تكفير، وتحقير، وإقصاء

الدولة ضد الشعب

محمد السباعي

الدولة نشأت كعامل توحيد للفئات الاجتماعية المتباينة ولتنظيم المصالح ودرء العدوان وحفظ الحقوق المادية والمعنوية وصونها، إلا في المملكة السعودية فإن الدولة ما نشأت الا على قاعدة تقسيم المجتمع، بل وتقسيم المقسّم، وترسيخ عناصر الفرقة والخلاف، ومصادرة الحقوق المادية والمعنوية، وإساءة إستغلال السلطة، لجهة الإستبداد بها واحتكار مقدّرات الشعب واستعباده..

دولة تضمر العداوة لشعبها بأغلب مكوّناته، بالتكفير تارة، بالتمييز تارة، وبالتحقير ثالثة، ولا ترى في ذلك سوى ضرورة من ضروات بقاء السلطة..وكلما واجهت الدولة السعودية أزمة مع ذاتها، أو مع الأهداف التي نشأت من أجلها، لجأت إلى تأجيج وتصعيد عوامل الإنقسام على أساس مناطقي، مذهبي، قبلي، ما يعني ببساطة أن ما نعتبره دولة هي ليست كذلك، لأنها تعمل ضد الهدف الذي ولدت من أجله، وإنما هي عصابة ترتدي زي الدولة، وتمارس كل ما تقوم به العصابات من سرقة المال العام، واحتكار السلطة، وفرض قانونها الخاص، وتجنيد أفراد يعملون لخدمة مشروعها في وضع اليد على الممتلكات الفردية والعامة وصولاً إلى فرض ما يشبه نظام تدير به السلطة القهرية..

منذ نشأت الدولة السعودية سنة 1932 كان واضحاً بأن معادلة السلطة قائمة على أساس احتكار أقليّة لكل مقدرات البلاد وتهميش الأغلبية، ومن أجل شرعنة هذه المعادلة جرى توظيف الدين والموروث القبلي والذاكرة الشعبية المثخنة بكل الرؤى المعلولة والتصورات المأومة إزاء الآخر، بحيث لو أردنا رصد عدد المرات التي تعرّض فيها سكّان المناطق الأخرى (الحجاز، الجنوب، الشرقية، الشمال..) والمذاهب (الشيعة، الاسماعيلية إلى جانب الطريقة الصوفية)، والقبائل من غير القبائل المتحالفة مع آل سعود لتطلّب ذلك مؤسسة رصد ضخمة. ولم نسمع طيلة العقود التي صدرت فيها فتاوى تكفير، وبيانات قدح وتشهير، وكتب مشحونة بعبارات الكراهية أن قانوناً سنّ يجرّم الكراهية الدينية والإجتماعية، بل ما نلحظه عكس ذلك تماماً، فهناك إيغال وجنوح من قبل علماء المؤسسة الدينية وأمراء العائلة المالكة في تكفير هذه الطائفة، وتلك القبيلة، وتلك المنطقة ويتمّ ذلك بطريقة الإستهزاء والسخرية والتهكم حتى عدّ ذلك أمراً عادياً وفطرياً، بل إن من يعارض ذلك يصبح متّهماً في دينه وعقله لأن الأصل هو (تكفير من كفّره الله ورسوله)، بحسب العقيدة المأزومة لدى هذه الدولة.

في العدد السابق، كنّا قد توقّفنا عند تكفير مشايخ وهابيين للطائفة الإسماعيلية على شاشة قناة (أوطان)، التي تبث من الرياض، وما أعقب ذلك من ردود فعل من قبل الطائفة الإسماعيلية والمواطنين بصورة عامة. وفي هذا العدد نرصد قضيتين أخريين، الأولى تكفير قبيلتي غامد وزهران من قبل الملك سعود (1953 ـ 1962)، بحسب وثيقة تم الكشف عنها مؤخراً، والاخرى تغريدات لمحامي وهابي يدعى سلطان بن زاحم بوصم الشيعة بأبناء الزنا!

