منتجات السعودية: ارهاب، حروب، وفساد

التمدد السعودي وأخطاره

مشروع إصلاح الكون أم تدميره!

سعدالدين منصوري

كانت المملكة السعودية والى وقت قريب ينظر اليها على أنها الاستثناء الذي شذّ عن باقي الدول ذات الأكثرية المسلمة، لجهة تمظهر المملكة دينياً، ونزوعها نحو اعتناق ايديولوجية اسلامية على المنهج السلفي وتبني مشروع إحياء ديني، الحلم الذي راود الاسلاميين الذين رأوا في سقوط الخلافة العثمانية سنة 1924 مأساة على مستوى العالم الاسلامي، ولابد من السعي من أجل إعيادة احيائها.

أفادت الأسرة المالكة في السعودية لناحية ترسيخ الصبغة الدينية من خلال العناوين التالية:

  • رعاية الأماكن المقدّسة للمسلمين، ولا سيما في مكة والمدينة، والاشراف الكامل على الحج والعمرة مع ما يعنيه ذلك من تحكم السعودية بحصص الحجيج واستخدام المواسم المقدّسة لنشر العقيدة السلفية الوهابية وتعميم السياسة التي تعتنقها السلطات السعودية، عبر توزيع الكتب الموجّهة للحجاج والمعتمرين والتي تطبع بعدة لغات فضلاً عن طباعة القرآن الكريم وتوزيعه على جميع الحجاج باسم الملك السعودي الذي اتخذ لنفسه لقب خادم الحرمين الشريفين.
  • الانتساب الى الجزيرة العربية، موطن الاسلام وما يشتمل عليه من ايحاءات لمسلمي العالم بأن الاسرة المالكة هي عشيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقيته الباقية، وأن السعودية هي إسم قديم للجزيرة العربية منذ الأزل مع ما يعنيه للمسلمين الطيبين والبسطاء من قداسة.
  • التبشير المذهبي الكثيف، على قاعدة أن ما جاء به محمد بن عبد الوهاب هو الدين الصحيح وأنه مجدد الاسلام، وقامع الجاهلية الثانية، وأن كل ما عدا الوهابية هو باطل ومنحرف ولابد من محاربته ومكافحته. ومن أجل هذه الغاية، خصّصت المملكة السعودية ما يقرب من 70 مليار دولار لنشر الوهابية في أرجاء العالم، كما خصّص الملك فهد مليار دولار سنوياً لتمويل نشاطات المدارس الدينية والمراكز الدعوية التي تعمل على ترويج الوهابية في أصقاع المعمورة. وقد أخذت المملكة السعودية على عاتقها نشر المذهب عبر الوسائل التالية:

أ ـ بناء عشرات الآلاف من المساجد في العشرات من دول العالم.

ب ـ افتتاح مئات المعاهد والمدارس لتعليم المذهب الوهابي على امتداد العالم

ج ـ تأسيس عشرات الاذاعات والفضائيات والصحف والمجلات ودور النشر للترويج للمذهب الوهابي.

د ـ رعاية آلاف الأحزاب والجمعيات والشخصيات الاسلامية مالياً بقصد التأثير على توجهاتها الفكرية والسياسية واستمالتها الى الوهابية وتالياً الى الاهداف السياسية المشبوهة للمملكة والمشروع الذي يستخدمها..

هـ ـ الهيمنة على القرار السياسي وتبعاً الديني والمذهبي لعشرات الدول الاسلامية في العالم وفيها الدول الكبيرة جداً، مثل أندونيسيا وباكستان والمتحضرة مثل ماليزيا، وتالياً السيطرة على منظمة المؤتمر الاسلامي، والتأثير في قمة دول عدم الانحياز والجمعية العامة للأمم المتحدة.

و ـ استقطاب مئات الآلاف من طلاب العلوم الدينية والحديثة للدراسة في الجامعات والمعاهد الدينية السعودية مثل جامعة أم القرى في مكة والجامعة الاسلامية في المدينة وجامعة الامام محمد بن سعود بالرياض وغيرها، حيث يتم تنشئة دعاة يتحوّلون الى مبشّرين للوهابية وللمملكة السعودية، وكثيراً منهم تحولوا الى أمراء شرعيين في تنظيمات قاعدية كما هو حاصل في سوريا (جبهة النصرة)، (الجبهة الاسلامية) حيث تخرج الأمراء الشرعيون في هذه التنظيمات من الجامعات الدينية السعودية.

