الناشطة لجين الهذلول تقود سيارتها
من الإمارات الى الحدود السعودية
الناشطة والاعلامية ميساء العمودي

اعتقال ناشطتين جديدتين بسبب (قيادة السيارة)

فـضـيـحـةٌ عـمـرها يطـوووول!

لجين الهذلول، التي تزوجت حديثاً، وجدت نفسها في معتقل أحسائي في المنطقة الشرقية،
تقضي فيه شهر العسل، مع زميلة جاءت الى الحدود البرية مع الإمارات لتتضامن معها!

توفيق العباد

الناشطة لجين، والتي اشتهرت بمواجهتها للسلطات في مسألة تنظيم الاحتجاجات لكسر حظر قيادة المرأة للسيارة؛ وكانت عنصراً فاعلاً في حملة ٢٦ اكتوبر السنوية من أجل انتزاع ذلك الحق.. اعتقلت مؤخراً في معركة تحدّ مع السلطات على الحدود السعودية الإماراتية.

لجين، اختارت هذه المرة مكاناً وزماناً مختلفين للبدء بالمعركة. فقد جاءت تقود سيارتها المسجّلة بإسمها من دولة الإمارات، وهي تحمل رخصة سواقة صادرة منها، حيث زارت والدتها المقيمة هناك.. وصلت الى المركز الحدودي السعودي (البطحاء)، وهي تزمع الدخول الى بلدها، معتمدة على حجّتين: الأولى ان الحكومة السعودية، وحسب اتفاقية دول مجلس التعاون الخليجي، فإنها مطالبة بالسماح لمن يقود سيارته من دول الخليج بأن يدخل الأراضي السعودية؛ والثانية أنه لا يوجد قانون حكومي سعودي صريح يمنع المرأة من قيادة السيارة، اللهم الا اوامر من وزارة الداخلية على شكل تصريحات ليست لها صفة قانونية.

وثّقت الهذلول حركة سيرها وما جرى لها بالفيديو تارة وعبر حسابها في تويتر تارة أخرى. رفضت ان تكتب تعهداً، ورفض موظفو الحدود دخولها كما رفضوا عودتها من حيث أتت. قال لها مسؤول الحدود: (العُرف لا يسمح لك بالمرور)؛ فردت: (ما يخصّك إلاّ جوازي. غير ذلك يتعدّى صلاحياتك). في البطحاء، المركز الحدودي السعودي البري مع الإمارات، كان الموظفون مرتبكين ماذا يصنعون. تقول الهذلول: (ودّوني عند مسؤولهم، اللي الآن يدقّ على مسؤوله، واللي يدقّ هو الآخر على مسؤوله. شكلهم بيستمرون على هالموّال لينْ ما يوصلون لمحمد بن نايف). تقصد وزير الداخلية. ومع مأساة التعطيل لإمرأة وحيدة في الحدود بعيدة عن العُمران والمدن، تخلص الهذلول التي باتت ليتها في سيارتها: (الزبدة، لو أحد يجيب لي بعير أو خيل للحدود الآن، ممكن أعَدّي). لكن السيارة لا.. طبعاً.

تم تعطيل لجين، لمدّة يوم كامل، هو يوم الثلاثين من نوفمبر الماضي، والذي كان حافلاً على مستوى السعودية، حيث بقي الخبر الرئيس المتداول على مواقع التواصل الاجتماعي.

النظام تورّط واحتار فيمَ يصنع؟ لقد رفض المسؤولون السعوديون في الحدود اعادة جواز سفرها والعودة الى دولة الإمارات، وكانت معركة (لي الذراع) كما سمّاها البعض قائمة بحضور الملايين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث لم تشهد البلاد تحدّيا نسوياً مثل هذا من قبل.

في اليوم التالي، الأول من ديسمبر الجاري، التحقت الناشطة والإعلامية ميساء العمودي بلجين الهذلول تثبيتاً لها، وتشجيعا، وجلب بعض الحاجيات اليها. فما كان من مسؤولي الأمن إلا أن تحفّظوا على هويتها، رغم انها لم تطلب عبور المنفذ الحدودي السعودي، ولم ترتكب ما يعتبره النظام خرقاً لقانونه، فهي لم تكن تقود سيارة مثلاً، وأعلنت على موقعها في تويتر انها لا تنوي ذلك.

في الساعة الواحدة ظهر يوم الاول من ديسمبر تم اعتقال لجين ونقلت الى دار الفتيات بالأحساء، في حين سجنت ميساء العامودي في سجن الأحساء المركزي بالمنطقة الشرقية.

الناشطون الحقوقيون والمغردون والكتاب والصحفيون اتخذ أكثرهم موقفاً مؤيداً لها، وقالوا بأنه سيكون يوماً مخلداً في التاريخ حين يسمح للمرأة بقيادة سيارتها. الكاتب خالد الوابل يستغرب: (كل شيء فينا هشّ. برنامج واحد يفسد نساءنا. كتاب واحد يفسد عقيدتنا. فتاة واحدة تزعزع وطن. هذه إدانة لكلّ قيمنا). وتساءلت الناشطة الحقوقية نسيمة السادة: (متى تنتهي معاناتنا)؛ والناشطة الأخرى هالة الدوسري تتألم: (المسافة بين المقعد الإمامي والخلفي ـ في السيارة ـ لا تستحق انتظارنا على أبواب الوطن).

