السعودية.. البيئة الحاضنة للقاعدة وداعش

سامي فطاني

باتت المملكة السعودية اليوم من بين مجموعة دول تضم الأردن وبلاد المغرب ونيجيريا وباكستان واليمن من ضمن الدول المرشحة لأن تكون ضمن مناطق التوحش، لوجود عمق جغرفي وتضاريس تسمح بإقامة مناطق تدار بنظام إدارة التوحش، وضعف النظام الحاكم وضآلة حضوره العسكري في الأطراف، ووجود مد إسلامي جهادي واعد، وكذا طبيعة الناس في هذه المناطق، وانتشار السلاح بأيدي الناس فيها (أ. ناجي، طريق التمكين، مصدر سابق 8 ـ9).

ومن الضروري الإشارة الى أن مرحلة إدارة التوحش تكون تمهيدية لمرحلة التمكين، وإن ادخال السعودية ضمن استراتيجية التغيير يعني أن (داعش) يستعد لتحقيق الوعد الوهابي المؤجل بإقامة الخلافة..

وقد نشر موقع (صوت الجهاد في جزيرة العرب) التابع للقاعدة كتاباً جمعه صالح بن سعد الحسن، بعنوان (النبع الفياض في تأييد الجهاد في الرياض)، شارك فيه الشيخ يوسف العييري (قتل في الطائف في اشتباك مع القوات الأمنية السعودية في 2003)، والشيخ بشير النجدي والشيخ حسين بن محمود، وأبو بشار الحجازي، وبرغش بن طوالة، الحزبي المستتر، أبو عبد الله المهاجر، 13 ديسمبر 2003. ويعلق الكتاب على مواقف المشايخ من قيام مجموعة من القاعدة في جزيرة العرب بعمليات مسلحة سنة 2003.

في الفترة نفسها أصدر مركز الدراسات والبحوث الاسلامية الذي أسّسه يوسف العييري ردوداُ مثل (انتقاض الاعتراض على تفجيرات الرياض) للشيخ عبد الله بن ناصر الرشيد، وكان يرد فيه على ما يعتبرها الشبهات التي اثارها ما وصفه الموقع العقلاني (الاسلام اليوم)، والكتاب الاخر (غزوة شرق الرياض: حربنا مع أمريكا وعملائها).

ويلفت كتاب (النبع الفياض..) الى أن (الهجمات التي حصلت في السعودية هي نفس البلاد التي كانت تنطلق منها الفتاوى للتحريض على الهجمات في بلاد الإسلام الأخرى، فعندما أصبح البعض أمام الأمر الواقع وعايش ما يعايشه الأفغان والشيشان وغيرهم، بدأ يفكر بما لم يكن يفكر به من قبل..)، كتبرير العلماء المعترضين بموضوع الأمن «وكأن الأمن مطلب منفرد عن الشريعة»، حسب العييري. ويضيف: «فما كان مصلحةً مطلقةً في بلاد المسلمين، أصبح مفسدة محضةً في بلادهم، دون مستند شرعي لهذا التفريق..».

وجّه العييري سؤالاً للعلماء والمشايخ في المملكة «لماذا تقومون بدعم الشيشانيين والأفغان والعراقيين ولا تقولون بصحة عمل هؤلاء الشباب؟»، أي شباب المملكة. وعقد العييري حواراً افتراضياً بينه وبين علماء المؤسسة الدينية الرسمية: (فإن قلتم من أجل حفظ دماء المسلمين في الجزيرة.. قلنا لكم هذه حجة عليكم: أليس هناك في الشيشان والعراق والأفغان مسلمين أيضاً.. كيف تؤيدون مثل تلك العمليات وهي في أراضي المسلمين.. ولو تمّ إيقاف العمليات التي تدعمونها هناك لتمّ لهم أمنهم وحفظت دماء أبريائهم بدون تطبيق للشريعة عندهم.. كما هو الحال عندكم؟ فإذا كان الأمن مقصودًا بذاته فدعوا الجهاد ليحقق العدو لكم الأمن بعد الاحتلال.. وإن كانت الشريعة مقصودة فلا يمكن أن تطبق إلا بالدماء والأشلاء، وذهاب الأمن الذي سيعود ولكن بعد تطبيق الشريعة.. فإن قلتم: تلك بلاد غزاها العدو وحارب أهلها.. قلنا لكم: ألم تعلن أمريكا الحرب على الوهابية.. ومن الذي قال لكم بأن أمريكا لم تغزنا؟ ولو قلتم: لا جهاد حتى تطبق الشريعة..قلنا لكم: هذا ينطبق على أرضكم قبل أرضهم..).

وتستمر ثنوية (فإن قلتم قلنا) حيث تدور رحى الجدل داخل الدار، أي داخل الاطار العقدي الوهابي، وإن الشباب يحتجّون على العلماء بما يؤمنوا به ودفعوا الشباب من أجل التضحية بأنفسهم من أجله..( النبع الفياض في تأييد الجهاد في الرياض، جمع صالح بن سعد الحسن، من إصدارات: صوت الجهاد في جزيرة العرب؛ د.ت ص 29).

