تنديد دولي بخنق الحكومة له

المجتمع المدني في السعودية الى أين؟

عبد الوهاب فقي

لا تريد الحكومة السعودية ظهور مجتمع مدني يقاسمها الأعباء، والى حدّ ما المسؤولية وصناعة القرار وإن في الشؤون الدنيا. ورغم الضغوط المحلية والخارجية، من أجل الإفساح لنشاط المنظمات الحقوقية صنعت الحكومة لها منظمتين تتبعانها، الأولى اسست في في ٢٠٠٥ بقرار من مجلس الوزراء وهي تابعة للحكومة تتلخص مهمتها في ضمان امتثال الحكومة للإتفاقات الدولية، والثانية هي الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان انشئت بمرسوم ملكي لرصد الانتهاكات عام ٢٠٠٤، وقالت هيومن رايتس ووتش أن المنظمتين لا تخضعان الى لائحة المؤسسات الخيرية وانهما تتلقيان دعماً مالياً من صندوق خاص بإسم الملك الراحل فهد.

هذا وقد رفضت كل طلبات تسجيل أي من الجمعيات الحقوقية التي بادرت لتأسيس نفسها، بل وعمدت الى اعتقال العديد منهم. كما ان الحكومة طلبت من أحد رجال استخباراتها تأسيس منظمة حقوقية كي تصطاد المواطنين وتعتقلهم.

وكما في الشأن الحقوقي هناك الشأن السياسي حيث حظر النقابات والأحزاب والتجمعات، وفي هذا المجال أنتج لنا جهاز المباحث السعودي معارضين يعملون لديه؛ كما أسس ما يشبه النقابة (أي جمعية) للصحفيين تحت مظلّة وزارة الداخلية وسلّم إدارتها لكتابه، وهكذا.

بالأمس القريب جرى تجريم قيادة جمعية حسم، اي جمعية الحقوق المدنية والسياسية، بحجة أنهم أسسوا جمعية غير مرخصة، فكان ذلك أهم التهم، وأمرت وزارة الداخلية بمصادرة ممتلكات الجمعية والتشنيع بها وبعملها واتهامها بالإرهاب والعمالة للخارج. أيضاً رفضت السلطات السعودية السماح لمركز العدالة لحقوق الإنسان بالعمل رسمياً، رغم اتباعه كل الخطوات القانونية لتسجيله، وبعد جولات قضائية استمرت 13 شهراً تمّ المنع. وقد تلقى مسؤولو المركز في 28 أغسطس الماضي قرارا من إحدى محاكم الاستئناف يؤكد رفض وزارة الشؤون الاجتماعية تسجيل المركز. وحسب تقرير هيومن رايتس ووتش فإن أعضاء مركز العدالة يخشون أن يجعلهم الحكم القضائي الجديد عرضة إلى المحاكمة الجنائية بسبب المشاركة في منظمة غير مرخصة. ويواجه فاضل المناسف، أحد أعضاء مركز العدالة المؤسسين، محاكمة في إحدى المحاكم الجنائية المختصة بتهم تضمنت «الخروج على ولي الأمر».

الحكومة السعودية لا تستطيع ان تتعايش مع جمعيات ونشاطات لا تكون لها السيطرة عليها وعلى إدارتها في أي شأن كان حتى فيما يتعلق بالمعوقين والفرق الكروية. وقد سبق أن تقدم مجلس الشورى المعيّن بمشروع قانون لعمل الجمعيات او المنظمات غير الحكومية (NGO) كان في الأصل قد جاء لتقديم حلول عملية للنظام نفسه، وتعطيه السيطرة المطلقة على العمل الأهلي، لكن كان شعار وزارة الداخلية: (الباب الذي يأتيكَ منه الريح؛ سدّهُ واستريح)!