د. أحمد الغامدي، اعترض على
تكفير غامد وزهران فسُجن

تكفير غامد وزهران

الوثيقة المشار إليها هنا هي عبارة عن رسالة بعث بها الملك سعود، وكان ولياً للعهد آنذاك، الى أمراء قبيلتي غامد وزهران بتاريخ 23/رجب/1371هــ الموافق 18 نيسان (إبريل) 1952، وكشف عنها إبنه أمير الباحة الحالي مشاري بن سعود، يتّهمهم فيها بالشرك، الأمر الذي أغضب علماء القبيلتين الذين رفضوا الوثيقة وما تحتويه من تكفير لأبناء وأمراء غامد وزهران. ما يثير الدهشة أن الأمير مشاري بن سعود قرأ الرسالة أو أجزاء منها على وجوه وعلماء القبيلتين، الذين حضروا مجلسه الإسبوعي، ولم يكن يراعي آداب الضيافة، بل أخذته العزّة بالأثم وراح يتلو عليهم حكماً بتكفير آبائهم وأجدادهم، ويذكّرهم بالأصول الثلاثة ونواقض الإسلام كما وضعها الشيخ بن عبد الوهاب.

وفي رد فعل على الوثيقة، قال الدكتور أحمد الغامدي (اعتقل لاحقاً)، من قبيلة غامد وعضو مؤسس في حزب الأمة الإسلامي، أنه لا يقبل أن يمنّ أمير الباحة مشاري بن سعود على قبائل غامد وزهران بالتوبة من الشرك وعبادة الأوثان كما زعم في وثيقة الزور والبهتان التي ورثها من أبيه. وأضاف: (ليس بيني وبين الأمير مشاري أي خصومة ولكن وثيقة الزور والبهتان وإذلال العلم وأهله واتهام قبائلي بالشرك لا أقبله).

يقول الملك سعود في رسالته الى غامد وزهران:

من سعود بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل الى من يراه من أمراء غامد وزهران وغيرهم وفقنا الله واياهم لفعل الخيرات وترك المنكرات وعافانا واياهم من فتنة الشهوات والشبهات آمين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ثم بعده، تعلمون أن أوجب الواجبات وأهم المهمات هو القيام لله تعالى بما فرض على عباده من معرفته ومعرفة دينه، والعمل به وبيان ذلك للعامة والجهال والدعوة الى توحيده، الذي هو أكبر حقوق الله على عباده ولأجله. أرسل رسله وأنزل الكتب وخلق السموات والارض وبه قامت الشرائع وصحّت السنة والفرض وانقسم الناس الى شقي وسعيد ومقبول وطريد.

ولا يخفاكم ما حصل فيه من الجهل العظيم الذي طبق الآفاق حتى كاد أن تذهب رسومه وأعلامه في بعض الديار التي تنتسب إليه وتدّعي أنها عرفته ونشأت عليه وبالأخص طرفكم الذي أنتم فيه وأمثاله من قبل فإن الضلال قد أناخ فيه بخيامه واعتكر فيه الغي بقتامه وظلاله حتى منّ الله تعالى عليكم بولاية إسلامية تقيم قواعد الدين وأصوله الايمانية وتزيل ما يضاد ذلك وينافيه ومايهدم من أساسه ويقدح فيه وقد بلغنا عن خبر الثقات أنها توجد في طرفكم الآن أشياء ينكرها الشرع ويأباها وتردّها الفطر السليمة وتأباها ولا ترضاها.

“فمنها” إعراض الأكثرين عن دين الله لايتعلمونه ولا يعملون به وهذا من المصائب الدينية والعقوبات القلبية والدواهي الرجعية ومن كيد الشيطان وصدّه عن سبيل الرحمن فإن الجهل بهذا الدين وعدم العمل به هو عين شقاوة الدنياء والآخرة وقد عدّ ذلك جمهور من العلماء ومن نواقض الاسلام.

