قالوا وصدقوا: طابخ السمّ آكلُه!

هاشم عبد الستار

قالوا وصدقوا بأن مصنع تفريخ السمّ السعودي موجود في نجد وسط المملكة السعودية، وأن منتجات المصنع التي صدرها مشايخ الوهابية واستثمرها آل سعود سياسياً، بدأت بالإرتداد عليهم؛ ولا يتحسّف إلاّ فاعل السوء.

لطالما برّر آل سعود ومشايخهم بأن ايديولوجيتهم الوهابية التكفيرية والعنفية انما هي النسخة الصافية للإسلام الصحيح، وأنها ـ اي الوهابية ـ سلمية منذ نشأتها، كما قال وزير التعليم العالي سابقاً بعيد أحداث سبتمبر ٢٠٠١.

الأمير نايف ـ وزير الداخلية السابق ـ اتهم الإخوان المسلمين بأنهم وراء العنف الذي ضرب بلدانا عديدة وبينها السعودية في موجة عنف اولى في ٢٠٠٤. 

ولازال الأمراء ومشايخهم يبررون بأنهم ضحايا مؤامرة خارجية، نجحت في استمالة أبناء نجد الوهابيين فاستخدموهم ضد حكم آل سعود وضد المشايخ الوهابيين بل وضد آبائهم ممن يعملون في سلك الدولة واجهزتها، خاصة الأمنية والعسكرية.

حتى اليوم لم يعترف النظام ومؤسسته التكفيرية الوهابية بأن ايديولوجيتهم التكفيرية هي السبب في العنف الذي ضرب بلدانا عديدة من العالم العربي والاسلامي.. ولم يعترفوا بأن الاستثمار السياسي للعنف ضد بلدان مثل الجزائر والعراق وسوريا والآن في اليمن، سيؤدي الى خروج رجال من تيار الوهابية التكفيري ليستثمر ذات الأيديولوجية ضد آل سعود أنفسهم.

منذ أن بدأت موجة العنف الثانية خلال عقد واحد، بدءً من مجزرة الدالوة، ثم مجزرتي مسجدي القديح والدمام، كان الجميع يدرك بأن خطوة داعش التالية لن توفر أحداً. حتى دول الخليج بدأت بالإستعداد لمواجهة الشرّ الوهابي القادم من نجد، وهو ما حدث في تفجير مسجد الامام الصادق في الكويت، على يد شاب سعودي لم يبلغ العشرين من العمر، وكان لأول مرة يسافر خارج السعودية، ما يثبت انه صناعة محلية مائة بالمائة.

وفعلاً، ضرب العنف الوهابي مسجد قوات الطوارئ في عسير، فأوقع عشرات القتلى والجرحى، فيما كانت المساجد الكبيرة في كل مدن المملكة بما فيها الرياض قد حرصت ومنذ اسابيع عديدة على تفتيش المصلين قبل دخولهم خوفاً من الأحزمة الناسفة التي يلبسها الانتحاريون.

وخلال الأسابيع الماضية عاد النقاش من جديد بين المُسعودين حول جذور العنف الضارب في المملكة، وحول كيفية مواجهته، ومن هو المستفيد منه. في وقت تزداد فيه المواجهات، من ابقيق الى الرياض الى الشرقية الى الغربية والشمال.

حين وقع تفجير الكويت، توقع الصحفي جمال خاشقجي التفجيرات في مساجد السنّة بعد ان استهدفت مساجد الشيعة فقال: (انها مسألة وقت، وسوف يستهدفون مساجد السنّة ايضاً، فدائرة التكفير تتسع طالما انها تدور. حصل هذا في باكستان والعراق). ونسي الخاشقجي ان يذكر سوريا ايضا، لأسباب سياسية، فهو لا يريد ان يدين النصرة القاعدية وجيش الاسلام الوهابي لزهران علوش.

وهابيو الكويت كما وهابيو السعودية، تمنوا لو أن القاعدة وداعش حصرتا قتلهما في المخالف لهما مذهبيا، وراعيا المصالح السياسية للوهابيين وقيادتهم السعودية. وليد الطبطبائي، النائب الوهابي الكويتي السابق، نصح ذات مرة في رسالة مباشرة للدواعش: (الى الإخوة في داعش.. أنتم اخوتنا، لا نكفركم، ولا نستحلّ دماءكم). ومثله شافي العجمي الذي كان يجمع الأموال لداعش والنصرة علناً ودافع عنهما علنا ايضاً فقال: (لا أعلم فتنة تمر على منطقتنا اعظم من فتنة التحالف الدولي المزعوم ضد داعش، لأنها تريد اقتلاع كل شجرة طيبة، وغرس كل شجرة خبيثة). والشيخ النجيمي الذي استأجره آل سعود ليناصح الدواعش القتلة في السعودية، وليحاضر في كلية نايف الأمنية، يقول: (داعش مهما بلغوا فهم من الخوارج، والخوارج من المسلمين، كما قال علي: إخواننا بغوا علينا. أما الرافضة، فهم مجوس، ليسوا منّا، والتاريخ يشهد بغدرهم وخيانتهم).

