تقارير تتزايد وقمع يتواصل!

التقارير الدولية حول حقوق الإنسان التي تندد بالنظام السعودي تترى، فيما أمراء الأسرة الحاكمة مستمرون في تصعيد القمع الداخلي، وكأنهم لا يسمعون شيئاً.

السبب هو الغطاء السياسي الذي توفره الدول الغربية الحامية للنظام، وبالخصوص الولايات المتحدة وبريطانيا، وتآمر الإعلام الدولي مع النظام السعودي، وشراء آل سعود لمراكز البحث في أكثر من بلد أوروبي وأمريكي.

السبب الاخر هو أن النظام السعودي، وخلافاً لكل العقود الماضية، بل منذ تأسيسه، يشعر بخطر وجودي، فنفوذه الخارجي يتقلص، وفشله الداخلي التنموي والسياسي أضحى بارزاً ومكشوفاً، وجرأة المواطنين على المطالبة بحقوقهم متزايدة، وتالياً فإن النظام يشعر بأن لا سبيل لديه إلى سماع النصح من الحلفاء ولا يهتم كثيراً بالانتقادات، وكل همّه منصبّ على إيقاف حركة الشارع، وخنق أصوات المواطنين المطالبين بأبسط حقوقهم في العيش الكرامة، وفي الكرامة والحرية.

تحدّي الخطوط الحمراء

أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريراً مطولاً في 46 صفحة تحت عنوان: (تحدّي الخطوط الحمراء: حكايات نشطاء حقوقيين في السعودية)، أوضحت فيه مايبذله نشطاء المجتمع المدني من جهود من أجل توسعة رقعة المشاركة السياسية، واصلاح القضاء وإنهاء التمييز الطائفي وغيره، وقد ردّت السلطات السعودية ـ حسب التقرير ـ على هذه الجهود بحملة قمعية استهدفت اولئك المدافعين من أجل (سحق دعوات التغيير، ومنع حركة المعارضة ونموها) كما يقول التقرير.

وعرض التقرير قصص أحد عشر ناشطاً سعودياً، أكثرهم في المعتقل، أو معرّضين للإعتقال. الناشطون هم: سمر بدوي وزوجها المحامي وليد أبو الخير رئيس مرصد حقوق الانسان في السعودية؛ وكذلك منال الشريف التي تحدّت حظر قيادة السيارة؛ والناشط مخلف الشمري الذي اهتمّ بالتقريب بين المذاهب الإسلامية ومحاربة الفتن الطائفية ما جعله عرضة لسهام السلطة؛ وكذلك رائف بدوي الذي سعى من خلال موقعه للتشجيع على النقاش الحرّ، وفاضل المناسف الذي احتُجز لأنه دافع عن محتجزين، اضافة الى عبدالله الحامد ومحمد القحطاني والشيخ سليمان الرشودي، من رموز حركة الحقوق المدنية والسياسية (حسم)، وكذلك الدكتور تركي الحمد، الأكاديمي والسياسي المعروف، وأخيراً هناك شاعر الثورة عادل اللباد، الذي حُكم عليه بالسجن مؤخراً لثلاث عشرة سنة، عقاباً له على تحديه السلطات وإلقاء قصائد تمجيداً بالمدافعين والمطالبين بالإصلاح.

لكل ناشط من هؤلاء حكاية طويلة، يرصد بعض فصولها تقرير هيومن رايتس ووتش، لكن الجامع بين هؤلاء جميعاً هو أنهم تعرضوا للتهديد والترهيب والتحقيقات والملاحقات القضائية والإعتقال، وأن ما يحققه هؤلاء من نجاحات كان نجاحاً للمجتمع المدني الذي يراد خنقه. ايضاً فإن كل هؤلاء استخدموا ادوات التواصل الاجتماعي والمنتديات وهي سمة النشاط الحقوقي والسياسي في السعودية منذ 2009، وهم كلهم تعرضوا للمحاكمة على ما كتبوه ونشروه، ومن ثم الاعتقال، وقد لاحظ التقرير الدولي بأن حملة القمع الحكومية زادت منذ بدايات عام 2011، وهي مستمر الى اليوم، حيث تقوم السلطات بفرض حظر السفر، والفصل من العمل، وتشويه السمعة، والإحتجاز لأشهر بدون اتهامات والملاحقة القضائية، واخيراً اصدار احكام بحقهم بلا خلفية قانونية او شرعية، ووصفهم بالمجرمين والإرهابيين.

لكن التقرير يقول بأنه رغم قمع الدولة والمؤسسة الدينية التابعة لها، فإن نشطاء حقوق الإنسان مستمرون في نشاطهم متحدين السلطات السعودية، ومخاطرين بمصادر كسب رزقهم من أجل الدفع باصلاحات حقيقية واحترام حقوق الانسان.

