القيم الدينية والتحديث في السعودية

(السيف والقرآن هما كل ما أملك)(1) كلمة للملك عبد العزيز (1880 ـ 1953) مؤسس المملكة السعودية يلخّص فيها أسس التحالف التاريخي الذي تم عام 1744 بين الامير محمد بن سعود (توفي 1765) والشيخ محمد بن عبد الوهاب (1703 ـ 1791). بالنسبة لكثير من العلماء فإن الملك عبد العزيز جسّد تطلع السلف الصالح والفقهاء العدول في المدرسة الحنبلية الذين نظّروا لدولة قائمة على أساس تحكيم الشريعة كما تطلع اليها شيخ الاسلام ابن تيمية (661 ـ728) في كتابه (السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية) والشيخ ابن قيمة الجوزية (691 ـ751) في (الطرق الحكمية في السياسة الشرعية). فالانجاز السياسي غير العادي لابن سعود قد إستحوذ على إهتمام خاص لدى علماء الدين خارج الجزيرة العربية، وهذا ما دفع عالماً متنوراً مثل الشيخ رشيد رضا (1865 ـ 1935) الى الاعتقاد بأن عبد العزيز هو الحاكم الذي حافظ وعزز المبادىء الجوهرية للسنة بعد الخلفاء الراشدين الأربعة.

لقد نظرت سلالة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الى السيف باعتباره رمزاً للسلطة الزمنية متمثلة في الحكم السعودي، والذي به يمكن الاستعانة على نشر تعاليم ومعتقدات المذهب الوهابي في المناطق الملحّقة بمركز سلطة ابن سعود داخل الجزيرة العربية. في المقابل، ناضل ابن سعود من أجل تدشين سلطة مركزية موحدة ما دفعه لتوظيف حليفه الديني لتوفير مصدر صلب للمشروعية. وهذه المصلحة المتبادلة تطلبت درجة محددة من تقاسم السلطة لجهة تحقيق تطلعات مشتركة من منطلقين مختلفين. وهذا بدوره تطلب درجة عالية من الانسجام بين المؤسستين الدينية والسياسية، وفي نفس الوقت الاتفاق على وضع السلطة الزمنية في يد آل سعود، في مقابل منح عائلة آل الشيخ سلطة على الشؤون الدينية(2).

هذا التمايز الدقيق بين السلطتين الزمنية والدينية يتم تحديده في ضوء التقاليد التاريخية والدينية. فقد عرف عن المدرسة الحنبلية مناصرتها شبه المطلقة لمفهوم طاعة الأمير ومعارضة أي شكل من النشاط السياسي الذي يقود الى الفتنة والانقسام داخل جماعة المسلمين(3)، وتحصر هذه المدرسة دور العلماء في المشورة وتقديم النصح للحاكم بناء على حديث نبوي (الدين النصيحة).

ولذلك، فإن المدرسة الحنبلية التقليدية تعد الاكثر تسامحاً إزاء الحكام بين باقي المذاهب الاسلامية الأخرى. وعليه يميل الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأنصاره الى التوافق مع السلطة الزمنية طالما بقيت متصالحة مع أهل الدين. وبدرجة متساوية أيضاً، فإن العلماء يغضّون الطرف عن آثام الحاكم ما لم يأت بكفر بواح بحسب ممليات الشريعة ونصوصها.

وأمكن القول كنتيجة فإن ابن سعود أفاد من المدرسة الحنبلية من أجل الحصول على وصفة الشرعية دونما أضرار، وهواجس، أو مقابل. والسبب في ذلك، أن الوهابية الى جانب كونها تمثل المذهب الغالب في نجد، فإنها كانت تمثل ايضاً حركة دينية طهرانية منزوعة المضمون السياسي. فالمسعى المركزي لهذه الحركة هو (تطهير الاعتقاد واعادة احياء مفهوم التوحيد في صورته الصارمة، وعبادة الله وحده)(4). يعتقد نقّاد وعلماء المدرسة الوهابية بأن التسعة عشر كتاباً التي صنّفها الشيخ محمد بن الوهاب لا تشتمل على فكر سياسي كما لا تتعامل مع القضايا المعاصرة، على خلاف ما كان عليه محمد علي باشا الذي كان يعيش في نفس الفترة(5).

