ملكة الحجب.. مملكة القمع

محمد شمس

قالوا عنها مملكة (الحَجْبْ)، وفعلاً هي كذلك، فالسعودية من أكثر دول العالم حجباً للمواقع على شبكة الإنترنت، كما أنها في مقدمة الدول التي تجنّد الهاكرز في مباحثها لاختراق حسابات مخالفيها من المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي والسطو على البريد الإلكتروني.

جديد الحجب، أن السلطات عمدت الى حجب موقع باسم (الحامد فور نوبل) أعدّه ناشطون حقوقيون سعوديون لجمع التوقيعات والتأييد لترشيح داعية الإصلاح والحقوق المدنية والسياسية الدكتور عبدالله الحامد.. ترشيحه لحيازة جائزة نوبل للسلام.

في البداية لم تهتم السلطات الأمنية للأمر، ولكنها حين وجدت ان الدعم للترشيح قد تواصل من شخصيات سياسية وحقوقية واساتذة جامعات في أماكن مختلفة من العالم، عمدت الى حجبه.

وكان الناشطون قد افتتحوا حملة لذات الغرض على موقع تويتر لذات الغاية حازت على دعم الكثيرين.

وفي تواصل لحملات الحجب، عمدت السلطات الى حجب موقع مركز الخليج لحقوق الإنسان بجميع الوصلات المؤدية اليه. وقد دأب الموقع على الدفاع عن الناشطين الحقوقيين في كافة الدول الخليجية، لكن السعودية بالذات هي من عمد الى الحجب.

ديوان المظالم الأهلي، الذي يرأسه الناشط الدكتور حسن العمري، تم حجبه هو الآخر. والديوان مهتم بمتابعة المحاكمات والقضايا الحقوقية الأخرى، خاصة تلك المتعلقة بنشطاء حقوق الإنسان. وأصدر الديوان بياناً استنكر فيه قيام الجهات الأمنية بحجب موقع (ديواني دوت اورغ dewany.org). وقال البيان بأن الحجب لم يتم بسند شرعي او قانوني، كما ان عملية الحجب يجب ان تكون فقط في حالة صدور امر قضائي. واضاف: (إن قيام وزارة الداخلية او أي جهة امنية أخرى بمثل ها العمل إنما يعتبر تكميماً للأفواه ومحاولة لحجب الحقائق والمعلومات وتعدياً على كافة المواثيق والأعراف التي تحترمها دولة القانون، كما انها تخالف التزامات السعودية التي وقعتها بشأن حرية وصول المعلومات وتوفيرها لمتلقيها دون حجب او اعتراض). واختتم البيان بالقول ان (اجراء الحجب يعبّر عن ضيق رسمي بالأصوات الناصحة وأن اساليب المنع والحجب قد تعداها الزمن وتدل على إفلاس).

غصبتيوب: الحرب على اليوتيوب

بعد الحرب على تويتر، جاء الدور على اليوتيوب!

فقد أكد رئيس الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع رياض نجم بأن السلطات تعتزم فرض رقابة على ما أسماه (المحتوى المرئي) الذي يبث عبر المواقع الالكترونية وبينها اليوتيوب، ملمحاً الى الزام المواطنين بأخذ الموافقة قبل أن يبثوا أية مادة. وبرر نجم بأنه لا توجد دولة في العالم تسمح بعدم وجود رقابة. وقال بصراحة أن (الهدف من هذا الإجراء هو احتواء الطاقات الشبابية التي دخلت هذا المجال، دون أن تلمّ بالسقف المتاح للتحرك في فضائه).

هذا وقد بدأت الحملة الحكومية وهي تبشر بالرقابة الجديدة، منسقة من خطب جمعة الى مقالات في الصحافة الى تصريحات مسؤولين. لا حلّ لدى الأمراء سوى إغلاق الأفواه.

معلوم أن المواطنين يشاهدون تسعين مليون مقطع فيديو يومياً، وهي النسبة الأعلى مطلقاً على مستوى العالم. لكن ما يقلق النظام هو أكبر من ذلك. ففي السنوات القليلة الماضية، ظهرت مبادرات انتاج على مستوى عال من البرامج الهادفة والنقدية لأداء الحكومة، ونالت شعبيتها الى حدٍ مخيف في اعلام تحوّل في أكثره خارج اطار الرقابة الحكومية. ملايين المشاهدات لتلك الأفلام. لهذا كان لا بد من وضع حدّ لها، وملاحقة المنتجين وتهديدهم واضطرارهم لسحب انتاجهم من قناة اليوتيوب.

