّم) الا عند الضرورة، فإذا ارتفعت لزم المباشرة بالرجوع إلى بلاد المسلمين. (والسفر الى بلاد الكفّار محرّم إلا عند الضرورة كالعلاج والتجارة والتعليم والتخصصات النافعة التي لا يمكن الحصول عليها إلا بالسفر إليهم..)(14).

ولا ندري في أي زمان تصدر هذه الأحكام؟. ولكن الشيخ الفوزان المستحضر لتجربة الرسالة الأولى، يصرُّ على إنتاج أحكام لتجربة مضت من أجل تكرار ماضٍ تليد لن يقع، ولذلك فهو يستثني الراحلين إلى نشر الدعوة في بلاد الكفر من قائمة المحظور سفرهم إليها.

ونقطة الفصل في الموالاة تتحقق حين تصطدم الرؤية العقدية مع الموقف الأيديولوجي، ومن تمظهرات الموالاة الإستعانة بالكفّار (والثقة بهم وتوليتهم المناصب التي فيها أسرار المسلمين واتخاذهم بطانة ومستشارين)(15).

وكنا نأمل أن واضع هذا النص قد تريّث قليلاً قبل نشره، أو أن رقيباً حكومياً قد اطّلع عليه وأدرك معناه، فهو بلا شك نص صادم لكل المنضوين داخل الفلك الرسمي ديناً ودولة. ولا نحتاج للتذكير بموقف الدولة السعودية خلال أزمة الخليج الثانية منذ قدوم القوات الأميركية والغربية من كل أصقاع الأرض للدفاع عن دار الإسلام! فالإطّلاع على أحوال المسلمين (في السعودية) وأسرارهم لم يكن بحاجة لكل هذه الفذلكات والتأسيسات الفقهية الإجترارية والمتهالكة، فالكافر في عقيدة الشيخ الفوزان، يطّلع منذ نشأة الدولة السعودية على أسرارها وخباياها، وهذا ما فرضه منطق إتفاقيات الحماية التي وقعت مع الإدارة الأميركية وقبلها البريطانية.

من بين ما أثاره الشيخ الفوزان في كتابه هو تعريضه بما وصفه بـ (العمالة الكافرة)، وهي العمالة التي ساهمت بصورة فاعلة في تشييد البنية التحتية للدولة، من المطارات والشوارع والمجاري والمدارس والمستشفيات إلى مراكز التسوق والتسلية، وكان حرياً به أن يحفظ هذا المعروف لمن وصفها بالعمالة الكافرة، وهو وصف كفيل بإلغاء كل حق إنساني وديني لأفراد هذه الفئة. سأترك النص يتحدث عن نفسه: (ومن هذا ما وقع في هذا الزمان من إستقدام الكفار إلى بلاد المسلمين ـ بلاد الحرمين الشريفين ـ وجعلهم عمالاً وسائقين ومستخدمين، ومربين في البيوت وخلطهم مع العوائل، أو خلطهم مع المسلمين في بلادهم)(16). فهل ذنب العمالة أنها جاءت لخدمة مواطنيه، أم ذنب مواطنيه الذين لجأوا لهذه العمالة، أم ذنب الحكومة التي فتحت باب استقبال العمالة الأجنبية في ديار المسلمين، بصرف النظر عن الموقف منه؟

يلفت إستنكار الفوزان مشاركة المسلمين أعياد أهل الكتاب أو حتى مساعدتهم في إقامتها أو تهنئتهم بمناسبتها أو حضور إقامتها(17)، إلى حقيقة العزلة الحضارية والجغرافية التي شهدتها نجد والتي ترفض التفاعل مع حضارات مجاورة لها، لذلك جاء المذهب تعبيراً أميناً عن العزلة الجغرافية، فقد حمل المذهب سمات البيئة الثقافية المغلقة، ما يجعله يرفض الإعتراف للآخر بحقه في الإعتقاد والعيش، بل ويحظر على من يجاوروه التفاعل معه وان بالايجاب.

يسلب الفوزان من قارئه مشاعره وإنسانيته، ويحظر عليه ألمه وسروره إزاء نظرائه في الخلق، ويمنعه من إسداء النصح لهم بل ومحبة الخير لهم.. لماذا كل ذلك؟ وهل الدين إلا الحب كما في الحديث الشريف. ثم ألا يجوز لي كمسلم أن أحترم شركائي في الإنسانية بتوقير كبيرهم والعطف على صغيرهم، كل ذلك لأنهم إعتنقوا ديناً آخر، فهل إختلاف الأديان مبرر العدوان والكراهية، وهل كونهم من أتباع دين آخر يحرم إعانتهم حال العسر والشدة.. فهل ذلك من قيم الاسلام وأخلاقه ورسول الله (ص) يقول: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وحديث آخر يقول (من آذى ذميّاً في آذاني). وهل من أخلاق الإسلام الغلظة والنفور والنبذ والعداء لبني آدم، وانتقاص حقوقهم.

بالنسبة للفوزان، يجب أن يكون الموقف الأيديولوجي على هذه الشاكلة، فحتى الإعجاب بحضارة الغرب بات محظوراً وإن اضطر المسلمون للأخذ عنها من الإبرة إلى الدبابة، على أن ينشغل المسلمون بتهديم (عقائدهم الباطلة ودينهم الفاسد)، وهي عقائد نبذوا أكثرها ودين لم يعد يعتنقوه.

