قراءة في نشأتها ودوافعها ومستقبلها

ظاهرة الإلحاد في السعودية

لماذا غزا الإلحاد مركز الوهابية في نجد وانتشر رغم أنها قلعة المشايخ وطلبة العلم؟!

محمد فلالي

في رد الفعل الأولي إزاء الظواهر الاجتماعية والفكرية النافرة يفرز المجتمع ما يشبه أجسام مضادة لمنع تسلل الظواهر الجديدة الى داخله قبل أن يتكيّف معها أو يتعامل معها تدريجاً بكونها واقعاً لا مناص من استعمال أدوات مختلفة في سبيل احتوائه أو على الأقل تقليل حجم الأضرار الناجمة عنه، كأن تبدأ حالات تحوّل من الاسلام الى المسيحية أو أن يكفّ عدد من المسلمين عن الالتزام بالإسلام عقيدة ومنهاجاً وبصورة علنية..نشير هنا الى ظاهرة ضعف الالتزام بالدين، التي بدأت تبرز منذ سنوات في ظل تنامي موجات العولمة الاتصالية والثقافية..

قبل سنوات قليلة، لم يكن في هذا البلد من هو على استعداد للإذعان لحقيقة كانت تجسّد نفسها في العالم الافتراضي بصورة واضحة لالبس فيها من خلال المناقشات المفتوحة حول الكون وفلسفة الوجود والغاية من الخلق وموضوعات أخرى مماثلة، فيما كان التيار الديني السلفي منغمساً في مقاربات سطحية لقضايا تزداد تعقيداً وإلحاحاً..

ناصر العمر: الإنفتاح وعدم العقوبة سبب الإلحاد!

لم يكن حينذاك من يجرؤ على توصيف الظاهرة الجديدة، وكانت حالة الانكار هي السائدة، وكان الجواب الحاضر هو: أن ثمة شرذمة قليلة تحاول تكثير نفسها بالضجيج والحضور الاعلامي الكثيف، أو بما اعتاد عناصر في التيار الديني السلفي عليه من توصيم خصومهم بأنهم حثالة، وأذناب، وتافهون..ثم ماذا؟ فالالحاد، في نهاية المطاف، يتقدّم وينتشر دون ضجيج ويغزو حتى بيوت العلماء أنفسهم؟ وقد لحظنا تأثيرات الثقافة الحديثة على أبناء كبار العلماء.

في حوار عادي بين مواطنين يكشف عن طبيعة ردود الفعل إزاء ظاهرة الالحاد، يقول أحدهم بأن ثمة شيئاً يعتمل في داخله منذ فترة وقد جعله مهموماً (إلى حد التشاؤم والإحباط) حسب قوله، ألا وهو (ظاهرة الالحاد في مجتمعنا الخليجي والسعودي)، ثم يعلّق (والله إنني ذهلت وصدمت من واقع لم اكن أتوقعه)، وهذا الشعور تولّد لديه بعد أن دخل (منتديات الليبراليين والعلمانيين)، ويضيف (دخلت وكنت أعتقد أن خلافي معهم فكري، لكن وجدت العجب العجاب، وجدت الإلحاد بتطرفه والكفر..). ويوضح (ذهلت لمّا وجدت أغلبية المنتدى العربي الليبرالي من السعودية.. حتى في الرومات والبالتوك تجد أكثر الاعضاء الملحديين من السعودية..). فماذا كان تعليق الآخر: (الليبراليون..هؤلاء هم مجموعة حثالة يبحثون عن الشهوات فقط.. فكانوا يلاقون مواجهة من المجتمعات العربية والأسلامية .. فكانت هذه المواجهات حصاة عثرة في طريقهم للوصول لشهواتهم.. فلم يجدوا حل لهذه المواجهة.. الا بالبحث عن عدم وجود عقاب لفعلهم وشهواتهم.. فالأمر بالعذاب أو النعيم هو سبحانه وتعالى.. قالوا نحن ننكر وجود الله حتى نستريح بالكلية.. فهم يخادعون الله والله خادعهم.. فلا تنزعج أخي من الحاد هؤلاء، فهؤلاء قد كتبهم الله من الأشقياء).

لا ليست هذه حالة حوارية معزولة، بل تمثّل نموذجاً معيارياً لكل الحوارات التي كانت تجري طيلة العقود الماضية على اعتبار أن الآخر المختلف مجرد شرّ مطلق وضئيل الأثر ويجب مواجهته بكل قوة حتى لا يشتّد عوده ويزداد خطره..فيما يغفل البحث عن عوامل نشأة الظاهرة مهما كانت، والمصادر الداعمة لها، وصولاً الى تقرير سبل فهمها وخيارات التعامل معها..

عبدالعزيز القاسم: النقاش والإنترنت سبب الإلحاد!