ورأت الأكاديمية مضاوي الرشيد بأن مشروع مراقبة اليوتيوب في السعودية يستهدف شخصيات معروفة وشباب مبدعين في تعرية الواقع والتندر عليه. واضافت: لم تعد السلطة وحدها من يدير الحوار ويحدد المحاورين بل نحن من يختار المحاورين ونحن من يقرر مضمون الحوار. عصر السلطة في طريقه الى الأفول.

الصحفي خلف الحربي ندد في مقالته (غصبتيوب) بالقرارات الحكومية، ففي كل يوم تظهر هيئة ويكون عملها المنع والمصادرة والوصاية حسب تعبيره؛ وأضاف: ستجد هيئة الإعلام المرئي والمسموع نفسها امام بحر متلاطم من المواد الاعلامية التي لا يمكن احتواؤها وستضيع جهود موظفيها وتهدر ميزانيتها في مهمة لا قِبَلَ لها بها.

تضييقات وملاحقات

حملة حكومية متواصلة لإخماد الأصوات في مواقع التواصل الإجتماعي خاصة في تويتر. الفايبر تمّ اغلاقه، وسكايب صار تحت الرقابة ـ كما تقول أوساط مطلعة؛ وتويتر يتعرض المغردون فيه الى الإعتقال. لا يوجد ناشط تم التحقيق معه او محاكمته إلا وكانت تغريداته في تويتر في أجندة الإتهام الرسمي. منعت السلطات التعليمية المدرسين الحديث في السياسة تحت طائلة الفصل؛ ومنعت وزارة العدل القضاة من التغريد على تويتر، ثم ما لبثت أن حذّرت المحامين من الكتابة في تويتر، في مخالفة رسمية لنظام المحاماة نفسه. لم يلتزم بعض القضاة والمحامون بذلك، وشنّوا حملة نقد على وزار العدل، وبين السطور على وزارة الداخلية صاحبة القرار.

مؤخراً تم تقديم عدد من القضاة والمحامين الى المحاكمة لمخالفتهم الأوامر الرسمية. لا تريد السلطات الأمنية السعودية أن يكون لنخبة المجتمع صوت على مواقع التواصل الاجتماعي، فصوت الواحد منهم يعادل في التأثير عشرات الأفراد العاديين.

٤١٪ من مستخدمي الانترنت في السعودية يغردون في تويتر، حيث شكل المستخدمون السعوديون المركز الأول عالمياً تلتها اندونيسيا ثم الفلبين.

بحجة أو بأخرى فإن الحكومة السعودية تريد أن تخفف من استخدام مواقع التواصل الإجتماعي التي اصبحت تعمل في غير صالحها.

وزارة العدل تصرّ على أنها لن تسمح لمن يحمل رخصة المحاماة أن يسلك مخالفة منهج الدولة أو الإساءة لولاة الأمر، أو يصطف سياسيا او فكريا، كما تقول. فالقضية أمنية إذن، وخنق حرية التعبير يمكن ان يأتي بأي حجة.

المتحدث باسم جمعية حقوق الانسان صالح الخثلان، عبر عن قلق جمعيته من محاكمة وزارة العدل محامين إثر تغريداتهم في تويتر، وكذلك من التضييق على القضاة وإحالتهم للتحقيق بسبب نشر آرائهم في الشأن العام، ووصف ذلك بأنه مؤشر خطير على توجه الأجهزة الحكومية لمصادرة حق المواطن في التعليق والنقد لأدائها، مطالباً الوزراة بأن تكون اكثر حرصاً على حماية الحق في التعبير.

لكن وزارة العدل عادت فأكدت انها تحاسب على التغريدات، وزعمت أنها لا تراقب المحامين، وأنها لا تطعن في وطنيتهم. كأنها تريد أن تقول بأنها تريد (أن تغلق أفواههم وتكسّر أقلامهم فقط!).

أما مؤسسات ووزارات الحكومة الأخرى، فتفيد الأنباء انها تلقت أوامر عليا بأن ترفع دعاوى ضد المغردين، بحجة الإساءة اليها وتشويه منجزاتها عبر شبكات التواصل الإجتماعي، وقد بدأت وزارة المالية بالأمر وهي المتهمة بتضييع الثروات وتسهيل نهبها، ثم جاء مجلس الشورى ليقرر ذات الأمر بعد ان أصبح المجلس المعيّن من قبل الأمراء هدفاً لسهام المغردين كونه لا يعبر عن الإرادة الشعبية ولا يقوم بدور المحاسبة ولا هو ناجح في وضع التشريعات التي تخدم المواطنين.

الطريف هنا، أن د. عبدالرحمن الهيجان، عضو الشورى، انتقد الخطوة وقال بأن مواقع التواصل الاجتماعي بمثابة برلماني حقيقي يتيح للجهات الرسمية الإطلاع على النقد الموضوعي، وهو أمرٌ لا يتوافر في أي مكان آخر.

