50 طعنة سدّدها مواطن بجسد وافد مستضعف

الضمير الغائب قبل الأمن!

هيثم الخياط

قد تعتبر علامة على انفراط الوضع الأمني في بلد يحلو لحكامه الزعم بأنه (بلد الأمن والأمان).

وقد تعتبر اشارة الى معاناة ملايين العمال في بلد يزعم حكامه أنه (مملكة الإنسانية).

انها قصة مثيرة للدهشة والإشمئزاز معاً.

مواطن يسدد أكثر من خمسين طعنة بالسكين الى عامل أجنبي اختلف معه، وأمام مرأى من العامة، وكأنه غير مبال بحرمة الدم والنفس البشرية؛ أو كأنه مطمئن الى أن روحه لن تُنتزَع جرّاء قتله، حيث لا تكافؤ في الدم، في مملكة الزيت والدماء!

توقف المواطنون مشدوهين في حي السويدي بالعاصمة الرياض وهم يرون مجرماً يلاحق بائع بقالة آسيوي يفرّ بحياته من السفاح، ليسدد طعناته الواحدة تلو الأخرى للعامل المستضعف، في حادثة تثبت المرة تلو الأخرى، بأن حقوق العمال والعاملات واهتضامهم بشأن رواتبهم وأعراضهم وحتى حياتهم معرضة للخطر، حيث لا قانون يحمي، ولا ضمير يردع، ولا أمنٌ سوى أمن العائلة المالكة وحكمها!

انها مأساة. والقصة ببساطتها ومآساتها كانت هكذا: عامل اسيوي هندي مسلم، يبيع في بقالة، جاءه شاب ليشتري علبة سجائر ولم يعطه سوى سبعة ريالات، في حين القيمة عشرة. رفض البائع، فغادر الشاب وجاء بسكين وقام بطعن البائع الذي فرّ وهو يخور بدمه، مناشداً الناس والمارة انقاذه، ولكن لا مجيب، وقد لاحقه المجرم الى وسط الشارع وطعنه اكثر من خمسين طعنة، وجلّ ما فعله المواطنون هو المراقبة وتصويره بكاميرا الجوال، والصراخ عليه من بُعد كي يكفّ عن جريمته!

صورة من الفيديو حيث المجرم يقتل

سيقول لنا البيان الرسمي بأن المقيم الأسيوي الذي قُتل بدم بارد على يد مواطن مستهتر، إنما هو مختلّ عقلياً! ولربما يُصار فيما بعد الى رشوة عائلة القتيل بدراهم معدودة حتى لا يُنفّذ القصاص في المجرم. ولربما صمتت سفارة بلاده كما هي العادة، إن لم تتحول القضية الى رأي عام في بلد القتيل.

وفي كل الأحوال: أهلاً بكم في مملكة العدالة والأمن والإنسانية!

شيوع الحالة العنصرية في بلد يزعم تطبيق الاسلام، وملك يزعم أنه يحكم مملكة الانسانية، استشرى فاستهدف العمال الأجانب وقتلوا. بدأت باليمنيين وتكررت معهم. ثم جاءت حالات الاعتداء والقتل للعمالة الأثيوبية وطردها العام الماضي. وها نحن نشهد تعدياً أكبر مما مضى واستهتاراً غير مسبوق بأرواح العمالة الأجنبية.

لا أثر للإسلام في مملكة آل سعود الإسلامية.

لا أثر للإنسانية في مملكة فقدت ضميرها.

ليست المأساة وحدها في ارتكاب جريمة قتل بحق أناس مستضعفين جاؤوا للعمل فحسب، بل المأساة الأكبر هو سلبية المواطن، والأكثر مأساة هو الدفاع عن القاتل وتبرير جريمته على خلفية عنصرية لا علاقة لها بدين ولا بقانون! تماماً مثلما فعل بعضهم حين قتل العمال الأثيوبيون امام مرأى ومسمع من السلطات الأمنية، دون ان يعتقل او يُحاسب أحد.