تتباين المقاربات ورصد الأسباب الحقيقية وراء نشوء ظاهرة الإلحاد، رغم اتفاق أغلب المعنيين بدراسة الظاهرة على أن التشدد الديني يعتبر عاملاً رئيساً في إنتاج التطرف والإلحاد، وهو المسؤول عن ظهور جيل من (اللادينيين) وآخر من (المتنّصرين) حسب طرابلسي. الاعلانات المتكررة عن تحوّل أشخاص من هذا البلد الى المسيحية تعتبر لافتة، فلم تعهد هذه البلاد ظاهرة من هذا القبيل قبل الألفية الثالثة، ما يعني أن تطوّراً، بل تطوّرات كبرى حصلت في هذا البلد وأدّت الى تفجّر ظواهر من هذا القبيل.

بالنسبة للمشايخ ورجال الدين الرسميين والمتشدّدين فإن أسباب نشوء ظاهرة الالحاد وانتشارها واضحة: الانفتاح الاعلامي، الابتعاث للخارج، ضعف أدوات الضبط والرقابة على المطبوعات..أحد أئمة المساجد نقل بأن لديه ما يفيد بدخول ثلاثين مبتعثاً في الدين النصراني.. الشيخ محمد النجيمي، أحد روّاد لجنة المناصحة، يحذّر من (قراءة الفلسفة قبل التحصين)، فيما شنّ المفتي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ على دعاة أفكار (الصوفية)..والحل دائماً هو فرض المزيد من القيود على حرية التعبير ومعاقبة المخالفين، وفي نهاية المطاف كلما ازداد القيود المفروضة على الحرية ازداد التحرر من الدين.

فالسؤال عن أصل وجود ظاهرة الالحاد في السعودية بات ماضياً، لأن حتى الذين أدمنوا إنكار مثل هذه الظواهر انتصاراً لأوهام التفوق لديهم باتوا اليوم يعلنوها صراحة أن الألحاد واقع لا يمكن جحوده..

من الأسئلة المشروعة في هذا الصدد: لماذا تنشأ وتنشر ظاهرة الالحاد في بلد يخرّج أعلى نسبة في العالم من الخريجين في العلوم الشرعية، وفي دولة تضم أكبر عدد من الكليات المختصّة بالعلوم الدينية؟

في اعتراف للشيخ الصحوي ناصر العمر بانتشار ظاهرة الالحاد في السعودية، كما جاء في درسه الديني في 19 مايو الماضي كشف عن اجتماع لعلماء دين من جميع أنحاء المملكة برئاسة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقا، وقال (تمّت مناقشة هذه الموجة الإلحادية، والتواصل مع هيئة كبار العلماء في الوقت نفسه، والسعي لتحويلهم للمحاكم الشرعية). وأرجع أهم سبب لانتشار هذه الظاهرة الى (الانفتاح الإعلامي غير المراقب وكذلك أمن العقوبة). ومن الواضح أن العمر يرجع الظاهرة الإلحادية الى أسباب خارجية يعبّر عنها اختصاراً واختزالاً بـ (الانفتاح الاعلامي)، ويربط ذلك بأمن العقوبة. فهو يتعامل مع الظاهرة الالحادية من منظور جنائي ويعتبرها جريمة تستحق العقاب، ويجب تقديم كل من تثبت عليه تهمة (الإلحاد) الى المحاكم الشرعية، مستبعداً عوامل أخرى ثقافية وفكرية وسياسية واجتماعية واقتصادية وغيرها يستوجب التأمّل فيها عميقاً!

الجدير بالذكر، كان الشيخ العمر قد تحدّث في محاضرة له سابقة عن تناقص أعداد المصلين في المساجد، وكان يقول ذلك في سياق التبرّم والحسرة..

في السياق نفسه، أصدر مايربو عن مائة رجل دين سلفي بياناً في 9 يونيو الماضي حول (موجة الإلحاد في بلاد الحرمين) استنكروا فيه ما انتشر في بلاد الحرمين مما أسموه (إعلان شرذمة من الزنادقة الكفر الواضح المخرج من الملة بإجماع علماء الأمة..). ويلفت البيان الى أن هذه الموجة ليست عفوية بل هي (أمر منظم عبر مواقع وشخصيات مدعومة من الداخل والخارج)، واستدلوا على ذلك بالقول (ظهر بداية على شكل روايات وكتب لبعض هؤلاء الزنادقة تنقص فيها الرب جل وعلا ونبيه صلى الله عليه وسلم، ثم سمحت وزارة الإعلام لهذه الكتب أن تباع وتنتشر، الأمر الذي أدّى إلى ظهور هؤلاء الملاحدة المتجرئين على الله.. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي يشنون فيها حملات تطاول على رب العالمين وعلى رسوله الكريم وعلى الشرع المطهر).

النجيمي: الإلحاد في كتب الفلسفة: لا تقرأوها!