وتحاول وزارة الداخلية وأجهزتها الأمنية خنق حرية التعبير بغرض الحد من النقد للمسؤولين والأمراء من جهة، والعمل على تحديث التشريعات بحيث يدخل مجال التعبير عن الرأي ضمن قائمة (الجرائم المعلوماتية) التي على أساسها لازال يحاكم مئات الأشخاص من الناشطين والحقوقيين، وهم المستهدفون من قرارات السلطة.

نظام الجرائم المعلوماتية

معظم الإعتقالات للناشطين الحقوقيين والسياسيين والحكم عليهم لسنوات طويلة بالسجن.. تجري تحت قانون (الجرائم المعلوماتية) والتي لا تعدو التعبير عن الرأي او ارسال مادة أزعجت السلطات أو تغريدة في تويتر أصابت المسؤولين بالغثيان! مع ان السلطات السعودية قد أعدّت قانوناً لمكافحة ما تسميه بالإرهاب تراجعت عنه نظرياً بعد فضحه من قبل العفو الدولية، ولكنها تطبقه بشكل عملي دون أن تشير اليه!

وإزاء تغوّل (نظام الجرائم المعلوماتية) وتطبيقه بصورة متعسفة ومضحكة في آن واحد، قانونيون سعوديون طالبوا بتوضيح هذا النظام او القانون الذي تعدّى دوره ليحاكم على أساسه أصحاب الرأي والكتاب والصحفيين وحتى القضاة والمحامين.

المحامي طه الحاجي وصف النظام بأنه (متدنّ جداً) وطالب بإصدار لائحة تنفيذية للنظام لتوضح بصورة جلية ودقيقة الجرائم والتجاوزات التي يشملها، موضحاً بأن بعض المواد جاء صوغها بصورة فضفاضة وأن الجهات الحكومية الأمنية استفادت من النظام لملاحقة كل من تراه اساء او تجاوز عليها في حين لم يستفد منه أفراد المجتمع.

وكان مجلس الوزراء السعودي قد أوكل للهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي واصدار التشريعات، رغم وجود مجلس شورى يمثل نظرياً السلطة التشريعية. وقال رياض نجم رئيس الهيئة بأن اليوتيوب قد اصبح مكاناً لبث مواد غرضها نشر الفتن لأهداف غير سويّة، ولذلك فإن الهيئة تعد كوادر خاصة لمراقبة اليوتيوب وإبلاغ الجهات الأمنية بذلك.

وبسبب نشر مقطع فيديو يظهر فيه مواطن يعتدي بالضرب على عامل نظافة أجنبي، وهو ما سبب استياءً شديداً في الاعلام المحلي والأجنبي، ونفت السلطات صحة الفيديو.. جاء متحدث باسم الشرطة ـ حسب صحيفة الشرق الأوسط ـ ليؤكد اعتقال من بث المقطع، بدلاً من اعتقال المجرم الذي تجاوز الحدود الانسانية. وقالت الصحيفة بأن عدداً من الأشخاص اعتقلوا على خلفية بث مقاطع فيديو قالت السلطات انها مسيئة، وزعمت انها مفبركة.

وتستند السلطات الى تشريع قمعي جديد يحمل نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية لمن ينتج او يعد او يرسل مواد تسيء للنظام، او القيم الدينية. وفي حال ادانة المتهمين فإنهم سيعاقبون بالسجن خمس سنوات وغرامة تصل الى ثلاثة ملايين ريال!

يأتي هذا في وقت لاتزال الحملة الرسمية ضد تويتر قائمة، ومحاكمة المواطنين على تغريداتهم مستمرة، وأخيراً فإن المفتي عبدالعزيز آل الشيخ صرّح مندداً: (لا تغرّدوا إلا لصلاح الأمة، واحذروا الفوضى) مبيناً خشيته من تفاقم دور الاعلام البديل في توجيه الرأي العام المحلي، وفي مواجهة السلطات السياسية والدينية التي كانت قادرة يوماً ما على خلق فضاء خانق ولّى زمانه.

خطيب المسجد الحرام الشيخ عبدالرحمن السديس كرر نقده لتويتر أسوة بمسؤولي الحكومة الآخرين الذين فضحهم تويتر، محذراً من أسماهم مَنْ (أسْلَسُوا أرسان عقولهم لكل ناعق بالإشاعات، عبر الشبكات، وأناخوا مطايا أهوائهم لأول نبأة من التغريدات) متهماً المغردين بأنهم هائمون مفترون اصحاب افكار وهرطقات طائشة، وآراء هزيلة سخيفة، يقومون بقرصنة عقلية واختطاف فكري خدمة لأجندات مشبوهة.

الصفحة السابقة