داعش لم تتبنّ العملية

تفجير مسجد محاسن بالأحساء

محمد الأنصاري

مرة اخرى يضرب الإرهاب الطائفي القائم على التحريض السعودي الرسمي ضربته في احد مساجد المواطنين الشيعة بالأحساء، ما خلّف أربعة شهداء، وأكثر من ثلاثين جريحاً. فقد هاجم سعودي من بريدة ـ عاصمة التطرف الوهابي ـ المصلين في مسجد الإمام الرضا بقرية محاسن، وذلك يوم الجمعة.. هاجمهم بحزام ناسف، ليتبعه مصري مقيم بحزام ناسف آخر لم ينفجر، وبإطلاق رصاص، لكن المصلين تمكنوا منه، وتم اعتقاله.

تفجير مسجد الإمام الرضا بقرية محاسن

هذه الحادثة جاءت بعد حوادث أخرى في قرية الدالوة بالأحساء، ثم في مسجد بالقديح، وثالث في الدمام، ورابع في سيهات، ولا يبدو أن الأمور ستقف عند هذا الحدّ. في كل الحوادث السابقة كانت داعش تعلن عن تبنيها، إلا هذه المرّة؛ ما جعل اصابع الإتهام تتجه للنظام مباشرة بأنه ضالع في التفجير، وليس فقط في التحريض على قتل المواطنين عبر مفتيه ودعاته الذين ما انفكوا يقومون بافعالهم الشائنة من منابر الدولة الرسمية، وجامعاتها، ومساجدها، وإعلامها، دونما محاسبة.

وكما كل مرة، يظهر التنديد حتى من بين اولئك المجرمين المحرضين على قتل الشيعة، ليعلنوا براءتهم.

وكما كل مرة ايضاً، يطالب المواطنون ومن مختلف المناطق بضبط المحرضين ووضع قانون يجرم الحضّ على الكراهية ويحاسب التكفيريين قبل المفجرين.

لكن الأمراء لم يهتموا ولن يهتموا بهكذا حلول.

ومن هنا، وكما هي العادة أيضاً، فإن التحريض الرسمي، والتكفير العلني خاصة في عهد الملك الحالي، قد بلغ ذروته، ليكشف لنا ان المنتج الوهابي الرسمي لن يكون سوى الخراب والدمار والقتل، للمخالفين، داخلياً او خارجياً. وليثبت أيضاً ان عقيدة التكفير ما هي إلا سلاح بيد آل سعود يستخدمونه، ويحافظون عليه، باعتباره سلاحا قامت عليه أسس الدولة السعودية نفسها. وليثبت ثالثاً، كما في حوادث سابقة، ان من يقوم بالتفجير إنما هو شاب لم يسافر حتى للخارج، وبالتالي تلقى اوامره من الحاضنة الإرهابية الوهابية التكفيرية المحمية داخلياً من النظام رسمياً.

التطرف الوهابي

هناك من يقول بأن سبب تفجير الأحساء الإرهابي سببه الرئيس هو صمت الدولة الرسمي، وتجاهلها الملحوظ في عدم سن قوانين تجرم الطائفية ومعاقبة المحرضين سبب آخر، في تمدد الإرهاب. المحامي صالح الصقعبي علق على الجريمة: (من يُحرّض على التكفير والحقد والكراهية هو المجرم الأول، وهذا يدفعنا للمطالبة بسن قانون يجرّم العنصرية والطبقية والطائفية)؛ والكاتبة شريفة الشملان فاض بها الكيل وتطالب بنظام وطني صارم يجرم كل انواع التعصب والطائفية. اما المفكر تركي الحمد فقال انه متأكد من ان الجرائم الإرهابية ستتكرر: (سنظل نلطم بعد كل عملية ارهابية، طالما بقينا نجزّ الحشائش دون قلع الجذور. الجذور كامنة في المدارس والجامعات ووسائل الإعلام). الجذور في الوهابية اذن، فكرها وتطرفها ودعم آل سعود لها ليدرسونها الاجيال كعقيدة صحيحة.

هذا الإجماع في مكافحة الإرهاب والتصدي له من جذوره ومكافحة المحرضين ووضع قانون ضد الطائفية، لا يسمعه آل سعود البتة، لا هم ولا دعاتهم الطائفيين.

الطريف ان معلقاً تمنى ان يذهب وفد من هيئة كبار العلماء بعد كل تفجير الى مناطق الشيعة ليعزوهم ويقولوا: نحن على سفينة واحدة. هذا حلم. ففي داخل اكثرهم داعشي يقول: اللهم زد وبارك! هم من صنع التكفير والإرهاب، وهم حماته، ولا يمكن ان يعترفوا او يعتذروا.