وطالب الموقّعون على البيان المسؤولين إلى (حماية جناب التوحيد والإيمان بإحالة هؤلاء العابثين من الزنادقة وغيرهم إلى القضاء الشرعي وتنفيذ أحكام الله فيهم. كما طالبوا أجهزة الدولة منع كل ما يسبب الإلحاد أو التشكيك أو ينشره بين أبناء المسلمين سواء كانت كتباً أو مواقع أو قنوات أو برامج أو مقاهٍ أو تجمعات). كما دعوا (الخطباء والدعاة والمربين من الآباء والأمّهات والمعلمين والمعلمات لمواجهة بوادر الإلحاد الآخذة في التوسع وتربية الجيل على الإيمان والخير والهدى وتحذيره من الكفر والفسوق والعصيان). تحدث البيان عن وجود (خلايا تنشر الإلحاد والتشكيك..) وذكر أمثلة على ذلك منهم: حمزة كشغري، ورائف بدوي، وعبدالله حميد الدين، وحصة آل الشيخ، وبدرية البشر، وطالب الموقّعون الدولة بـ (تنفيذ أحكام الشريعة فيهم) أي الاعدام حيث لا تقبل منهم توبة!

حمزة كشغري، مثال صارخ، شاب في العشرينات من العمر عاش ردحاً من الزمان في بيوت المشايخ والمساجد ولم يختلط بغيرهم، وحين نشر تغريداته المسيئة والطائشة تراجع عنها على الفور وكتب اعتذراً وأعلن توبته وصدّقت توبته المحكمة العليا بالرياض، ولكن حكم التكفير لايزال يطارده، بل هناك من لا يزال يصرّعلى إنزال عقوبة الاعدام بحقه..في الوقت نفسه، لم يشر أحد الى استهزاء الشيخ المثير للجدل محمد العريفي بالرسول صلى الله عليه وسلم بإتهامه ببيع الخمر أو بإهدائه..في مثل هذه المقارنة يكمن التمرّد على من يتقمّص دور حارس الفضيلة.

وفي البيان أيضاً مطالبة للدولة بكل مؤسساتها الاعلامية والثقافية والتعليمية والدينية بـ (منع كل ما يسبب الإلحاد أو التشكيك أو ينشره بين أبناء المسلمين سواء كانت كتباً أو مواقع أو قنوات أو برامج أو مقاهٍ أو تجمعات). بطبيعة الحال، فإن لدى الموقعين معايير خاص في المنع. في المقابل، يطالب الموقّعون بأن يفسح في المجال أمام المؤسسة الدينية والمشايخ عبر توجيه وزارة الاعلام للقيام بدورها كيما تبث (البرامج النافعة التي تغرس الإيمان وترد على شبه الإلحاد والتشكيك وتعظيم الدين والشريعة في قلوب الناس بكل الوسائل الإعلامية المتاحة. وأن تحاسب كل من يظهر في وسائل الإعلام وتطبق السياسة الإعلامية التي تخصّها بمنع كل ما يتعارض مع شريعة الإسلام أو يسيء إلى علمائه).

اللافت في قائمة الموقّعين أنها خلت من أسماء لامعة كانت تتصدّر البيانات ومن بينها الشيخ سفر الحوالي الشيخ سلمان العودة والشيخ عايض القرني، وحتى الشيخ عبد الرحمن البراك والشيخ ناصر العمر وغيرهم من مشايخ الصحوة الذين باتوا يصنّفون في خانة (الحركيين).

ما يلفت في البيان أيضاً هو الاقرار بوجود ما نعتوها بـ (موجة) إلحاد، ولكّن طريقة المعالجة المقترحة تشي بنزعة وصائية من نوع ما حين توسّلوا بالدولة من أجل القضاء على الموجة الالحادية، فاختاروا (منطق القوة) وليس (قوة المنطق) بديلاً.. إختيار أسماء محدّدة يكشف عن أن الموقّعين يلوذون بأسلوب تصفية الحسابات واقحام السلطة في صراع فكري لوأد حق التعبير عن الرأي، وتوظيف قائمة التهويل الديني (الكفر، الردّة، الإفساد في الأرض..)، والأخطر هو المطالب بإنزال عقوبة الاعدام بحقهم..

المفتي: لمنع الإلحاد: المزيد من
القيود على حرية التعبير!

مقالات بحثية كتبت خلال العام الجاري تحاول تلمّس أسباب نشوء ظاهرة الإلحاد وانتشارها، بعضها يسترشد بمعايير علمية لفهم الظواهر الاجتماعية والفكرية نشوءاً وانتشاراً وحتى اندثاراً، وبعضها يتوكأ على فلسفة تبريرية تنزع نحو تبرئة الذات وتجريم الآخر، وبعضها يروم تضليل القارىء وتضييع الأثر كي لا تحدد المسؤولية..

