عجائب الطائفية الوهابية

الفوزان والوحدة الإسلامية

سعدالدين منصوري

أن يتحدث رجل الدين الوهابي عن الوحدة الاسلامية، فذاك أمر يستوجب التأمل طويلاً، لأن حديث الوحدة كان دائماً منبوذاً ومتعارضاً مع التكوين العقدي الوهابي. وفي الأصل، مثّلت الوهابية ظاهرة انشقاقية في تاريخ الإسلام الحديث، فإن الكلام الوحدوي يبطن إدانة لها ولا يشفع لها البته أنها ترفع الإسلام التوحيدي شعاراً كيما تنال شرف الدعوة للوحدة الاسلامية..

إذاً، لماذا يخالف رجل الدين الوهابي وعيه وتكوينه العقدي، ويلبس على حين غرة رداء الوحدوي الذي يخاف على الأمة من الفرقة، ويدعوها لنبذ الخلاف والتمزّق.

من الملاحظ أن دعوات الوحدة الاسلامية مرتبطة دائماً بحدث سياسي يمليي هذا النوع من التخلي عن الوعي وتلبّس الموقف المعارض لما تقتضيه المصلحة. ثمة ما يعزز الاعتقاد بأن علماء المؤسسة الدينية الرسمية، ونخص بالذكر منهم أعضاء هيئة كبار العلماء، أو على الأقل البعض منهم، هم أقرب الى السياسيين منهم الى رجال دين، إما لأنهم يقدّرون بدقة طبيعة المواقف والفتاوى المطلوبة لكل مرحلة تبعاً لتوجّه الحكومة وسياساتها، أو أن هناك ممثلين للحكومة في حاشية أو في مكاتب هؤلاء العلماء فيخبرونهم بما ينبغي أن يكون عليه خطابهم الديني..

نكتة الموسم: الفوزان داعية للوحدة!

في قراءة إجمالية للمواقف الدينية ذات المضمون السياسي للشيخ صالح الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، الدينية نجد ثمة تطابقاً تاماً مع توجّهات الحكومة. فقد وجّه الفوزان في مطلع شهر أيار (مايو) 2012 انتقاداً حاداً للشيخ المثير للجدل محمد العريفي كرد فعل على تفسيره لحديث منسوب للمصطفى صلى الله عليه وسلم (إسمع وأطع الأمير وإن ضرب ظهرك) بأنه ينطبق فحسب على الحكم الجيد الذي ضرب ظهر شخص واحد فقط واستحوذ على ماله، وأنه في هذه الحالة ينبغي لهذا الشخص أن يجد وسيلة ما لاستعادة أمواله عوضاً عن الدعوة للخروج على الحاكم الذي وصفه العريفي بـ (الرجل المضبوط) في إشارة الى أن الخروج على الحاكم الظالم لا يتعارض مع ما جاء في هذا الحديث.

وردّ الفوزان على العريفي قائلاً: (هذا كلام من عنده، يريد ان يفسر كلام الرسول على هواه وعلى طلبه ويقول على الرسول (ص) ما لم يقله، وهذا خطر عظيم).

نلفت الى أن الفوزان وصف الربيع العربي بـ (ربيع الكفار)، وله فتاوى صريحة في حرمة التظاهر منذ أمد بعيد وقال بأن (ديننا يأبى المظاهرات والغوغائيات).

وله فتاوى مشتركة مع أعضاء هيئة كبار العلماء في حرمة التظاهرات نشرها موقع (السكينة) الذي شيّدته وزارة الداخلية السعودية بالتعاون مع وزارة الشؤون الاسلامية بهدف التأثير في الشباب والحيلولة دون تنظيمهم لمظاهرات أو المشاركة فيها. وقد سئل الفوزان عن حكم المظاهرات والاعتصامات في إقامتها وعن حكم الدعوة إليها في بلاد المسلمين، فأجاب: المظاهرات ليست من عمل المسلمين ولا عرفت في تاريخ الإسلام و الإعتصامات. هذه من أمور الكفار، وهي فوضى لا يرضى بها الإسلام، هذه من الفوضى، الإسلام دين انضباط، ودين نظام، وهدوء، ما هو دين فوضى، تشويش. فلا تجوز المظاهرات ولا الإعتصامات.