ز ـ تشويه صورة المذاهب الاسلامية الاخرى وتوصيمها بالكفر والضلال والانحراف، بالاستفادة من كل ما تقدم من آلاف الجمعيات في العالم الإسلامي والذي تخصص لها السعودية الرواتب والبرامج الثقافية والتوجيهية بقصد صرف أتباع المذاهب عن مذاهبهم وتحوّلهم الى الوهابية..

وخلال عقود من الزمن، تمكنت السعودية من تكريس زعامتها وقيادتها للعالم الاسلامي، وصار كثير من المسلمين ينظرون إليها على أنها دولة الاسلام والى ملكها على أنه خليفة المسلمين الذي تجب طاعته، واستطاعت نشر المذهب الوهابي في الكثير من دول العالم الاسلامي بل وفي أرجاء العالم، على حساب المذاهب الاسلامية الأخرى لا سيما أتباع الطرق الصوفية والمذاهب المعتدلة كالشافعية والمالكية، فحولت بعض هؤلاء عن اعتدالهم الى كتل وهابية متطرفة تمارس التحريض والتعبئة المذهبية ورفض الآخر وتخلق مئات الفتن مباعدة بين المسلمين في أوطانهم، فبدل أن يهتم المسلمون بقضايا أوطانهم ويعملوا للتخلص من الجهل والأمية والفقر والاستعمار وينتبهوا الى عشرات المسائل الحيوية صار جل همهم كيف يهدمون أضرحة الأولياء وينشرون الأفكار التكفيرية ويبشرون بدعوة نبي الاسلام الجديد محمد بن عبد الوهاب ويعملون ليبايع المسلمون الخليفة الذي بز بعدالته وعلمه وبلاغته الخلفاء الراشدين.

بعد نجاح عبد العزيز باخضاع نجد والحجاز والإحساء وعسير أسس مملكة باسم أسرته وعيّن عليها أمراء حكّاماً مطلقي اليد على أرجاء الأقاليم التي تشكلت منها المملكة وأطلق يد المشايخ الوهابيين لإرغام السكان المحليين على الالتزام بتعاليم الوهابية والنيل من المذاهب الاخرى بقصد تمكين الوهابية من الجزيرة العربية، ولذلك فرضت المعادلة التالية منذ تحالف ابن عبد الوهاب وابن سعود: السلطة الزمنية للأسرة السعودية المالكة والسلطة الدينية لآل الشيخ من المتحدرين من محمد بن عبد الوهاب..

كان الأبناء كما الأب ملوكاً وأمراء أبعد ما يكونوا عن المعرفة بالاسلام حتى بالمذهب الوهابي فضلاً عن الالتزام به، ولم يقرأوا في كتاب ولم يتعلموا في مدرسة، ولم يكن الواحد منهم يحكم قراءة آية من كتاب الله تعالى، أو يحسن النطق الصحيح ولو بجملة مفيدة واحدة من اللغة العربية، ويمكن لأي باحث بسهولة أن يتأكّد من هذه الحقيقة وبأيسر الطرق، مع وجود شاشات التلفزة والمواقع الالكترونية.

كان الملوك السعوديون واحداً تلو الآخر وبلا استثناء ومنهم آلاف الأمراء يعيشون البذخ والترف الذي لم يعرف التاريخ نظيراً له، وان قارون وفرعون وهامان يتحسرون على أنهم لم يدركوا زمان ال سعود، فلكل ملك عشرات القصور الفاخرة، والطائرات الخاصة والرحلات الملكية الى الخارج مع أرقام مالية خيالية ينفقونها لتأمين الراحة والرفاهية والدعة وتحقيق الملذات المشروعة وغيرها، ما يساعدهم على العودة الى السعودية ليقوموا بواجباتهم التي تثقل كاهلهم خدمة للشعب ودفاعاً عن الأمة الاسلامية! وكانت القصور الملكية داخل السعودية أماكن مقفلة لممارسة الرذيلة والفساد لخصوص أفراد الأسرة المالكة، وأصدقائهم الأوروبيين والأميركيين وغيرهم رجالاً ونساءً، أما الشعب فلو أن أحداً من أفراده سرق خروفاً أو ارتكب معصية صغيرة لناله العقاب الشديد الذي يبدأ بالجلد والسجن مروراً بقطع اليد ووصولاً الى قطع الرأس.