في فصل (اللهم عليك بالأمريكان.. رداً على من أفتى ضد العمليات)، لكاتب مستعار يطلق على نفسه برغش بن طوالة، يستعيد فيه مواقف العلماء والمشايخ من الدولة السعودية حيث قال: (لقد أجمع علماء البلاد في مذكرة النصيحة على أنها ـ الحكومة السعودية ـ حكومة كفرية.. ومن ضمنهم الشيخ عبد العزيز بن باز وابن عثيمين.. وأثبت قبلهم شيخهم الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله أنها حكومة كفرية عندما بين أنهم أقرّوا المحكمة التجارية الكفرية.. ومذكرة النصيحة تثبت أن الحكومة تتحاكم إلى غير شرع الله وتفرضه على الناس وهذا كفر بالإجماع، كما نقل ابن كثير في تفسيره. ومذكرة النصيحة أثبتت أن الدولة لديها ثمانية عشر هيئة غير شرعية تحكم بين الناس. وهذا يفيد أن الحكومة غير شرعية ولا يصح عهدها مع الحربي.. ومن دافع عن التحكيم فلن يدافع عن مظاهرتهم للكفار على المسلمين؛ وهو كفر بالإجماع أيضاً؛ والمظاهرة: اعترفوا بأن طائراتهم تخرج من الخرج لتضرب العراق لمدة ثلاثة عشر سنة وتقتل المسلمين هناك. فنواقض الحكومة لا تعد ولا تحصى وقد ضربنا مثلاً.. فإذا كانت الحكومة غير شرعية فلا عبرة بعهدها)(النبع الفياض..المصدر السابق، ص 34).

وخلص الى أن السعودية أولى بالقتال من غيرها، لأنها إلى جانب كونها كافرة من وجهة نظر السلفية الجهادية، فإنها ذات موقع استراتيجي، وفيها جلّ ثروات المسلمين النفطية، وتمّكن للنصارى من محاصرة الحرمين الشريفين في الحجاز.

وقد ناقش الشيخ أبو بصير الطرطوسي، وهو إسم حركي لأحد قادة القاعدة في الجزيرة العربية، مسألة الخروج على النظام الكافر وقال: (نعم من الناحية الشرعية يجب الخروج عليه، بينما من الناحية العملية الواقعية فإن الخروج له شروطه وترتيباته ومقدماته لا أرى استعجاله قبل استيفاء تلك الشروط والترتيبات والمقدمات، والتي منها أن يكون فكر الخروج على أنظمة الكفر هو فكر التيار الأعظم من المسلمين. وإلى حين أن يتحقق ذلك لا مانع شرعاً إن وجدت المقدرة وأمنت الفتنة الأكبر من العمل على استئصال من تشتد فتنته على البلاد والعباد من طواغيت الحكم والكفر والجور، وإراحة العباد، بصورة فردية (الشيخ أبو بصير الطرطوسي: سؤال وجواب عن حكم النظام السعودي. من كتاب: «شهادة الثقات..آل سعود في ميزان أهل السنة»، جمع صالح بن سعد المحسن، نشر خاص، 2003، ص 50).

تتحدّث أدبيات القاعدة عن تحوّل في الرؤية الاستراتيجية لدى القيادة العليا التي كانت تنظر الى شباب الجزيرة العربية بأنهم قوتها الضاربة، إلا أنها لم تكن ترشّح الجزيرة للتغيير لعدم توفر الشروط، ومنها ما ذكره الشيخ أبو بصير الطرطوسي.

ولكن موقف القيادة تغيّر لاحقاً، بحسب أ. ناجي إذ خلصت الى أن ثمة إنقلاباً حدث في عوامل التغيير «وأصبحت الجزيرة من الدول المرشحة». ويضيف على ذلك: «أن القيادة وضعت لها أولوية وذلك لكون العدو فيها - وهو نظام آل سعود - يمثل أكثر الأنظمة المُعادية للمجاهدين ضعفاً، فكانت جزيرة العرب تطبيقاً مثالياً لهذه القاعدة)( أ. ناجي، طريق التمكين، مصدر سابق ص29).

ومع ذلك، فإن الشيخ أبو قتادة، أحد منظري القاعدة ومن الذين اشتغلوا على تأصيل إستراتيجية عمل القاعدة في مراحلها الثلاث (الانهاك، التوحش، التمكين)، لا يرى بأن سقوط النظام السعودي سوف يؤول الى صعود البديل الاسلامي. يقول ابو قتادة: (لو تصوّرنا هذه اللحظة أنّ المملكة السّعوديّة ضعفت مركزيّتها الآن، وانتهى حكم آل سعود المرتدّين، فكيف هو التّصوّر الموضوعيّ لهذا الإرث؟ الجواب: بكلّ وضوح لن يكون من الوارثين أحد يسمّى «الوارث الإسلامي» بل ستكون بدائل جاهليّة جديدة، كما هي البدائل الحاصلة في الصّومال حين سقوط الدّولة). ويبرر اعتماد مثال السعودية بأن (العلمنة فيها إلى الآن لم تصل إلى أهدافها في داخل الشّعوب، مع وجود مقدّمات جاهليّة خادمة لخصومنا مثل القبليّة وغيرهما)( أنظر اشيخ ابو قتادة الفلسطيني، من شوكة النّكاية إلى شوكة التّمكين، من كتاب «مقالات بين منهجين»).