وطالب التقرير الحكومة السعودية بأن توقف حملة القمع الجارية التي تستهدف النشطاء السلميين، وأن تفرج عن جميع المحتجزين وان توقف اجراءات حظر السفر التعسفية وكذلك حملات تشويه السمعة، وأن تقوم بإصلاحات قضائية وبالخصوص:

● اصدار قانون جزائي مكتوب يتسق مع معايير حقوق الإنسان ولا يجرم حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات.

● اصدار قانون للجمعيات يسمح بتشكيل منظمات المجتمع المدني وان تعمل دون تدخلات حكومية زائدة.

● حظر التمييز الطائفي وضد المرأة، وتفعيل التشريعات التي توفر التعويض ضد أعمال التمييز.

● الغاء نظام ولاية الأمر على النساء وجميع القوانين والأنظمة المنبثقة عنه

● واخيراً الغاء جميع القوانين والأنظمة التي تتعارض مع حرية التعبير.

ودعا التقرير الولايات المتحدة وبريطانيا والأعضاء الآخرين في الاتحاد الأوروبي للضغط على السلطات السعودية وأن تدعوها علناً الى وقف جميع الاعتقالات والمحاكمات غير العادلة للنشطاء السلميين والإفراج عن جميع السجناء المحتجزين. كما دعا التقرير المجتمع الدولي للضغط على الرياض كي تصدق على تشريعات حقوق الانسان الدولية الكبرى مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والاجتماعية والثقافية، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التنمييز العنصري.

مفوضية حقوق الإنسان تنتقد السعودية

رافينا شامداساني

في خطوة غير مألوفة بالنسبة للمفوضية السامية لحقوق الإنسان، التي تتلقى دعماً من السعودية بخمسة ملايين دولار، لخمس سنوات، أن تصدر بياناً بشأن معتقلي الرأي والناشطين الحقوقيين والسياسيين في السعودية. فقد أعرب مكتب المفوضة السامية نافي بيلاي عن القلق البالغ إزاء الترهيب واللجوء أحيانا إلى مقاضاة الأفراد في السعودية بسبب ممارستهم لحقهم في حرية التعبير.

وذكرت رافينا شامداساني المتحدثة باسم المكتب أنه في أحدث هذه الحالات صدر الحكم على رجل، هو عمر بن محمد السعيد، الذي بلغ من العمر ثلاثة وعشرين عاما، بالسجن لأربع سنوات وبثلاثمائة جلدة ومنعه من السفر لأربع سنوات اخرى بعد اطلاق سراحه. وأضافت بأن السعيد قد تم استهدافه نظراً لعمله في مجال الحقوق المدنية والسياسية مع جمعية الحقوق المدنية والسياسية، حسم. وكانت المفوضية قد تلقت تقارير تفيد بأن العديد من الأعضاء الآخرين بنفس المنظمة، وغيرهم من النشطاء تم سجنهم بالفعل في ظروف مماثلة، أو يجري التحقيق معهم من قبل المباحث.

وشددت السيدة شامداساني على أن المفوضية دعت السلطات السعودية إلى الإفراج فورا عن جميع المسجونين لممارستهم لحقوقهم الإنسانية الأساسية.

٢٠١٣ عام القمع في السعودية

يقول النشطاء الحقوقيون بأن عام 2013 مظلم بالنسبة لحقوق السعوديين. هذا هو خلاصة تقرير مطوّل أعدته وكالة اسوشيتدبرس، ونشرته كبريات الصحف العالمية بينها الواشنطون بوست.

يقول التقرير انه في الوقت الذي يسلط العالم الضوء على مناطق مضطربة في الشرق الأوسط، تواصل السعودية تضييقها على حقوق الإنسان، محاولة إسكات نشطاء حقوق الإنسان والمدافعين عن الديمقراطية بالاعتقالات والمحاكمات والتخويف في سنة يسميها الإصلاحيون واحدة من أكثر السنوات قتامة بالنسبة لجهودهم لتحسين أوضاع الحريات وحقوق الإنسان في الدولة الحليفة للولايات المتحدة.

عبدالعزيز الحصان

ونقل التقرير عن ناشطين قولهم بأن المجتمع السعودي شديد التنوّع، وأن الأمراء في سبيل سيطرتهم واستفرادهم بالسلطة يلعبون تارة على وتر الإنتماءات القبلية، وتارة أخرى يوجهون رسائلهم التهديدية للباحثين عن الحريات والليبراليين، ومرة ثالثة إلى شيوخ الوهابية الذين يمنحون الشرعية للعائلة المالكة.

ويضيف: بينما تتنقل العائلة المالكة بين تلك التيارات، يصد النظام الملكي دعوات الإصلاح السياسي خوفا من الاضطرابات التي من شأنها أن تفكك قبضة العائلة الحاكمة على السلطة على غرار الربيع العربي.