كانت الأموال الطائلة التي حرم منها الشعب تنفق على النحو التالي:

  • تأمين شهوات ورغبات آل سعود.
  • تأمين تكاليف نشر الفكر الوهابي في الداخل والخارج.
  • تخصيص مبالغ لمواجهة المذاهب الاسلامية الأخرى والتشويش عليها.
  • ايداع مداخيل الدولة من مبيعات النفط في البنوك الاميركية وادخالها في الدورة الراسمالية الغربية للحفاظ على الاستقرار النقدي وتأمين حركة الاسواق عبر الايداعات الضخمة والتي يتحكم بها الساسة الغربيون. ولا ننسى شراء سندات الخزينة الاميركية حيث تعد السعودية رابع دولة على مستوى العالم.
  • شراء الأسلحة وبأسعار خيالية من الغرب لضمان تسيير المصانع الغربية من السلاح، وما تشتمل صفقات الشراء على رشاوى كبيرة جديدة يقتطعها الأمراء من هذه الصفقات.
  • دفع فواتير الحروب التي تشنها الولايات المتحدة والغرب في العالم من قبيل:

أ ـ الحرب العراقية الايرانية (1980 ـ 1988)، حيث أنفقت السعودية عشرات المليارات من الدولارات ، وكشف الملك عبد الله خلال زيارة وفد عراقي للرياض سنة 2007 بأن المملكة أعطت صدام حسين 30 مليار دولار كهبة في حربه ضد ايران، الى جانب عشرات الصفقات العسكرية التي أبرمتها السعودية مع الولايات المتحدة وأوروبا من أجل دعم الآلة العسكرية العراقية، حيث كانت الطرق الدولية البرية بين العراق والمملكة السعودية تحتشد بقوافل المدرعات والدبابات وشاحنات العتاد المتوجهة الى العراق.

ب ـ حرب الخليج الثانية (1990/1991) حيث تكفّلت السعودية بدفع فاتورة عاصفة الصحراء في سياق تحرير الكويت من الاحتلال العراقي وبلغ حجم الانفاق في هذه الحرب 670 مليار دولار.

ج ـ حروب الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح مع الحوثيين في اليمن.

د ـ الحروب الاسرائيلية على جنوب لبنان وغزة عامي 2006 و2008.

هـ ـ آلاف العمليات الانتحارية والتفجيرات في باكستان والعراق وسوريا ولبنان والهند وروسيا..

و ـ الجماعات المسلّحة في سوريا وتمويل نشاطات التنظيمات التابعة للقاعدة مثل داعش والنصرة وبوكو حرام وغيرها.

ي ـ حملات انتخابية لمرشحين محددين في الولايات المتحدة وأوروبا (بريطانيا ايطاليا فرنسا)، والشرق الأوسط (مصر العراق لبنان اليمن)..

ز ـ دفع هبات مقطوعة وسخيّة الى الجيش اللبناني (3 مليار دولار)، والجيش المصري (3.5 مليار دولار)، و4 مليار دولار الى الاردن وتقديمات عينية أخرى الى مصر وباكستان وغيرها..

كل هذا الانفاق والتبذير كان على حساب الملايين من الشعب الذي يعاني من الفقر والبطالة وأزمة السكن وسوء الخدمات العامة، حيث بلغ عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر 3 ملايين، فيما وصلت البطالة الى معدلات قياسية اي 28 بالمئة، واعترف وزير العمل السعودي بوجود مليوني عاطل عن العمل، فيما لا تتجاوز نسبة تملك السكن سوى 20 بالمئة فيما يعيش الغالبية الساحقة من السكان في بيوت مستأجرة..