في مقالة كتبها الإعلامي عبد العزيز القاسم بعنوان (ملحدون سعوديون) في صحيفة (الوطن) بتاريخ 2 يوليو الماضي نثر خلالها قائمة من أسباب وقوع الشباب في الالحاد ومنها: التأزمات والأمراض النفسية، والقراءات الفلسفية المعمقة، والدخول في نقاشات (الإنترنت) دون تحصين فكري حقيقي..وكما يبدو فإن القاسم اختار أسباباً مريحة لا تنطوي على مسؤولية للذات، تماماً كاختياره جدة التي وصفت بأنها (وكر للإلحاد) بحسب بعض طلبة العلم الشرعيين، وإن اختيار جدة لا يخلو من استبطان عنصري خفي. والحال، أن كلاماً كثيراً قيل عن ظاهرة انتشار الالحاد في المركز، بل في عقر الوهابية، وهنا موضع التساؤل الكبير، وهناك قرعت أجراس خطر الإلحاد قبل أي مكان آخر.

سؤال القاسم عمّا إذا أصبح الإلحاد ظاهرة في السعودية أم لا، جاء على خلفية صدور بيان المائة من المشايخ حول الملحدين، ولكّنه لفت الى شحّة المعلومات والاحصاءات حول الالحاد من حيث عدد المنتمين اليها أو مساحة انتشارها أو تجسيداتها الاجتماعية والثقافية (ذلك أنّ الملحد أو القريب منه لا يمكن له أن يعترف في بلاد التوحيد بإلحاده). ويبقى السبيل الوحيد لمعرفة آثار ذلك من خلال كتابات وخواطر بعض الشباب على شبكات التواصل الاجتماعي والمنتديات الحوارية، وقد ثبت بأن هناك مجموعة من الشباب والفتيات خضعت تحت تأثير الافكار الإلحادية، وباتت جزءً من ظاهرة الالحاد.

لم يبرح القاسم الهامش المسموح التفكير فيه، وعلى طريقة العمر فقد أحال الظاهرة الالحادية الى (الانفتاح العولمي الكبير وتقارب الثقافات، وتوافرها أمام الأجيال الجديدة، بفعل “الميديا”..)..وحتى يترك الباب مفتوحاً لنقاش أوسع أشار الى أسباب أخرى مواربة ولكّنها تلتقي عند نقطة (الآخرـ الخارج) في توليد حالة الالحاد منها: التأزمات والأمراض النفسية، القراءات الفلسفية المعمقة، والدخول في نقاشات (الإنترنت) دون تحصين فكري حقيقي.

ويخلط القاسم بين السبب والقانون الطبيعي، فهو يحيل الإلحاد الى سبب أهم وهو (المرحلة العمرية التي يمرون بها، فهؤلاء الشباب مستعدون لتلقّف أي فكر يميزهم عن لداتهم، ويشبع نرجسيتهم العالية، خصوصاً أن الغرور المعرفي من قراءتهم المكثفة؛ أذكت هذه النرجسية..). فلماذا المرحلة العمرية في ظروف سابقة أنجبت أجيالاً شديدة الإلتزام بالدين، ومحصّنة إزاء الأفكار الإلحادية، بالرغم من انتشار الكتب الالحادية، ولماذا كان تأثير الافكار اليسارية مقتصراً على فئة محدودة من الشباب، وما لبث أن تخلى منهم عن تلك الافكار واعتنق أفكاراً دينية شديدة التطرّف.. ولماذا في ظل ظروف العولمة الاتصالية يقود الشباب ثورات الربيع العربي ويحملون أفكاراً دينية وشعارات مناهضة للغرب والاستعمار بكل تظهيراته؟

المرحلة العمرية ليست سبباً بل هي قانون بيولوجي يسري على بني البشر، وقد تشهد مرحلة عمرية أوضاعاً تختلف في ظروف معينة عنها في مرحلة عمرية مماثلة..

منصور النقيدان: التدين السلفي اليابس هو السبب

وكيما يخلي نفسه من أي مسؤولية، يحاول القاسم ألا يقترب من المنطقة المحظورة في التفكير الحر، حين يضع نفسه في مقام (ناقل الكفر) عبر نسبة رأي لجهة ما تقول بأن (التيار الديني عبر خطابه المتشدد – برأيه - سبب في هروب الشباب – الفتيات على الخصوص – للإلحاد..). حسناً، هل يحتاج المرء، دع عنك الباحث، الى كثير من الذكاء والعناء كيما يفترض فيما يفترض دور التشدّد الديني في نفور وعزوف الشباب عن الدين؟ وقد نقل القاسم رأياً شجاعاً من كاتب جريء وصاحب تجربة في التيار الديني مثل منصور النقيدان، وسوف نتوقف عند مقاله (تائهون في بازار الإيمان) المنشور في جريدة (الرياض) بتاريخ 16 مايو 2010.