يبدي الفوزان مرونة مصطنعة، ويترك للمسلمين فرصة الأخذ بـ (أسباب القوة من تعلّم الصناعات ومقومات الإقتصاد المباح والأساليب العسكرية بل ذلك مطلوب)، فهذه (المنافع والأسرار الكونية هي في الأصل للمسلمين)، يستدل بذلك على آيات مباركات، وسياسي تاريخي مقطوع، ولكن لم يجب الفوزان عن السؤال الإفتراضي: كيف سيتعلم المسلمون الصناعات وهي كلها في ديار الكفار، وهل التعلّم كالبيع والشراء ينتهي العقد حال إنتقال البضاعة إلى المشتري والثمن إلى البائع، أم أنَّ التعلّم أشد تعقيداً منه ويمس بصورة مباشرة المنظومة الفكرية والقيمية للمجتمعات. فليست العملية، كما يصوّرها الفوزان، مجرد إستيراد بضائع، وإفادة من خبرات ومخترعات، ولو كان الأمر كذلك لتحوّلت الدول الغنيّة بأموالها إلى دول صناعية من الطراز الأول، ولما كانت نمور آسيا نمورا.

فتاوى تكفيرية

وهنا طائفة من الفتاوى المستخرجة من موقع الفوزان، وتدور حول الموقف العقدي من الكفّار:

ـ فتوى رقم 11359، بعنوان (مشاركة الكفّار أعيادهم)، نص السؤال:

إن كثيراً من المسلمين في هذه البلاد يظهرون الفرحة والسرور بقرب عيد النصارى الألفية الثالثة بحجة أن هذا عيد عالمي يشترك فيه جميع شعوب العالم، هلاّ أصدرت اللجنة الدائمة فتوى للنهي عن الإغترار بالكفّار وبأعيادهم في هذا؟

الاجابة: هذا بدعة وهذا مشاركة للكفار في اعيادهم، وهذا باطل..وهذا من البدع التي ما انزل الله بها من سلطان(18).

ـ فتوى رقم 9496 بعنوان (حكم قراءة الإنجيل)، نص السؤال:

ما حكم قراءة الإنجيل بحجة الإستفادة منه لمناظرة النصارى؟ وهل تجوز مناظرتهم؟

الاجابة: لا تجوز قراءة الانجيل الا من عالم متمكن يريد الرد عليهم ولا يجوز الاطلاع على كتب اليهود والنصارى الا من عالم متمكن للرد عليهم، لا يجوز الاطلاع عليها من باب الثقافة او الاطلاع فقد ينطلي عليهم من كفرهم(19).

ـ فتوى رقم 2898 بعنوان (كره الكفار)، نص السؤال:

لقد كتب اليوم شخص في جريدة الرياض مقالا انتقد فيه المناهج الدراسية لأن فيها أن كره الكفار واجب، ويزعم هو أن الواجب كره الكفر وليس كره الكفار، فهل قوله صحيح؟ وما الجواب عليه؟

الاجابة: نحن نكره الكفر ومن اتصف به..أما كره الكفر وليس الشخص فهذا تفريق باطل(20).

ـ فتوى رقم 857 بعنوان (السكنى في بلاد الكفّار من غير حاجة)، ونصّ السؤال:

السكنى في بلاد الكفّار من غير حاجة هل هي من الموالاة لهم برغم من التمسّك بالشعائر الدينية الظاهرة؟

الاجابة: الهجرة مطلوبة الى بلاد المسلمين..أما وجوب الهجرة على الذي لا يقدر على اظهار دينه، وإظهار الدين أي الدعوة وتبيان الشرك وليس مجرد إقامة الصلاة والصيام..(21).

ـ فتوى رقم 860 بعنوان (من وافق الكفّار ظاهراً دون الباطن)، ونص السؤال:

هل من وافق الكفّار ظاهراً دون الباطن ومن غير إكراه يكون كفره أصغر؟

الإجابة: إذا وافقهم من غير اكراه بل صار مثلهم وهذا ردة وافقهم على الشرك بالله وان المسيح ابن الله وان يقول هذا دينهم والناس احرار في عقيدتهم هذا يرتد عن دين الاسلام..(22)

ـ فتوى رقم 861، بعنوان (التبسّم وحسن الخلق مع الكفّار)، ونص السؤال:

ماحكم الضحك وحسن الخلق مع الكفّار وهل هو داخل في الموالاة والتولّي لهم؟

الاجابة: أي نعم، إذا كان ضحكك عن مودة يدخل في الموالاة..وكونك تضحك مبسوطاً ومسروراً معهم هو نوع من الموالاة (23).

ـ فتوى رقم 2040، بعنوان (البشاشة مع الكفّار)، ونص السؤال:

ماحكم التضاحك مع الكفّار، والبشاشة في وجوههم؟

الاجابة: هذا لا يجوز، اذا كان هذا صادراً عن محبة فهذا لايجوز، اما اذا كان عن مصانعة فهذا مرخّص ولكن محرم، ولكنه مرخّص(24).

ـ فتوى رقم 3362 بعنوان (وجوب إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب)، ونص السؤال:

القول بأن استقدام الكفار إلى جزيرة العرب لا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم : (أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب)، وما في معناه من الأحاديث، لأن المقصود بهذا الحديث عدم إعطائهم الجنسية وتوطينهم، هل هذا القول صحيح؟ ومعنى ذلك أنه يجوز دخولهم إلى مكة والمدينة وإذا لم يعطوا الجنسية، وكيف نجيب على هذا الإيراد؟

الاجابة: لا يجوز لليهود والنصارى ان يقيمون في جزيرة العرب يبيعون ويشترون ويستوطنون فهذا خلاف الحديث..اما السفراء والذين جاءوا ليحملوا رسالة من دولهم ثم يعودون فلا ينطبق عليهم الحديث(25).

