مقاتلون وضحايا من السعودية

تقرير ستارتفور

السعودية تسهّل موت شبابها في سوريا

سكوت ستيوارت

نشر موقع ستراتفور وهو متخصص في قضايا الاستخبارات العالمية، في 31 كانون الثاني (يناير) الماضي تقريراً لنائب رئيس قسم التحليل في الموقع سكوت ستيوارت، ومما جاء فيه:

لأكثر من عام منذ الآن، فإن بلدان مثل الولايات المتحدة وتركيا والسعودية وقطر ودول أوروبية تقدّم المساعدات للمتمرّدين السوريين. أكثر هذه المساعدات كانت على شكل مساعدة إنسانية، وتقديم أشياء مثل الإيواء، والغذاء، والرعاية الصحية للاجئين. مساعدات أخرى ساهمت في تزويد المتمردين بإمدادات عسكرية غير قاتلة مثل أجهزة اتصال، ودروع واقية. ولكن من خلال استعراض الاسلحة المكتشفة في ساحة المعركة يكشف بأن المتمرّدين تلقوا عدداً متزايداً من الاسلحة القاتلة.

على سبيل المثال، كان هناك أشرطة مصوّرة عديدة تكشف استخدام المتمرّدين السوريين لأسلحة مثل قاذفة صواريخ أوسا ام 79، وآر بي جي ـ 22، ومسدس إم 60، وقاذفة آر بي جي ـ 6 المتعددة. الحكومة السورية أيضاً عرضت أشرطة مصوّرة لأسلحة بعد مصادرتها من مخابىء أسحة. ما هو مثير للإنتباه حول هذه الأسلحة هي أنها ليست موجودة في مخازن المؤسسة العسكرية السورية قبل الأزمة، وأنه قد يكون تمّ شراؤها من كرواتيا. وقد شاهدنا تقارير وصور عديدة لمتمرّدين سوريين يحملون رشاشات ستير أوغ النمساوية، وقد اشتكت الحكومة السويسرية من أن قنابل يدوية مصنوعة في سويسرا بيعت الى الامارات العربية المتحدة تجد طريقها الى المقاتلين السوريين.

هذا يعني أن المستوى الحالي من التدخل الخارجي في سوريا يشبه الى حد كبير المستوى الذي كان بلغه التدخل ضد الاتحاد السوفيياتي والنظام الشيوعي الذي كان يتبع له في أفغانستان. الداعمون الأجانب يقدّمون ليس فقط التدريب، والمعلومات الاستخبارية، والمساعدة، ولكن أيضاً الأسلحة ـ الأسلحة الخارجية التي تجعل التزويد الخارجي للأسلحة واضحاً للعالم. ومن المثير للإهتمام في سوريا، كما في أفغانستان، أن إثنين من الداعمين الخارجيين الرئيسيين هما واشنطن والرياض ـ بالرغم من أنه في سوريا يبدوان متظافرين مع قوى اقليمية مثل تركيا، والاردن،وقطر، والامارات العربية المتحدة، بدلاً من باكستان.

في أفغانستان، سمح السعوديون والأميركيون لشركائهم في وكالة الخدمات الاستخبارية الداخلية بتحديد أي من المجموعات المسلّحة المعادية في أفغانستان تتلقى النسبة الأعلى من التمويل والأسلحة التي يقدّمونها. ونجم عن ذلك أمران: الأول، أن الباكستانيين موّلوا وسلّحوا مجموعات اعتقدوا بأنه يمكن استخدامهم كبدائل في أفغانستان بعد الانسحاب السوفيياتي. الثاني: نزعوا بصورة براغماتية الى منع المال والسلاح عن مجموعات كانت الأنجح على أرض المعركة ـ مجموعات مثل غلب الدين حكمتيار، وجلال الدين حقاني، التي كان تأثيرها على الأرض مشدوداً بصورة مباشرة بلاهوت الحماس الذي جعل من إعلان الجهاد ضد الكفار واجباً دينياً وأن الموت خلال ذلك الصراع هو الانجاز المطلق والنهائي.