يبدأ النقيدان مقالته بما نصّه (قبل خمس سنوات أفضى إليّ إمام مسجد سابق بأنه كان يتقدّم الجماعة في مسجده بدون وضوء، ويتقدمهم أحياناً في صلاة الفجر وهو جنب. كان بحاجة إلى بيت الإمام ولم يكن قادراً على التخلي عن هذه الوظيفة، وبعد أن تحسنت أوضاعه المالية، وأصبح قادراً على استئجار بيت تخلى عن وظيفته، انهمك بعد ذلك في ملذات الجسد والكدح في الحياة، والتعويض عما فاته في ريعان الشباب وزهرته التي قضاها متديناً عاكفاً على كتب القدماء من فقهاء المسلمين. في رسالة أرسلها إلي قال إنه اليوم يجد ثمار اجتهاده في العمل عاجلاً، وليس معنياً بما قد يكون بعد الموت. فقد نسي تلك الأيام الحزينة).

ويعلّق النقيدان بعد ذلك (هل للتدين اليابس السلفي تأثير سلبي على أتباعه بحيث يجعل من احتمال انسلاخهم من الإسلام أو علوقهم في مرتبة البين بين، أكثر ممن عداهم من طوائف المسلمين الذين يمنحون التدين القلبي والباطن منزلة تضاهي أو تفوق الواجبات الحسية والأعمال المادية كالمتصوفة مثلاً؟). تساؤل، دون ريب، مشروع لأنه يضعنا في مواجهة مباشرة مع الطبيعة البشرية، لأن أولئك الذين يصوّرون الدين منفصلاً عن الطبيعة البشرية إنما يؤسسون لكل أشكال النفاق الاجتماعي المتخيّلة.

وفي تواصل مع الكتابات السابقة، نعود قليلاً الى ما كتبه عنصر بارز في التيار السلفي ابراهيم السكران في بحث له بعنوان (مآلات الخطاب المدني) المنشور العام 2007. يقول فيه:

(كثير من تلك الطاقات الشبابية المفعمة التي بدأت مشوارها بلغة دعوية دافئة أصبحت اليوم – ويالشديد الأسف - تتبنى مواقف علمانية صريحة، وتمارس التحييد العملي لدور النص في الحياة العامة، وانهمكت في مناهضة الفتاوى الدينية والتشغيب عليها، وانجرت إلى لعب دور كُتّاب البلاط فأراقت كرامتها ودبجت المديح، وأصبحت تتبرم باللغة الإيمانية وتستسذجها وتتحاشى البعد الغيبي في تفسير الأحداث، بل وصل بعضهم إلى التصريح باعتراضات تعكس قلقاً عميقاً حول أسئلة وجودية كبرى، واستبدلت هذه الشريحة بمرجعية “الدليل” مرجعية “الرخصة” أينما وجدت بغض النظر هل تحقق المراد الإلهي أم لا؟ وتحولت من كونها مهمومة بتنمية الخطاب الإسلامي إلى الوشاية السياسية ضده، والتعليق خلف كل حدث أمني بلغة تحريضية ضد كل ما هو “إسلامي”، وغدت مولعة بالربط الجائر بين أحداث العنف والمؤسسات الدعوية، وبالغت في الاستخفاف بكل منجز تراثي، وتحتفي بالأدبيات الفرانكفونية في إعادة التفسير السياسي للتراث وأنه حصيلة صراعات المصالح وتوازنات القوى وليس مدفوعاً بأية دوافع أخلاقية أو دينية، بل ووصل بعضهم إلى اعتياد اللمز في مرويات السنة النبوية وخصوصاً مصادرها ذات الوزن التاريخي واعتبارها مصدر التشوش الاجتماعي المعاصر).

يفترض السكران بأن الخطاب العلماني (خطاب نشط ومتنام في أوساط الشباب المولعين بالثقافة وذوي المنزع الفكري..)، ولذلك فهو يطالب بقراءة وتأمل وتحليل الخطاب الذي قاد الشباب الى (المآلات الموحشة) حسب وصفه، وصولاً الى تعزيز الثقة (الدعوية في الأوساط التربوية والعلمية للاتجاه الإسلامي أمام سلاطة هذا الخطاب وتجريحه المستمر ودعايته المضادة، ونشاطه في التعبئة الإعلامية..). ومن الواضح أن السكران يصدر في مقاربته عن هواجس مرحلة نكوص الخطاب السلفي عقب تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر العام 2001، وتقهقر التيار الديني السلفي الذي بات في مرمى الخطابات المضادة.

عبدالعزيز الخضر: السلفية ليس لديها أجوبة!