علاوة على ذلك، فإن الثروة الهائلة التي بحوزة المملكة السعودية لم توظف لخدمة قضايا الامة بل كانت وبالاً ونقمة عليها، وجرى تثميرها في مشاريع مناهضة الأمة والاقعاد بها عن التنمية ومعالجة مشكلات الحرمان والفقر والتخلف. الأنكى من ذلك كله، أن الاموال الطائلة وضعت في خدمة إشاعة الإضطرابات الأمنية والفتن الطائفية والمذهبية وقتل الابرياء وكل ذلك يتم باسم الدين..فكان النفط والاسلام اللذان تميزت بهما المملكة السعودية عنصرا تفجير الأمة من داخلها، بدلاً من أن تحقق مداخيل النفط تنمية الامة فيما يحقق الاسلام وحدتها وتمساكها واستقرارها الروحي والحضاري..

والأخطر من ذلك، أن المملكة السعودية دفعت بأموال وخيرات الارض التي وهبها الله اياها من أجل تعطيل الاستقلال السياسي في العالم الاسلامي وكذلك الاستقلال الاقتصادي والثقافي وصولاً الى طمس الهوية وتعزيز أسس التبعية للغرب وإعادة إنتاج الاستعمار بأشكال أخرى، وقد لحظنا كيف تصرفت السعودية بعد قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من المنطقة أو بالأحرى نقل جزء كبير من ثقلها الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي الى الشرق الأقصى، حيث عمل الدبلوماسيون السعوديون بكل ما بوسعهم بالتعاون مع الكيان الاسرائيلي من أجل إبقاء الولايات المتحدة في المنطقة.

كانت السياسة السعودية تقوم على إرضاء طموح الامة الاسلامية ولكن بقشور جافة وميتة، من خلال تعميم مفاهيم مضللة ومشوّهة عن التقدّم الاسلامي عبر المظهر الخارجي للمجتمع ببناء أجمل المساجد وأضخمها في عواصم العالم، وبناء المراكز الدينية والمعاهد وتنظيم مئات المؤتمرات الاسلامية وانتاج الافلام والبرامج والمسلسلات الدينية، ولكن في جوهرها لا تنم سوى عن عملية قشرية ومضمون فارغ لا يحمل في داخله رسالة حياة ولا تدفع الامة نحو التحرر من ربقة الاستعباد بكل أشكاله السياسية والاقتصادية والثقافية والتكنولوجية..

في الحاصل النهائي، فإن الامة الاسلامية التي يتجاوز تعدادها المليار وثلائمائة مليون مسلم تفتقر للحد الأدنى من التأثير السياسي والاقتصادي والاعلامي والثقافي في العالم، من اندونيسيا بسكانها البالغ عددهم مائتي مليون نسمة، الى باكستان صاحبة القنبلة النووية، مرورا بتركيا ومصر وصولاً الى نيجيريا وكل البلدان الاسلامية في القارة الافريقية.. بل يلحظ بوضوح أن العالم الاسلامي تحوّل الى مستهلك للمنتجات الثقافية والفنية والتجارية والتكنولوجية الى جانب ارتهانه للخيارات السياسية الغربية.

في المقابل، نلحظ ويلحظ العالم بأسره كيف أن دولة صغيرة مثل اسرائيل لا يتجاوز عدد سكانها سبعة ملايين استطاعت الى جانب احتلالها لبلد عربي واسلامي يضم أول القبلتين وثالث الحرمين الشريفين أن تنال من النفوذ الاقتصادي والسياسي والامني والثقافي في معظم دول العالم وقاراته الخمس وحتى داخل الدول الاسلامية، ما لم تنل عشره الدول الاسلامية مجتمعة ودون منافس.

بل بلغ الحال بالأمة أن هناك من الدول العربية وعلى رأسها السعودية من يعقد اللقاءات التنسيقية للتآمر على بلدان عربية وإسلامية أخرى، ولا تتردد اليوم ـ كما يظهر في تبجّح رئيس الاستخبارات العامة الاسبق تركي الفيصل الذي يجري لقاءات علنية مع مسؤولين اسرائيليين وينسب ذلك للصدفة التي تجمعه بهم، ومن غرائب الصدفة أنها تتكرر في مناسبات مماثلة ومع أشخاص من نفس الدولة، وفي أحسن الاحوال يزعم بأنه لا يمثل الدولة السعودية وإنه لا يتولى منصباً رسمياً، مع أن العلاقات يفترض أن تكون مقطوعة وأن التعامل مع الاسرائيليين لا يزال ضمن المحظور سياسياً وقومياً وفق مقررات الجامعة العربية الخاصة بالتطبيع مع العدو، وهل هناك أقبح تطبيعاً مما يقوم به الأمير تركي الفيصل حالياً؟!