سيرورة مماثلة بدأت قبل سنتين تقريباً في سوريا. مجموعات المعارضة التي كانت فاعلة على الارض صادف أن تكون المجموعات الجهادية مثل جبهة النصرة. وليس مدعاة للدهشة، أن أحد أسباب فعاليتها كان المهارات والتكتيكات التي تعلّمت في مقاتلة قوات التحالف في العراق عليها. ولكن مع هذا، فإن السعوديين ـ الى جانب القطريين والاماراتيين ـ كانوا يسلّحون ويموّلون المجموعات الجهادية في الجزء الأكبر بسبب نجاحها في أرض المعركة. وكما لحظ زميلي كرمان بوخاري في فبراير 2012، فإن الوضع في سوريا كان يوفّر فرصة للجهاديين، حتى بدون الدعم الخارجي. في ظل المشهد المتصدّع للمعارضة السورية، فإن وحدة الغرض وتأثير أرض المعركة للجهاديين كان في حد ذاته كافياً لضمان أن هذه المجموعات تجذب عدداً كبيراً من المحازبين الجدد.

ولكن ليس هذا العامل الوحيد المسؤول عن جنوح المتمرّدين السوريين نحو التطرف والتشدّد. أولاً، الحرب ـ وعلى وجه الخصوص الحرب الشرسة والمستنزفة ـ التي تجعل المتطرّفين من بين المقاتلين الانخراط فيها. تذكّروا ستالينغراد، صراعات الحرب الباردة في أميركا اللاتينية أو التطهير العربي في البلقان عقب تفكك يوغسلافيا، فهذه الدرجة من الصراع والمعاناة جعلت حتى من الناس غير المؤدلجين مؤدلجين. في سوريا، شهدنا كثيراً من المسلمين العلمانيين قد أصبحوا جهاديين صارمين. ثانياً، فإن غياب الأمل في التدخل من قبل الغرب أزال أي حافز للبقاء على السردية العلمانية.

كثير من المقاتلين الذي علّقوا آمالهم علىى الناتو قد أصيبوا بخيبة أمل كبيرة وغضبوا بأن معاناتهم قد تمّ تجاهلها. إنه ليس من غير العادي بالنسبة للمقاتلين السوريين القول من قبيل (ماذا فعل الغرب لنا؟ ليس لنا الآن سوى الله).

وحين تتظافر العوامل الايديولوجية هذه مع انهمار المال والسلاح عبر مجموعات جهادية في سورية على مدى العام الماضي، فإن نمو الجماعات الجهادية السورية تسارع بصورة دراماتيكية. ليس هذه المجموعات عاملاً في أرض المعركة اليوم فحسب، ولكن سوف ستكون هذه قوة يحسب لها حساب في المستقبل.

المناور السعودي

بالرغم من رد الفعل الجهادي السلبي، فإن السعوديين شهدوا بعد نهاية الحرب ضد السوفييت في أفغانستان ـ والدرس الحالي للجهاديين الذي أرسلته سوريا لمحاربة قوات الولايات المتحدة في العراق الآن المجموعات القيادية مثل جبهة النصرة ـ فإن الحكومة السعودية كما يظهر أنها حسبت بأن استخدامها للوكلاء الجهاديين في سوريا يستحق المخاطرة.

هناك بعض المنافع المباشرة للرياض. أولاً، يأمل السعوديون بأن يكونوا قادرين على كسر نفوذ الهلال الشيعي الذي يصل من ايران عبر العراق وسوريا الى لبنان. ان خسارة الوزن السني المقابل للقوة السنية في المنطقة مع سقوط صدام حسين في العراق وإقامة حكومة شيعية صديقة لإيران، فإن السعوديين يرون احتمالية إقامة نظام سني صديق لها في سوريا كتحسين دراماتيكي لأمنهم القومي.