في هذا الإطار، أصدرت منظمة هيومان رايتس ووتش بياناً حول منع الحكومة السعودية المنظمات الحقوقية من العمل في غياب الإطار القانوني وملاحقة النشطاء. وقال جو ستورك المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط في المنظمة، بأن السلطات السعودية هيّأت وضعاً عجيباً تستغلّه في مضايقة نشطاء حقوق الإنسان ومحاكمتهم، وأضاف بانه يتعيّن عليها أن تتبنّى على الفور قانوناً للجمعيات يستجيب للمعايير الدولية، وأن تسمع لنشطاء حقوق الإنسان وغيرهم من النشطاء المستقلين بالعمل دون مضايقة.

بيان هيومن رايتس ووتش أكد بأن المسؤولين السعوديين يرفضون تسجيل المنظمات الحقوقية ما يجعل المنتمين اليها عرضة الى المحاكمة الجنائية بتهمة (الاشتراك في انشاء جمعية غير مرخصة)، وطالب السلطات السعودية بالكف عن تعطيل تسجيل المنظمات الحقوقية وغيرها والسماح لها بالعمل دون تدخل لا مبرر له من طرف الحكومة. واضاف البيان بأن مجلس الشورى السعودية قدم نسخة موافق عليها من أعضائه عام ٢٠٠٨ بشأن قانون خاص بالجمعيات غير الحكومية، لكن الحكومة لم تبت في الأمر حتى الآن، مع أن مشروع القانون ـ حسب البيان ـ يضع شروطاً تقييدية كثيرة جداً على عمل الجمعيات الأهلية.

ويؤكد جو ستورك بأنه في الوقت الذي تخوض فيه السعودية حملة للفوز بمقعد في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة السنة المقبلة، يتعين على الدول الأطراف أن تلاحظ أن محكمة سعودية قضت بأن بعض معايير حقوق الإنسان غير قابلة للتطبيق في المملكة. تُعتبر حرية تكوين الجمعيات مبدأً أساسيًا في حقوق الإنسان، إلا أنه مازال من المستحيل ممارسة هذا الحق في السعودية.

وتضمن بيان هيومن رايتس ووتش حالات أخرى كمحاولة تأسيس جمعية الاتحاد لحقوق الإنسان في ابريل الماضي وهو ما رفضته السلطات وتم التحقيق مع القائمين عليها وتهديدهم كما يقول المؤسسون. ومثل ذلك مرصد حقوق الإنسان الذي يرأسه الناشط الحقوقي وليد أبو الخير الذي حاول منذ ٢٠٠٩ تسجيله، لكنه فشل وأغلقت السلطات موقعه على الفيس بوك، ما دفعه الى تسجيله في كندا عام ٢٠١٢، فما كان من وزارة الداخلية إلا التحقيق معه وإحالته الى المحكمة الجنائية بتهم مثل تشويه سمعة المملكة، كما يقول بيان هيومن رايتس ووتش.

احمد العمران

من جهة أخرى، قدم الصحافي والناشط السعودي أحمد آل عمران قراءة للمجتمع المدني في السعودية وتشكله وتنوعه بعد أحداث ما سمي بالربيع العربي التي ألقت بظلالها على الحراك الداخلي وتزايد المطالبات بالإصلاح السياسي والتحول الى ملكية دستورية، حيث لم تلق تلك المطالبات عبر العرائض والمظاهرات سوى أذن صمّاء من السلطات الرسمية. وأشار الى ان انه لم يسمح بوجود مجتمع مدني حي، فحتى المؤسسات الأهلية التي كانت في الحجاز سرعان ما سيطرت عليها أو ألغتها الحكومة النجدية بعد احتلالها له ، وأصبحت السيطرة للحكومة على كامل الفضاء العام حيث لا أحزاب ولا نقابات مسموح بها، سوى بضع مؤسسات أهلية في مجالات غير ذات قيمة بقيت ولكن تحت تقييدات السلطة نفسها.

وأشار أحمد آل عمران الى أن الحكومة السعودية لا تؤمن بمجتمع مدني قوي ولذلك يستنتج بأن فرص التغيير السياسي تبقى محدودة. وحسب آل عمران فإن التقييدات الرسمية تجعل من المستحيل تقريباً ظهور مجتمع مدني بدون دعم أحد من أمراء العائلة المالكة، فمن يريد ان يؤسس جمعية أهليه فعليه ان يتعاون مع السلطات اولاً، ولن يسمح له رسمياً بالعمل إلا اذا كانت اهداف الجمعية لا تهدد الوضع القائم، وأن تدعم الوضع السياسي الحالي.