وقد لحظنا كيف جرى توظيف الأزمة السورية بعد أن صادر المتدخلون في ثورتها الى عملية تبديل في أولويات الأمة فأخذت الازمة طابعاً مذهبياً وبات ينظر كثيرون الى ما يجري بأنه مواجهة بين السنة والشيعة فيما تمت إزالة اسرائيل من قائمة الاعداء وباتت بمثابة الصديق والحليف تستقبل جرحى مقاتلي الجماعات المسلّحة في سوريا في مستشفياتها، ويلتقي الأمراء السعوديون مع مسؤوليها بل ويروّج لتلك اللقاءات ويعتبرونها بمثابة الظهير السياسي في مواجهة اعدائهم.

مع ذلك كله، فإن السعودية اليوم تعيش أسوأ أوقاتها فهذا الكيان الذي قام على القتل والسبي واحتلال أراضي الغير ومصادرة خيراتهم وممتلكاتها بعنوان الجهاد، تدخل اليوم مرحلة شيخوخة بالمفهوم الخلدوني حيث تبدأ بالصراع على السلطة في شكله الحاد ثم يقتطع الأقوياء أو من له قوة أجزاء منه وينفردون بحكمها وصولاً الى تفككها، وهناك من المؤشرات التي تدل على وصول المملكة السعودية مرحلة الانهيار:

  • حالة السخط الشديد والمتنامي عند الأغلبية الساحقة من السكان، فالظلم المتعاظم على امتداد ما يربو عن ثمانية عقود على تأسيس الدولة السعودية وقبل ذلك حين كانت السيوف تهوي على رقاب الابرياء من سكان المناطق الذين رفضوا جور الغزاة السعوديين، كان كفيلاً بأن يغذي مشاعر الغضب والسخط والاحتجاج لدى الاجيال المتعاقبة، وترافق ذلك مع ما أصاب الناس من ويلات اقتصادية وأمنية وسياسية. فبرغم من الفائض المالي المتراكم منذ 2003 وحتى اليوم والذي تجاوز تريليوني ريال سعودي أي ما يقرب من 560 مليار دولار الا أن ذلك لم ينعكس على أوضاع الناس المعيشية، فنسبة الفقر بلغت 30 بالمئة من إجمالي عدد السكان، يضاف الى ذلك ارتفاع معدلات البطالة وأزمة السكن وغيرها، الى جانب حجم الفساد المالي غير المسبوق في تاريخ أي دولة، حيث وصل الى أكثر من تريليون دولار، وباتت الدولة عاجزة عن مجرد الحد من الظاهرة لأن المنغمسين في الفساد باتوا كثر وغير مؤمنين بالدولة، بل ينظر كثير منهم الى أنها كيان زائل.
  • شيخونة الاسرة المالكة، لا سيما أبناء الملك المؤسس، والمرشحون للخلافة حيث ناهز عمر أصغرهم 72 سنة بينما بلغ عمر الملك التسعين عاماً، ولا يستطيع أن يعمل أكثر من ساعة في اليوم وهو الى الموت أقرب منه للحياة. وإن الترتيبات التي قام بها عبر اعفاء عدد من الامراء وتمهيد الطريق لوصول أبنائه الى العرش لا سيما نجله الأكبر متعب بن عبد الله، وزير الحرس الوطني، والذي بات المرشح الاقوى لتولي العرش بعد أن عين الملك أخاه غير الشقيق مقرن بن عبد العزيز في منصب ولي ولي العهد الا أن ثمة صراعاً في الخفاء يحتدم وقد ينذر بانفجار حرب دموية في البيت السعودي.
  • في كل الاحوال فإن أعمار الأمراء لا تزال تشكل عقبة أمام استقرار السلطة، وإن عجز الاسرة المالكة عن مواكبة المتغيرات الداخلية والخارجية يجعلها في مواجهة مأزق سياسي وأمني، حيث يتربص الأمراء من أبناء الملك الاخوة ببعضهم شراً..
  • انقشاع سحر الكيان، فلم تعد السعودية ذلك التابو الذي لا يجوز اختراقه، فقد انكشف سره أمام الرأي العام الاسلامي وأنه مجرد كيان مصطنع وعميل للغرب وداعم للكيان الاسرائيلي ومتآمر على الشعوب العربي والاسلامية.
  • تبدد أوهام الوهابية، فقد جاءت لإصلاح المجتمع فتحوّلت الى آلة لتدميره عبر الفتن، والتكفير والجهاد، وبدلاً من أن تحقق أمن المجتمع واستقراره وفّرت كل مبررات الدخول معه في مواجهات تحت عناوين شتى، مرة باسم تحكيم الشريعة، وأخرى باسم إقامة دولة الخلافة. فالنماذج التي قدّمتها الوهابية في سوريا والعراق وافغانستان وباكستان ولبنان وغيرها كانت كافية لإقناع المسلمين والعالم بأن الوهابية تحوّلت الى مصدر خطر على أمن العالم ومصدر تهديد لسلامة الناس ومنافعهم.
  • شعور أميركا والغرب بخطر السعودية والوهابية خاصة كفكر أنتج تنظيم القاعدة الارهابي والعشرات من التنظيمات الدينية المتطرفة، مع ما يعنيه ذلك من التفكير الجدي بالتخلص من المملكة السعودية عبر تفكيكها..