ومع أن أبو قتادة ذكر تونس كمثال على النقيض من السعودية، من أن (الصورة فيها قاتمة، وأن عرى الاسلام هدمت من أصولها في الشعوب علاوة على الحكم والقضاء)، حسب قوله، الا أنها شهدت ثورة في نهاية 2010 أوصلت الاسلاميين الى قمة السلطة، وتسلّمت حركة النهضة بقيادة الشيخ راشد الغنوشي زمام الأمور بعد الثورة.

معطيات تستحق التأمل:

مناهج تعليم داعش وهابية

■ نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» في 22 نوفمبر 2007 عن مسئولين عسكريين أميركيين كبار فيما يتعلق بوثائق سنجار التي تمّ العثور عليها خلال مواجهات مع مقاتلي القاعدة، قولهم بأن السعودية وليبيا، اللتان تعتبران حليفين للولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب، يشكلان مصدر نحو 60 بالمئة من المقاتلين الأجانب الذين جاءوا الى العراق في العام 2006 للعمل كانتحاريين أو لتسهيل هجمات أخرى.

ولفتت الصحيفة في تقريرها إلى أن الجيش الأميركي عثر على مجموعة من الوثائق والحاسبات الإلكترونية في غارة شنها قرب منطقة سنجار قرب الحدود العراقية السورية، وأن أهم ما كشفت عنه الوثائق كان معلومات شخصية عن أكثر من 700 من المقاتلين الأجانب الذين تسللوا إلى العراق منذ أغسطس سنة 2006، حيث كشفت عن لوائح بأسمائهم والأماكن التي قدموا منها. وأكد تقرير الصحيفة أن السعوديين احتلوا المرتبة الأولى في نسبة المقاتلين الأجانب المتسللين إلى العراق حيث وصلت نسبتهم إلى 41 في المائة. واشارت الى «اعتقاد القادة العسكريين الأميركيين بأن المواطنين السعوديين يمولون غالبية نشاط تنظيم القاعدة في العراق».

■ أظهر رسم بياني أعدّه من أطلق على نفسه (مزمجر الشام) في 10 أغسطس 2014 تناول فيه جنسيات الانتحاريين في داعش فكانت النتيجة: 65% من الانتحاريين سعوديين، وأن قتلى تنظيم الدولة الاسلامية حسب الجنسيات شكّل القتلى السعوديون ما نسبته 31%، وأن 44% أجانب، وأن 15% ليبيون وتونسيون، و10% من جنسيات أخرى.

وفي قائمة العمليات الانتحارية التي نفّذها «داعش» ضد التنظيمات الجهادية الأخرى في الشام وجنسية منفذيها، ظهر من بين 52 عملية انتحارية أن هناك 31 انتحارياً سعودياً.. أي ما يعادل 60%. أحدهم لفت الى أن ليس هناك من بين الانتحاريين عراقي واحد، مع أن قيادة التنظيم من العراقيين دون سواهم..

في مقطع مصوّر على اليوتيوب بعنوان (داعش تتمدد في السعودية/ الطائف) بتاريخ 21 إبريل 2014 وكتب في بداية المقطع: تنويه!! تمّت كتابة الشعارات على مناطق حيوية وهي (الأحوال المدنية، الجوازات، المباحث العامة). وبدا في مقطع ظهور عبارة (الدولة الاسلامية باقية وتتمدد) على مبنى الاحوال المدنية السعودي، وفي الخلفية صوت منشد سعودي يقول: (دولة الاسلام قامت بجهاد المتقين.. قدموا الارواح حقاً بثبات ويقين، ليقام الدين فيها شرع رب العالمين. أمتي استبشري).

■ في 1 أغسطس 2014 وجّه الملك عبد الله كلمة خلال استقباله مشايخ الوهابية في قصره بجده، حملت عبارات التوبيخ واللوم، ولفت نظرهم الى أن كلمته «تعبر عن كل مسلم ومسلمة في بقاع الأرض». ثم طالب بطرد الكسل وقال «ترى فيكم كسل وفيكم صمت، وفيكم أمر ما هو واجب عليكم». في إشارة الى عزوف أو انكفاء المشايخ عن محاربة الفكر المتطرّف وخصوصاً «داعش» بعد انتشار أدبياتها داخل المملكة.

