أغرب من الخيال

ترحيل المواطن والناشط عمر عثمان الى الصومال!

عبد الوهاب فقي

مواطن معروف، كتب في الصحف السعودية، ومشهور كناشط اجتماعي، بل هو أشهر ناشط اجتماعي على مستوى السعودية. اسمه عمر عثمان، أبوه سعودي وأمه صومالية، وهو قد ولد وترعرع وتعلم في السعودية، حرمته السلطة من حقوقه كمواطن في استخراج بطاقة شخصية، ولكن لديه السجل المدني وكل التفاصيل القانونية الأخرى، بل انه حصل على أول جواز سفر له وهو في الرابعة من العمر.

استدعته الحكومة بعد اكثر من عقد ونصف من محاولات ترتيب حياته الشخصية، فسجنته لثلاثة اشهر بين الخبر والرياض وجدة، ليجد نفسه بعدها في الصومال، وبأمر مباشر من وزير الداخلية!

هي قصة من قصص ألف ليلة وليلة.

لم يسمع مسؤولو الداخلية قصته، ولم يهتموا بتضرعاته، لم يهتموا بلغته العربية ولهجته المحلية، فالمهم تطبيق امر الوزير الأمير ليقذف بمواطن خارج وطنه بلا بطاقة تعريف، ولم تطرف عين لدى وزارة الداخلية بل أكدت ـ عبر مديرية الجوازات ـ أنه ليس مواطناً سعودياً، بل صومالياً، تسلّل الى السعودية! في حين أن أباه في السعودية، وهو ـ اي الأب ـ ليس متجنّساً؛ وإخوته لازالوا في السعودية.

من حسن حظ عمر انه شخص مشهور ومعروف على مستوى المملكة، وأنه نابه ومتعلم وناشط فاستطاع ان يدافع عن نفسه. ففضح القوم وهو في الصومال التي لازال فيها حتى الآن.

من هو عمر عثمان؟

 أصدر أصدقاء عمر عثمان، فيديو تعريف به وبنشاطاته، فمن هو هذا الشاب الذي شغل المواطنين والناشطين والحقوقيين طيلة الاسابيع الماضية؟

ارتبط اسم عمر عثمان بعشرات المبادرات التطوعية والخيرية، فأحبه مجتمعه لروحه الطموحة، وعطائه المتدفق، خاصة في مجال رعاية الأيتام. ويعد عمر حجراً ثقيلاً في هرم العمل التطوعي، حيث أسس عدّة مجموعات فعّل فيها دور الشباب بدءً من فريق الخبر التطوّعي، الذي أسسه تحت مظلّة برنامج الأمير محمد بن فهد لتنمية الشباب، ثم أسس مجموعة إقرأني التطوعية التابعة لوزارة الشؤون الإجتماعية، ثم قام بإطلاق حملة (اسعدهم) التي تعتبر الحملة الأولى لرعاية العمالة الأجنبية، من خلال توزيع المشروبات والوجبات الخفيفة على العمال المستضعفين والفقراء الذين يعملون في ظروف قانونية سيئة، وفي طقس سيء، وأجواء اجتماعية لا تكنّ الإحترام والتقدير. بعدها قام بإطلاق حملة (ارحموهم) التي تستهدف حماية عمالة البناء والنظافة من العمل تحت أشعة الشمس الحارقة.

وتتواصل حملات العمل التطوعي التي اسسها وقادها عمر، ومن بينها حملات البحث عن الأطفال المفقودين بالإستعانة بمواقع التواصل الاجتماعي، وهي بذرة بذرها عمر، فهو اول من أطلق هذا النوع من المبادرات، فساهمت جهوده في اعادة العديد من الأطفال الى ذويهم. ثم جاء تأسيس عمر لنادي الفرسان التطوّعي الذي نبت من ارض جمعية التوعية والتأهيل الاجتماعي التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، ثم قدم مع رفاقه برامج تربوية واجتماعية وثقافية للأيتام في مركز الأمير سلطان للتربية الاجتماعية في الدمام.