وزارة الداخلية لم تستطع الصبر إزاء ما يُنشر من انتقادات حادّة لقمعها، فظهر المتحدث الأمني بوزارة الداخلية ليردّ على ما سماه بالإثارات في مواقع التواصل الاجتماعي من (دعوات لتجمعات ومسيرات محظورة بدعوى قيادة المرأة للسيارة) واضاف بأن الأنظمة (تمنع كل ما يخلّ بالسلم الاجتماعي، ويفتح باب الفتنة، ويستجيب لأوهام ذوي الأحلام المريضة، من المغرضين والدخلاء والمتربصين).

الحال أن أحداً لم يدع لمثل ذلك، ولكنه تبرير للقمع ليس إلاّ، وكل ما في الأمر أن امرأة سعودية تريد ان تدخل بلدها وهي تقود سيارتها. هذا المنع هو الفضيحة بعينها، وهذا الحظر لا يطبق إلا في السعودية، وهو يواجه بمعارضة شديدة من قبل المواطنين.

ويضيف المتحدث باسم الداخلية مهدداً بأنها (سوف تباشر تطبيق الأنظمة بحقّ المخالفين كافة بكل حزم وقوة).

القائمات على حملة ٢٦ اكتوبر من أجل كسر الحظر على قيادة المرأة السعودية للسيارة، اصدرن بياناً بالمناسبة أكدن فيه ان السلطات الأمنية لم تقدم تبريرا نظامياً لعدم السماح للناشطة لجين بالعبور، ولا تبرير مصادرة جواز سفرها واعتقالها. كما اكد بيان الحملة ان لجين لم تخالف الأنظمة المحلية، وكذلك ميساء العمودي، فضلاً عن أن بيان الداخلية الذي يقول بأن المرأة ممنوعة من قيادة السيارة (لم يستند على أي مادّة من الأنظمة والقوانين)؛ بل هو مخالف للنظام الأساسي الذي لا يمنح وزارة الداخلية حق التشريع من عندياتها أية قوانين. واوضح البيان بأن فتاوى هيئة كبار العلماء بتحريم سواقة المرأة السعودية وهي ما سبق ان اعتمدت عليه الداخلية، لا أساس قانوني له، ذلك ان هيئة كبار العلماء، وحسب المادة الثالثة من نظامها، هيئة استشارية شرعية وليست جهة تنظيمية لإصدار الأنظمة؛ وفتاواها بالتالي غير ملزمة لا للحكومة ولا لغيرها، ولذا هناك الكثير من الفتاوى لا تطبقها الحكومة.

ويزيد بيان حملة ٢٦ اكتوبر، بأن الحكومة السعودية ملزمة بضمان حق الحركة بلا تمييز بناء على الجنس وفق المعاهدات المحلية والإقليمية والدولية. وشدد البيان على أن حملة المطالبة بسواقة المرأة مستمرة بجميع الطرق السلمية، وأن حق القيادة مجرد مطلب واحد من حزمة مطالب حُرم منها جميع المواطنين على حدّ سواء.

منظمة العفو الدولية نددت باعتقال الناشطتين،وقالت أنه يتعين على السلطات السعودية أن تفرج عن جميع سجناء الرأي فورا ودون قيد أو شرط، وأن تتوقف عن مضايقة من تبقى خارج السجن من الناشطين السلميين.

اما هيومن رايتس ووتش فكان ردّ فعلها اكثر حدّة. فتحت عنوان: (السعودية.. يجب الإفراج عن ناشطات قيادة النساء للسيارة)، صدر بيان عن المنظمة الدولية، دان اعتقال الناشطتين، وطالب المسؤولين السعوديين بإخلاء سبيلهما فوراً، ووضع حد للحظر التمييزي على قيادة النساء للسيارات. ومن جهتها قالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، إنه (بعد سنوات من الوعود الزائفة لإنهاء القيود السخيفة على النساء، لاتزال السلطات السعودية تعتقلهن لا لشيء سوى جلوسهن خلف عجلة القيادة، وقيود الحكومة السعودية المهينة على النساء، تجلب العار لهذا البلد، لا للنشطاء الشجعان الذين يدافعون عن حقوقهم)؛ واضافت: (آن للمملكة العربية السعودية أن تضع نهاية لتصنيفها كدولة وحيدة في العالم تعتقل النساء بسبب قيادتهن السيارة).

من جانبه ندد مركز الخليج لحقوق الانسان باعتقال السيدتين العمودي والهذلول، ورأى في ذلك استمراراً في استهداف سعودي ممنهج ضد الناشطين والناشطات المطالبين بحق قيادة المرأة للسيارة، وطالب المركز في بيان له بإيقاف هذا الإستهداف، وضمان حرية جميع المدافعين عن حقوق الانسان واطلاق سراح المعتقل منهم.

وبسبب هذا الموقف حجبت السلطات السعودية موقع مركز الخليج لحقوق الإنسان على الإنترنت، الذي اصدر بيانا قال فيه ان الإجراء السعودي يمثل شكلاً من أشكال القمع والترهيب والتخويف، مؤكدا على ان الحجب جاء في وقت يتعرض فيه مدافعو حقوق الانسان لشتى انواع المضايقات، ومنها الاعتقالات الكيفية، والسجن التعسفي، والمحاكمات الجائرة، التي تفتقد الحد الأدنى من المعايير الدولية.

لن تنتهي أزمة الرياض مع حرمانها المرأة حق قيادة السيارة، مهما قمعت واعتقلت وهددت، ومهما كان عدد فتاوى مشايخها ومهما بالغوا في حرمة القيادة. قيادة السيارة حق لا يرفضه عاقل، ولا يقبل به متديّن بحجة سدّ الذرائع أو خشية انتشار الفساد (ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون).

الصفحة السابقة