مثل هذه الفتاوى وأضرابها تشكل الاحتياطي الاستراتيجي للحكومة السعودية حين توجّه لها الاتهامات في موضوع دعم الإرهاب والتطرف وارسال المقاتلين الى الخارج، حيث يمثّل الفوزان أحد الذي تدفع بهم الحكومة لاستصدار فتاوى تحرّم القتال في الخارج، ويعتبر ما يجري في سوريا، على سبيل المثال من الفتن، بل ينظر الى كل دول الربيع العربي من هذه الزاوية..

ينبري الفوزان لكل ما يحتمل اعتراضاً على الدولة السعودية من قريب أو بعيد، ويرى بأن من واجبه الدعوة الى طاعتها وحرمة الخروج عليها. فقد خلص الفوزان من قراءة كتاب الشيخ سلمان العودة (أسئلة الثورة) بتهمة مفادها أن العودة يدعو لشق عصا الطاعة وتفريق الجماعة. وقد جاء رأي الفوزان مثبتاً في مقدمة لكتاب الشيخ فهد الفهيد بعنوان (الجناية على الإسلام في كتاب أسئلة الثورة) وقال عن الكتاب بأنه (في الحقيقة الدعوة إلى الثورة وشق عصا الطاعة وتفريق الجماعة، معتمداً على شبهات يستقيها من مقالات أعداء الإسلام، معرضاً عن أدلة الكتاب والسنة التي توجب السمع والطاعة ولزوم الجماعة، محاولاً تأويلها وتحريفها..).

مع ذلك، لا يتردد الفوزان في نفي أن يكون العلماء يأمرون بمسائل السمع والطاعة مع أنه في كتاب (المنتقى من فتاوى الفوزان) والذي حوى فتوى جاءت في سياق فتاوى ممتدة من عصور متقدّمة لأئمة الحنبلية ومن جاء بعدهم من الوهابيين تتمحور حول الطاعة وحرمة الخروج على الحاكم البته. وفي فتوى له قال ما نصّه: (منهجنا في التعامل مع الحاكم المسلم السمع والطاعة..)، وسرد آيات وأحاديث نبوية توصل بحسب رأيه الى (الحث على السمع والطاعة)، وطبّق ذلك على الحاكم (فوليُّ أمر المسلمين يجب طاعته في طاعة الله، فإن أمر بمعصيةٍ؛ فلا يطاع في هذا الأمر ‏‏يعني‏:‏ في أمر المعصية‏‏، لكنّه يُطاع في غير ذلك من أمور الطّاعة‏).‏

ومن المعروف أن الفوزان له مواقف حادّة وخصامية تجاه الطوائف الإسلامية قاطبة، ونزعته الفارطة في تنزيه الذات تجعل التوقعات في تبنيه لمقاربات وحدوية آخر ما يمكن أن يرد في الذهن. ولكن لأنه في السياسة أقرب، ومسكون بطاعة ولي الأمر، فلا نستغرب حينئذ أن ينبري ودونما سبب لدعوة الوحدة..ولكن مهلاً.. فقد تعني الوحدة شيئاً آخر لا نعرفه، أو ربما تنطبق على مكان دون آخر.

في التوقيت، جاءت دعوة الفوزان بعد مرور اسبوعين على صدور الأمر الملكي الخاص بالمقاتلين السعوديين المدنيين والعسكريين في الخارج، بما يشتمل على عقوبات لكل المنتمين لجماعات متطرفة.

الفوزان عقد لقاء مع طلبة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، التي تخرّج فيها عدد كبير من المتشدّدين الذين هاجروا الى أرض الرباط في العراق وسوريا، ومنها أيضاً خرج التكفيريون. وقائع اللقاء نشرته صحيفة (الشرق) في 18 شباط (فبراير) الماضي وحذّر فيه طلبة الجامعة (من التحزّب والتفرّق، والتعصب لآراء الأشخاص)، وأكّد على (أن الأمة الإسلامية حزب واحد وجماعة واحدة لا تقبل التفرّق الذي يضعفها، وأن الخلاف يُحسم بالرجوع للكتاب والسُنَّة ولا تبقى الأمة يُبدّع ويُكفّر بعضها بعضاً..)..

