اختبار وهّابي لإرادة المسلمين:

هدم قبر الرسول وإخراجه من المسجد النبوي

يأبى الوهابيون إلا أن يثبتوا للعالم أنهم دواعش، وأن الدواعش منتج لفكرهم ومعتقدهم.
ففي الوقت الذي تواصل فيه داعش تدمير الأضرحة والقبور، بما فيها قبور الأنبياء، يغتنم
الوهابيون الفرصة ليطرحوا من جديد مزاعمهم ويعلنوا عن نيتهم لتدمير قبر رسول الإسلام

عبدالحميد قدس

منذ سقوط الحجاز محتلّاً بيد الوهابيين، وهم متحفّزون لهدم قبر النبي عليه افضل الصلاة وأزكى التسليم، لأن وجود القبر بهذا الشكل الذي هو عليه داخل إحدى حجرات بيت النبي، يفسد على الوهابيين حجّتهم العقدية بشأن مفاهيم عقدية كزيارة القبور وطلب الشفاعة؛ واعتبار المسلمين مشركين، وأنهم عبدة القبور، وما أشبه. 

الخوف من عبادة المسلمين القبر، حسب زعم الوهابيين، هو المبرر الذي قام عليه مذهب الوهابية، وابنه مذهب الدواعش، بحيث لم يبق اتباعهما مقاماً او ضريحاً أو أثراً نبوياً في الحجاز وفي أي أرض طالتها أيديهم، الا وهدموه بحجة الخشية من وقوع المسلمين الموحدين في الشرك. لذلك سوّوا قبور الصحابة وآل البيت في مقبرة البقيع بالمدينة المنورة، ومقبرة المعلاة بمكة المكرمة بالأرض، حين استولت القوات الوهابية المسلحة عليهما، ولكنهم توقفوا عن هدم قبر رسول الله وصاحبيه ابي بكر وعمر رضي الله عنهما. والسبب سياسي، حيث كانت هناك خشية من رد فعل قوي من جانب المسلمين الذين كانوا يطالبون بوضع الحجاز تحت ادارة سياسية يشترك فيها كل المسلمين. 

وبقي هدم قبر رسول الإسلام هدفاً للوهابيين يكتبون عنه في كتبهم، ويرون بقاءه على هذه الحالة مخالف لروح توحيدهم الصافي.. ولهذا فالموضوع حي بالنسبة لهم ويثيرونه بين الحين والآخر، ويتحينون الفرصة للهدم، وهناك مؤشرات ميدانية على ذلك، فضلا عن الكتابات والدراسات والكتب المنشورة.

الوهابيون لا يخفون تحفزهم لهدم قبر النبي، او القبّة المبنيّة على قبره عليه الصلاة والسلام، وإخراج القبر عن المسجد كخطوة أولى. فهذا تلميذ ابن باز، مقبل الوادعي، يتحث عن حكم القبّة المبنية على قبر الرسول ليضيف مطالباً بإزالتها (التي أصبح كثير من القبوريين يحتجّون بها)! حسب تعبيره؛ وهذا الشيخ الألباني يطالب بالفصل بين قبر الرسول ومسجده، اي اخراجه من المسجد؛ ويتمنى من الدولة السعودية التي قامت على التوحيد حسب زعمه ان تتبنّى مقترح الفصل وإخراج قبر الرسول عليه الصلاة والسلام من مسجده النبوي. وهذا ابن عثيمين وبالصوت والصورة يدعو لهدم قبة القبر الشريف بعد أن عبثوا بآثار النبوة. وهذا الدريهم يزعم أن فصل حجرة الرسول عن المسجد من أعظم الأعمال؛ وهذا الخميس خريج جامعات الوهابية يرى الفصل بين القبر والمسجد (حماية للتوحيد) الوهابي طبعاً. وما اكثر ما تحدثوا عن هذا، وما أكثر ما أختبروا ارادة المسلمين في الدفاع عن نبيهم، مقابل دواعش العصر الوهابيين.

جديد هذا الموضوع انه في العدد الأول من مجلة الحرمين، وتحت إمرة الشيخ السديس، وبحجة البحث العلمي؛ أطلّت الفتنة الوهابية من جديد؛ فنشرت ما قالت انه بحث عَقَدي حول حجرة النبي التي فيها قبره، للشيخ الوهابي علي الشبل، خلص فيها الى العديد من التوصيات والمقترحات حسب زعمه، وطالب في واحد منها بعزل حجرات النبي بحائط وإخراجها من المسجد بعد أن اصبحت (مرتعاً لأهل البدع والصوفية)، كما يقول.

