الأمير طلال من منصّة تويتر:

لم يعد حكم الفرد المطلق مقبولاً

هل يصبح (تويتر) بوابة التعبير والتغيير في السعودية إرهاصات
تحوّل حادّ في الرأي العام ضد حكم الإستبداد السعودي

محمد السباعي

بين 15/11/2011، وهو تاريخ فتح الأمير طلال بن عبدالعزيز حساباً له في تويتر، وحتى كتابة هذا المقال 5/12/2011، أي في أقل من ثلاثة أسابيع، وصل عدد المتابعين له نحو 79 ألف شخص متابع غالبيتهم الساحقة من المواطنين، بالرغم من أن الأمير لم يكتب سوى 65 (تغريدة) فحسب، عدد منها تم تكراره.

منذ البداية كان هناك اهتماماً خاصاً بالأمير طلال، وفي الظرف الذي افتتح فيه حسابه. ففي يوم الافتتاح، أعلن في صفحته الشخصية على شبكة الأنترنت (الفاخرية)، أنه استقال من منصبه كعضو في هيئة البيعة، التي أوكل اليها مهمة اختيار ولي العهد الذي سيصبح ملكاً في المستقبل. وكانت هيئة البيعة قد انتهت للتو من اختيار نايف وزير الداخلية ولياً للعهد في 28/10/2011، أي لم يمض سوى 17 يوماً بين تعيين نايف واستقالة طلال من هيئة البيعة، وإنشاء حساب له في تويتر يطلّ من خلاله مباشرة على الجمهور بآرائه.

بمجرد ان تم تعيين نايف ولياً للعهد، وبطريقة بطركية، بلا منافسة ولا نقاش.. ظهر أن هناك عدداً من الأمراء الساخطين. نُقل عن طلال أنه سأل نايف في جلسة هيئة البيعة سؤالاً اتهامياً: (ألا زلتم تعتقدون بأن ليس هناك فرق بين أبناء الجواري وأبناء الحراير)؟ وأشار بيده الى الأمير مقرن، رئيس الإستخبارات الذي ولد من أم جارية، شأنه شأن طلال نفسه وعدد كبير من أبناء عبدالعزيز الذين امهاتهم كنّ جواري؛ أما نايف وأشقاؤه فأمهم من (الحراير!) وهي: حصّة السديري. أيضاً تم تناقل سؤال طرحه طلال على نايف في جلسة هيئة البيعة: (أين خبّأتم بندر بن سلطان؟ لماذا لا تطلعون الشعب على الحقيقة)؟

ظهور الأمير طلال بن عبدالعزيز، ومن ثم وزير الدولة المقال عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز على تويتر، يعكس حجم الإنشقاق داخل العائلة المالكة، رغم محاولة الأخيرة التغطية عليه وعدم تسرّب أخباره الى عامة الشعب. لكن هناك احتقاناً كبيراً بين الأمراء، وهناك ارهاصات احتجاج حادّة بين أفراد الشعب وفي كل المناطق بلا استثناء، ما يجعل (تويتر) ليس فقط بوابة تعبير عن الرأي بالنسبة للغالبية من المواطنين، بل بوابة للتغيير السياسي والإجتماعي، والمكان المفضّل لمن يريد أن يقيس الرأي العام السعودي تجاه الحكم السعودي القائم، ومدى سخطه على العائلة المالكة.

واضح ان مشكلة طلال ـ وقد كان وزيراً للمواصلات في الخمسينيات، والمالية في بداية الستينيات من القرن الماضي ـ وكذلك مشكلة أمراء آخرين من ابناء عبدالعزيز تعود الى مسألة: من يحكم البلد؟ وهو لم يستطع أن يفجّر ما بداخله أثناء (حفل هيئة البيعة) التي ثبت انها لا تختار ولا قرار بيدها.

توقّف المواطنون عند خبر استقالة طلال، التي أعلنها من خلال صفحته الشخصية، واستغربوا بأن خبراً عنها لم ينشر في الصحافة المحلية، ولم يصدر من الديوان الملكي أو غيره ما يفيد بقبولها أو رفضها.