“ومنها”: التكاسل عن الصلوت في الجمع والجماعات حتى أصبح أكثر المساجد عندكم مهجورة وليس لذلك منكر ولا مغير وهذا والعياذ بالله من سباب موت القلوب وتراكم الذنوب والغفلة عن علاّم الغيوب، بل هو من خصال أهل النفاق كما نطق بذلك الكتاب العزيز والسنة المطهرة.

امير الباحة: مشاري بن سعود:
آباؤكم وأجدادكم كفار!

“ومنها” إتيان الكهان وتصديقهم وهذا ذنب عظيم وحوب جسيم (وفي الحديث) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من أتى كاهناً او عرّافاً فصدّقه بما يقول فقد كفر بما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم.

“ومنها” اجتماع الرجال والنساء في الملاعب والأسواق والطرقات كاشفات الحجاب أمام الرجال للأجانب متبرجات التبرج الجاهلي لابسات أنواع الزينة ويضربن الدفوف ويلعبن ويرقصن والرجال ينظرون إليهن.

“ومنها” خلو الرجل بالمرأة الاجنبية، وهذا كله حرام في الشرع قبيح في العقل منافي للغيرة الدينية والحمية الاسلامية والأنفة العربية (وفي الحديث) ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ماخلا رجل بامرأة أجنبية الا كان الشيطان ثالثهما قالوا يارسول الله الحمو قال الحمو الموت وهذا والعياذ بالله يدل بلا شك على قلة الدين وضعف الايمان ونزع الحياء (وفي الحديث).

إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى «اذا لم تستح فاصنع ماشئت”، ووجود هذه الامور عندكم واشباهها بلا شك على أن سوق الامر بالمعروف والنهي عن المنكر عندكم كامد ولم يبلغنا عنكم في ذلك إنكار يرضي الرب وتبرء به الذمة وترك ذلك والغفلة عنه سبب لزوال النعم وحلول النقم إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بانفسهم واذا اراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له فمالهم من دونه من وال “واعظم أمر يعتنى به ويقصد هو الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أصله ورأسه التوحيد وفعل مايحبه الله ويرضاه والنهي عن المنكر الذي أفحشه واقبحه الشرك وجميع مايكرهه الله ويأباه وأدلة ذلك في القرآن والسنة كثير من أن تحصر وأشهر من أن تذكر فلا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم ولا يصلح لهم شأن معاشهم ومعادهم إلا بالقيام به علماً وعملاً صدقاً وإخلاصاً والواجب على الولاة والأمراء والقضاة فوق الواجب على غيرهم كل على حسب وسعه والقدرة ولا يكلّف الله نفساً الا وسعها كما دل على ذلك الشرع الشريف (وفي الحديث) مامنكم من أحد إلا وهو في ثغر من ثغور الاسلام فالله الله أن توتى الاسلام من قبله.

اذا تقرر هذا لديكم فليكن عندكم معلوماً إنّنا ملزمون عليكم بالقيام التام في هذا الأمر العظيم والجد فيه وأصدق المعاملة فيما بينكم وبين ربكم ومساعدة من قام به في طرفكم على الوجه الشرعي والنهج المرضي وتأديب من عرف بشيء من ملابسة المنكرات التي حرّمها الشرع المطهر وتنفيذ ذلك على الصغير والكبير والشريف والوضيع والحر والعبد وازالة ما يوجد لديكم من العادات الجاهلية التي أبطلها الاسلام فاتقو الله حق التقوى واستمسكوا من الاسلام بالعروة الوثقى وقوموا لله مثنى وفرادى واصبروا وصابروا واصلحوا النية وأحسنوا الطوية وأخلصوا معاملة رب البرية ولا تأخذكم في من عصى الله لومة لائم وفق ما تقضي به الشريعة الغرّاء، واحذروا تخويف الشيطان وكيده وإرهابه فإن صاحب الحق منصور والعاقبة له في كل زمان ومكان ولله عاقبة الامور، ونحن إن شاء الله عون لكم ولمن قام بهذ الامر في مملكتنا أين كان وحيث كان ولله علينا المنّة في ذلك والفضل، ولولاه لم نكن لذلك أهلاً ثم أيضا يلزمكم أن تجمعوا فقيه كل قرية وعريفتها، وتأمرهم بما امرناكم به وذكرنا لكم عنه وتلزمونهم به الزاماً تاماً وتامروهم أيضاً بتعليم الناس أمر دينهم وما خلقوا له، وتسألوهم عن ثلاثة الاصول التى صنفها شيخ الاسلام أيام هذه الدعوة الاسلامية الشيخ محمد بن عبدالوهاب قد رسل لله روحه وتفقّد الناس في مساجدهم للصلوات في الجمعة والجماعات، وابذلوا الناس النصيحة سراً وعلانية بالتي هي احسن عملاً بقوله تعالى (أدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن). وطلباً للثواب من رب الأرباب (وفي الحديث) الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم.

