الداخلية السعودية تستخدم آخر تقنيات التجسس:

جذور الفساد والإستبداد أجدر بالمكافحة!

هاشم عبد الستار

يقال وهو صحيح، بأن وزارة الداخلية السعودية، هي الجهاز الوحيد في السعودية الذي يعمل بقدر لا بأس به من الكفاءة، والعلميّة، بغرض حماية مُلك آل سعود.

المجندون في الداخلية بمئات الألوف (وليس عشراتها)؛ وهناك بعثات مستمرة، ومحاولة استخدام العلم بغرض القمع وكتم أنفاس المواطنين. لا عجب، فهذا حال وزارات الداخلية في كل البلاد العربية، التي يهمها حماية العروش المستبدة.

لكن في السعودية، فإن وزارة الداخلية لم تستخدم العلم لحلّ مشاكل الحُكم السعودي من جذوره، بل هي في واقع الأمر، تحاول قمع مخرجات الفساد والإستبداد، أي معالجة التداعيات فقط. أي ان وزارة الداخلية تتفنن في التجسس مثلاً، وتلاحق الناشطين، وتبني المزيد من السجون، وليس لديها مشكلة في المزيد من التوظيف لعملائها وجواسيسها وتدريبهم ايضاً، لكن هذا لا ولم يغير من واقع الحال، حيث ان المعارضين والساخطين على النظام في ازدياد، وان استخدام التكنولوجيا في القمع، والملاحقة، لا يحل أزمة النظام، ولا يوقف الإنهيارات في جدران وأسقف  العرش السعودي.

اعتادت وزارة الداخلية ملاحقة آلات الطباعة القديمة، ثم الناسخات، ثم اشترت اجهزة ضخمة وبكلفة عشرات الملايين لمراقبة الفاكس، ثم جاءت أزمة التجسس على التلفون الجوال بعد الثابت، ثم مراقبة النت وحجبه، ثم ملاحقة مواقع التواصل الاجتماعي خاصة تويتر وتهديدها العلني في الصحافة بأن لديها أجهزة توصلها للمغردين اينما كانوا.. لكن كل هذا، لم يوقف تصاعد المعارضة ضد آل سعود وحكمهم.

 هذا شيء جديد تنقله لنا هيومن رايتس ووتش في تقرير لها عن السعودية.

تقول سنثيا وونغ باحثة الإنترنت في منظمة هيومان رايتس ووتش بأن السلطات السعودية بدأت في اختراق الهواتف النقالة (الخلوية) لأغراض تجسسية  بغرض تخويف الأصوات المستقلة وإسكاتها، وأضافت بأن منظمتها وثّقت الطريقة التي تستخدمها السلطات السعودية في قمع نشطاء الإنترنت الذين يلجأون الى وسائل التواصل الاجتماعي لفضح الإنتهاكات السعودية لحقوق الإنسان.

وبناء على ذلك، طلبت هيومن رايتس ووتش من الحكومة السعودية تأكيد ما إذا كانت قامت وتقوم بمراقبة هواتف خلوية واستهدافها ببرمجيات تجسس، وما إذا كان يهم الحكومة حماية حقوق الأشخاص المستهدفين بالتجسس سواء في الخصوصية او حرية التعبير.

وأشار بيان صادر عن المنظمة بشأن التجسس السعودي على الناشطين، الى أن باحثين مستقلين ادركوا مؤخراً وجود برمجية مراقبة من تصنيع شركة هاكنغ تيم الإيطالية، استخدمتها السلطات السعودية مستهدفة نشطاء محددين في منطقة القطيف شرقي السعودية، وهي منطقة شهدت احتجاجات مستمرة ضد سياسات ال سعود منذ عام ٢٠١١، وتعرضت فيها المعارضة السلمية الى القمع، حسب البيان.