ـ فتوى رقم 3939 بعنوان (من يقول: إن الكفار ليسوا اليوم أعداء ديننا)، ونص السؤال:

ما رأيكم فيمن يقول: إن الكفار اليوم ليسوا أعداء ديننا الإسلامي، إنما هم أعداء لنا نحن الذين لم نعرف كيف نقيم هذا الدين، ونحن الذين جعلنا التوحيد مطية لمصالحنا مثل الجهاد في سبيل الله وغيره من العبادات التي تغيظهم؟

الاجابة باختصار: لا شك ان الكفار أعداء لنا ولديننا وقبل ذلك اعداء لله، فهم اعداء للجميع.. ولا بد ان نصلح انفسنا ونجاهد انفسنا حتى نستعد لمجاهدة الكفار..(26).

ـ فتوى رقم 5553، بعنوان (السفر إلى بلاد الكفّار لأجل النزهة والسياحة) ونص السؤال:

هل من سافر إلى بلاد الكفار لأجل النزهة والسياحة ولم ينو الإقامة بها طويلا وإنما يريد الرجوع إلى بلده، هل يدخل في هذه الآية في سورة النساء؟

الاجابة: هذا النوع من السفر حرام لأنه بغير حاجة(27).

ـ فتوى رقم 7365 بعنوان (تمنّي وقوع الضرر للكفّار وبلادهم)، ونص السؤال:

ساءني كما ساء كل مسلم ينتمي لهذا البلد ما حدث من تفجيرات في الرياض، وهي أعمال مشينة تنافي الإسلام ولا يرضاها الله ولا رسوله، وسؤاله هو يقول: كيف وهي تحدث في بلد إسلامي ولكن يا شيخ أجد في نفسي الميل لأن تحدث مثل هذه التفجيرات في بلاد الكفار لضرب مصالحهم وهز اقتصادهم وزعزعة أمنهم، وهل أنا على صواب في ميلي هذا أم لا؟

الاجابة: تمني وقوع الضرر بالكفار فلا بأس بذلك، وأن يلحق بهم الأذى..(28).

ـ فتوى رقم 11158 بعنوان (القتال من أجل تحرير الأرض)، ونص السؤال:

من قاتل لأجل تحرير الأرض من الكفّار هل يعتبر جهاداً في سبيل الله أم لا؟

الاجابة: لا يكون فقط تحرير الارض ولكن يكون لإعلاء كلمة الله ونشر الدين أيضاً والا اذا كان فقط لتحرير الأرض فهذا ليس بجهاد في سبيل الله(29).

ـ فتوى رقم 11535 بعنوان (دار الإسلام ودار الكفر)، ونص السؤال:

أورد الشوكاني في كتاب السيل الجرار عن دار الإسلام ودار الكفر أن الاعتبار بظهور الكلمة، فإن كانت الأوامر والنواهي في الدار لأهل الإسلام بحيث لا يستطيع من فيها من الكفار أن يتظاهر بكفره إلا لكونه مأذونا له بذلك من أهل الإسلام فهذه دار إسلام، وإن كان الأمر بالعكس فالدار بالعكس، السؤال : هل الدولة التي تحكم بالقوانين الوضعية يقال عنها إنها بلاد مسلمة أو دولة كافرة بغض النظر عن شعبها؟

الاجابة: العبرة بالحكم ان كان للشرع فهي دولة مسلمة وان كانت للقانون فهي دولة كافرة..(30).

في السياق نفسه، يحدد الضابط في تحديد دار الكفر ودار الإسلام، حيث يعرّف الفوزان دار الكفر بأنها (التي يحكم فيها بغير ما أنزل الله. هكذا قرر العلماء أما البلاد التي لا تحكم بالشريعة فهي بلاد كفر، وكذلك البلاد التي يرتفع فيها أعلام الشرك..الأفلام والأوثان ولا يغيّر فيها فهذه تعتبر بلاد كفر)(31).

الفوزان وتكفير الصوفيّة

في مساجلة على صفحات جريدة (السياسة) الكويتية، المثيرة للجدل، قدّم الفوزان ردّاً على المقابلة التي أجرتها الجريدة بتاريخ 1/12/2005 مع وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الأسبق والرمز الصوفي البارز في الكويت يوسف هاشم الرفاعي، حيث خلص الفوزان إلى أن (التصوّف ضلالة وشرٌ وكله مبتدع).

وكان السيد الرفاعي قد تعرّض لجماعة السلف في جمعية إحياء التراث الإسلامي، وهي جمعية كويتية تستمد مواقفها ورؤاها اللاهوتية من كبار علماء الوهابية في المملكة مثل إبن باز، وإبن عثيمين، والفوزان، والجبرين وغيرهم. الرفاعي لفت إلى أن جماعة السلف في الجمعية (تركوا الحديث عن الملابس غير المحتشمة للنساء وانتشار المخدرات وتنكروا لمشكلة البدون وأصبح عملهم فقط ينصب حول مهاجمة الصوفية). ونفى الرفاعي أن تكون حلقات الذكر تشتمل على مخالفات دينية، وكذلك الإحتفال بالمولد النبوي الشريف. وتساءل الرفاعي (هل بن عبد الوهاب أو بن باز أعلم من العلماء السابقين الذين لم يحرموا الصوفية لأنهم فئة صفت قلوبهم لله عز وجل...). وأيّد الرفاعي منع كتب بن باز وبن عثيمين من الكويت، مشيراً إلى أنها (كتب تكفيرية وتدعو إلى التطرف وتؤدي إلى فتنة كبرى في المجتمع والى أشياء لا تحمد عقباها). وقال إن تطرفهم (وصل إلى أنهم يحاولون هدم كل آثار النبي صلى الله عليه (وآله) وسلّم كما أزالوا المكان الذي كان استراح فيه النبي عندما جرح في جبل أحد..).