وهذا ما نأمركم به ونرضاه لكم دينا ندين الله به وقربة نتقرب الى الله بها يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم. ونسأل جلَّ شأنه أن ينصر دينه ويعلي كلمته وأن يجعلنا من أنصاره وما توفيقنا الا بالله عليه توكلنا واليه ننيب ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك انت الوهاب، اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبّت قلوبنا على دينك، ويا مصرّف القلوب صرّف قلوبنا الى طاعتك وصلى الله على سيد المرسلين إمام المتقين نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العلمين.

لا ريب أن الرسالة لم تصدر الا عن عالم دين وهابي بإسم الملك سعود، فالمصطلحات الدينية ومواطن الاستشهاد بالآيات القرآنية والاحاديث النبوية والسبك اللغوي يكشف بوضوح عن أنها كتبت بقلم أحد كبار علماء المؤسسة الدينية الرسمية. هذا من حيث الشكل، أما في نسبتها الى الملك سعود الذي عرف عنه مجونه وفساده، فذاك أمر يجعل الرسالة غير ذات صلة بكاتبها على الأٌقل في انطباق التوجيهات الواردة فيها على سعود الذي لم يكن بحسب مؤرّخي عهده غير الميمون يكترث لدين أو يشغله ماعليه الناس من صلاح أم ضلال.

عبد الهادي الغامدي، أحد المغرّدين من أبناء غامد كتب مجموعة تغريدات للتعليق على رسالة الملك سعود الى قبيلة غامد وزهران، والتي لا زالت الذاكرة حيّة بما فعلت جيوش عبد العزيز بأبناء هاتين القبيلتين، خصوصاً على يد خالد بن لؤي، الذي ترك ما عليه آباءه وأجداده من الأشراف والتحق بابن سعود الى جانب بطبيعة الحال دور الفكر التكفيري في التنكيل بالقبيلتين. يقول عبد الهادي الغامدي وهو (يهشتق #) الى أمير الباحة مشاري بن سعود، بأن: (الفكر التكفيري ضد غامد وزهران هو المبرر الذي جعل خالد بن لؤي ومن معه من الغلاة يستبيحون دماء وأموال، ولازالت غامد وزهران تعاني مما فعله خالد بن منصور بن لؤي بأهلها).

يروى الغامدي طرفاً من حملة خالد بن لؤي، وكان من أشراف الخرمة وترك الأشراف ولحق برجال عبد العزيز واعتنق العقيدة التكفيرية، وقاد الجيش الذي نهب وحرق بلجرشي ونكّل بأبناء غامد، يقول: (خالد بن لؤي سلب أموالنا وحرق بيت جدي محمد بن عبدالعزيز في غيابه، وهجّر أهالي بلجرشي وقام بالتطهير العرقي)، ويضيف: (قتل خالد بن لؤي العشرات من غامد عند دخوله الى بلجرشي حاضرة غامد. عندما وصل بن لؤي الى قريتنا سألوا عن بيت الكافر ـ يقصد جدي ـ محمد بن عبدالعزيز وأحرقوه ولا زالت آثار الحريق باقية).