إن دعم الجهاد في سوريا كسلاح ضد النفوذ الايراني يعطي أيضاً السعوديين الفرصة لتلميع صورتهم الاسلامية داخلياً في مسعى لمساعدتهم في درء الانتقاد بأنهم علمانيون ومتغرّبون. يهب النظام السعودي ذلك فرصة لأن يقدم صورة على أنه يقوم بمساعدة المسلمين الذين يتعرضون لمهاجمة النظام السوري الوحشي.

إن دعم الجهاديين في سوريا يعطي السعوديين أيضاً الفرصة لأن ينقلوا متطرفين الى سوريا، حيث يمكنهم القتال وربما الموت. ومع وجود عدد كبير من العاطلين، أو الانخفاض في العمالة، وشباب متطرّفين، فإن الجهاد في سوريا يكون بمثابة حنفية الضغط المماثلة للصراعات السابقة في العراق، والشيشان، والبوسنة، وأفغانستان. السعوديون ليسوا وحدهم من يسعون الى غربلة شبابهم المضطرب، فقد تلقينا تقارير من مصدر موثوق بأن السعوديين يقومون بتسهيل سفر رجال يمنيين الى معسكرات التدريب في تركيا، حيث يتدربون ويجهّزون قبل أن يتم إرسالهم الى سوريا للقتال. التقارير تشير أيضاً الى أن الشباب يسافرون بصورة مجانية ويتلقون مكافآت لقاء خدماتهم. هؤلاء الشباب المتطرّفون من السعودية واليمن سوف يقوّون المجموعات الجهادية في سوريا عن طريق تزويدهم بقوات جديدة.

السعوديون يكسبون بصورة مؤقتة منافع محلية من خلال مساندة الجهاد في سوريا، ولكن الصراع لن يدوم للأبد، ولن ينجم عن موت كل الشباب الذين مضوا للقتال في سوريا. وهذا يعني أنه في يوم ما، أن الرجال الناجين سوف يعودون الى الديار، وعبر العملية التي أحلنا اليها كـ (الدارونية التكتيكية)، فإن المقاتلين غير الكفوئين الذين تم انتقاؤهم، تاركين المقاتلين الكفوئين الذين سوف يقوم السعوديون بالتعامل معهم.

ولكن المشكلات التي يفرضها الوكلاء الجهاديون في سوريا سوف تكون لها آثار تتجاوز الأسرة المالكة. الجهاديون السوريون سوف يشكلون تهديداً للإستقرار في سوريا في الغالب بنفس الطريقة التي شكّلتها مجموعات أفغانستان في الحرب الأهلية التي شنّوها للسيطرة على أفغانستان عقب سقوط نظام نجيب الله. في الواقع، إن العنف في أفغانستان أصبح أسوأ بعد سقوط نجيب الله في 1992، وأن المعاناة التي تكّبدتها المدنيون الأفغان على وجه الخصوص كانت فاضحة.

الآن، نحن نرى بأن المقاتلين الجهاديين في ليبيا يشكّلون تهديداً ليس للنظام الليبي فحسب ـ فهناك مشكلات خطيرة في شرق ليبيا ـ ولكن أيضاً للمصالح الأجنبية في البلد، كما شهدنا في الهجوم على السفير البريطاني والبعثة الدبلوماسية الأميركية في بنغازي. أكثر من ذلك، فإن الاحداث في مالي والجزائر في الشهور الأخيرة تكشف بأن المقاتلين الذين يتخذون من ليبيا مقرّاً لهم والأسلحة التي يمتلكونها أيضاً تفرض تهديداً إقليمياً. محاذير ومخاطر مماثلة وطويلة الأمد وواسعة النطاق متوقع أن تحدث من خلال التدخل في سوريا.

الصفحة السابقة