موسم السرقات الأدبية

القرني ضحية (تورّم الذات)

عبد الوهاب فقي

من يقرأ الأحصائيات الفلكية حول عدد النسخ المطبوعة من كتب المشايخ يصاب بالدهشة، كيف وإذا تضاعفت طبعة كتاب واحد عدّة مرات قد تصل احياناً الى عشر طبعات وربما أكثر..

وفي بلد يبدو السباق فيه محموماً لجهة تكثيف الحضور الجماهيري، عبر الكتاب بأحجامه المختلفة، والمحاضرة التلفزيونية، واللقاء المفتوح، والندوة العامة، إلى جانب المنافسة المتصاعدة بين القنوات الفضائية على إجراء لقاءات مع هذا الشيخ وذاك..يضاف الى ذلك كله وجود إمبراطورية اعلامية سعودية تغطي كل قارات العالم تقريباً، ما يتيح فرصاً هائلة لكل من يضعف أمام عدسة الكاميرا مثل القرني والعريفي والعودة وغيرهم..

عائض القرني: شيخ وسارق!

من يقرأ كتب الصحويين لا يجد فيها ما يتناسب وكمية المطبوع فضلاً عن عدد الطبعات منها، فهي لا تبرح مستوى النشريات الشعبية التي تقوم على التبسيط لا التعقيد وعلى التساهل في العبارة والفكرة لا الإنضباط والتحقق، ولذلك فإن مزاعم (نفاد الكمية) و(تكرار الطبعة) وأضرابها تبدو أحياناً من باب الترويج الإعلامي لكتاب ما، أو لربما كان قانون (نسخة مجانية) أو (غير مخصصة للبيع) هو السبيل لتحقيق الانتشار الواسع لكتاب ما في الداخل والخارج، كما يبدو واضحاً من وجود هذه الكتب في المساجد والمراكز الدينية في أنحاء متفرقة من مدن العالم، خصوصاً حين يتكفل (فاعل خير) أو (أحد المحسنين)، وقد تكون الدولة نفسها عبر مؤسساتها الدينية بشحن كميات كبيرة من الكتب الخفيفة وزناً ومتناً.

الأجواء التي صنعها سوق الكتاب الديني والإعلام الفضائي عموماً والديني منه على وجه الخصوص، دفعت بعض المشايخ الذي لمع نجمهم في هذه الأجواء الى المحافظة على نوع متميّز من الحضور الجماهيري، ومن هنا نفذ الشيطان الى عالم المشايخ، الذي اعتقدوا خطئاً أو جهلاً بأنه يجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم، أو أن ما يحكم على سواهم لا يشملهم ولن يصل إليهم، فهل سيأتي يوم يذكر فيه، مثلاً، أن عضواً في هيئة كبار العلماء قد سرق عملاً فقهياً أو عقدياً من غيره، رغم أن المناسخات أو التقريرات عادة سارية في الوسط الديني وفي مجال التعليم الشرعي حصراً..

إنشقّت مساحة واسعة لمن يعرف بالمشايخ الفضائيين للدخول في عالم الشهرة من بابه الواسع ولكن عبر حقل ألغام، فقد أحاط بهم وهم (المليونية) من عدد النسخ، والأثمان المقبوضة، فراحوا يحثّون الخطى من أجل مزيد من التوغّل في هذا العالم الذي لا نهاية لحدود غوايته واغرائه.

وما يلفت، أن موضوع الدعوى التي تقدّمت بها الكاتبة سلوى العضيدان ضد الداعية عايض القرني تعود لسنوات خلت، وكان يمكن أن يكتب لها نهاية هادئة لو أن الداعية قبل شرط التسوية من الطرف المتضرّر، أي العضيدان، ولكّنه أصرّ أولاً على نفي السرقة الأدبية، ثم حين أحاطت به خطيئته فرض شروطه، رغم أنه لا يحق له في مثل هذه الحالة أن يملي شروطاً، بعد أن أذعن لحقيقة السرقة الأدبية، فعرض مبلغاً زهيداً من المال على الكاتبة العضيدان، بما لا يلبّي حقوق الملكية الفكرية، خصوصاً وأن القرني تمسّك ببقاء الكتاب المسروق في السوق، وقد حصد من بيع نسخه مبالغ طائلة.

جولات من التجاذب خاضها القرني والعضيدان، وشاركت أطراف أخرى على علاقة بينهما بما عزّز الخلاف وباعد من فرص التسوية، خصوصاً أولئك الذي زعموا بأن كتاب العضيدان (هكذا هزموا اليأس) المنشور سنة 2007 ـ منقول معظمه من كتب ومؤلفات الشيخ عايض القرني، وبخاصة من مؤلفاته (ثلاثون سبباً للسعادة)، (حدائق البهجة)، (لا تحزن)، و(مفتاح النجاح) ـ رغم أن العضيدان لم تنف موارد النقل من مؤلفات القرني، وثبّتت ذلك في الكتاب، على خلاف الشيخ القرني الذي يتعمّد تجاهل الإسلوب العلمي في كتبه التي تربو عن 80 مؤلفاً، ويبرر ذلك بأنه لا يريد أن يثقل كاهل القارىء بالحواشي والمصادر، وهو تبرير لا أساس له، سوى أنه يخفي أول ما يخفي حجم المنقول من المصادر الأخرى، والتي ثبت في مثل كتاب العضيدان أن القرني قد سرق منه ما يصل الى 90 بالمئة ووضعه في كتابه (لا تيأس). مع أن العضيدان قد طلبت من القرني التقديم لكتابها سالف الذكر، واعتبر مناصروه ذلك دليلاً على أنه يستحيل وقوعه في السرقة الأدبية، وهو دليل لا يستند إلى أي دليل، ويصدق عليه القول الشائع (ماخانك الأمين ولكنك إئتمنت الخائن).