■ في 10 أغسطس 2014 نقلت صحيفة «الحياة» اللندنية ومالكها الأمير خالد بن سلطان، أن «وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودي صالح بن عبد العزيز آل الشيخ أبلغ، خلال الأسابيع الماضية، جميع أفرع الوزارة في المناطق باعتماد داعش ضمن الفرق التي يجب على خطباء المساجد تحذير الناس من خطرها على العقيدة والمنهج الإسلامي المستقيم». وطالب ال الشيخ الخطباء بأن «يبينوا شناعة جريمتهم وحرمة الدماء المعصومة، وإخلالهم بالأمن، وتحذير الناس منهم ومن فكرهم الإرهابي والتكفيري وخطره على العقيدة وأمن الوطن»، وتطرق إلى حادثة شرورة مثالاً.

■ في 29 يوليو 2014، أعلن قيادي منشق عن «داعش» يطلق على نفسه إسم «الشيخ ماهر أبو عبيدة»، سوري الجنسية ويشغل منصب «والي البادية» في «الدولة الاسلامية» أن «أعين التنظيم على السعودية وأنه سينسحب من سوريا خلال عام». وأن التنظيم «بدأ يزرع خلاياه» في السعودية» وقال: «توجد خلايا تابعة للتنظيم في القصيم، خميس مشيط، الدمام والهفوف، ويعمل شخصان أحدهما من عائلة المغامسي، والآخر يلقب بالمطيري على توزيع هذه الخلايا وإعدادها للظهور عند الحاجة».

وعن سبب توجّه «داعش» إلى السعودية، يقول أبو عبيدة: «عدد كبير من مقاتلي التنظيم هم سعوديون يمارسون في الوقت الحالي ضغوطاً كبيرة لجرِّه إلى الرياض، ويعدّون العدة لذلك، ولن يطول الأمر كثيراً لظهوره في بلاد نجد».

■ لماذا يتواصل تدفق المقاتلين السعوديين الى الخارج بالرغم من صدور فتاوى تحرّم ذلك من قبل المفتي العام؟

الاحتمالات:

ـ إما أن تكون الفتاوى ذات طابع سياسي وبالتالي لا قيمة لها، وأما أن يكون المقاتلون يستندون على فتاوى أخرى غير معلنة ومصادر توجيه وهابية غير رسمية.

ـ بدا واضحاً أن هناك صمتاً من قبل مشايخ الصحوة وعدد كبير من كبار علماء المؤسسة الوهابية الرسمية حيال القتال في الخارج، وكأن هناك رضا بما يقوم به المقاتلون السعوديون في سوريا والعراق.

■ في 6 مايو 2014 أعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية السعودية اللواء منصور التركي عن الكشف عن «تنظيم» إرهابي، يضم 62 عنصراً أكثر من نصفهم من السعوديين، ممن « أطلق سراحهم سابقاً في قضايا أمنية..»، وقد يكونوا ممن خضعوا لدورة ضمن برنامج التأهيل والمناصحة.

وأضاف التركي بأن عناصر التنظيم تواصلوا مع أقرانهم في «التنظيمات الضالة في سوريا وبتنسيق شامل مع العناصر الضالة داخل الوطن حيث بايعوا أميراً لهم». وكشف بأن التنظيم «تمكّن من تهريب أروى بغدادي وريما الجريش..»؛ مضيفاً بأن «التحقيقات والمتابعات الأمنية رصدت انتشار واسع لهذه الشبكة وارتباطات لها مع عناصر متطرفة في سوريا واليمن». ليخلص الى أنه «تمّ ضبط معمل لتصنيع الدوائر الالكترونية المتقدمة التي تستخدم في التفجير والتشويش والتنصت وتحوير أجهزة الهاتف المحمول».

قام مركز «ركين» قام باستطلاع لآراء السعوديين حول داعش ووجد أن 76 في المئة من المستطلعين قد شعروا بالسعادة لسقوط المحافظات العراقية في يد داعش، وقال 45 بالمئة إن قيم داعش متوافقة مع قيم الشريعة الإسلامية.

ونـشرت صحيفة (الحياة) اللندنية في 21 تموز (يوليو) 2014 نتائج استطلاع «ركين» وهو «أول موقع سعودي متخصص في قياس الرأي العام» كما يعرف نفسه، وجاء فيه أن 92 في المئة يرون (داعش) موافقة لقيم الإسلام والشريعة الإسلامية فيما صوّت 71 في المئة على أنه «لا يوجد هناك فرق بين الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة».

الصحافة السعودية.. (داعش) نبتة محلية

داعش.. معظم الإنتحاريين سعوديون

سلسلة مقالات نشرت من أكاديميين وإعلاميين حول «داعش» في الصحف السعودية. المقاربات التي قدّمتها المقالات تكاد تجمع على حقيقة أن داعش ليس كائناً أجنبياً، والاختلاف يدور حول مدى تغلغله في طبقات المجتمع، وفي أحسن الأحوال أن ثمة عوامل تجعل من اختراق «داعش» للمجتمع إمكانية راجحة.