وإزاء هذا ـ يقول آل عمران ـ قام الناشطون بتبنّي عدّة مقاربات لتجاوز التقييدات الرسمية، بعضهم قرر ان يؤسس جمعية وأن يبدأ العمل مباشرة، فالأمر لا يحتاج موافقة حكومية طالما ان عملهم قانونياً يوافق ما صادقت عليه الحكومة السعودية من قوانين دولية وعربية؛ وهناك ساحة الإنترنت التي يمكنها ان تجمّع المهتمين في أي موضوع ذي أهمية على المستوى الشعبي دونما حاجة الى مكاتب وغيرها. أوضح مثال على هذه المقاربة ما قامت به جمعية حسم التي أُسست في ٢٠٠٩ من دعوات سياسية وحقوقية ودعم للتظاهرات ومطالبة بالمحاكمة للمسؤولين بل وحتى لوزير الداخلية السابق نايف بن عبدالعزيز. وقد انتجت المحاولة وعياً وشجاعة في الشارع، ولكنها أخذت بمؤسسيها الى الاعتقال والمحاكمة.

المقاربة الأخرى جاءت من الوسط الشيعي في المنطقة النفطية الشرقية، والتي اعتمدها مركز العدالة لحقوق الإنسان، حيث اعتمدت محاولة الحصول على ترخيص بالعمل اعتمادا على قانون الجمعيات الخيرية رقم ١٠٧، وهذه المحاولة فشلت مؤخراً وقد سبق ان اعتقل أحد مؤسسيها وهناك خشية على البقية.

اما المقاربة الثالثة فحسب أحمد آل عمران جاءت من الحجاز غرب المملكة، حيث اسس المحامي وليد ابو الخير مرصد حقوق الانسان في العربية السعودية ولكن التأسيس كان في كندا بعد ان رفضت السلطات الترخيص له في الداخل، ولكن الرجل يتعرض للمضايقات والمحاكمة بتهمة زعزعة الأمن وغيرها من التهم.

ويشير الكاتب آل عمران الى مقاربات أخرى قام بها الناشطون والناشطات حيث يتم تنظيم العمل والتنسيق بشأن قضية من القضايا عبر الإنترنت، ومثال ذلك الحملة التي قامت بها النسوة للحصول على حق قيادة السيارة أدت الى خروج نسوة الى الشارع بسياراتهن والتقدم بشكوى قضائية ضد الحكومة لمنعها إياهن أبسط حقوقهن. ومن المقاربات ما قامت به عوائل المعتقلين (خاصة في نجد: وتحديداً في القَصِيْمْ والرياض) حيث الاعتصامات والمظاهرات في الشوارع وامام السجون وهيئات الحكومة لحقوق الإنسان، وقد تواصلت رغم اعتقال عشرات النساء والأطفال، واضطرت الحكومة الى اطلاق سراح عشرات من المعتقلين حتى الآن، رغم وجود عشرات الألوف منهم.

ويختم آل عمران قراءته للمجتمع المدني السعودي المختنق بأنه لا يجب التقليل من هذه الحملات والمبادرات في بلد يخلو من التقاليد السياسية، ومع ان هذه المحاولات لن تؤدي الى اصلاحات، فإنها حسب الكاتب زادت من الوعي الشعبي وستدفع بالتغيير السياسي. ولاحظ أن سيطرة الدولة على الفضاء العام غرضه سياسي وهو منع المواطنين الناشطين من السنة والشيعة من العمل معا من أجل هدف مشترك، فغياب المجتمع المدني يؤدي حسب رأيه الى تأكيد الطائفية والقبلية والمناطقية عوضاً عن الإطارات المدنية الجديدة التي تتجاوزها.

الصفحة السابقة