من المواقف المضحكة المحزنة والتي لطالما تكرّرت في مواطن عديدة، ما ذكره الغامدي أنه سمع رجال خالد بن لؤي الآذان في إحدى القرى فقال: (أسلموا بلجرشي أسلموا بلجرشي)!!، وبكى أحد الحرّاس القادمين مع بن لؤي عندما شاهد سجيناً يقرأ القرآن، وقال: والله انهم قالوا لنا إنّكم كفار! ويعلق الغامدي: (كفّرنا خالد بن لؤي وبذلك استباح دمائنا وأموالنا. تحولت بلجرشي ورجالاتها وأهلها وهم أهل تجارة ومقاتلين أشاوس الى فقراء بعد (غزوة) خالد بن لؤي عليها). ويذكر الغامدي حال جدّته بعد وفاة جدّه: (حملت أطفالها وهربت بهم سيراً على الأقدام مع بعض الموالي الى منطقة تهامة)، وفي اليوم الثاني لغزوة بلجرشي (أصبح الناس سواسية كأسنان المشط بسبب الفقر والعوز والحاجة. سلب بن لؤي ورجاله الحبوب والتمور والسمن والمحاصيل والعبيد والجمال والأنعام).

أحدهم، يدعى عطيّة بن عوض الزهراني، قدّم قراءة إعتذارية لرسالة سعود الى أبناء غامد وزهران، وعوضاً عن نقدها قام بتثبيتها، فقال بأنها: (رسالة ودية عادية.. رسالة مناصحة وتوجيه أبوي)، وأن في ميراث الملك سعود (رسائل ووثائق موجّهة لآخرين لأسباب مماثلة ودوافع مشابهة) وعلى قاعدة (إذا عمّت طابت)، فإن صاحب القراءة يسلّي أبناء القبيتلين الكريمتين بالقول: (أن المنكرات المذكورة لم تكن مقتصرة على مجتمع غامد وزهران، بل كانت منتشرة في كافة أرجاء الجزيرة العربية التي كانت تئن تحت موجة جهل مطبق لم يسلم منها مكان حتى الحرم المكي الشريف الذي كان تمارس به بدع مغلظة..). وعلى قول المشهور (أراد أن يكحلها فعماها)، فإن محلل الرسالة الذي من الواضح انتماؤه للمذهب الوهابي، لم يجد ضيراً ليس في تكفير غامد وزهران، بل شمل بحكمه أيضاً كل أبناء الجزيرة العربية، بمن فيهم أهالي مكة المكرمة!

ومن أجل توجيه القضية والنأي بها الى موقع آخر بعيداً عن استهداف السلطة المسؤولة بصورة مباشرة عن تكفير غامد وزهران، حاول أحدهم تدوير الزوايا والغوص في الماضي لعلّه يجد ما يسمح بحرف الإنتباه فتوصّل الى هذا الرأي: (ولا يخفى على الراسخين أن الرافضة ينقمون من المحدثين من أبناء القبيلتين في مختلف طبقاتهم، وذلك سعياً منهم للطعن في الأشخاص، بغية إسقاط عدالتهم، وذلك تمهيداً لتقويض ثوابت الدين المنقولة لنا بروايتهم..)، على أساس أن راوي الحديث المشهور أبا هريرة الدوسي من قبيلة زهران!

عاد الى التاريخ والحاضر في مسعى لـ (ترقيع = رتق) الفتق الكبير الذي أحدثته رسالة سعود في تكفير غامد وزهران، وبعد أن كفّرهما لجأ الى الاشادة بتاريخ القبيلتين في الاسلام! ويختم عطيّة الزهراني مقالته بطلب غريب للأمير مشاري بأن (يجرِّم ويعاقب كل من يثبت بحقه توظيف الرسالة المعنية للإساءة للقبيلتين، وذلك ذبّاً عن الأعراض، ودرءاً للفتن، وقطعاً لدابر المرجفين..). وكان ينتظر من كاتب المقالة أن يوجّه نقدّاً للرسالة ولمن تلاها على الملأ في مجلسه وبحضور وجوه القبيلتين وعلمائهما، بدلاً من معاقبة من نقدها واستهجنها لأنها تنال من قبيلتين عريقتين في التاريخ والاسلام.