أيضا لم يتحمّل الشيخ الموتور سعود الشريم، أية مسؤولية عن التفجير، شأنه شأن آل سعود ومشايخهم. لم يدن المفجّر بالكويت ولا من استخدمه، بل حوّل التهمة الى (المجوس)، فقال: (قتل المصلين غَرْسَةٌ من غراس أبي لؤلؤة المجوسي). هنا علق الصحفي خلف الحربي: (أصبح المسؤول عن الجريمة أبو لؤلؤة المجوسي! ما أجمل الهروب من الواقع).

الشيخ سعد البريك فعل ذات الأمر فاتهم (الخوارج وأذناب الصفوية، جُند ايران) الذين (يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان). وبرر قتل المصلين بأنها رد على (عاصفة الحزم) أي حرب آل سعود على اليمن وشعبه. ثم عاد البريك ليشير من بعيد الى محليّة المنتج الوهابي الداعشي فقال عن دواعش الداخل بانهم شوهوا صورة الاسلام، وخدموا الأعداء، وفجعوا الآباء والأمهات، وسعوا للإخلال بالأمن. والشيخ محمد العريفي اكتفى بتعريفنا بأن تخريب المسجد وقتل المصلين والتنفير عن الصلاة أكبر الظلم. اي انه يتهم مجهولاً، ليس له اسم، ولا صفة، ولا بلد ينتسب اليه، ولا ثقافة ينتمي اليها. والشيخ السديس يخاطب بنعومة احداً ما بدون ذكر هويته: (قتلتم عشرين من رجال الأمن، فماذا حققتم؟)؛ وزاد منتفخاً بعضلات مرتخية لدولة سعودية وهابية آفلة: (لو طلبت الدولة من شبابها عشرين ألفاً قبل مغيب شمس اليوم، لجاءوا يحلّون مكانهم ويخزونكم).

واكتفى الشيخ خالد المصلح بابعاد التهمة عن الوهابيين فقال: (زورٌ وبهتان أن يُنسب هؤلاء المجرمون التكفيرون المفسدون الى أهل السنّة والجماعة).  لا أحد يتهم اهل السنة والجماعة بالإرهاب، وانما المتهم الوحيد، والوحيد فقط، هم الوهابيون الذين هم حقا لا يمثلون اهل السنة والجماعة وإن زعم آل سعود ومشايخ الوهابية ذلك.

الشيخ المتطرف محمد السعيدي والذي هو مثل غيره يدرس التطرف في جامعات الوهابية الدينية، رمى بالكرة على الآخر، وتنصل هو ومشايخه وآل سعود من المسؤولية. قال: (اذا أردتَ ان تعلم مَن المنظّم الحقيقي لتفجير طوارئ عسير، فابحث عن المستفيد الحقيقي، ولن تجد أكثر من الحوثيين وإيران والصهاينة ومَن حالفهم). اذا كان مشايخ الوهابية وآل سعود لم يقرّوا بعد بأية مسؤولية لوهابيتهم وتطرف فكرها ومنتجاتها القاعدية والداعشية، فكيف سيحاربون العنف؟

في ذات النهج لعن عبدالله بن سعد داعش والروافض المجوس ومن ساندهم او رضي بفعلهم. يحاول الوهابيون عبثاً ان يقنعوا انفسهم بأن داعش عميلة لإيران، وليست أحد منتجات فكرهم وسياستهم. وقد اوقعهم ذلك في مشكلة اخرى، فكيف تستطيع إيران ان تجنّد شباب الوهابية خاصة في نجد، والذين هم مملوؤون بالحقد على من يخالفهم المذهب؟ 

خاطب احدهم مشايخ التكفير فقال: (نتفهم رمي شيوخ الوهابية التهم على المجوس والفرس والرافضة والجن.. الخ. لكن هؤلاء القتلة هم أبناؤكم، تلاميذكم، تربيتكم، درسوا كتبكم). وقالت الكاتبة هيلة المشوح متسائلة: (بالله عليكم! ألا يخجل من يسوّق لفكرة أن داعش ايرانية؟ هل يتوقعون أننا نسينا تسويقهم لفكرة ارتباط القاعدة بإيران؟). واضافت: (الحرباويون أصحاب فكرة أن داعش ايرانية.. ترا الولد ما طلع اسمه نواز خوندري، اسمه ابو سنان النجدي). وأكملت: (يا من صدّقتم حاملي بيارق الجهاد: هاهم ينكرون التفجيرات التي جاءت من نبعهم ـ تقصد مشايخ التكفير. أفيقوا واحموا وطنكم وانبذوا هذا الفكر النتن).

