سجناء الرأي بالآلاف ولا أفق!

سامي فطاني

تقارير المنظمات الحقوقية الدولية وخصوصاً منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش تتعاقب هذه الأيام بوتيرة متسارعة للتشدّيد على ضرورة وقف مسلسل الانتهاكات التي تجري في السعودية ضد حقوق الانسان، وخصوصاً في مجال حرية التعبير..فلا يكاد يمر شهر الا وهناك بيان أو إجراء عاجل لدى هذه المنظمة أو تلك بخصوص حالات انتهاك وقعت في مملكة الصمت.

فمنظمة هيومان رايتس ووتش حسمت نتائج تحليل الحالات التي تم الابلاغ عنها بأن ثمة معتقلين سياسيين في السجون السعودية لا يتمتعون بتمثيل قانوني عادل ولا يخضعون لمحاملة، فيما تواصل منظمة العفو الدولية مناشداتها للحكومة السعودية بضرورة التوصل الى حل لقضية معتقلي الرأي. على المستوى المحلي، هناك مطالبات من منظمات حقوقية أهلية للحكومة بالاستجابة لمطالبات عوائل المعتقلين بالإفراج عن الأبناء والأزواج بعد شهور من الاعتقال دون محاكمة عادلة أو تمثيل قانوني. الحكومة السعودية التي أدمنت إنكار وجود معتقلين سياسيين في سجونها، رغم أن كل ما يجري في سجونها ومحاكمها حالياً لا يخرج عن إطار كون هناك معتقلون سياسيون يجري محاكمتهم بتهمة (الخروج على ولي الأمر)، أو (المساس بالأمن)، يضاف الى ذلك اللقاءات التي تجري مع أمراء المناطق بخصوص أوضاع المعتقلين، الى حد بلغ تمادي السلطة باعتقال كل من يطالب بالإفراج عن معتقل حتى لو كان زوجاً أو أباً.

ليس هناك ملف يجري تناوله بصورة علنية ويشكّل مورد تجاذب واشتباك بين المجتمع والسلطة كما هو ملف المعتقلين، الذي تصرّ السلطات السعودية على إبقائه سرياً، رغم أنه مطروح على نطاق واسع، وإن الاعتصامات والمظاهرات التي تخرج في مناطق عدة من البلاد محثوثة بقضية المعتقلين السياسيين. النظام يحاول ترويج كذبة خادعة وهي أن المعتقلين هم من تنظيم القاعدة وإرهابيين، فيما بات معلوماً بأن الآلاف من المعتقلين هم سجناء رأي ولا دخل لهم بالإرهاب أو القاعدة. وقد تحدى ناشطون حقوقيون يجري محاكمتهم الآن في محاكم السلطة السعودية بأن تفتح الأخيرة أبواب سجونها كيما يتعرّف العالم على أعداد وأوضاع السجناء السياسيين هناك. إن افتقار النظام لقاعدة بيانات حول المعتقلين ونوع التهّم الموجّهة اليهم والاحكام الصادرة بحقهم أوصل كثيراً من العوائل الى اليأس من استجابة النظام السعودية بملء إرادته وطواعية بالإفرج عن أبنائهم وذويهم، بل هناك من يرتاب في بقاء بعض المعتقلين على قيد الحياة كما ظهر في الآونة الأخيرة، حيث تحدث بعض أقارب المعتقلين عن احتمال أن يكون بعضهم قد فارق الحياة داخل سجون عليشه أو الحائر بالرياض.

لقد أفرطت الحكومة السعودية في استعمال قانون الإرهاب لجهة تصفية حساباتها السياسية مع كل من يناضل من أجل الإصلاح، وباتت وصمة الارهاب تلاحق حتى الذين يطالبون بتحسين الأوضاع المعيشية، في ظل صمت غربي وأميركي مشين. فقد اقترف النظام السعودي من الانتهاكات ضد حقوق الانسان تحت طائلة قانون الارهاب أكثر مما اقترفه قبل ذلك، فكان يتخذ من القانون مسوّغاً لضرب الاصلاحيين واعتقال الناشطين الحقوقيين، وقمع أصحاب الرأي الآخر. فلم يعد يفرّق النظام بين من يحمل السلاح ويفجّر نفسه في أماكن عامة وبين من يخرج في تظاهرة سلمية أو اعتصام ويطالب بحقوق مشروعة وبطريقة حضارية وهادئة.

تقديرات أعداد المعتقلين السياسيين تتراوح بين 4450 ـ 30000 شخص بحسب ناشطين حقوقيين رسميين وأهليين، وهي بكل المقاييس أعداد مخيفة، وتعكس مأزق الدولة الذي تعيشه دونما أفق واضح للحل والتسوية. والأنكى أن من يدخل السجون السعودية يصبح قضية منسية، فلا تمثيل قانوني، ولا قوانين تحدد حقوق السجناء، ولا نظام يوضح تواصلهم مع ذويهم وعوائلهم، ولا نوع التهم والاحكام..فهناك قلة قليلة حظيت بمحاكمة وحصلت على محامين وحق الدفاع وقضت مدة العقوبة وخرجت من السجن، وهناك من ينتظر عفواً ملكياً لا يعلم متى صدوره، أما أغلبية سجناء الرأي وهم بالآلاف فمازلوا خلف القضبان.

الصفحة السابقة