من أولى المقالات التي تناولت «داعش» كانت للكاتب عبد السلام الوايل في جريدة (الحياة) بتاريخ 13 يناير 2014 بعنوان (القابلية «للاستدعاش»)، وكان باعثه هو مدى قدرة «داعش» على استقطاب عناصر سعودية للقتال في سوريا. قارب الوايل الموضوع من منظور سوسيولوجي أو بالأحرى من منظور سوسيولوجيا المعرفة، وهو ما دفعه لاختيار عنوان «القابلية للإستدعاش» لدى الشباب السعودي لناحية الانضواء تحت لواء «داعش» والقتال في سوريا.

يطرح الوايل سؤالاً دقيقاً: لماذا حين يحدث شاب سعودي نفسه بالنفرة يفكر بـ»داعش»؟ وليس الجيش الحر؟ وهو المفتاح لمقالته ويقصد بها: «المقاييس والقيم التي ضخيناها داخل أدمغة أبنائنا فجعلناهم، حين تحرّكهم عوامل الحمية، ينشدّون لأكثر التنظيمات تطرفاً، وأبعدها عن المدنية، وأقلها احتراماً للحياة الإنسانية». الوايل يقولها صراحة بأن القابلية للإستدعاش ليس بحثاً في «داعش» بل في المجتمع المؤهل بفعل عوامل ذاتية ثقافية وتربوية لأن يجنح تلقائياً نحو مثل هذا التنظيم المتطرّف دون غيره.

ويختصر صفات «داعش» في: «التكفير» و»حب الموت». ومع أن جذر «يوتوبيا داعش» مكين في وجدان القوميين والاسلاميين ولكنه مع «داعش» و»جبهة النصرة» مختلف: «إنه تصور سلفي خالص». يقترب الوايل تدريجاً من الحقيقة الصادمة بأن هذين التنظيمين ينضويان تحت «السلفية الجهادية». يريد الوايل القول بأن «داعش» هي من الناحية العقدية وهابية لأن الأسس الفكرية لديها «هي ذاتها الأسس الفكرية للسلفية: مفاهيم «الولاء والبراء» و»الحب في الله والكره فيه» و»نواقض الإسلام العشرة» التي نؤسس عليها تصورنا لديننا هي في جوهر المفاهيم المؤسسة لمشروعية «داعش» في مفاصلتها مع العالم كله».

يمارس الوايل نقداً ذاتياً بالنيابة عن أولئك الذين دافعوا عن الأسس الفكرية للسلفية بحجة أن الارهابيين أو الفئة الضالة بحسب التسمية الرسمية، «أناس ضلوا الطريق، ولا يملكون أدوات فهم الرؤية السلفية على حقيقتها، وأن تفسير هذه المفاهيم وإنزالها على الواقع يجب أن يترك للعلماء». والحقيقة التي لا يريد أحد الاعتراف بها «أن مراجع السلفية الجهادية هي مراجع السلفية العلمية ذاتها». بل ان الرؤية الكونية التي يجري حقنها للشباب منذ سن مبكرة هي ذات الرؤية التي لدى «داعش» و»القاعدة» بما يضعف حجة المؤسسة الدينية الرسمية والحكومة السعودية بل يجعل الجميع «غير قادر على اجتراح علاج جذري للظاهرة..».

وكان لافتاً أن الشباب فضّلوا «جبهة النصرة» على باقي التنظيمات المسلّحة في سوريا وحين ظهر «داعش» في المشهد السوري هجروا «النصرة» واتّجهوا الى «داعش» الأشد تطرّفاً.

يرجع الوايل ذلك الى غياب بدائل في الداخل تعوّض الشباب عن خيارات الهلاك، وخصوصاً البحث عن معان للوجود والحياة، وإرساء ثقافة المشاركة. ويشير الوايل الى «التعليم» بوصفه مجالاً خطيراً يستوجب العمل على إصلاحه وأن الجدل حول دوره في تنشئة التطرّف لم يثمر تغييراً يذكر «في تشييد خطاب تعليمي ينتج إنساناً مدنياً متشرباً بقيم المدنية الحديثة».

يرى الوايل أن هؤلاء الشباب الذين انخرطوا في «جبهة النصرة» القاعدية الهوى، ثم هجروها الى «داعش» إنما فعّلوا «مقاييس بثها خطاب مبثوث في التعليم واللغة، وتعمل الثقافة على تدعيمه..» وهذه المقاييس التي تربي على أن المسلم الكامل هو من بنى عقيدته «على أساس الولاء والبراء ويحب في الله، ويبغض فيه، ويوقن أن للإسلام نواقض 10، أخطرها في هذا الشأن الناقض الثامن الذي ينص على أن «مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين» ناقض للإسلام، وهو ما يعني عملياً تكفير جلّ مظاهر التحالفات في السياسات الدولية المعاصرة».