طلال، في يوم استقالته، وفي يوم فتح حسابه في تويتر، اختار الآية الكريمة عنواناً لحسابه (@talalabdulaziz): (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم). فهل كان يقصد العائلة المالكة وبالتحديد إخوانه المعارضين لسيطرة نايف على الدولة، مثل تركي وعبدالرحمن ومتعب وربما مشعل وآخرين؟ أم كان يقصد برسالته تلك الشعب نفسه، وكأنه يحرّضه على القيام بفعل التغيير، وترك الخنوع والدخول الى معترك الحياة السياسية للمطالبة بحقوقه؟ أم أنه كان يقصد نفسه، وأن التغيير يبدأ من الذات كما يفعل هو؟

وبعيداً عما قاله طلال، وهو ما سنأتي اليه، فإن اختياره لإعلان موقفه، أو تفجير رأيه، من خلال (تويتر) كان موفقاً. فلا بد أن طلال يدرك أن تويتر دون غيره من وسائل التواصل الإجتماعي هو الأسرع والأكثر كفاءة في نشر قضيته ورأيه وبشكل متواصل، وهو ما لا تستطيع القيام به القنوات الفضائية نفسها، من جهة الإستمرار، والتفاعل مع جمهور محدد يتقصده بالرأي والتوجيه. وطلال اعترف بان استخدامه لتويتر لأن لديه (رغبة لاستعمال وسائل التواصل العصرية للإقتراب من الشباب لمعرفة مشاكلهم).

من له اطلاع على مشاركة السعوديين في تويتر، سيدرك ابتداءً أنه يتحول الى الموقع الأول الأكثر شعبية لأصحاب الرأي ومن لهم رسالة سياسية أو دينية، فلا تكاد ترى صحفياً أو كاتباً أو حقوقياً أو ناشطاً سياسياً أو غيره إلا وافتتح له حساباً يطلّ من خلاله على جمهور عريض يتلقّف الآراء والأفكار والمعلومات ويتواصل مع أدوات الإتصال الإجتماعي الأخرى بكل كفاءة وفاعلية.

ربما كان أمام الأمير طلال أن يفتتح قضيته من فضائية كبرى، كقناة الجزيرة، كون قناة العربية (ملوكية). ولكن الجزيرة التي سبق لها وأن استضافت الأمير طلال مراراً، لم تعد تنشر شيئاً عن السعودية، بعد اتفاق أبرمه رئيس الوزراء وزير الخارجية حمد بن جبر آل ثاني مع الأمير سلطان ولي العهد السابق.

ترى ماذا يريد طلال أن يقول، ما هي رسالته السياسية في هذا الظرف، وما هو مقدار الجرأة الذي احتوته تغريداته في تويتر، وكيف تعاطى نايف مع تحرك طلال، وهل بإمكانه أن يخمد أنفاس أخيه كما فعل ببقية أبناء الشعب؟

اعتراض على الوضع الداخلي

في بداية تغريداته قال طلال لمتابعيه: (باستطاعتكم التكلم في موضوع نظام الحكم في الدولة وغيره من الأمور التي تعتبر بالنسبة للبعض حساسة، أما بالنسبة لي: كل شيء قابل للنقاش والحوار). وقد سئل عن سبب استقالته من هيئة البيعة، فأجّل الإجابة: (عندما تتاح الفرصة لكم ولنا حتى نذيع كل التفاصيل الخاصة بهذا الموضوع المهم). كان هذا يوم 17/11، ولم يظهر شيء جديد حتى الآن يشرح بالضبط ماذا جرى في مجلس هيئة البيعة. الشيء الجديد الذي قاله يوم 19/11 هو أن استقالته من هيئة البيعة جاءت (اعتراضاً على أشياء معيّنة، وليس شيئاً واحداً). ترى ماهذه الأشياء التي يعترض عليها الأمير؟ الله أعلم! فهناك حدود، ومن يدري قد تكون هناك مساومات خلف مشهد تويتر. لكن الأمير ينفي هذا ويقول: (لن أعلق على ما قيل من أن طلال بن عبدالعزيز زعلان من إخوانه لأنهم لم يعطوه منصباً؛ فالمناصب لا تعنيني، اهتمامي ينحصر في وضع الأسس العادلة والواضحة). وهنا ندخل في الغموض مجدداً. أسس ماذا؟ أسس الحكم؟ أم أسس تقاسم السلطة بين الأمراء؟

بالنسبة للإصلاحات السياسية، فإن طلال هو الشخصية الوحيدة التي دأبت على قول ذلك منذ سنوات. لم نسمع أميراً آخر من السديريين أو حلفائهم ممن يقبضون على مفاصل الدولة أنهم يريدون الإصلاح أو وعدوا الناس بالإصلاحات؛ بل أن الأمير نايف منع استخدام كلمة الإصلاح علناً في صحيفة عكاظ، وطالب باستخدام كلمة تنمية وتطوير مكانها؛ ومنذئذ (عام 2005) لم تظهر كلمة اصلاح على لسانه، ولا على لسان الملك عبدالله نفسه منذ وصل الى كرسي الملك.