انتهت المأساة ولم نحصل إلاّ على هاشتاغ في تويتر، عنوانه محبط: (# قتل عامل آسيوي بسبب ثلاثة ريالات). جاء في الهاشتاغ تعليقات مخزية من مواطنين يقال انهم تعلموا الدين، وان بلدهم انساني، وانها ليست بلاد بلا قانون. يقول أحدهم: (يستاهل الهندي… أهم شيء أنه أجنبي.. اكيد الهندي قلّ أدبه.. أكيد الهندي مسوّي شيء يقهر، يا متحرّش يا مُغتصب)!

وهناك تعليقات أخرى لا تختلف عن سابقاتها تنضح بالعنصرية، وتتهم الضحية بالإعتداء على العرض وغيره. اما ابن البلد القاتل المجرم، فبريء، قبل ان يسمع الناس الحكاية من أساسها! أحد المغردين يدافع عن ابن بلده، ويقول انه لو قتل شيعياً لكان أفضل! فترد عليه مغردة مواطنة شيعية: انه تبرير للقاتل لأن المقتول هندي. هذا ليس إلا نتاج تعليمكم وتربيتكم!

لا لم يكن سبب القتل ثلاثة ريالات، بل لأن القاتل تربّى على العنصرية وان المقتول هندي. كما لم يكن سبب الجريمة (بلاوي السجائر)، كما غرد أحدهم، بل السبب هو: موت الضمائر! السعودي اكثر انسان يتعلم الدين، ولكنه ربما يكون بين الأقل التزاماً به، وربما الأقل انسانية، إذ يظن ان هناك انساناً دمه أغلى من إنسان آخر، ترى أين الدين الذي يزعمونه وتعلموه؟ ما فائدة المناهج الدينية التي تربي القتلة والمجرمين؟

حتى منظومة العدالة السعودية تقرّ التمييز العنصري حتى بين المواطنين. إنها تقدّس الغربي الأبيض، وتحتقر الآسيوي. هذا المجرم السعودي القاتل يعرف أن ١٢٠ الف ريال تنهي القضية.

مؤلم ان نجد حتى للمجرم السفاح مائة تبرير وعذر، لماذا؟ لأنه من جلدتنا ونفس لوننا وهذا مثال حيّ للعنصرية التي هي سرطان الشعوب. والأكثر إيلاماً انه لم يتحرك مجموعة اشخاص لإنعاش الضحية قبل ان يجهز عليه او للسيطرة على القاتل. كانوا مشغولين بالتصوير!

تسأل الكاتبة حليمة مظفر: (الى أي درجة وصل حال الناس. رجل يقتل بدم بارد في النهار والناس والسيارات تمر عادي وتصوّر كمان! أعوذ بالله).

إنه الأمن والأمان المزعوم يا سيدتي. حدث هذا في العاصمة وفي الشارع العام وكل الذي قدر عليه النشامى هو التصوير، لأن المقتول هندي، لم يقولوا حتى انه مسلم يتكافأ دمه مع دم المجرم القاتل!

كان متوقعاً ـ كما في حالات سابقة ـ ان تلتمس السلطات العذر للقتلة ان كان الضحايا اجانب. فالمجرم لم يكن في وعيه بسبب تعاطيه المخدرات كما يقول متحدث باسم شرطة الرياض فواز الميمان! والقاتل قال بأنه رأى أرواحاً شريرة وأراد التخلص منها بقتل الهندي؟! لماذا لم يقتل سعودياً، أو أميراً؟ ام أن العمالة الأجنبية السمراء هي منبع الشر؟

نعم فإن زعم المرض النفسي مجرد جدار لتغطية بعض الجرائم. مثلما كان ولازال الجنّ مبرراً للسرقة والنهب والإعتداء على الأعراض!

المحامي عمرو الرافعي يتوقع أن يُحكم على القاتل بإيداعه مصحة نفسية وينتهي الموضوع، ويبقى المئات أمثاله في الشوارع مطلقين الى ان تقع حادثة أخرى.

عظم الله أجرنا في ضمائرنا ان كان الدفاع عن القاتل بحجة انه مختل عقلي!

حقاً لو سبّ (ابو ملعقة) وهو لقب القاتل المجرم، لو سبّ ولاة الأمر لسُجن قبل أن يكمل شتمه. لكن ما دون ذلك لا يؤثر على الأمن والأمان!

الصفحة السابقة