وردّ الرفاعي على جماعة السلف الذين قالوا بأن التصوف لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بأن التصوف موجود وتمت تسميته بهذا الإسم منذ القرن الثاني الهجري، وسأل الجماعة السلفية هل كان في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم إسمه علم الفقه أو علم الحديث أو مسمى سلفيّ، فإذا كانت الصوفية بدعة فالسلفية هي الأخرى بدعة(32).

ردّ الفوزان كان صارماً وقال بأن في أجوبة الرفاعي على أسئلة الصحيفة: (مغالطات وضلالات لا يمكن السكوت عنها)، واعتبر التصوّف أشد من من استنكار الملابس غير المحتشمة وانتشار المخدّرات (لأنه بدعة وضلالة وقد يصاحبه شيء من الشرك من دعاء الصالحين والاستغاثة بالأموات فهو مع كونه بدعة فهو وسيلة الشرك بالله، والملابس غير المحتشمة والمخدرات معصية، والبدعة أشد من المعصية فيبدأ بالأهم فالمهم).

وقال الفوزان بأن (التصوّف كله مبتدع.. والتصوف محدث في الدين فهو ضلالة وشر). وخلص في تعريضه بالصوفيّة للقول (من تصوف فقد ابتدع ومن ابتدع كان مجرماً).

في مسألة تكفير الشيخ إبن باز المسلمين واتّهامهم بالبدعة والضلال، يعيد الفوزان إنتاج واحدة من قواعد التكفير الوهابية (فالشيخ لا يكفّر ولا يبدِّع ولا يضلِّل إلا بحسب الأدلّة الصحيحة وعلى ضوء معتقد أهل السنّة والجماعة)(33)، وهو الكلام المكافىء لقاعدة: تكفير من كفّره الله ورسوله. فالتلطي وراء النص العلوي في تكفير الآخر يبدو خياراً هروبياً ومخرجاً آمناً لمثل هؤلاء. وللفوزان بحث بعنوان (حقيقة التصوّف) أخرج فيه المتصوّفة من الإسلام ونسب إليهم الشرك والكفر والزندقة(34).

الهوس التكفيري في دورة الاستفتاء

قسم الإفتاء في الموقع الرسمي للفوزان، ومواقع مشايخ الوهابية عموماً، من شأنه الإضاءة على طبيعة التوجيهات العقدية والفقهية التي يطلقها مشايخ الوهابية لأتباعهم وأهل دعوتهم، الأمر الذي أدّى إلى خلق هواجس نفسية ذات طبيعة دينية، بحيث صار الإنتماء الديني أو بالأحرى الموقف العقدي يحدّد طبيعة العلاقة مع الآخر. كثير من الأسئلة التي تطرح من قبل المستفتين على مشايخ الوهابية تحوم حول موضوعات الكفر والتكفير والكفّار، والمواقف المترتّبة عليها، ونسرد هنا طائفة من الأمثلة لبيان درجة انغماس العوام في موضوعات عقدية حاسمة، أي بما تنطوي عليه من موقف لاهوتي قاطع: كفر/إيمان.

ـ في سؤال عن حكم من أسلم في العصر الحالي في إحدى دول الكفر، هل يلزمه أن يهاجر إلى ديار المسلمين؟ يجيب الفوزان بالقول: اذا قدر على ذلك ولم يقدر على اظهار دينه فهذا يجب عليه الهجرة..(35).

في هذا الصدد، ثمة مثال يجدر ذكره هنا كونه يومىء الى الرؤية الكونية لدى الفوزان وأهل دعوته، وننقل هنا نصّ الفتوى:

امرأة أمريكية هداها الله للإسلام ووالديها نصرانيان، وهي تريد أن تذهب إلى موريتانيا لتعلّم العلم الشرعي والقرآن والعربيّة، وسيرافقها عمّها كمحرم، ولكنها ستبقى هنالك لوحدها مع بعض النساء المسلمات، هل يجوز لها ذلك، علماً بأنها سترجع إلى بلادها فيما بعد مع المحرم؟

الجواب : لا بأس بذلك في السفر إذا كان معها محرم في السفر ذهاباً وإياباً وتبقى مع المسلمين في البلد تتعلم. الإقامة في بلاد المسلمين لا يشترط لها محرم، المحرم إنما هو في السفر، لكن بشرط ألاّ تخرج مع رجل، وكذلك لا تختلط مع الرجال، وكذلك أن تتحجب، وأن تبتعد عن السفور، تلتزم بآداب الإسلام..(36).

في السؤال والجواب تكمن قطيعة ثقافية وحضارية. فالسائل يصوّر المرأة الأميركية وكأنها قادمة من صحراء نجد، وتنتمي إلى إحدى القبائل المتشدّدة في بريدة أو عنيزة، وستركب البغال دون وطاء لتقطع مسافات بعيدة. جواب الفوزان جاء منسجماً مع إيحاءات السؤال، فراح يرسم خارطة طريق للمرأة الأميركية ذهاباً وإياباً، وفي إقامتها وسفرها، والمحذورات الواجب تفاديها دفعاً لوقوع المحظور، مروراً بالهيئة التي يجب أن تكون عليها، وصولاً الى موعد عودتها الى ديارها..ما غفل عنه الفوزان هو ذكر حكم عودتها الى ديارها (الكافرة!) في حال قدرتها على الهجرة منها الى دار الإسلام!