كلام يبدو مستغرباً وبالغ الجدّة بالنسبة لشخص اعتاد تقسيم الأمة الى فرق وطوائف، أو بالأحرى الى معسكرين: الفرقة الناجية وهم أهل دعوته الوهابية، والفرق الهالكة وهم بقية المسلمين. اللافت أن الفوزان مرّر كلاماً يستحق التوقّف ما يؤشر الى (تعليمات عليا) قد وصلت اليه ومنها نصيحته طلاب بالجامعة باستغلال نعمة القبول والدراسة في الجامعة الاسلامية (يجب على من حظي بها أن يغتنمها ولا يفوتها ولا يقدّم عليها أي أمر حتى لو كان الجهاد، لأن الجهاد بلا علم لا ثمرة له، كما أن على الطالب ترك السياسة لأهلها). فهو هنا يتحدث عن أمر في غاية الأهمية، وكأنه يكشف عن أن الجامعة الاسلامية باتت مركز تعبئة للمقاتلين الذين يهاجرون من بين صفوف الدراسة للانضمام للجماعات المسلحة في الخارج، بل نصحهم بترك السياسة والانكباب على الدرس، وهذا يؤشرالى أن مستوى النقاش السياسي كان مرتفعاً في الجامعة الاسلامية، ما تطلب تدخلاً من الفوزان، بوصفه عضو هيئة كبار العلماء، والأقرب الى سياسة آل سعود.

أسئلة الطلبة، إن كانت غير معدّة سلفاً وبالتنسيق مع إدارة الجامعة، تعكس الجو العام في البلاد، وتتفيأ ظلال الامر الملكي الخاص بالمقاتلين السعوديين في الخارج. سؤال وجّه للفوزان حول (ما يوجّه لبعض طلاب الجامعة كغيرهم من الشباب من دعوات إلى القتال في مناطق عدة من العالم)، فأجاب الفوزان (إن على طلاب الجامعة اغتنام الفرصة التي منحت لهم بالدراسة في الجامعة والاشتغال بالعلم لأنه أساس كل عمل، حتى الجهاد، فإنه لا بدّ أن يكون مرشَّداً بالعلم كما كان جهاد النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته، وإن لم يكن على علم وبصيرة لم تكن له ثمرة، والجهاد المرشَّد بالعلم لا بد أن ينجح إما بالنصر أو الشهادة).

من الواضح، أن حديث الفوزان تعلق بأمر له صلة بالضغوطات التي يتعرض لها آل سعود نتيجة تشجيع الآلاف من الشباب للقتال في العراق وسوريا والارتدادات الخطيرة التي تركتها مشاركة هؤلاء في معارك طاحنة في العراق وسوريا حتى باتوا الرأسمال البشري في الجماعات الارهابية.

حديث الفوزان عن الوحدة يأتي في هذا السياق، ولا يحيد عنه، لأن ثمة خشية لدى آل سعود من العزل والتصنيف على أساس أن الدولة وفكرها الديني مسؤولان عن انفجار الظاهرة الارهابية على مستوى عالمي، وإن دعوة الوحدة والاصطفاف مع تيار الاسلام العام يجعلهم في مأمن، وينقذ الدولة من غضب العالم على ايديولوجيتها الدينية المسؤولة عن تحريض الشباب على الانخراط في القتال والعنف.

نقول ذلك، لأن الفوزان اشتهر بمواقفه المناهضة لكل ما هو وحدوي أو تقريبي، ولطالما هاجم كل من ينادي بالتقريب بين المذاهب وينعتهم بأبشع النعوت والأوصاف.

الشيخ الفوزان وفي تسجيل له صوتي هاجم دعاة التقريب مع الشيعة، أو (الرافضة) كما يسميهم. وله فتوى في حكم من لم يكفّر الشيعة. وله قول بصوته (الشيعة ليسوا أخواننا بل إخوان إبليس).

وقد نشرت صحيفة (المدينة) في 7 حزيران (يونيو) 2013 تعليقاً على مما صرح به الشيخ يوسف القرضاوي على مشاركة حزب الله في القتال في سوريا، فقال: (إنني أويد ما قاله سماحة المفتي الشيخ عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ في الشيعة الرافضة، خصوصا (حزب اللات) ، وقد عرفت عداوتهم للإسلام والمسلمين من قديم..). تجاوز الفوزان حزب الله وراح يوجّه موقفه العقدي ضد الشيعة عموماً كما يظهر من كلامه (وهم وإن تظاهروا بالإسلام وطلبوا التقارب مع أهل السنة ، فإنما ذلك من باب الخداع من أجل الاعتراف بمذهبهم الباطل، حتى يتمكنوا من الكيد للإسلام والمسلمين، ثم يوقعون بالمسلمين كما فعل أسلافهم)، مؤكدا أنه (قد عرف عن الشيعة وقوفهم الدائم مع الكفار ضد المسلمين كما في حروب التتار والصليبيين). ويبقى السؤال، هل سوف يثني الفوزان على الموقف الاعتراضي للشيخ القرضاوي من دعم حكومة ال سعود للإنقلاب في مصر؟ على أية حال، فإن ثمة موقفاً مخالفاً للشيخ القرضاوي ظهر بعد الانقلاب.