الدكتور عبدالعزيز الفوزان في تحليله لمنابع القتل قال: (الخطيب الذي صلّيت معه، حذّر باقتضاب من سفك الدم الحرام، ولم يشر الى حادثة تفجير المسجد، ثم أطال في الدعاء للمجاهدين)؛ واضاف: (علّتنا منّا وفينا). وركز يوسف الكويليت على ان المشكلة في الداخل: (ردود الفعل السريعة على عمليات الإرهاب لا تفيدنا. الموضوع أكبر من استنكار وشجب. قواعد الإرهاب تنموا في الداخل، وعلاجها يبدأ من هذه النقطة). والكاتب نبيل المعجل تطرق الى الحل الأساس للإرهاب فقال: (قلناها مليون مرة؛ جفّفوا منابع الإرهاب والتكفير، والأمر ليس بحاجة لعمليات استخباراتية. رموز ومنابع الإرهاب بيننا). وعبدالله الكويليت رأى أن لا فائدة من مناصحة الدواعش ومحاربة المُنتج دون المصنع، فقال: (علينا جميعا أن نترك مناصحة المغرّر بهم، ونتفرّغ لمناطحة من غرّرَ بهم). واقترح حلا بسيطاً بنظره: (حاكموا دواعش الداخل الكبار، الذين يحرّضون ويركبون الخيول ويسكنون القصور، ويدّعون الزهد كذباً). ومثله خالد العمار قدم حلا سهلاً آخر: (لنبحث عن مصادر فكر داعش ونقضي عليها، وستنتهي هذه الجرثومة).

الكاتب المؤلف عبدالله ثابت قرأ ما وراء ادانة مشايخ التطرف لتفجيرات عسير وغيرها: (ستبدأ المسرحية الحقيرة، وسيأتي المبشرون بالدم على منابر المساجد في عسير منذ عقود.. ليمشوا في الجنائز). أما المفكر المحمود فرأى أن (الإرهابي بذل روحه من اجل تفجير المسجد، وهو على يقين ان عمله صواب. السؤال: ما هي مصادر هذا اليقين)؛ واضاف: (عندما نكتفي بمجرد شتم الذين قاموا بالتفجير، فنحن نهرب من تحليل المصادر الفكرية لهذا العمل). وفي السياق نفسه علق الكاتب وائل قاسم على جملة طالما كررها مشايخ الوهابية والتي تقول: (هم اخوة لنا مغرّر بهم، وتجب مناصحتهم) ويضيف: (بمثل هذه النغمات اللينة المتعاطفة، ازدهر سوق الإرهاب في بلادنا، ولن يزول الا بزوالها).

قينان الغامدي، رئيس تحرير صحيفتي الوطن والشرق سابقاً علق بأن (المقاومة الأمنية ناجحة، لكن المقاومة الفكرية التي لم تبدأ بعد هي الأجدى والأبقى على المدى الطويل، وما يحدث كله مجرد شجب، لا مقاومة). والاعلامي محمد البريدي يتألم: (كنّا نتوجّس من أعدائنا. واليوم نتوجّس من أبنائنا أكثر. يا لها من لحظات تعيسة ومأساوية). ومثله قالت منيرة النويصر: (هل نحمي الوطن من الأعداء، أم نحميه من الأبناء.. عقول لا ندري كيف تم إقناعها بأن الجنة تأتي فوق جثث المسلمين).

ويعتقد الدكتور ناصر الجهني بأن تفجيرات المساجد في السعودية مجرد (حصاد ما بذره مشايخ التطرف ووعاظ التشدد في اعلامنا ومناهجنا وعقول أبنائنا.. نجنيه اليوم أسىً وحسرة). واستغرب الصحفي انس زاهد من أن التكفيريين (يؤيدون داعش في العراق وسوريا، وعندما ترتكب جرائمها في بلادنا يقولون انها صنيعة ايران)، واعتبر زاهد اصحاب المقولة هذه بأنهم اخطر من الدواعش انفسهم. وخاطب متابعيه: (تريدون ان تعرفوا متى بدأ تفجير المساجد؟ إنه المسجد الذي كان يصلّي فيه الشيخ البوطي. وقتها هلّل الكثير من شيوخ التحريض). وأكد وسيم يوسف أن شجرة داعش لم تخرج إلا من ماء الخطاب الديني الذي انتهجه دعاة الفتنة، وأضاف: (حاربوا الجذور تموت الفروع).

وأخيراً فإن جمال خاشقجي يطرح سؤالاً متكرراً متأخراً يرفض النظام ومشايخه الاجابة عليه: فـ (تفجير المسجد يجب ان يهزّنا من الداخل.. نترك كل ما بيدنا.. نضع كل جدل جانباً، وننصرف للسؤال: لماذا قتل ابننا أهله وعشيرته وشجعان وطنه؟).

هل يمتلك الخاشقجي وأضرابه الاجابة على السؤال بصدق؟

الصفحة السابقة