الصحفي محمد العصيمي أشار الى ترويج الفتن الطائفية من خلال الأجهزة الرسمية، وإلاّ من سمح للعرعور ان يعظَ في الأحساء ويلعب بعقول أولادنا؟ والكاتبة والصحفية اميرة كشغري تتهم الحكومة ضمنياً بالتمييز الطائفي واثارة التعصب والكراهية والتحريض ضد الشيعة. هناك من يروج لهذا المستنقع القذر الذي يسقط فيه من غُسلَت أدمغتهم. تقول اميرة.

اما الكاتبة اميمة الخميس فتشير الى سبب آخر للإرهاب، وهو دور انظمة المنطقة في صناعة ثقافة القمع والإستبداد والتخلف، وغياب الدولة المدنية، ما كرّس فكر التوحّش الإرهابي ومحاضنه. أما رائدة السبع، الصحفية، فتقولها صراحة: (التفجيرات في المساجد الشيعية في السعودية هي نتيجة طبيعية لما يبثه بعض مشايخ السلفية). وتضيف بأن للإرهاب دين وملّة ومذهب ـ تقصد الوهابية.

الانتحاري عبدالرحمن التويجري

لهذا لا غرابة ان يتهم الناشط الحقوقي الحجازي حسن العُمري من منفاه الحكومة السعودية بأنها وراء تفجير الأحساء. ولا غرابة ان تعلق البروفيسورة مضاوي الرشيد طالبة بأن يصفّي النظام السعودي حساباته مع ايران على جثث المصلين الأبرياء. وأكدت الرشيد بأن هناك يداً ليست خفية مصممة على تصفية الشيعة في المملكة، لصالح النظام السعودي الذي يريد تطويع السنّة والشيعة بالخوف.

في ذات الإتجاه فإن الباحث الدكتور فؤاد ابراهيم المتخصص في الحركات الداعشية والقاعدية، يرى أن (خطاب داعش يُنتج محلياً، وهو اليوم خطاب السلطة، وما حدث في محاسن الأحساء ينسجم تماماً مع سياسة السلطة، بل يجسّد عقلها الأمني). ويضيف بأن الصحافة الرسمية والتعليم والمذهب الرسمي اي الوهابية، والسياسة، ضالعون في صنع بيئة الإرهاب، والنتيجة: (الحكومة تعدم، وداعش تفجّر)!

هذه النتيجة وصل اليها الدكتور المعارض حمزة الحسن: (سلمان يقصب الشعب بالإعدامات، وداعش تكمل المهمة)؛ وتوقع الحسن استمرار التفجيرات الطائفية، واتساع الانفلات الأمني الى حد الحروب الداخلية. وتساءل: (كيف لدولة تشتم مواطنيه صباح مساء في صحافته ومنابر مشايخها، وفتاوى مفتيها، وتحرض عليهم، ثم تقول بعد الجريمة: نحن في خندق واحد؟). كيف يستطيع ان يزعم آل سعود بأنهم برءاء من الإرهاب الطائفي وهم يميزون ضد شعبهم ويروجون للصراع الطائفي والتكفير؟.

الناشطة امتثال ابو السعود تسأل: (دعاة التحريض الذين يستبيحون دماء المسلمين لا يقومون بتحريضهم من وراء حُجُب، بل على المنبر والصحيفة وحرم الجامعة. فلمَ هم أحرار؟). ما هذه السموم التي تطفح بها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي؟ ما هذه الدموية العلنية لقتل الشيعة من شيخ واستاذ دين في جامعة؟ لماذا هذا التساهل من مباحث بن نايف عن امثال هؤلاء؟ اليست هذه الأسماء صريحة تؤيد القتل، فماذا فعل النظام لها؟

ثم هؤلاء الضحايا الذين يشيعون جثامين عشرات من ضحاياهم، لماذا خطابهم الأخوي والوحدوي لا قيمة له عند ال سعود؟ كانت لفتة كبيرة من والد المجرم الإرهابي الذي فجر في مسجد الأحساء ان جاء لها معزياً، وأن يكتب رسالة مجللة بالحزن لما فعله ابنه الذي لم يتوقع منه ان يفعل ذلك. لقد فلت حبل السيطرة من الجميع بعد أن راج التحريض الطائفي الدموي رسمياً. لم تعد عبارات التعايش لها قيمة بعد تكرار التفجيرات الإرهابية الداعشية.

قال أحدهم: (يكفينا فخراً انهم يبحثون عنا في المساجد. ويكفيهم عاراً انهم يواجهوننا ونحن «رُكّعاً سُجّداً»).

الصفحة السابقة