نشرت صحيفة (المدينة) في 22 آب (أغسطس) 2013 تصرحات لكبار علماء السعودية، من بينهم الفوزان، جاء فيها: (أن جماعة الإخوان ليس لها أصل في سلف هذه الأمة، وأنهم يبذلون أنفسهم ويعينون بعضهم حتى يصلوا بطريقة أو بأخرى إلى السلطة). ونقلت الصحيفة عن الفوزان عندما سئل: هل هذه الجماعات تدخل في الاثنتين وسبعين فرقه الهالكة؟ فأجاب بالقول: (نعم، كل من خالف أهل السنة والجماعة ممن ينتسب إلى الإسلام في الدعوة أو في العقيدة أو في شيء من أصول الإيمان فإنه يدخل في الاثنتين والسبعين فرقة).

مصنفات الفوزان في شرح عقيدة التوحيد كما صاغها الشيخ محمد بن عبد الوهاب جاءت مليئة بكل المواقف الخصامية ضد المسلمين عموماً دع عنك أتباع الديانات الأخرى. فنقرأ في كتاب (التوحيد) و(عقيدة التوحيد)، و(أهمية التوحيد) وغيرها مواقف للفوزان صارمة إزاء كثير من فرق السنة والشيعة، وكذلك ضد المسيحيين واليهود..

يقول الفوزان في كتابه (التوحيد): (الى أن فشا الجهل في القرون المتأخرة ودخلها الدخيل من الديانات الأخرى فعاد الشرك إلى كثير من هذه الأمة بسبب دعاة الضلال وبسبب البناء على القبور متمثلا بتعظيم الأولياء والصالحين وادعاء المحبة لهم حتى بنيت الأضرحة على قبورهم واتخذت أوثانا تعبد من دون الله بأنواع القربات من دعاء واستغاثة وذبح ونذر لمقاماتهم. وسموا هذا الشرك توسلا بالصالحين وإظهارا لمحبتهم وليس عبادة لهم بزعمهم. ونسوا أن هذا هو قول المشركين الأولين حيث يقولون (ما نعبدهم إلى ليقربونا إلى الله زلفا)

وفي (الفصل الخامس) من الكتاب بعنوان: (بيان حقيقة كل من: الجاهلية، الفسق، الضلال، الردة: أ قسا مها، أ حكا مها) يرد فيها على محمد قطب مؤلّف كتاب (جاهلية القرن العشرين). يعرّف فيه الجاهلية على نحو خاص: (هي الحال التي كانت عليها العرب قبل الإسلام من الجهل بالله ورسله وشرائع الدين والمفاخرة بالأنساب والكبر والتجبر وغير ذلك نسبة إلى الجهل الذي هو عدم العلم أو عدم اتباع العلم). ويتحدث الفوزان عن نوعين من الجاهلية: جاهلية عامة كانت قبل الاسلام وجاهلية مقيّدة قد تحدث في الدول وبعض البلدان وبعض الأشخاص وهذه لا تزال باقية. وبهذا (يتضح خطأ من يعممون الجاهلية في هذا الزمان فيقولون: جاهلية هذا القرن وما شابه ذلك، والصواب أن يقال جاهلية بعض أهل هذا القرن أو غالب أهل هذا القرن. وأما التعميم فلا يصح ولا يجوز لأنه ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم زالت الجاهلية العامة). وفي ذلك يرد الفوزان على قطب، على خلفية واضحة أن تستثني الجاهلية الوهابية وأهل دعوته باعتبارهم الفرقة الناجية الوحيدة فيما عداه واقعة في خانة الفرق الهالكة.

