(تحريم المظاهرات)

علماء الاستبداد ووعّاظ السلاطين

يحي مفتي

تمسّك النظام السعودي بالمشايخ لتبرير سياساته واقترافاته المشينة، وكان لديه الاستعداد للتخلي عنهم حين يتطلب الأمر ذلك، بل وتجاوزهم وضربهم، وقد فعل الملك فهد ذلك سنة 1992 حين عزل من عزل من أعضاء هيئة كبار العلماء الذين رفضوا التوقيع على بيان لادانة شيوخ الصحوة وضربهم واعتبر ذلك تمرّداً على سلطته. وعلى أية حال، لابد من التفريق بين الموضوعات الخلافية بين المجتمع والسلطة وبين المشايخ والأمراء، فحين تكون القضية مرتبطة بمصالح الناس، فإن المشايخ لا يتردّدون في اعتناق مواقف لصالح السلطة ودعمها، بل وتوفير كل الادلة النقلية والعقلية التي تجيز للنظام قمع الشعب.

بعد اندلاع الربيع العربي في تونس في 5 كانون الأول سنة 2010، رفع مشايخ المؤسسة الدينية الرسمية في بلادنا عقيرتهم لبيان ما يعتقدونه حكم الشرع فيما جرى الى درجة أنهم أطلقوا نعوتاً لا يجوز إطلاقها على هذه الثورات التي يشارك فيه كل فئات الشعب وتياراته السياسية والفكرية طلباً لوقف الفساد واحلال نظام رشيد مكان النظام القائم..

ولكن، وفي رد فعل استباقي على ما يمكن وقوعه في الديار، يلجأ مشايخ الوهابية الى الإدلاء بآراء فقهية عفى عليها الزمن ولم تعد صالحة كونها جزءاً من تراث الاستبداد الشرقي، ومع ذلك يعيدون طرحها إما لأن ثمة من طلب منهم في العائلة المالكة فعل ذلك، أو لخوفهم على زوال سلطة تقلّبوا فيها ردحاً من الزمن..

موقف مشايخ الوهابية من المظاهرات ثابتة، وإن تناقضت بحسب المكان والقضية، فهي جائزة بل تندرج في باب الجهاد كما في سورية وليبيا في وقت ما، ولكنها فساد وغوغاء وتشبّه بالكفّار في أمكنة أخرى..فالمسألة ليست فقهية إذاً وإنما قد تصبح سياسية في زمن ما.

المفتي: المظاهرات عمل غوغائي

المفتي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، على سبيل المثال اعتبر التظاهرات التي خرجت إبان ثورة 25 يناير في مصر بأنها عمل غوغائي، وبعد انتصارها ووصول محمد مرسي الى الحكم، خرجت مظاهرات في الأول من كانون الأول (ديسمبر) احتجاجاً على الاعلان الدستوري خرج المفتي في خطبة الجمعة في 30 نوفمبر الماضي برأي معاكس حيث عارض التظاهر ضد مرسي، واستغرب (انتهاج الغوغاء) من قبل من وصفهم (ذوو العقول الرديئة) الذين (يُسيَرَون يومياً، من أجل أن تقذف فرقة أخرى، وهو الأمر الذي قد يتسبب في ضياع مسار الأمة وخيراتها، ويتدهور اقتصادها وشأنها الداخلي).

فالمفتي يحرّم المظاهرات ويصفها بأنها مبدأ غير اسلامي.

أما الشيخ ناصر العمر فلديه موقف انتقائي، فالمظاهرات في كل مكان حلال ولكن في المملكة تصبح حراماً، وقال في مقابلة مع قناة (المجد) السعودية في 5 مارس 2011 بـ (عدم صلاحية تطبيق المظاهرات في كل البلدان، وذلك لاختلاف كل بلد عن غيره)، والاسباب كما حدّدها: (لما تجرّه من مفاسد أحيانًا.. أو استغلال تلك الاضطرابات من قبل أعداء الله كالعلمانيين أو الرافضة مثل ما حدث في البحرين..). وعاد العمر وأكّد على أن الاحتجاجات يجب أن تكون بموافقة المشايخ!

وبخصوص المظاهرات في المملكة قال العمر (أن المظاهرات في المملكة العربية السعودية محرمة لما تجره من مفاسد، حيث سيستثمرها العلمانيون والرافضة..)، لافتًا إلى (أن هذه البلاد قد اجتمعت على كلمة التوحيد)! فإذا اجتمعت كيف سيستثمرها العلمانيون والرافضة وهم بلا شك نسبة تخرق كلمة (اجتماع) البلاد! بل اكثر من ذلك اعتبر العمر بأن الأمن يتحقق من خلال تطبيق الشريعة، وأن الحكّام والمحكومين ملزمون بالتحاكم الى الشريعة، وقال (لن يتحقق الأمن والرغد والانتصار على اليهود والرافضة إلا بالإسلام..).