س: إذا كانت أفعال شخص كلُّها تناقض ‏(‏لا إله إلا الله‏)‏؛ فهل يجوز لنا تكفيرُهُ مع أنه ينطقُ الشَّهادتين‏؟‏

جـ ـ من أتى بناقض من نواقض الإسلام؛ كترك الصلاة متعمِّداً، أو الذَّبح لغير الله، والنَّذر لغير الله؛ كما يُفعلُ عند الأضرحة، أو دعاء غير الله، والإستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، أو سبّ الله أو رسوله، أو سبِّ الدين، أو الإستهزاء بالقرآن أو بالسُّنَّة؛ فهذا مرتدٌّ عن دين الإسلام، يُحكم بكفره، ولو كان يقول‏:‏ لا إله إلا الله؛ لأن هذه الكلمة العظيمة ليست مجرَّد قول يقال باللسان، وإنما لها معنى ومقتضىً تجبُ معرفتهما والعمل بهما‏.‏ قال صلى الله عليه وسلم‏: “من قال‏:‏ لا إله إلا الله، وكفر بما يُعبَدُ من دون الله‏” ‏[‏رواه مسلم في ‏”‏صحيحه‏”‏ ‏(‏1/53‏)‏ من حديث أبي مالك عن أبيه‏]‏ فلم يجعل النُّطق بـ‏(‏لا إله إلا الله‏)‏ كافيًا في عِصمته الدَّم والمال، حتى يضيف إليه الكفر بما يُعبَدُ من دون الله‏.‏ وقال تعالى‏:‏ { ‏فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا‏} ‏[‏البقرة‏:‏ 256‏]‏ فقدَّم الكفر بالطَّاغوت على الإيمان بالله‏.‏ إلى غير ذلك من الأدلة(37).

فهنا يتجاوز الفوزان الظاهر الذي أمرت النصوص الدينية الإلتزام به في الحكم على إيمان المرء، ولكّنه يغوص إلى أبعد من ذلك، حيث يطالب بسبر النوايا، وما إذا كانت شهادة (لا إله إلا الله) كافية لعصمة الدم والمال والعرض، والحكم على المرء بالإسلام، مع إقامته للفرائض. ليس الأمر كذلك، بحسب الرؤية اللاهوتية الوهابية، وإنما يتعلق بمتطلبات أخرى لا يقدر على معرفة حقيقتها سوى الله سبحانه وتعالى، كما هو فحوى حديث مشهور (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله). فلم يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسلمين أن يؤمنوا بالله بحسب التقسيم اللاهوتي الوهابي: توحيد الذات، والأسماء، والصفات، أو توحيد الالوهية وتوحيد الربوبية، فحين آمنوا بالله عزّ وجل، إنما آمنوا به إلهاً ورباً وخالقاً ورازقاً وبكل صفات الكمال التي وردت في كتابه العزيز، ولم يخضعوا للإختبار. ولم يعقد الصحابة جلسة بينهم أو لحديثي عهد بالإسلام ليسألوهم عن التوحيد وفروعه وأقسامه.

ـ سائل من الكويت عن طريق الشبكة يقول: هل يجوز تكفير الكافر بعينه: مثال من يقول بتحريف القرآن أو من قال: ليس القرآن بكامل هل نقول له: كافر، وهو ما زال على قيد الحياة ولم يرجع عن قوله؟

الجواب: نعم من نطق بكلام الكفر أو سجد لغير الله أو ذبح لغير الله نحكم عليه بالكفر ونعامله معاملة المرتدين..فمن أظهر من موجبات القتل يقتل(38).

بطبيعة الحال، فإن من لديه إطّلاع على تراث السجال المذهبي في المجال الإسلامي الحديث، لن يجد عناءً بأي حال في معرفة الجهة المعنيّة بالسؤال، ومن يفترض السائل بأنها تقول بتحريف القرآن، فهي، بحسب للأدبيات الوهابية، الشيعة بدرجة أساسية. ومن جهة أخرى، فإن جواب الفوزان، كما تلفت إجابات أخرى لأسئلة مماثلة، يستحضر أطراف السجال المذهبي، ولذلك لم يتردد في الإجابة لحضور المثال: فكل التوصيفات: سجد لغير الله وذبح لغير الله تنطبق في الذاكرة اللاهوتية الوهابية على الشيعة وتلحق بهم طوائف أخرى.

ـ س: هل نحكم على من ذبح لغير الله أو حلف بغير الله بالشرك؟ أو من عمل أي عمل شركي نحكم عليه بالشرك عيناً؟ وهل لابد من إقامة الحجة عليه قبل الحكم عليه؟

الجواب: نعم من فعل الشرك عيناً نحكم عليه بالشرك عيناً، فمن سجد لغير الله وذبح لغير الله نحكم عليه بالشرك والكفر ويطلب منه التوبة(39).

هنا يتأكّد الموقف التيولوجي لدى الفوزان حيال الموضوع الوارد في خانة التكفير، فهو يعيد الألفاظ والقوالب ذاتها ليجعلها بمثابة مسوّغات في التكفير.

الفوزان وتكفير الشيعة

لا يخضع تكفير الشيعة لأي من قواعد التكفير المقترحة في الأدبيّات الوهابية، فثمة تساهل مطلق في أحكام التكفير حين تتعلق بالشيعة، فلا حاجة لتطبيق معايير تكفير المعيّن وتكفير العموم، ولا شروط نواقض الإسلام العشرة، ولا التثبّت أو التريّث، أو حتى تفويض العلماء والراسخين في العلم للقيام بهذه المهمة، الأمر الذي يجعل من التكفير أمراً ليس بالضرورة دينياً، أي ليس مؤسساً على اعتبارات أو حسابات دينية. وهنا نعرض لطائفة من فتاوى تكفير الشيعة، وما ترشد إليه تلك الفتاوى من حالة اغراق عقدي وسط المجتمع الوهابي، إلى حد بات الأصل هو تكفير الشيعة، وأن الشاذ هو من يتردد في ذلك، كما تكشف عنه فتاوى التكفير بوضوح شديد:

ـ س: بعض الناس لا يكفّر الرافضة فكيف نقنعهم علماً بأننا سقنا لهم بعض أقوال أهل العلم؟

الجواب: يترك هذا الأمر لأهل العلم، وإن كانت هناك حاجة أم غير ذلك، لما يترتب عن ذلك أشياء لا تحمد عقباها(40).