وأضاف بيان هيومن رايتس ووتش، بأن باحثين في المجال الأمني في منظمة سيتزن لاب، ومقرها تورنتو بكندا، لاحظوا  وجود نسخة معدلة من تطبيق (القطيف اليوم) على منظومة آندرويد، وهو تطبيق يُمكّن مستخدمي الهواتف الخلوية من الحصول على معلومات وأخبار باللغة العربية حول مدينة القطيف في المنطقة الشرقية. وإذا ما تم تنزيل هذه النسخة المعدلة من التطبيق على جهاز خلوي، فهي تصيبه ببرمجية تجسس سعودية من صنع شركة هاكنغ تيم، وهي شركة تقوم ببيع وسائل للمراقبة والاختراق الإلكتروني للحكومات. وتسمح برمجية التجسس السعودية هذه بدخول البريد الالكتروني، والرسائل القصيرة، وملفات من مواقع فيسبوك وفايبر وسكايب وواتس آب، إضافة إلى سجل الاتصالات على الهاتف المحمول؛ كما تسمح للسلطات أيضا بالتحكم في تطبيق التجسس عبر تشغيل كاميرا ومايكروفون الهاتف المحمول لالتقاط الصور أو تسجيل المحادثات دون علم صاحبه.

واعتبرت هيومن رايتس ووتش أعمال التجسس الالكتروني الحكومية تصعيداً ضد الناشطين في بيئة رسمية معادية لحرية التعبير وتكوين الجمعيات. محذرة الشركات التي توفر تقنيات المراقبة للحكومة السعودية بأن فعلها يحملها مسؤولية اعتقال معارضين سلميين ومشرفين على مواقع الانترنت وتنتهك حقوق الكثيرين. وقالت سينثيا وونغ: (إن بيع تقنيات لحكومات تساوي بين المعارضة والإرهاب يُعتبر وصفة لحصول كارثة. ويتعين على شركة هاكنغ تيم التحقيق في إمكانية إساءة استخدام منتجاتها في السعودية. كما يتعين على هذه الشركة وغيرها من الشركات المنتجة لنفس التقنيات أن توقف على الفور أي مبيعات للحكومات القمعية). وحتى الآن، لا توجد مراقبة أو قيود كافية على تصدير أجهزة التجسس لمنع بيعها إلى حكومات قد تستخدمها لاستهداف معارضين وقمعهم. لذا فإنه توجد حاجة ماسة إلى إنشاء آليات مراقبة لضمان مساءلة الشركات التي تبيع هذه التقنيات على الانتهاكات المرتبطة بمنتجاتها.

،ويقول باحثو منظمة ستزن لاب بأنهم غير متأكدين  على وجه الدقة من الجهة او الفئات التي تستهدفها برامج التجسس الحكومي السعودي، ولكنهم يرجحون بأن المستهدفين هم اولئك الذين لهم اهتمام بالشأن العام في محافظة القطيف، مع تأكيدهم على أن شركة هاكنغ تيم باعت معدات تجسس سابقة الى الحكومة السعودية.

وتعتقد هيومن رايتس ووتش بأن أهداف التجسس وإن شملت أطيافاً عديدة من النشطاء في مناطق مختلفة، لكن هذا الكشف الجديد يستهدف نشطاء منطقة القطيف، مذكرة بسجن الناشط فاضل المناسف الذي حكم عليه بالسجن لخمسة عشرة سنة والمنع من السفر لنفس المدة ، وذلك لأنه قدم مساعدة لصحفيين دوليين لتغطية احتجاجات القطيف. وترى هيومن رايتس ووتش أن المواطنين الشيعة يعانون تمييزاً منهجياً في التعليم والوظائف الحكومية وفي بناء دور العبادة وغيرها. ونظراً لخطورة التجسس بغرض القمع الذي تقوم به السلطات السعودية، قال فرانك لارو، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية الرأي والتعبير، في تقرير لمجلس حقوق الإنسان: (إن استخدام مفهوم الأمن القومي لتبرير فرض قيود على حقوق الإنسان يُثير مخاوف كبيرة. ويجب أن لا تخضع الاتصالات للمراقبة إلا في ظروف استثنائية جدًا، وتكون تحت إشراف سلطة قضائية مستقلة). كما عبّر فرانك لارو عن قلقه بشكل خاص من استخدام برمجيات التجسس؛ وقال إن استخدام هذه التكنولوجيا، من وجهة نظر حقوقية، يبعث على القلق الشديد لأنها تخلق إمكانيات تجسس من شأنها تهديد الحق في الخصوصية، والتعدي على الحق في سلامة الإجراءات المتعلقة باستخدام هذه الأدلة.

الصفحة السابقة