بن زاحم: محامي طائفي وجائر

بن زاحم: محامي تكفيري
يطعن في اعراض ملايين المواطنين

إقتحم المحامي سلطان بن زاحم، النكرة قبل تغريداته الفاجرة عالم تويتر، وهو مما أبدعه المشركون الكفرة!!، بحسب توصيفه للآخر، فراح يطلق التغريدات التكفيرية الواحدة تلو الأخرى، وكان الضحايا يلوذون بـ (الحجب) في ظل غياب أي قانون يجرّم التطاول على معتقدات المواطنين ويحرّض على الكراهية الدينية.

تكفير، وتهكم، وسخرية، وتطاول، وإسفاف.. ولم يجد من يردعه لا من عالم دين من مذهبه، ولا مسؤول من حكومته، حتى تمادى في غيّه، ولم يرعوي، وكأن ثمة جهة من ورائه تحميه وتحرّضه على مواصلة تغريداته الوقحة والفجّة، الى أن بلغ ذروة الفجور بإقدامه على وصم المواطنين الشيعة بأبناء الزنا، ثم تمادى في غيّه وحذّرهم بأنه إن سمح لشباب الوهابية فسوف يقومون بتقطيع أجساد الشيعة أشلاء ورميها في البحر.

قال بن زاحم بأنه (تراجع عن أقواله ولم يعتذر)، وفي ذلك إشارة إلى أنه مقتنع بما قاله ولكن اقتضت المصلحة أن يسحب أقواله وإن بصورة مؤقّتة. القذف والتشهير والكراهية والتحريض أوصاف تنطبق قانونياً على تغريدات بن زاحم، وهو ما دفع مواطنين من الطائفة الشيعية برفع قضية قذف وإيذاء ضد بن زاحم، واستقطب اهتمام وغيرة مواطنين كثر من مختلف المذاهب والمناطق، استنكروا تغريدات بن زاحم، ومن بين ردود الفعل البارزة والمؤثّرة ما كتبه الكاتب السينمائي والأستاذ الجامعي الدكتور عبد الرحمن الوابلي في صحيفة (الوطن) في 4 مايو بعنوان: (هل عبث الزاحم مجاني أم مقبوض الثمن؟)، وقال بأن ماكتبه الزاحم أقرب إلى النعيق منها الى التغريدات، والتي تحط من وطنية فئة أو أهل منطقة أو أبناء قبيلة أو أتباع مذهب وتشكك بهم، وتؤلب الرأي العام عليهم.

وشبّه الوابلي ما قاله المحامي بن زاحم كالسواطير المسعورة تقطع في لحمتنا الوطنية يمنة ويسرة، حينما قال: (والأكثر إيلاماً عندما تخرج تغريدة أو تغريدات، من شخص وبإسمه الحقيقي وتعرف أنه يمتهن مهنة حساسة وينادي بتخريب المجتمع والعبث بلحمته الوطنية، من غير رادع ديني أو شعور وطني أو حتى أدنى حس إنساني، وهذا ما صدمنا وآلمنا وأخجلنا، عندما ظهرت تغريدات المحامي سلطان الزاحم، كالسواطير المسعورة تقطع في لحمتنا الوطنية يمنة ويسرة).

وأضاف الوابلي: (خرجت تغريدات المحامي الزاحم، كالسواطير الملتهبة تضرب بجسد لحمتنا الوطنية وتعبث بأمنه وبشراسة، وكأنه عدو لنا وليس واحداً منا. ومع أنه من المخجل والمؤلم إيرادها في سياق المقال ولكن سأستعرض أجزاء من بعضها، على شناعتها وقبحها، من باب ناقل الكفر ليس بكافر، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، من باب كشف خلايا سرطانية يمكن أن تمزق نسيج لحمتنا الوطنية وتهدّد أمننا الوطني، لمحاصرتها والقضاء عليها، قبل أن تستشري في جسدنا الوطني ويصعب على العقلاء الوطنيين منا التصدي لها والقضاء عليه).