العمر الذي خشي من استغلال العلمانيين والشيعة للمظاهرات، لم يتردد في دعمها في الكويت حين قادها السلفيون رغم معارضة المشايخ في الكويت للمظاهرات، ولكنه وقف مع المظاهرات وانتقد الحكومة الكويتية لـ (قمعها لشعبها)، حسب تغريدة له في توتير.

أما الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك، وهو من صقور السلفية في المملكة وتبنى مواقف راديكالية في موضوعات الاختلاط وقضايا اخرى محلية خلافية، فقد سئل عن المظاهرات التي كانت مقررة في 11 آذار (مارس) 2011، فقال (المظاهرات لا أصل لها عند المسلمين، وليست طريقاً من طرق العلاج والاصلاح، وإنما دخلت على المسلمين في مجتمعاعتهم من جملة التبعية للكفار..). وقال (لا يجوز الإشتراك في هذه المظاهرات هنا، بل يجب اعتزالها..والمظاهرات باب شر على هذا البلد، وهو مطلب للأعداء..). ما يلفت الانتباه حقاً، أن البراك الذي يحرّم المظاهرات، وقف موقفاً راديكالياً في الانتخابات الرئاسية المصرية، وأفتى بحرمة التصويت لأحمد شفيق، رغم أن كل المرشّحين شاركوا في المظاهرات ولولاها لما جرت انتخابات رئاسية ولما تغيّر النظام..

الشيخ صالح السدلان، إمام الحرم المكي، كان له موقف حاسم ومتطرّف من المظاهرات، حيث ألقى خطبة الجمعة في اليوم المقرر لخروج مظاهرات في 11 مارس 2011، وقال ما نصّه (فمن عصى الله بأي إسلوب كان بتحريض على المظاهرات أو تأييد أو رضا أو سكوت عند سماع من يتكلم بها أو فعل لها أو مشاركة بأي نوع من أنواع المشاركة بكلمة أو كتابة أو رأي أو سكوت عن هذه الاشياء فهو عاصي، عاص لله جل وعلا ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولإمام المسلمين، ذلك أن الله أوجب علينا طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر فمن خالف هذا فهو عاصي، ومن تسبب في فساد في الارض أو فتنة بأي نوع من أنواع التسبب بكلمة أو بقول أو بفعل أو بأي تصرف أو تأييد أو رضا أو غير ذلك من الأمور فهو عاص لله جل وعلا ويستحق العقوبة بما يراه ولي الأمر من سجن وقتل وإبادة وغير ذلك من الأمور الذي يريد ان تنتشر المنكرات وأن تضيع الحقوق وأن تنتهك الاعراض وأن تنهب الاموال وأن ينفلت الأمر وهذا كله من أكبر المعاصي).

وقد تسببت عبارة القتل والابادة ردود فعل غاضبة من جمهور كبير من الناشطين والحقوقيين الذين تفاجأوا من استعمال منبر الحرم المكي الذي يفترض ان يكون منبراً لتعميم ثقافة التسامح والحقوق المشروعة، وإذا به يستعمل للتهويل والدفاع عن النظام السعودي، فيما غفل السدلان عن حتى مجرد الاشارة الى حاجة النظام الى الإصلاح ورعاية حقوق العباد التي فرضها الله سبحانه وتعالى على من يلي شيئاً من أمور المسلمين..

العمر: المظاهرات حلال إلا في السعودية!

الشيخ صالح الفوزان، المعروف بمواقفه المتطرّفة والداعمة للحكم السعودي، يقول بأن المظاهرات (ليست من النصيحة لولي الأمر)، وقال بحرمة التظاهر بحجة أن (كل إنسان يعبر عن نفسه ويقول ما يريد من الخلط والهمط ومن الكلام الباطل ويفرغ ما في ذهنه..). وقال الفوزان بأن الاسلام نهانا (عن شق العصا وعن تفرق الكلمة وعن الحريات الباطلة..) ومنها حرية (أن يطلق الإنسان لسانه فيقول ما يريد من الهذيان ويحرض الناس بعضهم على بعض..). ووصف هذا النوع من الحرية بـ (البهيمية). وقال (ليس من النصيحة لولي الأمر الخروج عليه بالمظاهرات والفوضى والاعتصامات هذه البهيمية هذه فكرة شيطانية..). بل عارض الفوزان كل أشكال التعبير وقال (ليس معنى ذلك أننا نتكلم بالمجالس أو نتكلم على المنابر بسب ولي الأمر وإشاعة الأخطاء أو في الأشرطة أو في الإنترنت..). واكتفى بنصيحة السر (شفهيًا أو كتابيًا ولا تذاع ولا تظهر أمام الناس) أو (الدعاء له بالصلاح والاستقامة والتوفيق بالقيام بما ولاه الله).