ولعمر عثمان مع الأيتام قصة حبّ خالدة. فكان لهم الصديق والرفيق، الصاحب الناصح والمنافح عن حقوقهم؛ وقد وصل بأصدقائه الصغار الى مجلس الشورى السعودي، بعد ان وجهت له الدعوة من المجلس للمشاركة في جلسة تُعنى بمراجعة (نظام رعاية الأيتام) حيث قدم مقترحات لرفع المستوى المعيشي والتعليمي والتربوي لهم.

كان شعار عمر: (ان تنجح وينجح الآخرون) وقد جسد ذلك من خلال الملتقيات التي نظمها، كملتقى النجاح، وفطور الناجحين، الذي استضاف من خلالها مجموعة متميزة من الناجحين ليقدموا خبراتهم. ثم كان تأسيسه ملتقى (دلّوني) لنشر ثقافة العمل الحرّ وريادة الأعمال، من خلال دورات أُقيمت في الغرفة التجارية في الخبر. ثم جاء ملتقى (ألهمني) الذي اهتمّ بتعريف الشباب بقصص نجاح لشخصيات سعودية كافحت ووصلت الى مبتغاها اريد منها من خلال حضورها ان تلهم الشباب وتحضهم على العمل لتحقيق أحلامهم. ومن بين من حضروا والقوا محاضرات: عبدالله جمعة، رئيس شركة ارامكو السابق، والدكتور حياة سندي، التي اصبحت عضواً بمجلس الشورى، وعمّار بوقس الناجح اعلاميا رغم انه من ذوي الاحتياجات الخاصة.

لم يكتف عمر بتأسيس المبادرات والجمعيات التطوعية، بل هو متحدث دائم في جلّ الملتقيات، حيث تمت دعوته لإلقاء محاضرة في ملتقى الغد الذي تترأسه نوف بنت فيصل آل سعود، والذي يرأسه فخرياً ولي العهد الحالي سلمان بن عبدالعزيز. كما عمل عمر من أجل نشر ثقافة العمل الحر، والعمل التطوعي لدى طلاب المرحلة الجامعية في عدة جامعات وجمعيات في الرياض وجدة ومكة ونجران وجازان والأحساء والخفجي اضافة الى الخبر ومدن الشرقية الأخرى.. من خلال العديد من الدورات وورش العمل لإكساب الشباب المهارات اللازمة للقيام بالمبادرات الإيجابية لصالح المواطنين والوطن.

عمر عثمان في وفد مع ولي العهد

عمر يكشف قصته

لم يكن عمر عثمان شخصية عادية حتى يمرّ ترحيله والتنكّر لمواطنته بسهولة. وربما تورطت الحكومة ووزارة داخليتها بفعلها القبيح، خاصة بعد أن رأت ردود الفعل المحلية والدولية، وبعد أن أصبح اسمه وقضيته في واجهة المواقع الالكترونية وأخبار القنوات الفضائية.

وإزاء إصرار الداخلية على أن عمر ليس سعودياً، كتب عدّة تغريدات في موقعه على تويتر، وزوّد الجميع بصور لبطاقة العائلة وجواز السفر وأنه مسجل في التأمينات الاجتماعية التي تعنى بالموظفين من المواطنين. بل ان بعض زملاء عمر اظهروا من خلال بوابة وزارة الداخلية الالكترونية انه مسجل كمواطن، وحجزوا له مواعيد ما يثبت كذب الوزارة. ورغم ان عمر لا يريد التصعيد مع الداخلية، خاصة وأنه لازال في الصومال، إلا انه اضطر لإجراء مقابلات مع صحف الكترونية محلية، وبعض الصحف المحلية، وزاد بأن صوّر فيديو بصوته وصورته يشرح مشكلته على النحو التالي:

قلْ لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا. والحمد لله على كل حال. لم أشأ أن أظهر على شبكات القنوات الاجتماعية بشأن قضية تخصّني، لكن بعد ما حدث كان لا بدّ من تبيين الحقائق. انا عمر عثمان يوسف، ولدت في الجبيل الصناعية عام ١٤٠٢هـ/ ١٩٨١م، ولدت لأب يحمل الجنسية السعودية، وكذلك لأم ـ رحمة الله عليها ـ كانت تحمل الجنسية الصومالية. عشتُ طفولتي في المنطقة الشرقية؛ ودرست في مدارسها؛ حتى تخرجت من ثانوية الخبر، والتحقت بعد ذلك بكلية الجبيل الصناعية.