في العلاج، يرى الوايل بأن القابلية للاستدعاش لايمكن مقاومتها الا عبر تقويض أسس الخطاب الذي قامت بها عبر نقده من أساسه، وليس فقط عدم تدريسه.

عاد عبد السلام الوايل وكتب مقالاً آخر في (الحياة) في 21 يناير2014 بعنوان (نقد القابلية للاستدعاش.. هل نفوّت الفرصة مرة أخرى؟)، لتوضيح بعض النقاط، وعلى رأسها «إدانة» السلفية في تطوير وتشجيع الظاهرة الارهابية والأسس الفكرية المشتركة بين السلفية الجهادية والسلفية العلمية، وقطع الصلة بين الارهاب في العراق وسوريا بالسلفية الوهابية حصرياً، أو الربط بين الخطاب التعليمي والقتال مع «داعش»، على أساس أن الغالبية العظمى من المقاتلين الأجانب ينضمون الى «جبهة النصرة» و»داعش» وليس فقط من تربوا على منهج التعليم الديني في السعودية. والحال أن هؤلاء الأجانب كان لهم نصيب من الخطاب الديني الوهابي في المساجد والمراكز الدينية في الخارج.

وقد لحظنا من خلال سيرة القادة، والأمراء الشرعيين، والولاة والقضاة وغيرهم في «داعش» و»النصرة» وحتى «الجبهة الاسلامية» هم في الغالبية العظمى يتبنون السلفية الوهابية ويؤمنون بكل مقولاتها.

ويرى الوايل بأن وجود سلفيات متعدّدة مثل: الجهادية، والسرورية، والجامية، والعلمية وغيرها لا يغيّر من حقيقة أن جميعها يسبح في المجال الحيوي للوهابية وأن الخلافات التي بينها «ليست في المفاهيم بل حول إنزالها على الواقع، التصور للعالم هو ذاته..». وينقل كلاماً لمنظّر القاعدة والسلفية الجهادية أبو محمد المقدسي في احتجاجه على نظرائه من سلفيي الأردن ممن يرون ضلاله وتنكبّه عن «السلفية الحق» بقوله: «شيوخنا هم مشائخكم، وكتبنا هي كتبكم». ويؤكد المقدسي على مرجعية الوهابية من خلال «الأصول الثلاثة» وغيره من مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأن المقاتل الأردني والتونسي والبلجيكي والبريطاني والفرنسي سواء في «داعش» و»النصرة» «مصنوعون على أيدي منظورات تشاركنا المفاهيم، وإن اختلفت معنا حول إنزالها علـــى الواقع»..

الكاتب شتيوي الغيثي كتب في صحيفة (عكاظ) مقالاً في 17 يوليو 2014 مقالاً بعنوان (الاستدعاش الفكري) ينطلق فيه من حقيقة «أن الكثير من المنتمين لهذا التنظيم هم من الشباب السعوديين..». يؤكد الغيثي ما قاله الوايل في مقالته الاولى ويوضّح بأن «الأسس الفكرية التي تنتظم الخطاب الداعشي تكاد تنطبق مع غالبية الخطابات الدينية التي يحملها معظم المشايخ..» ويمثّل لذلك بظاهرة التكفير على الرأي، والموقف من المذاهب الأخرى إضافة إلى مفاهيم جهاد الدفع والطلب، ومفاهيم الأمر بالمعرف والنهي عن المنكر، وفكرة ولاية المتغلب، ومفهوم الخلافة..

ويرى الغيثي بأن الشحن العاطفي في المجتمع السعودي «كان كبيراً حتى خلق مجتمعاً هو أقرب إلى داعش في تصوراته ورؤاه حول ذات القضايا الفكرية المحورية..».

شعارات داعش في مدرسة سعودية

عبد الرحمن الحبيب كتب في 3 فبراير 2014 مقالة من جزئين في صحيفة (الجزيرة) الصادرة في الرياض بعنوان (في تفسير الحالة الداعشية..التفكير خارج الصندوق)، حاول فيه معالجة الاشكالية القائمة حول الربط بين عنف الحركات الاسلامية المتطرفة بالفكر الديني المتشدّد. واعتماداً على نتائج تحليل الهجمات الانتحارية التي قدمها روبرت بيب المختص بشؤون الامن الدولي في كتابه (Dying to Win) الصادر عام 2005، والتي وجد فيها علاقة ضعيفة بين الدين والهجمات الارهابية وأن الأخيرة هي تكتيك دنيوي وليس دينياً، وخلص فيها الى «أن كل العمليات الإرهابية و95% من الهجمات الانتحارية كان التحرر الوطني في صميم عاطفتها».