ورقة السكران من جزئين، الأول: علاقة الخطاب المدني بأصول الوحي، والثاني: قياس علاقة الخطاب المدني بالفكر الحديث. في الجزء الاول يخلص الى ما أسماه بـ (الغلو المدني) ويعتبره (ينبوع الانحراف الثقافي) حيث (يستتبع التحييد العملي للوحي لأنه لا يَدفع باتجاه المدنية الدنيوية ويتعارض مع كثير من منتجاتها، ويورث الاستخفاف بالتراث الإسلامي لتضمنه جهاز مفاهيمي شرعي يزهد في الدنيا ويربط الإنسان بالآخرة، ويثمر لدى الشاب تعظيماً نفسياً للثقافة الغربية الحديثة لتفوقها المدني على غيرها من الأمم المعاصرة، فيصبح مأخوذاً بعرض منجزاتها، ويتضايق من عرض ثغرات الثقافة الغربية ويميل لتفهمها وإعطائها معنى إيجابياً أو محايداً على الأقل وتسويغها في جنب محاسنها)، وبذلك (يبدأ الشاب في الابتعاد التدريجي عن العاملين للإسلام..).

أجمل السكران ورقته في أن إعادة الاعتبار والمركزة للدين، باعتبار أن العبودية هي الغاية الكبرى وأن العلوم المدنية وسيلة تابعه لها، وأن التنوير الحقيقي هو الاستنارة بالعلوم الدينية التي تضمنها الوحي وأن الظلامية والانحطاط الرئيسي هو الحرمان من أنوار الوحي مهما بلغت درجة العلوم المدنية، وأن أشرف مراتب العمارة هي العمارة الإيمانية، وأن جوهر وظيفة الاستخلاف هو تمكين الدين، وأن الإسلاميين ليسوا ضد المثاقفة، ولكن لديهم موقف تفصيلي يفرق بين الانتفاع والانبهار، ويفرق بين مستويات الإنتاج في الحضارات الأخرى، وأن خطاب أنسنة التراث آل إلى تغييب دور النص في تشكيل التراث، ورد العلوم الإسلامية إلى عنصرين: الثقافات السابقة وصراعات المصالح، بما ترتب عليه انفصال الشاب المسلم عن نماذجه الملهمة. وأن المغالاة في مفهوم الإنسان آلت إلى طمس المعايير القرآنية في التمييز على أساس الهوية الدينية.وأن التبرم بمرجعية الوحي، والإزدراء بالقرون المفضلة، واللهج بتعظيم الكفار، من أكثر شعب النفاق المعاصرة التي تستدعي التحصين الإيماني، وأن المغالاة في النسبية يقود إلى العدمية، بما يترتب عليه خسارة فضيلة اليقين ومنزلة الإحسان، والإغراق في الارتياب والحيرة واللاحسم..وأن الاستغراق في ربط الشعائر بعلل سلوكية محضة، أو ربط التشريعات بحكم اجتماعية محضة، من أعظم أسباب توهين الانقياد وذبول الدافعية.

في حقيقة الأمر، أن الورقة تعكس قلقاً عميقاً وواسعاً لدى جيل السكران، وكما قال النقيدان بأن أفكار السكران لا تزال حتى اليوم (تثير قلقاً بين رفقاء دربه السابقين، لأن ما أضمرته تلك الورقة قد يفوق ماكشفته، لهذا تجنَّد ضد مقالاته أحياناً أقلام تخوض بالوكالة معركة ليست لها..). وينقل النقيدان طرفاً من مراسلات بينه وبين السكران، ويقول (وتشفّ الرسائل التي تبادلتها معه في الفترة الماضية عن حزنه لاستفحال ظاهرة لصوص الدين وانحسار العباد المخبتين وانزواء المتقين).

وينقل النقيدان وقائع لقاء جمع شباب مع أحدهم في بيوتات صوفية بالمملكة، حيث ينقل صديق له (عن دهشته من مستوى الجرأة التي كانوا يتحدثون بها، وكان بعضها يفصح عن كراهية للإسلام وتشكيك في عدل الله). ويعلّق بعد ذلك (لهذا يبدو أن إرجاع أسباب الانسلاخ إلى طريقة التدين التي ينشأ الأفراد في أحضانها ليس سبباً كافياً..).

ورغم أن القاسم لا يميل الى وصف النقيدان للتيار السلفي باليبوسة، إلا أنه لا يلبث أن يستدرك عليه بسرد قصة للمتصدين لظاهرة الالحاد في السعودية، حيث نقل عن صديقه عايض الدوسري في أحد المواقع الإلكترونية قوله: (لقد حدّثني أحد الشباب - الذين تأثروا ببعض الشبهات - أنه ذهب إلى أحد العلماء الكبار؛ كي يدفع عنه آثار تلك الشبهات بالحجج العقلية والنقلية، فإذا به يُصدم بهذا العالم الجليل وهو يطرده من مجلسه، ويُهدده باستدعاء الشرطة!).

العوهلي

لم يكن رد فعل الشيخ مستغرباً، بل ينسجم في جوهره مع طبيعة العقائد المغلقة، التي ترى بأن انغلاقها وسيلة التحصين الوحيدة إزاء ما تعتبره أخطاراً وجودية.