لأني مولود من أب سعودي، فهذا يعتبر أني سعودي نظاماً، وليس بالتجنيس؛ عندما بلغت سن الخامسة عشرة، وهي السن القانونية في السعودية، وهي السن التي يصدر فيها الشخص بطاقة الأحوال المدنية، ذهبت انا ووالدي الى مكتب الأحوال المدنية بالخبر لكي نستصدر البطاقة، ففاجأنا الموظف هناك، وقال بأن هناك معاملة صغيرة طرأت بشأن بطاقة العائلة تحتاج الى تعديل، فيا حبذا تسلمون لنا الوثائق وان شاء الله في أقرب وقت تستصدرون البطاقة. طبعاً سلّمنا كل الوثائق وانتظرنا: يوم، يومان، اسبوع، اسبوعان، شهر شهران، لكن المسألة دون مبالغة لم تنته حتى الآن، بعد ان مضى عليها أكثر من ثماني عشرة سنة. خاطبنا كل من نعرف، أرسلنا برقيات الى الملك حفظه الله، وسمو وزير الداخلية، ووكيل الوزارة لشؤون الأحوال المدنية، ولكل شخص ظننا أنه سيساعدنا في هذه القضية على أيّ وجه كان.

انتظرت ١٨ سنة أنا وإخوتي لا نملك إثباتات، فتخيّلوا حجم المعاناة التي تصيب الشخص، في التفتيش والتعليم والصحة، بحيث ان كل شيء في حياة الإنسان يتعطّل ويصبح معلّقاً على وجود بطاقة الأحوال المدنية، مع انه لدينا أرقام سجل مدني، وأنا مسجل في التأمينات الاجتماعية كسعودي، وأيضاً مسجّل في مكتب العمل وغيره.

اتصلت بي الجوازات قبل عيد الأضحى الماضي بفترة وجيزة، وأخبروني بأن لديّ معاملة لديهم، وذهبت اليهم وأخبروني بصدور قرار إبعاد بحقّي صادر من وزير الداخلية الى خارج المملكة؛ ومكتوب في القرار بأني صومالي الجنسية، ومخالف لقانون الإقامة وأني أعمل في مؤسستين. حينها قدّمت كل الإثباتات التي تدحض هذا الكلام، وقلت لهم أني سعودي، ولدي معاملة لم تنته حتى الآن بشأن بطاقة الهوية الوطنية، وأني لستُ متسللا كما ذكر في قرار الإبعاد.

للأسف، فإن ادارة الجوازات لم تتعامل معي بطريقة جيدة وأوقفتني وأودعتني في سجن الترحيل، وبقيت لمدة ثلاثة اشهر بين سجن الدمام وسجن الرياض وسجن جدّة، وقد حاولت خلال تلك الأشهر، انا ومن معي من الزملاء والأصدقاء والأهل جميعهم، ان نقدّم الإثباتات، وان ندخل الشفاعات والوساطات لكي أخرج ولو بكفالة. ولكن للأسف لم يتم ذلك. كلما ذهبنا الى مسؤول، قال: قرار الإبعاد خاص، لابد أن نُبعدك. نسأل: يا جماعة كيف تبعدون شخصاً سعودياً؟ يجيبون: هذا قرار وزير الداخلية!. وحين نسأل عن أسباب هذا القرار، لا نجد أحداً يقدّم إجابة. 

بالنسبة لي، لم أحمل يوماً وثيقة او جنسية غير الوثيقة والجنسية السعودية، لكن سبحان الله، هذا ما قدّره الله عز وجل. الحمد لله على ما مضى، وأساله أن يؤجرني على ذلك، والحمد لله على ما هو قادم، والحمد لله على كل حال. بعد هذا التوضيح، أسأل الله ان يكفّ يد كل ظالم ظلم المسلمين، وأسأله أن يرفع الظلم عن المستضعفين. وأسأله سبحانه ان يؤجرنا في مصائبنا كلها، وأن يجعلنا طيبين أينما كنّا، والحمد لله رب العالمين.