كان السائل واضحاً في أن ثمة موقفاً عقدياً عاماً بين علماء الوهابية من الشيعة، بل لفت السائل إلى أن أهل العلم قد أفتوا بذلك، وأن فتاويهم متداولة، ويمكن الرجوع إليها والتحاكم على أساسها بين العوام أنفسهم. فمن الواضح أن السائل هو عامي ويتحدث عن أناس من العوام رفضوا تكفير الشيعة، ويطلب من الفوزان وسيلة لإقناعهم بكفر وتكفير الشيعة.

الفوزان، وإن بدا متحفّظاً وحذراً في الإجابة، خشية استغلال جوابه من قبل المترّبصين بمشايخ التكفير، لم يعترض على طريقة السؤال ولم يحذّر من تكفير العموم، بل أقصى ما طلبه أن يترك هذا الأمر لأهل العلم، كيما يقرّروا متى يجب استعلان تكفير الشيعة، دفعاً لنتائج غير محمودة العواقب.

ـ سؤال يقول: هل الرافضة كفار، وهل يفرّق بين علمائهم وعامتهم في ذلك؟

الجواب: هو القاعدة كل من دعى غير الله وذبح لغير الله وعمل عملاً لغير الله فهو كافر من الرافضة وغيرهم، فكل من عبد غير الله فهو كافر، ومن زعم بأنه يجب اتباع أحداً غير الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه كافر.. الرافضة يرون أن لأئمتهم منزلة أعلى من الأنبياء وأن لأئمتهم الحق في أن يحرّموا ما أرادوا وأن يحللوا ما أرادوا، وهذا من أعظم الكفر والعياذ بالله، هذا عندهم ليس خافياً هذا في كتبهم، وعندهم أمور كثيرة. اما التفريق بين علمائهم وعامتهم، فعلماؤهم نعم لأنهم يعلمون، أم عامتهم فتقام عليهم الحجة وإن لم تقم فإنهم على ضلال..(41).

لاختلاف التاريخ والظروف بين الفتوى السابقة وهذه الفتوى، لا يتردّد الفوزان هنا في وضع مواصفات الكافر وتطبيقه على الفور على الشيعة، بناء على قاعدة مفترضة: كل من دعى غير الله، وذبح لغير الله وغير ذلك؟ ثم يتنكّب لموقع آخر ينفرد فيه بالشيعة كيما ينعتهم بما قرّ في ذاكرته، من بينها أن الشيعة يرون بأن للأئمة منزلة أعلى من الأنبياء ولهم الحق في التحريم والتحليل ثم يختم (وهذا عندهم ليس خافياً هذا في كتبهم). لا يحتاج الفوزان للتدليل على الكثرة، فهو هنا يتجاوز (العينيّة) الى (العموم)، بل يترك الباب مفتوحاً لمزيد من النعوت زيادة في الإعتقاد بتكفيرهم كقوله (وعندهم أمور كثيرة). ما يلفت أن الفوزان لا يطبّق قواعد العذر بالجهل على الشيعة، خصوصاً العوام منهم، بل يرى في حال عدم قيام الحجة عليهم فإنهم على ضلال، (وعند الشيخ الألباني فسّاق)، أما علماء الشيعة فهم، عند الفوزان وعلماء الوهابية عموماً، كفّار دون أدنى ريب، وإنما الكلام في العوام هل يسري عليهم حكم الكفّار أم ينتظر قيام الحجّة عليهم!

ـ سؤال: هل الرافضة كفار؟

الجواب: الرافضة وغيرهم من يعرفون الحق ولا يريدونه كفار الرافضة وغيرهم، فكل من عرف الحق واستمر على ما هو عليه فهذا كافر(42).

يبدو الموقف حاسماً في جواب الفوزان الذي قطع بأن الشيعة كفّار لأنهم عرفوا الحق ولا يريدونه. بطبيعة الحال، فإن الفوزان يفترض أن الحق هو ما كان عليه هو وأهل دعوته، وأن الشيعة إنّما يرفضون هذا الحق على وجه الخصوص، وليس حقاً آخر، قد يكون في غير الفوزان ومذهبه الوهابي، أو ربما متوزّعاً بين عدد من المذاهب الإسلامية!

ـ سؤال: في مدرستنا أستاذ نشك أنه رافضي، ونحسن معه المعاملة والدعوة، ولكن إذا سلم عليه أحد الأساتذة يرد ويقول: عليكم السلام، فقط، فما هو التوجيه لنا؟

الجواب: والله هذا مشكلة أن يعطى الروافض مجال للإختلاط بأهل السنة ويدرسون أبناء أهل السنة، هذا من المشاكل الخطيرة ونسأل الله أن يوفق ولاة الأمور للانتباه لهذا الأمر فإنه خطير جداً، ولكن تعاملوا معهم بعدم الأذى وعدم الإساءة إليه، ولكن لا تنبسطوا معه وتعاملوه معاملة أهل السنة(43).