بدا كما لو أن الحبيب يقارب موضوعاً غامضاً أو لا يوفّر كمية كافية من المعطيات التي يمكن أن توصل الى نتائج حاسمة ودقيقة. طرح الحبيب سؤالاً غريباً حول السبب الذي يجعل نسبة كبيرة من الداعشيين في العراق وسوريا يأتوا من بلدان لا يزدهر فيها الخطاب الأصولي مثل تونس والأردن والجزائر ومن الدول الاسلامية التي ظهرت بعد تفكك الاتحاد السوفييتي ومن دول أوروبية!؟

مكمن الغرابة أن البلدان التي اختارها الحبيب كانت ولاتزال تحتضن كبار منظري القاعدة وفيها عدد كبير من كوادر التنظيمات المتطرّفة. وأن الجزائر، على سبيل المثال، كانت ساحة مواجهات مسلّحة على امتداد التسعينيات من القرن الماضي.

صحيح أن من غير العلمي إرجاع التطرف الداعشي الى عامل واحد، ولكن ليس على سبيل تخفيض شأن العامل الفاعل. فأولئك الذين يقدّمون أغلى ما يملكون وهي أرواحهم لا يمكنهم القبول بأثمان مادية عوضاً منها، ولابد أن يكون هدف سامٍ ذاك الذي يحرّض أولئك «الانغماسيين». نعم، هناك فئة مدفوعة بعوامل أخرى غير دينية، وتفيد من مناخ التحريض الديني، ولكن ذلك لا يؤثر على المسار العام. باختصار، أن من يعتمد التكتيك الدنيوي ليس الانتحاري بل مشغّله.

الخطاب الديني ليس هو العامل الوحيد في تنشئة الارهاب والتحريض عليه، ولكنه في الوقت نفسه عامل حاسم ورئيسي. ولا يمكن مقارنة الخطاب العقدي الداعشي في يقينيته المسؤولة عن ترجيح خيار الموت باطمئنان تام بأي خطابات فكرية أخرى مهما بلغ منسوب اليقين الايماني لدى أفرادها والذي لايصل الى حد المضي طوعاً نحو إهلاك الذات.

بدا الحبيب كما لو أنه يحاول التخفيف من نبرة الإتهام للوهابية بكونها العقيدة المسؤولة عن خلق ثقافة قطعية تربي المؤمنين على نبذ الآخر وتكفيره وإلغائه، علىى أساس أن في الثقافة والتجارب السياسية العربية ما يشتمل على إرث تخويني وتكفيري مماثل. وإن كان الحبيب يورد أمثلة محلية تؤكد المرجعية الفكرية للتطرف وللفكر الداعشي، كفتاوى التحريض على قتل هذا الكاتب وذاك، أو سيل الشتائم التي تنهمر على مواقع التواصل الاجتماعي والتأليب على الرأي الآخر. الحبيب يريد فصل ذلك عن الخطاب الديني المتطرّف، ويغفل عوامل التنشئة الدينية، ومناهج التعليم الديني الرسمي، وحتى الاستبداد الديني، وثقافة الاقصاء ونبذ الآخر المبثوثة في المجتمع.

يريد الحبيب القول بأن خطاب التشدّد ليس مقتصراً على دولة، ولا مدرسة فكرية، ولا جماعة، وهذا صحيح بصورة عامة، ولكن الكلام اليوم ينحصر حول «داعش» الخطاب، والجماعة، والاستراتيجية. لأن نوع التحليل الذي يقدّمه الحبيب يتناسب مع منطق «الارهاب لا دين له» المسؤول عن فشل العالم بأسره عن تحديد المسؤوليات، لأن هناك بالفعل دول راعية للإرهاب، وهناك عقائد محدّدة تحرّض على أعمال العنف. فالوهابية اليوم هي المسؤولة بصورة مباشرة عن نشأة تنظيمات إرهابية على خلفية دينية، وقد كشفت أدبيات هذه التنظيمات عن جذورها العقدية الوهابية.

وفي استكمال بحثه عن تفسير الحالة الداعشية، يواصل عبد الرحمن الحبيب في الجزء الثاني من مقالته (الجزيرة، 10 فبراير 2014) استعراض النظريات المفسّرة لظاهرة العنف، حيث ينزع الى نفي أو التقليل من شأن البعد الديني لظاهرة العنف، استناداً على أمثلة معزولة أو أسيء تفسيرها. ونجدد التأكيد على أن عوامل عدّة متظافرة تسهم في تغذية الظاهرة، ولكن اعتبار العمل الجهادي «عمل دنيوي» محض وأنه «أحد أشكال العولمة المضادة» هكذا بقطع الصلة بالعامل الديني والروحي، يثير سؤالاً عريضاً حول دوافع أولئك المقاتلين للصمود في ساحات القتال بالرغم من انسداد أفق الانتصار العسكري، أو قبول أفراد بالتضحية بأرواحهم طمعاً في حياة أفضل بعد الموت، فما علاقة ذلك بالدنيوي؟!

يتبنى الحبيب الرأي القائل بالعلاقة السببية بين العولمة والتطرف. وما يسميّه الغرب ثقافة وأنها المسؤولة عن انتشار الاحزاب القومية المتطرفة في أوروبا في رد فعل على تهديد الثقافات الجديدة للمهاجرين وعلى الهوية الوطنية، هو في الشرق ولدى الأحزاب الدينية المتطرّفة الدين بوصفه العامل الحاسم في هوية أولئك الذين يشعرون بالتهديد الثقافي الأجنبي (التغريب مثالاً).