سأل طلال: هل الوضع الداخلي يحتاج الى حزمة اصلاحات؟ أجاب: (نعم نحتاج الى حزمة من الإصلاحات، وأرجو أن يوفقنا الله جميعاً لتحقيقها حيث انها تخدم البلاد والشعب، وبذلك نلحق بركب الدول الأخرى التي سبقتنا في هذا المجال). هذا كلام جدّ عادي، ما لم يطرح ماهية الإصلاحات، وكيف تتحقق، وماذا يفعل الشعب حتى تتحقق؟

لكن الأمير طلال اعتبر مستقبل المملكة غامضاً، وتمنى أن تنقشع الغيمة عنها. وهو رأى أنه من الصعب معرفة (متى يتكلم المواطن بحرية ولا يدخل السجن، فالأمور معلّقة بأسبابها) وتمنى (أن يتمكن الناس من التحاور حكاماً ومحكومين). كلا عام من جديد: فحول ماذا يتحاورون، ما هي القضايا المطروحة، وهل العائلة المالكة طرف والمواطنون في طرف آخر كونهم يبحثون عن حقوقهم؟

يبدو أن كثيرين ملّوا من الكلام الملتوي، والعام، فإما أن يتحدث طلال بصراحة في الأمور أو ليسكت. إما أن ينحاز الى الشعب قولاً وفعلاً ويصبح ضمن مظلّة المطالبين بالإصلاح، أو ليترك الكلام المكرر الذي سمعناه منه مراراً على شاشات التلفزة. السعودية تمرّ بمرحلة عصيبة، وبها ارهاصات تغيير واضحة لمن يقرأ المشاعر وما في النفوس ويستقرئ الأحداث وردود الفعل كما جرى في جدّة للإصلاحيين، وكذلك بشأن هدر دماء المتظاهرين البريئة في القطيف وغيرها. عدم تجاوز المنطقة الرمادية، وإمساك العصا من المنتصف تجعل الكثيرين يعتقدون بأن طلال له حسابات شخصية مع اخوته، وليس لها علاقة بالإصلاح، مع أنه أكد حرصه كما يقول على (لم الشمل ـ للعائلة المالكة طبعاً) وأن (كل ما أريده هو اطلاق أفكاري الصريحة التي تعودت عليها من أجل اصلاح هذه البلاد)!. الإصلاح لا ينحصر بالإعتراض على تولية شخص شرس ودموي كالأمير نايف ولياً للعهد؛ ولا بأن يحكم البلد شباب بدل الكهول، ولكن من الأمراء! الشعب نفسه يجب أن يكون له كلمة ودوراً، وطلال لم يتحدث كثيراً عن هذا، بل يبدو وكأنه مسكون بخلافات العائلة الداخلية.

طلال في إحدى تغريداته يقول: (أنا لن أتراجع عن مشروعي الإصلاحي، فالعملية تتوقف على الظروف التي تعتري بلادنا وتعتريني شخصياً. إن مطالباتي الإصلاحية مستمرة)!

حسن؛ ما هو مشروعك الإصلاحي عدا القول بأن (دولة المؤسسات مطلب جوهري يتفق عليه الجميع) أو (دولة المؤسسات والقانون مطلب من ينشد التقدم والرفاهية.. لكن ماذا نقول عن الجهل وعدم المقدرة على استيعاب هذه الأمور الأساسية)؟ وأية ظروف تمر بها البلاد تتحدث عنها بالضبط؟ وما دخل الإصلاح بالظروف التي تعتريك، اللهم إلا ان يكون مرضاً؟ وهل هذا يمنع من أن تتحدث بصراحة أكثر، فالمواطنون كما هو واضح تجاوزوا هذه الأقوال وكسروا العديد من الخطوط الحمراء، ولازالوا يفعلون مع خطوط حمراء أخرى، وهم أكثر جرأة من أي أمير، ويتحدثون بصراحة وعدم خوف من الإعتقال. فما بال شخص محصّن لا يستطيع أن يقول ربع ما يقوله المواطنون؟ وما فائدة ما يقول إن لم يتبعه العمل بجد لتغيير الوضع القائم؟