ولم يذكر الوابلي نص تغريدة الزاحم الشهيرة والتي اعتبر غالب الشيعة أبناء زنا، ولكن جاء بتعليقات وتغريدات جديدة لم تتناقلها وسائل الاعلام، قال الوابلي: (إذاً يجب ألا يشمل الحوار الوطني مواطنينا الشيعة؛ إذاً فما الحل معهم يا ترى؟ هنا يجيب المحامي الزاحم بتغريدة يعتبرها الحل المؤجل الذي لم يحن وقته بعد، لكون الوقت الآن غير مناسب له، حيث قال في تغريدة ساطورية: «لولا الله ثم احترامنا لأوامر القيادة.. كان جاءتكم شباب الوهابية سيراً على الأقدام وقطعوا أجسادكم أشلاء ورموها في البحر»..).

د. الوابلي: هل عبث بن زاحم مجاني أم مقبوض الثمن؟

وشدّد الكاتب في مقاله على أن لا يتم السكوت على الزاحم بأي حال من الأحوال واضاف: (لكن أن تصدر من محام شرعي، قد تولى منصب، رئيس لجنة المحامين في الغرفة التجارية والصناعية في المدينة المنورة، فهذا أمر لا يجب التغاضي أو السكوت عنه بأي حال من الأحوال، أو تحت أي مبرر من المبررات، خاصة كوننا نعيش في عالم يكثر فيه الخراب والتخريب من حولنا..).

واشار الوابلي إلى العديد من المواد القانونية التي خالفها المحامي عبر تغريداته، وأشار إلى العقوبات التي يجب أن تطبق في حقه، وقال (خالف ـ بن زاحم ـ مجموعة من مواد نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، ومنها ما جاء في الفقرة رقم “3” من المادة الثانية، والتي نصّت على: “يهدف هذا النظام إلى الحد من وقوع جرائم المعلوماتية، وذلك بتحديد هذه الجرائم والعقوبات المقررة لكل منها، وبما يؤدي لما يأتي” ...2- حماية المصلحة العامة والأخلاق والآداب العامة...”، وجاء في المادة السادسة من النظام نفسه: “يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين كل شخص يرتكب أياً من المعلوماتية الآتية: 1- إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة، أو إعداده، أو إرساله أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية أو أحد أجهزة الحاسب الآلي”. وكل ما تقدم ينطبق على ما قام به المذكور).

يذكر أن عددأ من النشطاء والوجهاء الشيعة بالمدينة المنورة رفعوا عريضة قانونية لأمارة منطقة المدينة المنورة يطالبون فيها معاقبة المحامي الزاحم حتى يكون عبرة لغيره ويتم المحافظة على لحمة أبناء الوطن.

وختم الوابلي مقالته: (ولقد علمت بأن مجموعة من مواطنينا الشيعة قد رفعوا قضية قذف وإيذاء وتشكيك بحقهم، على المدعو الزاحم، وهنا أضم صوتي وأرجو أن يضم صـوته إليهم، كل مواطن شريف وغيور على سمعة وشرف ووطنية كل فئة من مواطنينا؛ حيث القضية هي قضية وطن كامل، لا قضية فئة منه).

إن هاتين القضيتين (تكفير غامد وزهران وتكفير الشيعة) هما من بين مئات إن لم يكن آلاف القضايا التي تشتمل على قذف وتشهير وتكفير، ولو قدّر للضحايا أن يحصلوا على حق الترافع مع وجود قضاء عادل ونزيه ومستقل لوجدت المحاكم تعج بالمتظلّمين من غالبية أبناء هذا البلد، الذين صبروا طويلاً ولكن ليس الى ما لانهاية، لأن الجور له حدود والعدل لا بد أن يسود. و على أية حال، فإنه كلما ازداد الانقسام في المجتمع تصدّعت أسس استقرار الدولة ووحدتها، وإن بدا أن السلطة توحّدت وتمركزت، فالدولة التي لا تحترم شعبها بكل أطيافه لها مكان واحد وهو: مزبلة التاريخ.

الصفحة السابقة