الاستعراض البانورامي الذي قدّمه الحبيب لناحية تفسير الحالة الداعشية وبالرغم من الكساء الأكاديمي الذي يحيط به الا أنه اكتفى بمعالجة تقوم على خلاصات أبحاث ودراسات غربية في تفسير ظاهرة العنف، ولكنه نأى عن قراءة تجربة داعش والتجارب التي سبقتها، ولماذا كان العامل الديني ينجح أكثر من غيره في استدراج مئات بل آلاف من الشباب السعوديين للإلتحاق بتجارب يرجح فيها الموت على أي مكافأة دنيوية أخرى..

سعد بن طفلة العجمي كان جريئاً والى حد ما صادماً في مقاربته لموضوع داعش، حيث كتب مقالاً في صحيفة (بوابة الشرق) القطرية بتاريخ 3 أغسطس 2014 بعنوان (كلنا داعش)، اعتبر فيه الأخير نتاجاً طبيعياً ببساطة لأن مجاميعه «تعلمت في مدارسنا وصلّت في مساجدنا، واستمعت لإعلامنا، وتسمّرت أمام فضائياتنا، وأنصتت لمنابرنا، ونهلت من كتبنا، وأصغت لمراجعنا، وأطاعوا أمراءهم بيننا، واتبعوا فتاوى من لدنا..». وبالتالي، فإن (داعش) لم يأت من كوكب آخر ولا هو خريج مدارس الغرب الكافر أو الشرق الغابر، حسب قوله. ويرى العجمي بأن كل ممارسات «داعش» لها في كتب المدارس والتربية الدينية وكتب الجغرافيا والتاريخ خلفيات متينة. يخلص العجمي للقول: «نحن جميعا داعش، نحن الذين خلقناها وصنعناها وربيناها وعلمناها وجندناها وشحناها وعبأناها ثم وقفنا حيارى أمام أهوالها التي صنعناها بأيدينا!!».

على المنوال نفسه كتب أحمد الصراف مقالاً جريئاً في (القبس) الكويتية في 5 أغسطس 2014 بعنوان (نعم نحن داعش)، تأسيساً على مواكبة دامت عشرين عاماً لثقافة التطرّف الديني التي تسللت عبر الجمعيات الخيرية، والمناهج التعليمية، والدعاة، ومدارس تحفيظ القرآن..وحمّل الصرّاف الحكومة الكويتية التي تغاضت عن «حقيقة خطورة الحركات الدينية على النسيج الاجتماعي وعلى أمن الوطن ككل». في النتائج، أن التغاضي أفضى الى ظهور «داعش» بسبب «سذاجة الأمة وجهل معظم حكوماتها»، وأن مقاتلي داعش «يتصرفون وفقا لفهمهم للدين، الذي كان ضمن ما درس لهم في مدارسنا على مدى عقود». ويرى الصرّاف بأن «داعش» هو أمارة على «إعلان إفلاسنا كفكر وساسة ومثقفين ورجال دين وإعلام ومناهج ومدارس وتعليم..».

وكتب جاسرالحربش مقالاً في النقد الذاتي بعنوان (القابلية للإستحمار) في صحيفة (الجزيرة) الصادرة بالرياض في 19 مايو 2014، في سياق ردود الفعل على توصيف تهكمي للكاتب منصور النقيدان الذي أرجع تفوّق العنصر السعودي في العمليات الانتحارية الى ما وصفه بسهولة الاستحمار. وحاول الحربش ضبط التوصيف وتقييده بفئة محددة من المجتمع وليس عموم المجتمع.

وأسهب الحربش في رصد الفروقات بين القابلية للإستعمار المصطلح الذي صكّه المفكر الجزائري مالك بن نبي والقابلية للإستحمار الذي نسبه الحربش للنقيدان، وهو في الواقع للمفكر الايراني علي شريعتي. مهما يكن، يضع الحربش إصبعه على جرح مؤلم حين يجري استغلال العناصر السعودية في محرقة الموت لأهداف مجهولة وفي خدمة أشخاص ليسوا معروفين، وهناك في مستنقعات القتال في الخارج يتحول السعودي «إلى عجينة طيعة في أيادي متمرسين على السبي والنهب وتجارة المخدرات والقتل على الهوية».

حسناً، لا يكفي توصيف النهاية المأساوية التي يصل اليها السعودي دون التوقّف مليّاً عند المقدمات، فهؤلاء الذين خرجوا من الديار خضعوا تحت تأثير ثقافة من نوع ما تحرّضهم على النفير الى الجهاد في الخارج، وتمنيّهم الفوز بجنة وحور عين.. هي ثقافة مؤصّلة ومتجذّرة في الأدبيات الوهابية منذ أكثر من قرنين.

الصفحة السابقة