يرسم الفوزان في جوابه خارطة طريق في العلاقة بين الوهابية والشيعة في هذه البلاد، ويعتبر أن الإختلاط بينهم (مشكلة)، وتزيد المشكلة خطورة حين يضطلع معلّم شيعي بمهمة تدريس الوهابية، ولذلك يدعو أن يوقف الحكّام من آل سعود هذا الأمر ويتنبّهوا له. ورغم أن الفوزان بدا كما لو أنه رحيم القلب في التعامل مع المعلّم الشيعي، إلا أنه ربط ذلك بعدم معاملته معاملة الوهابية.

ـ فتوى رقم 2165 بعنوان (التعامل مع الرافضة ومجاورتهم)، ونص السؤال: أنا أسكن في منطقة وأكثر جيراني فيها من الرافضة فما هو التعامل معهم؟ وهل أزورهم وآكل وأشرب معهم؟

الاجابة: أرض الله واسعة دوّر لك بيت بعيد عنهم في منطقة فيها أهل السنة(44).

ـ فتوى رقم 2836 بعنوان (التقريب مع الرافضة)، ونص السؤال: هل من منهج أئمة الدعوة التقريب مع الرافضة وماهو رأيكم فيمن يدعون للتقريب مع هؤلاء؟

الجواب: نحن لا نتقارب الا مع أهل الحق، أما اهل الباطل وأهل الضلال فلا نتقارب معهم الا اذا تابعوا ورجعوا الى الحق(45).

ـ فتوى رقم 3165 بعنوان (تمجيد علماء الرافضة)، ونص السؤال: يقول البعض من الكتّاب بتمجيد علماء الرافضة فيقول مثلاً: قال سماحة الشيخ، ويذكر إسم هذا الرافضي ماحكم هذا الفعل؟

الجواب: هذا لا يجوز تمجيد علماء الضلال لأن فيه تمجيد لما هم عليهم رضا بما هم عليهم وموافقة. الواجب هجرهم والواجب بغضهم والواجب معاداتهم في الله(46).

ـ فتوى رقم 11477 بعنوان (حكم الرافضة)، هل الرافضة كفّار؟

الاجابة: الرافضة وغيرهم من أعرض عن الحق فهم كفار(47)

تكفير الجهمية والمعتزلة

شأن الفرق المصنّفة في قائمة الفرق الضّالة، يتوسّل الفوزان وكثير من علماء الوهابية بمقولات الشيخ إبن تيمية في الفرق الإسلامية الأخرى، ولذلك ليس هناك من داخل الوهابية من خالفه في موقف من أية فرقة إسلامية، بل أخذت مقولاته كمسلّمات، ثم جاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب ليضفي عليها طابعاً عصبوياً مذهبياً.

ـ سؤال: هل هناك فرق حكم العلماء بكفرهم كغلاة الجهمية والمعتزلة؟

الجواب: (العلماء وضعوا ضوابط عامة، وأسباب الرد فهي قواعد تطبق على الأفعال والأقوال والتي يطبقها أهل العلم). ثم علّق على الصوفيّة وقال: (من خرج عن السنة فقد ظلّ عن الطريق)(48). لا يذكر الفوزان من هم العلماء الذين وضعوا بزعمه قواعد للحكم بإيمان أو بكفر شخص أو جماعة، سيما وأن الجهمية والمعتزلة فرقتان عظيمتان وينتمي إليهما أكثر من نصف المسلمين، ولذلك فهو يستعمل كلاماً عاماً للتمويه على القارىء بأن من قصدهم بأهل العلم، يمثّلون غالبية المسلمين، وهم في واقع الأمر من ينتمون الى المدرسة الحنبلية فحسب، كما سيتضّح في السؤال التالي.

ـ هذا سائل يقول: الذي ينفي الصفات عن الله تعالى هل يُكَفَّر، ولماذا لم يُكَفِّر السلف المعتزلة والأشاعرة؟

الجواب: وما يدريك أنهم لم يكفّروا، الذي ينفي العصمة والصفات عن الله إن كان مقلّداً أو متأوّلاً يظن أنه على حق وهو ليس كذلك، هذا لا يكفر يدرء عنه التكفير بالتأويل أو التقليد أما الذي يتعمد نفي العصمة والصفات وهو يعلم، فهذا لا شك في كفره، وكفّر 500 عالم كما ذكر إبن القيم كفر الجهمية(49).

هنا يبدو الفوزان أكثر تحديداً في من يسبغ عليه صفة الكفر، كونه يضع ضابطة ينفرد بها دون بقيّة الفرق والطوائف الإسلامية الأخرى وهي المتعلّقة بصفات الله، والتي لا تشاركه فيها بقية الفرق. نذّكر أيضاً بهاجس الإيمان والكفر الذي ينتاب السائل لجهة تحديد ما إذا كان المعتزلة والأشاعرة مسلمين أم كفّار، ما يلفت إلى حالة مرضيّة يعاني منها من خضعوا تحت تأثير موجات التكفير المكثّفة.

ـ سؤال: لماذا لم يُكَفِّر أهل السنة والجماعة الأشاعرة مع أنهم لا يثبتون إلا سبع صفات وينفون الباقي؟

الجواب: الأشاعرة يثبتون بعض الصفات.. يثبتون سبع أو أربعة عشر صفة.. يثبتون الصفات العقلية وينفون الصفات الخبرية.. ولم يكفّروهم لأنهم متأوّلة وليسوا مقلّدة فيدرأوا عنهم التكفير(50). ثمة استثناء يورده الفوزان في معادلة التكفير، ومع أن الإيمان بالتوحيد غير قابل للقسمة، فإثبات صفة ونفي أخرى لا يجعل من المرء موحّداً، أو أن إيمانه كاملٌ. على أية حال، هناك من مشايخ الوهابية من كفّر الأشاعرة كما نقلنا ذلك عن الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، في الجزء الأول.