لا يتردد الفوزان في نفي صفة أهل الكتاب عن اليهود والنصاري بل يصنّفهم في خانة الكفار والمشركين ويؤكّد على وجوب قتالهم حتى يسلموا وأن الجنة محرّمة عليهم، وأن أموالهم ودماءهم مباحة للمسلمين وكذلك إتخاذهم عبيداً، بحسب ما جاء في كتاب (عقيدة التوحيد). لا يقتصر الأمر على اليهود والنصارى بل قال الفوزان ما قال بعد أن فرغ من نفي صفة الاسلام عن كثير من المسلمين المصنّفين في معسكر المشركين والمبتدعة وإن تظاهروا باعتناق الاسلام والتشهّد بأن لا إله إلا الله، وإن محمداً رسول الله. فهم في كل الاحوال وفي نهاية المطاف مشركون، ومبتدعة، مهما تسموّا روافض، معتزلة، جهمية، صوفية، وهؤلاء أيضاً يجب قتالهم لأنهم أشركوا شركاً أكبر فوجب قتالهم، فدماؤهم، وأموالهم حلال لاهل لتوحيد.

ويرجع في كتابه الى ما يردده في هيئة فتاوى، وتصريحات في تكفير أتباع الديانات الأخرى وكثير من طوائف المسلمين. فقد ردّد في كتابه (أهمية التوحيد، ص 24) مقوله أن (الكفار يُدعون إلى التوحيد، أعني الكفار الأصليين من اليهود والنصارى والوثنيين). وعلى هذا الأساس التكفيري يتبلور الموقف العقدي والعملي إزاء الآخر، الكافر ابتداءاً، حيث يستوجب دعوة الكفار الى التوحيد، وإلا طالهم السيف. ولأن أتباع الديانات الأخرى كفارٌ ابتداء، بحسب الفوزانن فإن أعمالهم في الآخر كسراب أو هباءً تذروه الرياح لا قيمة له ولا ثمرة ولا ثواب.

الفوزان، شأن المقلّدين والتابعين لعقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ينزع نحو تجاوز الآية والحديث واستعارة فهم مؤسس المذهب في تكفير الآخر. الفوزان في كتاب (عقيدة التوحيد) يستشهد بكلام الشيخ ابن عبد الوهاب بما نصّه: من لم يكفّر المشركين، ومن يشكّ في كفرهم، أو صحح مذهبهم؛ كفر. هذا الرأي تجده يتردد ويغمر مقررات التعليم الديني الرسمي، ومصنفات التوحيد لكبار علماء المذهب. والكلام عن تكفير المشرك والشك فيه لا يقصد به أتباع الديانات الأخرى بالضرورة، فقد ينطبق على أكثر المسلمين الذين لا تنطبق عليهم صفات المسلم وفق المعايير الوهابية أو الذين سقطوا في حبائل (نواقض الاسلام) كما رصدها الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

وفق المعايير الوهابية للإسلام والمسلم الموحّد، فإن الكثير من المسلمين هم مشركون شركاً أكبر ويخلدوا في النار. والنواقض المؤدية الى إخراج المسلم من الاسلام وإدخاله في عالم الشرك والبدعة هي التقرّب بالذبائح والنذور لغير الله من القبور والجن أو الشياطين، وطلب قضاء الحاجات وتفريج الكربات، مما يمارس حول الأضرحة المبنية حول قبور الأولياء والصالحين. هذا يعني ببساطة أن معظم المسلمين ممن يبنوا أضرحة فوق القبور هم مشركون شرك أكبر، وينطبق عليهم ما بنطبق على المشركين والكفّار وكذلك الاحكام الجزائية المترّتبة علها..

ولأن الفوزان يرى في أهله دعوته وحدهم الفرقة الناجية، وهم أهل التوحيد الصادقين الذين أتقنوا فهم ووعي الاسلام من خلال إدراك معاني التوحيد، فهم الذين خصّهم الله بالإسلام ونفى عن غالبية عباده المسلمين هذه الصفة، أو بحسب قوله (فالعالم الإسلامي اليوم ما عدا هذه البلاد التي حماها الله بدعوة التوحيد، فيها المشاهد الشركية المشيدة على القبور كما تسمعون عنها أو كما رآها بعضكم ممن سافر. الدين عندهم الشرك وعبادة الموتى والتقرب إلى القبور).

إذاً، لم يكن الفوزان في دعوة الوحدة الإسلامية سوى قفزة في الهواء، فليس هو الشخص المؤهّل لنيل هذا الوسام، وهو الذي اعتاد أن يقسّم الناس فيضع هذا في الجنة وذاك في النار وبئس القرار، وإنه بدعوته الوحدوية يلبي حاجة في السياسة أكثر منها حاجة للدين وفي الدين.

الصفحة السابقة