عبد العزيز الخضر الباحث المقرّب من التيار الديني السلفي لسنوات طويلة والذي كتب فيه وعنه اشتغل على مناقشة الخطاب الديني وتداعياته الفكرية، وخلص فيما خلص الى أن الخطاب الديني مسؤول عن انتشار ظاهرة الإلحاد. وقال في محاضرة بعنوان (التحديث الفكري) ألقاها في جامعة الملك سعود ونشرت على موقع (الجزيرة أون لاين) في نيسان (إبريل) الماضي يقول (أن الجيل الجديد حين يواجه مسألة فكرية حديثة لا يجد لها جواباً لدى المحافظ، فإن ذلك يقوده للبحث عند غيره، وهنا قد يظهر الإلحاد).

الكاتب البراء العوهلي أثار سؤالاً مباشراً بعنوان (لماذا يلحد بعض شبابنا؟ محاولة لفهم وتحليل ظاهرة الإلحاد) نشر في شباط (فبراير) الماضي، وفيما أقرّ بأنها ظاهرة معقدة وتتداخل فيها العوامل الفكرية والنفسية والاجتماعية وأن تحليلها يتطلب جهداً كبيراً وتخصّصات متعددة..من ناحية حجم الظاهرة، فإن (غالبية من يلحد أو يترك الدين يكتم هذا ولا يعلنه خصوصاً في مجتمعنا المتدين الذي يصعب أن يعلن فيه الإنسان مثل هذا الخيار، ولكن الكثير من المؤشرات تؤكد أن الإلحاد واللادينية واللاأدرية والشك موجودة في بلادنا بشكل أكبر مما يتوقعه غالبية الناس، وخصوصاً بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين والثلاثين). ورصد العوهلي مجموعة أسباب للإلحاد منها: 1 ـ التطرف والجمود الديني. ويقول في هذه النقطة بالتحديد (الغالبية العظمى ممن ألحدوا - في مجتمعنا السعودي - كان إلحادهم ردة فعل نفسية من التشدد الديني والاجتماعي!). 2 ـ تساؤلات تبحث عن إجابة، وردود فعل تكبت وتخرس، ويعلق (الكثير ممن ألحدوا كان إلحادهم نتيجة لتساؤلات أربكت عقولهم فبحثوا عن إجابات لها ولم يجدوا شيئاً… كبت الأسئلة وقمعها وعدم الترحيب بالاختلاف في الرأي ومنع الحوار سبب ردة فعل لدى البعض أدت إلى نفور من الدين والتدين…). ٣- الثورة على العقلية الأسطورية. ٤- غرس الكراهية باسم الدين. ٥- تقديس الأشخاص. ٦- وجود الشر. ٧- القتل والحروب والعنف الذي يحصل باسم الدين والإله. ٨- فكرة القضاء والقدر. ٩- وهم اليقين الكامل / المطلق. ١٠- تخلف الأمة. ١١- تمزق الأمة وتفرقها. ١٢- واقع المرأة. ١٣- الجفاف الروحي. ١٤- الاندفاع والعجلة. ١٥- الاعتداد بالذات والغرور المعرفي.

١٦- سطوة الشهوات ومحاولة الهروب من وخز الضمير. ١٧- السطحية الفكرية. ١٨- الأسباب العلمية الطبيعية. ١٩- الإلحاد كموضة فكرية. ٢٠- الاضطرابات النفسية.

في استبيان وضع على الشبكة حول ظاهرة الالحاد في المجتمع السعودي، جاءت الاسئلة بطريقة إيحائية حيث ربط السؤال التاسع بين عدم التصريح بالإلحاد والخوف من المجتمع بما يخفي حقيقة الظاهرة وحجمها. وحدد أسباب لظاهرة الالحاد منها: التشدد والخطاب الديني، وتناقض بعض المسلمين في تطبيق تعاليم الإسلام، وعدم التأسيس الديني (أي بدون اقتناع)، والانفتاح الثقافي والاتصالات الحديثة، والابتعاث والسفر الى الخارج، وتقديس الاشخاص، والتردد على المقاهي والأندية الثقافية، وقراءة الكتب والروايات، والخوف من طرح الاسئلة الفلسلفية والفكرية المتعلّقة بالإله والكون، وغياب دور العلماء والمفكرين، والصراع بين التنويريين والمتشدّدين، ووجود اتجاهات فكرية متعدد..

في تقديري، أن ثمة خلطاً بين الاسباب الرئيسية والثانوية، وبين المرض وأعراضه، فالظواهر الفكرية كما الظواهر الطبيعية لا تنشأ إلا حين تقع تغييرات في القوانين الضالعة في تشكيلها وليس في العناصر التي طرأت عليها أو ساهمت وفق ظروف خاصة في التأثير فيها..فظاهرة إلحاد في مجتمع شديد المحافظة لا تقع لمجرد ابتعاث بعض أبنائه للتعليم في مدارس خارجية، خصوصاً في ظل تجارب سابقة تنفي وقوع الظاهرة، ففي نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينات كان هناك ما يربو عن 30 آلاف طالب مبتعث الى الولايات المتحدة. وعلى العكس مما كان متوقعاً فقد عاد كثير منهم أشدّ التزاماً بالدين، بفعل نشاط الجماعات والمراكز الدينية في الولايات المتحدة..وكذلك الحال بالنسبة للإتصالات الحديثة فقد كان الطلاّب يعيشون في مجتمعات غربية تصخب بكل أشكال التسلية والتغريب، ولم تترك تأثيرات من نوع الذي تشهده البلاد الآن..