ـ سؤال: من يدعو إلى ما يسمى بوحدة الأديان ويقول: إن الأديان المسيحية واليهودية بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم هي كالإسلام هل يقال لهؤلاء: إنهم كتابيون أيضاً؟

ـ الجواب: من دان بدين أهل الكتاب فهو كتابي، ولكن السؤال هو من يقول بأن الأديان الثلاثة سواء فهذا يكفر لأنه خلط بين الحق والباطل..ليس هناك دين بعد الإسلام(51).

لا يتردد الفوزان في إطلاق صفة الكفر على اليهود والنصارى، وهذا ثابت في فتاوى عديدة، وهذا يستلزمه تكفير من يقول بأن الأديان السماوية (اليهودية والنصرانية والإسلام) هي سواء، فهذا يكفر، حسب عقيدته. إذن، اليهود والنصارى على الكفر وإن من يقول بغير ذلك يكفر أيضاً، لأن إسباغ صفة الإيمان عليهم يعني مساواتهم مع دين الإسلام، وهذا لا يصح!

ـ السؤال: هل من كان على النصرانية المحرّفة أو اليهودية المحرّفة، هل يكون من أهل الكتاب وتحل لنا ذبيحته، والآن قد كان من أهل الكتاب الدين المحرّف فكيف يكون ذلك، هل يسمى أهل كتاب ودينه محرّف؟

الجواب: كل من انتسب الى أهل الكتاب فهم كتابي ولو كان عندهم تحريف، هذا موجود وقت نزول القرآن هذا التحريف موجود، والله اباح لنا ذبائحهم وتزوّج نسائهم مع وجود التحريف في كتبهم من قبيل وهذا لا يزيل عنهم مسمى أهل الكتاب(52).

سؤال يشتمل على مستوى ذكاء لا نجده في الأسئلة الأخرى، وإن لم يقترب من النقطة الجوهرية في التشابك في مصطلح أهل الكتاب. السائل اكتفى بالإضاءة على مصداق لمفهوم أهل الكتاب، إذ كيف تكون اليهودية والنصرانية محرّفتين، وفي الوقت نفسه يحّل ذبحيتهما؟ الفوزان لم يعالج التناقض ليس في السؤال ولكن في موقفه اللاهوتي من اليهود والنصارى إذ كيف يوصمهم بالكفر ويحّل له أكل ذبائحهم وتزوّج نسائهم، فهل يحلّ أكل ذبيحة كافر؟ والزواج من كافرة؟ بحسب عقيدة الفوزان!


الهوامش

1 ـ الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مجموعة رسائل في التوحيد والإيمان، الرسالة التاسعة، (نواقض الإسلام)، موسوعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، إعداد موقع روح الإسلام، ص ص 385 ـ 387، أنظر الرابط:

http://www.islamspirit.com/islamspirit_program_005.php

2 ـ صالح بن فوزان الفوزان، الجهل والعذر به، الجهل والعذر به، بتاريخ 20/3/1432

http://www.alfawzan.ws/node/13210

3 ـ الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، فتوى بتاريخ 23 رمضان 1430هـ، موقع حملة السكينة، أنظر الرابط:

http://amnfkri.com/articles.php?action=show&id=300

4 ـ الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، التساهل في إطلاق لفظ الردة على المسلم، 23 رمضان 1430هـ، موقع حملة السكينة:

http://amnfkri.com/articles.php?action=show&id=302

5 ـ http://www.alfawzan.ws/node/10298

6 ـ الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، التوحيد، سلسلة إنما الإعمال بالنيات ـ 119، طبعة خاصة، ص 4

7 ـ المصدر السابق، ص 7

8 ـ المصدر السابق، ص ص 7 ـ8

9ـ المصدر السابق، ص 11

10 ـ المصدر السابق، ص 25

11 ـ أنظر الفتوى على الرابط

http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=322

12 ـ أنظر الفتوى على الرابط:

http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=9503

13 ـ الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، الولاء والبراء في الإسلام، خرّج أحاديثه وضبطه وعلّق عليه عادل نصّار، مركز البحث العلمي، جمعية دار الكتاب والسنة، رواء غزّة ـ فلسطين(د.ت)، ص 4

14 ـ المصدر السابق، ص 5

15 ـ المصدر السابق، ص ص 5 ـ6

16 ـ المصدر السابق، ص6

17 ـ المصدر السابق، ص 6

18 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=11359

19 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=9496

20 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=2898

21 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=857

22 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=860

23 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=861

24 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=2040

25 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=3362

26ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=3939

27 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=5553

28ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=7365

29 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=11158

30 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=11535

31 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/node/4106

32 ـ جريدة السياسة الكويتية بتاريخ 1/12/2005

33 ـ أنظر الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/node/2357

34 ـ أنظر الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/node/2556

35 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي

http://www.alfawzan.ws/node/4104

36ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/node/3092

37 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/node/10295

38 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/node/9443

39 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/node/9502

40 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/node/5114

41 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/node/5118

42 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي

http://www.alfawzan.ws/node/5113

43 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/node/9893

44 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=2165

45 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=2836

46 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=3165

47 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/FatawaSearch/tabid/70/Default.aspx?PageID=11477

48 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/node/5102

49 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/node/5052

50 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/node/5014

51 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/node/10395

52 ـ أنظر الفتوى على الرابط التالي:

http://www.alfawzan.ws/node/3712

الصفحة السابقة