الإعلامي عبد العزيز القاسم، وبخفّة معهودة منه، دافع عن الشيخ القرني في هذا السجال، وظنّ أنه سينجي صاحبه، أي الشيخ المقرن، ولكّنه في الحقيقة أوقعه في شرّ أعماله، حين أسفّ حيث لا مجال فيه للإسفاف بتجاهله المطلق بالكاتبة سلوى العضيدان، وقوله (إنني شخصياً لم أسمع بها من قبل أبداً)! وبرّر سرقة القرني بقوله (ربما كان من وقع الحافر على الحافر..)، واعتبر ما قيل عن سرقة القرني لكتاب العضيدان بأنه ثمن يدفعه لشهرته (فهو قدر المشاهير)، مؤكّداً (الشيخ عايض أرفع من مثل ما اتهم به).

(لا تيأس) مسروق من (هكذا هزموا اليأس)!

ولكن في 25 كانون الثاني (يناير) الماضي كانت النهاية غير سعيدة لا للقرني ولا لمن شايعه لا سيما عبد العزيز القاسم، فقد قضت في هذا التاريخ، بحسب نص الحكم، لجنة حقوق المؤلف بوزارة الإعلام بتغريم الداعية السعودي عائض القرني مبلغ 330 ألف ريال سعودي، في القضية التي تقدمت بها الكاتبة السعودية سلوى العضيدان اتهمته فيها بالاعتداء على حقوقها الفكرية، وتضمين كتابها (هكذا هزموا اليأس) ضمن كتاب (لا تيأس) للقرني. والمبلغ يشمل 30 ألفاً للحق العام، و300 ألف تعويضاً للكاتبة العضيدان، وشمل الحكم سحب كتاب القرني (لا تيأس) من الأسواق، ومنعه من التداول، ووضعه بشكل رسمي على قائمة المنع حتى لا يدخل إلى المملكة.

لم يكن مريحاً هذا الحكم لا للقرني ولا لمن ناصره وشايعه، بل فتحت هذه الهزيمة أبواب جهنم عليه من كل جانب. وقد علّق المحامي عبدالرحمن اللاحم، المعني بحقوق الملكية الفكرية على الحكم بأنه يقدم رسالة إيجابية للناس وأنه عليهم أن لا يتأخروا في التقدم إلى المؤسسات القضائية في حالة الاعتداء على حقوقهم الفكرية، وقال إنه “لا أحد فوق القانون” (بطبيعة الحال هناك كثيرون فوق القانون في هذا البلد وعلى رأسهم العائلة المالكة واعضاء هيئة كبار العلماء ومن يستظل بهم).

منحت اللجنة الشيخ القرني شهرين كاملين لاستئناف الحكم، وربما فتح الباب لتدخّل لجنة الصلح بهدف حل الخلاف بين الطرفين بطريقة وديّة، ويبقى بعد ذلك على وزارة الإعلام الإعلان النهائي للإعلام بالموقف من القضية، بعد استكمال اجراءات التحقق من صدقية الدعوى وثبوتها.

ما إن صدر الحكم في القضية والاعلان عنها حتى انفجر سيل التعليقات والتغريدات فيما بدأ آخرون بسنّ سيوفهم، واقتفاء سنّة العضيدان في رفع دعاوى مماثلة على القرني. فقد بدأت نذر دعاوى مماثلة تمطر على القرني. ونشرت صحيفة (كل الوطن) مقالاً شمل كلاماً للشاعر المصري سمير فرّاج يتحدث فيه عن نيّته مقاضاة الشيخ عائض القرني متهما إياه بسرقة كتابه “قصائد قتلت أصحابها” ونسبه إلى نفسه، وذلك أمام القضاء السعودي، لتصبح ثاني دعوى يواجهها الشيخ القرني، وذلك اتهام الكاتبة السعودية سلوى العضيدان بسرقة القرني أحد مؤلفاتها.

وبحسب الصحيفة فقد أكد الشاعر المصري إن كتابه “شعراء قتلهم شعرهم” والذي صدر عن مكتبة مدبولي في عام 1997، تمّت سرقته من قبل الدكتور القرني، مشيرا إلى أنه اكتشف السرقة منذ ما يزيد على ست سنوات، وقد نشرت جريدة (الجزيرة) منذ ذلك الوقت عن هذه السرقة، مؤكدا انه لم يكن يجد وسيله تمكنه من مقاضاة الشيخ القرني.