استثير المسلمون، والمواطنون، وبالأخص أهل بيت الله الحجازيون، بعد نشر الدراسة؛ واستثير الأزهر مما أسماه محاولة العبث بقبر الرسول؛ ووصل الموضوع المثير ـ عبر كتاب وباحثين مسلمين ـ الى صحيفة الإندبندنت البريطانية التي وجدت في الأمر إثارة من قبل الحكام والمشايخ السعوديين للمسلمين بمقترحاتهم الشاذة؛ وهنا التفت الأمراء لما يقال في الخارج، بعد أن أصمّوا آذانهم عن انتقادات الداخل؛ فنفت رئاسة الحرمين التي يسيطر عليها النجديون الوهابيون، بعد أن أبعدوا الحجازيين عن تقرير أي أمر له علاقة بالدين والتراث الديني، نفت ما ذكرته الإندبندنت، وقالت أن ما ذكره الشبل لا يمثل رأي الرئاسة ولا توجه الدولة (اي انها هنا تتحدث بالنيابة عن الدولة، فهل كان النشر والإثارة برعايتها؟)، ودعت وسائل الاعلام الى عدم الخوض فيما يبعث على الإثارة والفتنة ويثير البلبلة!

حقاً رمتني بدائها وانسلّت، فهي تثير البلبلة والفتنة بالنشر، ثم تتهم الاعلام بفعل ذلك!

لا أحد بين المسلمين وحتى المواطنين يثق بسلامة نوايا مشايخ الوهابية، فهم دمّروا كل تراث الإسلام في الحجاز، حمقاً منهم وتطرّفاً وربما حقداً. ألم يحوّلوا البيت الذي عاش فيه رسول الله بمكة الى مراحيض، كما يؤكد ذلك الدكتور الحجازي المتخصص في تراث الإسلام بالحجاز سامي عنقاوي؟ ألم يدمّروا حارات مكة التاريخية بحجة التوسعة ليقوم مكانها فنادق لأصحاب الدماء الزرقاء؟، ألم يطمسوا كل ما وجدوه من تراث اسلامي في كل مراحل التوسعة المزعومة للحرمين؟ أفنصدق بأن كل تلك الحفريات بالمسجد الحرام وحوله في مدينة عمرها اربعة آلاف سنة، لم تكشف عن شيء البتة: لا قبراً ولا أثراً تاريخياً؟

الحجازيون ـ أهل مكة والمدينة ـ متألمون من التدمير الوهابي لتراث المسلمين، فهذا التراث ليس فقط جزء من تراث الأمة الإسلامية، بل هو بالنسبة لهم (هويتهم الخاصة) التي تُذبح بيد التطرف النجدي، وبإسم إعلاء الإسلام ومحاربة الشرك. حتى ابن النظام: جمال خاشقجي، علق: (عشتُ في جنبات الحرم النبوي، حول الحجرة والروضة والمواجهة، لم أرَ شركاً ولا غلوّاً، فعن ماذا يتحدث هؤلاء؟ وأي شرك يرونه ولا نراه؟).

عبدالله فراج الشريف كتب مقالاً عن توهّم المنكرات لدى الوهابيين اصحاب الفكر التدميري؛ وخلف الحربي كتب مقالاً بعنوان: (حتى الحجرات الشريفة لم تسلم)؛ وعابد خزندار كتب مقالين بعنوان (منكرٌ من القول وزور) مندداً بنوايا الوهابية التخريبية.

الضجّة الدولية والمحلية والإقليمية أوقفت الوهابيين هذه المرّة. مع أن مشايخ الوهابية لم ينبس كبارهم ببنت شفة في التعليق على الأمر، لا المفتي ولا هيئة كبار العلماء ولا غيرهم؛ لأنهم مع الهدم أصلاً، وبالتالي فلنا ان نتوقع إثارة موضوع تدمير الحجرات النبوية او عزلها عن الحرم، من أجل تحقيق انتصار وهابي، في وقت يصرخ فيه العالم ضد هدمهم الأضرحة والأماكن المقدسة تفجيراً وبالتركتورات مثلما تفعل داعش.

نعم داعش صنيعة الوهابية، ومقلّدة لها، ويبقى الأمل بوقفة اسلامية رادعة لحماية النزر اليسير مما تبقى من تراث الأمة الإسلامية في الحجاز.

الصفحة السابقة