ان انحلال المملكة السعودية وتلاشيها ككيان مصطنع أسس من قبل البريطانيين لخدمة مشاريع خطيرة ضد الأمة بات أقرب من أي وقت مضى وكل المؤشرات تدل على اقتراب هذا اليوم ويمكن أن نتصور العالم الاسلامي يومها على النحو التالي:

1 ـ ضعف الفكر الوهابي وتلاشي أتباعه، وتخلص الامة الاسلامية من الدعوة الى التكفير والكراهية والتفرقة والتنازع والتقاتل، فالفكر الوهابي فكر متخلف بعيد عن المنطق السليم والشرع القويم والعقيدة الصحيحة، يدعو الى الكراهية وينبذ الآخر، ويتنافى مع الفطرة السليمة، وانما انتشر هذا الفكر وكثر اتباعه لا سيما في البلدان الاسلامية الفقيرة بسبب المال والخداع الاعلامي، وتلبيس الحق بالباطل، وسطوة السلطة ووضع اليد على مواسم الحج والعمرة وبناء المساجد المزخرفة.

2 ـ نهاية الارهاب في العالم، خصوصاً ذلك النوع القائم على أسس عقدية ودينية، لاعتبارين: الأول أن هذا الارهاب وعلى رأسه تنظيم القاعدة وتفريعاته انما قام بفعل الفكر والثقافة والمنهج الوهابي، وبفعل الدعم المالي السعودي السري والعلني للقاعدة وباقي قوى الارهاب، والثاني أن الكثير من أعمال الارهاب والتفجيرات الانتحارية والاغتيالات السياسية وغيرها في كثير من دول العالم، من روسيا، الى ايران وباكستان والعراق وسوريا ولبنان انما تتم بإدارة وتنفيذ مباشرين من المخابرات السعودية حيث اشتهر الامير بندر بن سلطان كأحد مهندسي الارهاب في العالم.

3 ـ سيادة الاستقرار السياسي في الكثير من دول العالم العربي والاسلامي، فالسعودية كانت تمنع هذا الاستقرار حيث لا ينسجم مع مصالحها، كوقوفها في وجه تشكيل حكومة وحدة وطنية في لبنان بين عامي 2013 ـ 2014 ومنع التسوية السياسية في البحرين واليمن وغيرها من دول العالم.

4 ـ ستفقد اسرائيل حليفاً استراتيجياً كان له الدور السري والعلني في حمايتها طيلة عقود من الزمن ما قد يهدد وجودياً الكيان الاسرائيلي.

5 ـ تحرير دول الخليج من ربقة “الشقيقة الكبرى” بما يجعلها قادرة على رسم سياستها بصورة مستقلة والحفاظ على سيادتها.

الصفحة السابقة