مضيفاً، وكل ذلك بحسب الصحيفة، إن قضية الكاتبة العضيدان أشعرته بمدى نزاهة القضاء السعودي الذي أنصف الكاتبة سلوى العضيدان وهو ما جعله يتخذ خطوات من اجل الحصول على حقه خاصة وأن الشيخ القرني قام بطباعة الكتاب عدة طبعات وهو بذلك حصل على الكثير من الأموال، وهى في الحقيقة ليست من حقه كون اعتدى على الملكية الفكرية من خلال سرقته للكتاب مضيفاً “إنني بصدد استكمال خطوات الدعوى لاسترد حقي الفكري والمادي..”.

وفيما يبدو لن تتوقف الدعوى هنا، فبعد قضيتي العضيدان والفراج، تداولت عدة مواقع إخبارية ومنتديات اتهام ثالث للشيخ عائض القرني بالسطو وسرقة على أحد مؤلفات مهندس الأدب الإسلامي الناشر صاحب دار الأدب الإسلامي - القاهرة - الدكتور يمان نجل الدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا (والذي أطلق عليه لقب مهندس الأدب الإسلامي).

وذكر موقع (humanf.org) أن الدكتور يمان يتقدم بشكوى ضد الشيخ عائض القرني، وأنه قام بالسطو على أحد مؤلفات والده.

وأكد الباشا أن القرني قام بتقديم برنامج باسم (هذه حياتهم) وتكلم فيه عن مجموعة من صحابة الرسول الأعظم عليه الصلاة والتسليم، وجاء خلال البرنامج الذي من المفترض أن القرني مؤلفه، اعتداء سافر على كتاب والده د.عبدالرحمن الباشا (صور من حياة الصحابة) حيث قدم القرني قراءة حرفية من كتاب والده خلال تقديمه لـ 9 من صحابة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وهم: (عبد الله بن حذافة.. أبو عبيدة الجراح.. عبد الله بن جحش.. عمرو بن الجموح.. أبو أيوب الأنصاري.. أبوطلحة الأنصاري.. البراء بن مالك.. عمير بن وهب.. حبيب بن زيد)، وذلك دون ذكر للمصدر أو حتى الاستئذان..بل إنّه إدّعى أن ذلك من إعداده ونسب ذلك المجهود العلمي والفكري لنفسه كما هو وارد في مقدمة ونهاية البرنامج).

وأكد د.يمان أنه وكّل محامي العضيدان بالمملكة، أي عبد الرحمن اللاحم، لرفع الدعوى على الشيخ القرني وأن المجال مفتوح للصلح.

اعتقد البعض أن قضية دعوى الدكتور يمان باشا قد تكون (مزحة ثقيلة) أو ربما تكون استغلالاً سيئاً، بحسب المثال الشائع (إذا طاح الجمل كثرت سكاكينه). ولكن على ما يبدو، فإن دلو يمان مليء، ويخشى أن يأكل جزءاً كبيراً من رصيد الشيخ القرني الشعبي والمعنوي. وقد أجرت صحيفة (عكاظ) مقابلة مع الدكتور يمان باشا في 27 كانون الثاني (يناير) الماضي، أي بعد يومين من صدور الحكم على القرني في قضية سرقة كتاب العضيدان، وقال بأنه لن يتنازل عن حقوق والده في كتاب (صور من حياة الصحابة) الذي يتّهم القرني بأنه سرقه من مؤلفات والده، عبد الرحمن رأفت باشا الذي تدرّس أعماله لطلبة المدارس بالمملكة، ووضعه في برنامجه التلفزيوني (هذه حياتهم)، حيث قدّم الرني قراءة حرفية من كتاب والده خلال تقديمه لـ 9 شخصيات من صحابة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، من دون ذكر المصدر، أو الاستئذان من صاحبه.

قصص جمّة حول السرقات الأدبية، وتجاوزات لا تتوقف على الملكية الفكرية، وفي الغالب تنتهي بطريقة جراحية، وغالب ومغلوب. وتزداد الأمور سوءاً حين يرفض البعض مجرد الإذعان لحقيقة كونه قام بالسطو على ملكية الآخر الفكرية، اعتقاداً منه بأن ليس هناك من يقرأ أو يدقق أو حتى يصدّق بأن مثله يقوم بذلك، وقد لحظنا ردود فعل بعض جمهور الشيخ القرني على تهمة السرقة (قبل صدور الحكم وبعده)، وكيّف حوّلوه الى ضحية وربما اعتبرها البعض مؤامرة على الشيخ، والحقيقة أن من يحوك تلك المؤامرة هو أوهام المشايخ الذين يعتقدون بأنهم سينجون من أفعال شنيعة اقترفوها..وفي النهاية فإن الشيخ القرني وغيره يقع ضحية الاحساس المتضخّم بالذات، الذي يفرض عليهم البقاء في مستوى مرتفع من الشهرة والتميّز للحفاظ على المقام، ولكن قد يؤول بهم ذلك للوقوع في مطب..السرقة الأدبية!

الصفحة السابقة