لماذا طرد وزير الداخلية، عمر من البلاد؟

لم يكن ترحيل عمر عثمان امراً اعتباطياً من أعلى سلطة في القرار، وهو وزير الداخلية. أسئلة عديدة تطرحها عملية الترحيل، خاصة وأن الحكومة تصرّ على أنها لم تفعل خطأً ولم ترتكب شططاً. لماذا لم يرحّل إخوان عمر مثلاً؟؛ لماذا استصدرت ممثلية الصومال بطاقة مرور لشخص ليس من مواطنيها اصلاً؟ لماذا لم تلغ الداخلية المعلومات المتعلقة بمواطنية عمر من داتا المعلومات في كمبيوترات الوزارة؟

المؤشرات تفيد بأن نشاط عمر عثمان الاجتماعي قد أزعج النظام، رغم أنه لا يعرف عنه ميول سياسية، وكانت أجهزة المباحث قد شنّعت به وهددته عبر تويتر من خلال حساب معرّف (سلطان الجوفي) الذي اتهمه ذات مرة بأنه سوداني وأخرى بأنه (أخونجي صومالي) يعمل للمخابرات القطرية.

الثابت ان الروح العنصرية لدى النظام وفي محيطه النجدي عالية، يعضدها للأسف المذهب الرسمي الذي لا يخلو من عنصرية ومناطقية رغم ان الدين يقول عكس ذلك تماماً. أنّى اتجهت في مواقع التواصل الاجتماعي ستجد أن هذه الفئة المقربة من السلطة، تتحدث عن طرد مواطنين وسحب جنسياتهم بالجملة، سواء في الحجاز، او في المنطقة الشرقية. ستواجهك الروح العنصرية في التعامل مع الأجانب، مع العمالة الوافدة وخدم المنازل، بطريقة بشعة أبعد ما تكون عن الإنسانية، ولعل ما جرى للخادمات الاندونيسيات والفلبينيات وغيرهن، وكذلك ما جرى للعمالة الأثيوبية واليمنية دليل من أدلة عديدة كاشفة عن نزعة عنصرية مستشرية.

لهذا كان التساهل في الطرد لمواطنين، فالخطاب الرسمي السياسي والديني السلفي طائفي عنصري، لا يرى لأحد حقوقاً غير من ينتمي لنجد، ولا غرابة اذن، ان يطبق الأمر على كل من له رأي مختلف مع النظام، ولا نقول معارض.

المسألة الأخرى، التي يفتحها موضوع طرد مواطن الى بلد آخر، هي ان النظام السعودي لا يستطيع التعايش مع منظمات المجتمع المدني، ولذا فقد أغلق تقريباً كل الأبواب كي تعمل. وهناك مشروع معطّل أقرّه مجلس الشورى بشأن مؤسسات المجتمع المدني، ترفض العائلة المالكة اقراره، رغم ان المشروع راعى كل الجوانب التي يخشاها الأمراء. كل العمل التطوعي وغيره يجب ان يكون خاضعاً للسلطة المركزية. لا عمل تطوعي بدون قانون، ولا قانون موجودا. ولربما أخاف عمر النظام بأعماله التطوعية وهو يتقد حماسة ونشاطاً، او ربما رفض ان يسيطر الأمن على نشاطاته، لهذا نظروا اليه بعدائية.

أرأيتم دولة كهذه الدولة، ترحّل مواطنيها، وتستخرج لهم بطاقة مرور زوراً ولا تلتفت الى قوانينها، عدا قانون الغاب الذي يأمر به السادة الأمراء!

لا نعلم ما سيجري لعمر وهو الآن في الصومال. لكننا نتمنى عودته لأهله، وإعادة حقوقه البديهية في مملكة تزعم انها انسانية، وانها تطبّق شرع الله.

في غير هذه الحالة، نظنّ ان كرة الثلج ستكبر، وفي حال لم يقف المجتمع ازاء تغوّل سلطة آل سعود وتعدياتهم، فإنهم سيجدون الطريق سهلاً لطرد أي مواطن يعترض عليهم مطالباً بحقوقه البديهية.

نعلم ابتداءً، بأن الطرد ما هو الا رسالة للمواطنين، بأن حكم الأقلية السعودي يملك الاستعداد النفسي للقيام بعمليات طرد واسعة لمجاميع سكانية، من أجل الإستمرار.

لكن.. ربما أدت هذه السياسة الى عكس ما يريد الظالمون.



الصفحة السابقة