هذا العام 2013، يتابع التقرير: قامت الحكومة السعودية بسجن ما لا يقل عن تسعة إصلاحيين لفترات طويلة بتهم منها (الإفتئاث على ولي الأمر)، كما اضطر محام حقوقي إلى الفرار من المملكة خوفا من الاعتقال، وأغلقت أبرز المنظمات الحقوقية في المملكة (حسم)، ووافقت الحكومة مؤخرا على قانون صارم لمكافحة الإرهاب. القانون يحدد تعريفات مطاطة للغاية للاتهامات مثل (الإساءة إلى سمعة الدولة) واعتبرتها (إرهابا).

اعتقلت الدولة أكثر من ٢٠٠ متظاهر معظمهم من النساء والأطفال في بريدة شمال الرياض، لمطالبتهم بإطلاق سراح ذويهم المسجونين. كما حُكم على مواطن سعودي هذا الأسبوع بالسجن ٣٠ عاما لقيادته مظاهرات في المناطق ذات الأقلية الشيعية التي تشكو من التمييز الطائفي، كما اعتقلت نساء بسبب كسرهم حظر قيادة السيارات.

من جانبه حذر المحامي عبدالعزيز الحصان، الذي فر للولايات المتحدة، من أنه إذا لم تتعامل الملكية السعودية مع دعوات التغيير بجدية، فإنها ستتصاعد وستؤدي إلى زعزعة الاستقرار في البلاد، وأكد أنه (إذا انتظرنا سبعة أعوام أو عشرة آخرين فإننا سنتحول إلى وضع أخطر من الوضع المصري أو السوري). واضاف: (ليس لدى الحكومة من خيار سوى التصالح مع شعبها).

ويضيف تقرير الأسوشيتدبرس بأن أغلب النشطاء في السعودية يتحدثون عن (ملكية دستورية) ذات برلمان منتخب يستطيع مساءلة الحكومة، لا سيما في معرفة مصارف إنفاق عائدات النفط الضخمة. لكن الحكومة تتعاطى مع المطالب أمنياً، فهي تراقب الهواتف، والرسائل ورسائل البريد الإلكتروني، كما يرصد الأمن مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك، حيث تنتشر النكات على الملك العجوز أو يتصاعد الغضب من الفساد والفقر والبطالة.

وتحدث التقرير الى فتاة ناشطة قال أنها وُضعت مؤخرا تحت الإقامة الجبرية ومُنعت من استخدام تويتر على خلفية انتقادها للحكومة، وقد قالت الفتاة بأن المواطنين يخشون بشدة بطش الدولة الأمنية؛ وأن الجميع في المملكة (يتوقع حدوث ثورة، نحن لا نريد ثورة لأن الشعب منقسم على نفسه، والشيء الوحيد الذي يوحدنا هو قمع السلطات).

شركات تساهم مع النظام في القمع

حمل تقرير جديد اصدررته منظمة دولية هي (مركز موارد الأعمال التجارية وحقوق الإنسان) حمل عدداً من الشركات العاملة في منطقة الشرق الأوسط مسؤلية تجاوز حقوق الإنسان في أعمالها، ومساعدة السلطات في قمعها، وجاء إسم شركة أرامكو السعودية التي طردت عمالاً شاركوا في احتجاجات سياسية، والتي ترفض تكوين الجمعيات وتنتهك حقوق من يشكلها، ومثلها شركات اجنبية شاركت في جائرة البحرين لسباق الفورمولا وغضت الطرف عن انتهاكات حكومة البحرين، وكذلك شركة أورانج للإتصالات في الأردن التي ساعدت الحكومة الأردنية على اغلاق مئات المواقع الإخبارية الإلكترونية.

ودعا التقرير جميع الشركات العاملة في الشرق الأوسط الى احترام حقوق الإنسان، واحترام حقوق العاملين والمجتمعات التي تعمل فيها، وحذر المركز الذي يرصد احترام الشركات لحقوق الإنسان، من أنه سيعمد الى نشر مزاعم الإساءات التي ترتكبها الشركات إن لم تبادر الى الرد وتقديم الإيضاحات بشأن اساءات بعينها يوجهها اليها المجتمع المدني.

وقال المدير التنفيذي للمركز، فيل بلومر، أن عدداً كبيراً من الشركات يختار الصمت ازاء انتهاكات حقوق الإنسان، وهناك شركات عديد تواجه اتهامات تتعلق بالحد من حرية التعبير، وبيع الأسلحة المستخدمة في انتهاكات حقوق الإنسان، وبيع برامج الرقابة، والتعدي على الخصوصية، وغيرها.

الصفحة السابقة