وفي مقالة صحافية للكاتب حبيب طرابلسي بعنوان (خلايا إلحادية تنشط في بلاد الحرمين)، اعتبر أن التشدد الديني هو السبب الرئيسي وراء الظاهرة وانتشارها. وتحت عنوان (بلاد التوحيد تنتج ملحدين)، يلفت طرابلسي الى ما تحدّثت عنه الصحف المحلية من وجود (خلايا إلحادية) تنشط في وضح النهار..ولكن طرابلسي يرسم خطاً فاصلاً بين الإلحاد والدعوات الليبرالية، لأن كما يبدو من بيانات وفتاوى مشايخ السلفية أن لا حدود فاصلة بين الخطين، فقد تطال ليبرالي وصمة الالحاد وهو ليس كذلك، ولكن ثمة من يصر في التيار الديني السلفي على الربط بين الالحاد والليبرالية بعد أن صبح من لوازم الصراع وتصفية الحسابات..

غالباً ما يشار الى جدة ومقاهيها باعتبارها حاضنة للخلايا الإلحادية، والحال أننا قد أوردنا في مناسبات سابقة أن ظاهرة الالحاد تنتشر في منطقة نجد أكثر من أي منطقة أخرى، بل أخذت الظاهرة فيها شكلاً راديكالياً متطرفاً. نعم، برزت ظاهرة بعنوان (الحملة الإلحادية) نسبت الى عبد الله حميد الدين، وهو يمني يحمل الجنسيتين السعودية والأميركية، إلا أن من الصعب إضفاء أهمية استثنائية على الحملة، خصوصاً في بلد يمنع فيه التعبير عن الأفكار والمواقف بصورة جماعية، فكيف بحركة إلحادية تنزع للعمل في الهواء الطلق..ومن الواضح، أن كثيراً من المعلومات التي تروج عن الحملة هذه مستمدة من مشايخ سلفيين يبالغون في تضخيم الحملة وتأثيراتها، كالقول بأن مقاهي جدة تحتوي على كتب 70 بالمئة منها ممنوعة في عرف وزارة الإعلام..ويكفي جنوحاً أن يتّهم الداعية الصحوي الشيخ سلمان العودة بأنه يعمل على (إشاعة روح الإلحاد في المجتمع السعودي..بدعم من قطر)!

والسؤال ماهو مستقبل ظاهرة الالحاد؟

تغيّرت أشياء كثيرة من حولنا، وجاء العالم بأسره الى مجتمعنا، وانكشف كل شيء على العالم ولا تزال الرؤى السلفية للعالم والكون والآخر بالمعنى الديني والاجتماعي هي ذاتها..وفيما تزداد مساحة الاسئلة القلقة، يعجز المطمئنون الوهميون عن إنتاج اجابات مريحة مقنعة وقاطعة..أولئك الذين ربطوا الإيمان بالتسليم الساذج لم يعوا حتى الآن أن ثمة ثورة شكوك إندلعت وسط جيل من الشباب وهي بحاجة الى مقاربات أشدّ عمقاً ومباشرة، كيما تلتحم بالمسائل الحرجة وتنجب إجابات بمستوى تطلعات الشباب أنفسهم..بل إن المقارنات التي يجريها الشباب المنفتح على الثقافة الحديثة هي المسؤولة بدرجة أساسية عن انزياح المعتقدات الراسخة، والسبب ببساطة لأن صانعي الخطاب الديني مازالوا مشغولين بقضايا خارج حركة التاريخ، فيما حركة الافكار الحديثة تسير بوتيرة سريعة للغاية، ولا سبيل حينئذ سوى إحداث ثورة شاملة في واقعنا الراهن فكرياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً كيما يتأهل تدريجاً للمواكبة مع حاجات العصر وتحدياته..إن ثورة من هذا القبيل وحدها القادرة على استعادة التوازن، وإن موجات العودة الى الدين التي جرت في تاريخ البشرية تأتي غالباً بعد ثورة مراجعات ومحن كبرى تستوجب تحريراً للعقل من العقل، واستعادة موقع الروح الايمانية المصادر..مستقبل ظاهرة الالحاد بحسب المعطيات الراهنة قابلة للانتشار طالما بقيت مصادر تغذيتها الفكرية والاجتماعية والنفسية والسياسية والاقتصادية، ولا سبيل الى وقف تمدّدها الا بمصادر بديلة وبمفعولات أقوى أثراً.

الصفحة السابقة