طلال يقول: (لم يعد حكم الفرد المطلق مقبولاً، إضافة الى أن من يكلف بالمسؤولية والمهام العامة فيجب أن يخضع للمساءلة) وأن (مشاركة المواطنين في اتخاذ القرار من خلال الديمقراطية هي لصالح الحاكم والمحكوم). الحكم المطلق الموجود غير مقبول والمشاركة مطلوبة.. ترى ما هي الخطوة التالية؟

ما يجعل الكثيرين يشك في فهم طلال للإصلاحات قوله الإلتفافي: (لماذا لا نرى حاكماً خليجياً ثلاثيني، واقتصار المناصب على المسنين؟ أنا أول من نادى بتهيئة الجيل الثاني والثالث لتحمل المسؤولية، فذلك لصالح الوطن)؟! وتابع: (دعوت لتأهيل بعض أبناء عبدالعزيز الذين يقع عليهم الدور لتحمل المسؤولية وفقاً لنظرية الملك فهد لولاية العهد بأن يكون أحد الأبناء أو الأحفاد)!

لا.. لا نريد جيلاً ثانياً ولا ثالثاً يحكمنا من الأمراء. فلربما كانوا أسوأ من الحاليين. نريد دوراً للشعب، وليس للأمراء الشباب مثل أبناء طلال نفسه. نحن نتحدث عن دور الشعب لا دور العائلة المالكة. الإختلال يكمن في تغييب دور الشعب، وليس دور الأمراء الصغار أو الكبار!

جيش نايف من المخبرين يرد

المتضرر الأكبر من كلام طلال هو نايف، ولذا ظهرت معركة على التويتر بين الأميرين من خلال التعليقات الحادّة التي لا تسقّط الأمير طلال بل تقزّم العائلة المالكة بمجملها. جيش نايف من المخبرين موجود في مواقع الإنترنت والتويتر يقومون بتكسير الاخرين والطعن فيه، ويطلق عليهم المدونون السعوديون لفظة (البيض) لأنهم لا يكشفون عن أسمائهم ولا صورهم الحقيقية ويضعون صورة أو بيضة مكان ذلك. تهجمت مخابرات نايف ومباحثه وبشكل شديد وشرس على الأمير طلال، واتهمته باللصوصية يوم كان وزيراً للمالية عام 1962، وهو أمرٌ لم يثبت. جنود نايف امتدحوا صاحبهم وذموا معارضيه، وعلى رأسهم طلال، حيث وبخوه بأنه يريد تقسيم الأسرة، وتدمير البلد وعلمنتها، وإحلال الخراب، وأكدوا على أن نايف هو الحاكم والرجل المناسب، وأن طلال لا يتمتع بالثقة، وليس جديراً بها.

معلوم ان الجناح السديري هو الجناح اللصوصي الأبرز في الدولة؛ معظم لصوص الرياض ينتمون الى هذا الجناح من الأمراء، لأن الدولة بيدهم منذ الإطاحة بطلال نفسه، حيث عُزل وأبعد عن صناعة القرار حتى اليوم. مدعو الحفاظ على المال العام من جنود نايف ومخبريه، لا يشيرون الى اللصوص الحاليين، ويتحدثون عن قضية قديمة مفتعلة؛ فلا أحد من المؤرخين المحليين او الأجانب يقول بأن طلال كان نهاباً للمالية. بل كانوا يقولون بأن الملك سعود، وكان الملك حينها، هو الذي صفّر وزارة المالية، حتى أنه لم يتركها وإلا بها بضع مئات من الريالات فحسب. طلال كان معترضاً على سعود، وعلى فيصل ايضاً كون هذا الأخير لا يريد القيام بأية إصلاحات في نظام الحكم.

لكن الآن، وبعد أن ظهر طلال على التويتر، اعتبر نايف ذلك تحدياً، ووجه مخبروه له اتهاماً باللصوصية، في حين أنه ـ نايف ـ وولده والحزب السديري بكامله هم اللصوص حقاً. بالطبع فإن طلال علّق على الإتهامات الموجهة من مخبري اخيه نايف فقال: (وزارة المالية: هذا الموضوع أعتبره أثقل من الحديث المعاد، حيث أنه سبق وشرحناه وبيّناه بكل شفافية ووضوح وبدون أي لبس)؛ وأضاف في تغريدة أخرى: (ليس فخراً عندما أقول أنها شهادة لله ثم من الجميع، بأن أفضل مرحلة مرت فيها هذه الوزارة كانت في عهدي ولله الحمد)!



الصفحة السابقة