وفي خطبتي الجمعة في 11 آذار (مارس) 2011 وصف الفوزان المظاهرات بـ (الفتنة) وشدّد على ضرورة الإبقاء على الدولة ومنهجها ورفض تبديله وقال (لا يجوز تغيير هذا المسار واستبداله بأنظمة كفرية وأنظمة شركية وأنظمة إباحية وأنظمة ملحدة..). وقال عن المظاهرات بأنها (حرام ليست من دين الإسلام وإنما هي من دين الكفار ليست من دين الإسلام في شيء لما يترتب عليها من الشرور فيها فوضى وغوغائية لا حد لها، يدخل فيها من الأعداء والمنافقين من ينتهزها ويشبها وينفخ فيها لأجل أن يشتت جمع المسلمين لأجل أن يضر بلاد الإسلام والمسلمين، المظاهرات فيها سفك دماء، فيها تخريب، فيها فوضى، فيها سلب ونهب، يتسلط فيها قطاع الطرق، يتسلط فيها السراق والعصابات المجرمة لسلب أموال الناس والهجوم على بيوتهم وعلى متاجرهم وعلى طرقهم البرية..)، وأضاف (المظاهرات تحدث الفرقة بين المسلمين، تحدث البغضاء بين المسلمين ، تشتت شمل المسلمين..). وختم فتواه قائلاً (إذا جازت المظاهرات أو أجازها نظام الكفار، فإن الإسلام لا يجيزها أبداً، ونحن مسلمون ولله الحمد، فإذا أجازوها في نظامهم فديننا يحرمها..).

وقال الفوزان في فتوى له في 15 آذار (مارس) 2011 بأن الاسلام حرّم المظاهرات واعتبر ذلك مبرراً لاقامة الحد الصارم علىى قطاع الطرق. وأن الاسلام نهى عن ترويج الشائعات التي تكدر وتخيف المسلمين، وقال عقب ذلك (ومن أشدّ ذلك: القيام بالمظاهرات، والاعتصامات، واعلان العصيان لولاة الأمور، فقد حرم الاسلام ذلك، وتوعّد عليه بأشد الوعيد).

الشيخ سعد البريك قال في مقابلة على قناة (المجد) قبل أيام من ثورة حنين المقررة في 11 آذار (مارس) 2011 بأننا نقول (إننا نرضى بسحق جمجمة كل من يعبث بالأمن)، وبعد موجة انتقادات واسعة لعبارة (سحق الجماجم) حاول البريك التخفيف من وطأتها والتمويه على القارىء في مقابلة اخرى على قناة (ام بي سي) في 14 أغسطس 2011، وقال بأن المقصود هو الاخلال بالأمن والعبث بالأمن وليست التظاهرة بحد ذاتها..

وسئل الشيخ ناصر الدين الألباني عن حكم المظاهرات فقال في فتاوى جدة (الشريط 12) الدقيقة (3 ـ22:30) بأن (المظاهرات تَشَبُّهٌ بِالكُفّارِ في أساليب استنكارهم لبعض القوانين التي تُفرَض عليهم مِن حُكَّامهم أو إظهارًا منهم لِرضا بعض تلك الأحكام أو القرارات)، وأنها (خروج عن سبيل المسلمين)، و(ليست وسيلة شرعية لإصلاح الحكم، وبالتالي إصلاح المجتمع).

أما الشيخ صالح اللحيدان فوصف المظاهرات التي خرجت انتصاراً لسكّان قطاع غزة إبان العدوان الاسرائيلي عليه في ديسمبر 2008 ـ يناير 2009، بـ (الفساد في الأرض)، مبرراً ذلك بأنها (تصد عن ذكر الله، حتى وإن لم يحصل فيها تخريب). وقال عن التظاهرات بأنها (استنكار غوغائي.)

وقد سئل اللحيدان عن حقيقة فتوى أصدرها لسائل من الكويت تجيز التجمهر في ساحة الارادة والتظاهر، فقام موقع (السكينة) بالاتصال به في 12 نوفمبر لاستيضاح حقيقة موقفه الفقهي من المظاهرات في الكويت، فنفى علمه بوجود سائل عن ساحة الإرادة ثم أجاب (هذه التجمعات التي تكون فيها ـ أي في ساحة الارادة ـ في ظل انتقاد ولي الامر أو أحد نوابه أنا أعتبرها من الضلال المبين، وهي تجمعات مشبوهة لا يصح الاذن بحصولها). بل زاد على ذلك انتقاده للحكومة الكويتية (لتخصيص مكان لما يسمى بهذه الحريات.. فهذه حريات خطيرة على المجتمع..). وأعاد استعمال كلمة (غوغاء) على جمهور المتظاهرين. وأضاف اللحيدان بأن (هذه المظاهرات بدعية..ولا يحل لولي الامر أن يأذن بها..). فهؤلاء مشايخ الوهابية! فليأت المسلمون بمثلهم حتى يكون للإستبداد دولة ووعاظ!

الصفحة السابقة