وبحسب جلال كشك في كتابه (السعوديون والحل الاسلامي) فإن قراءة في كتب محمد بن عبد الوهاب ومنشورته (تعطي انطباعاً وكأنه يعيش خارج التاريخ، فليس له من تعليق على حدث معاصر خارج محيطه، بل يناقش قضايا فقهية سبق بحثها وصدرت فيها اجابات حاسمة قبل مولده بقرون عديدة)(6).

لقد لعبت الظروف التاريخية والاجتماعية دوراً هاماً في التمهيد لنجاح الدولة السعودية، ولكن هذه الدولة شهدت نزعتين متقابلتين: الاحتفاظ وصيانة القيم الدينية، كجزء من التزام آل سعود بالاسلام وبمقتضى التحالف مع العلماء والنزعة الأخرى تتمثل في تبني برامج التحديث كخيار حيوي للدولة. في هذه المقالة سنقوم بإختبار المسعى السعودي للمحافظة على التوازن الدقيق بين القيم الدينية والتحديث.

إن العلاقة الودّية بين العرش السعودي وعلماء الدين مثّلت واحدة من أهم المميزات في التاريخ السعودي المعاصر. ومنذ سقوط الرياض عام 1902، بدأ عبد العزيز بإحياء التحالف التقليدي مع العلماء، وأبدى حماسة عالية لمناصرة المعتقدات الوهابية، مما أضفى على حركته معنى دينياً كما نجح في استيعاب موجة من الانصار. وهنا يحقق الخطاب الديني تطلعاً سياسياً هاماً، كما يلتقي الزمني بالديني بما يسوّغ تشكيل الجيش العقائدي لابن سعود، أي الاخوان عام 1912(7). فقد أنشأ ابن سعود هذا الشبح، كما يصفه روبرت ليسي(8) لاشعال التعصب الديني وتعبئة الحماسة الجامحة نحو الغزو والفتح لتحقيق تطلعاته السياسية. وعلى أية حال فقد لحظ عبد العزيز لاحقاً مؤشر التهديد الذي يخلقه الأخوان ضد حكمه، ولذلك قرر التخلص منهم مرة واحدة وللأبد. ان مكمن الخلاف بين قيادات الاخوان وابن سعود هو تباين المصالح والاهداف المتضاربة بين الجانبين، فقد زعم الاخوان بان رسالتهم هو نشر الاسلام في العالم، وهي رسالة لم تكن مدرجة في الاجندة السياسية لابن سعود، وخلافاً للجهاد الوهابي ـ السعودي في القرنين الماضيين فإن الحملات العسكرية التي قادها ابن سعود لم تستهدف نشر الوهابية ولكن اعادة تأسيس سلطة آل سعود(9). وعوضاً عن ذلك، فإن المهمة الوحيدة لدى الاخوان كانت هي استعادة تحكيم الشريعة التي جرى تقويضها على يد ابن سعود، الذي أصبح في نظر الاخوان مجرد (طالب ملك، وموالي وشريك للكفار في أعمالهم)(10). إن الخلاف المتنامي بين الاخوان وعبد العزيز تزامن مع إدخال التكنولوجيا والتعليم الحديث والذي عارضه الاخوان بشدة على أساس مفهوم البدعة، وهي كما يعرّفها الشيخ ابن عبد الوهاب بأنه الاعتقاد أو العمل غير القائم على القرآن أو الحديث أو سابقة من الصحابة(11). وعليه، فقد عمل عبد العزيز من أجل مقاومة التزمت الديني لدى الاخوان من خلال صهرهم في المجتمع الحديث، فيما واجه من بقي منهم بالسلاح في معركة السبلة في 30 مايو 1929، بدعم عسكري ومالي بريطاني بناء على اتفاقية الحماية الموقّعة عام 1915(12). وحقيقة الأمر، أن الاخوان كقوة عسكرية ومصدر للمشروعية باتوا غير صالحين بعد اعلان قيام الدولة، بمعنى أن الجهاد كمسوّغ وحافز للنشاطات العسكرية التي كان يقوم بها الاخوان أصبحت ذات مفعول عكسي ومتعارض مع شروط ومبادىء وأهداف الدولة. وقد أدرك ابن سعود في مرحلة مبكرة متطلبات وشروط استقرار المملكة، ولذلك سعى الى المحافظة على توازن دقيق بين التقاليد القبلية والتأثير الديني وهيمنة العائلة المالكة، ومتطلبات التحديث. وقد رأى ابن سعود أن هذه العناصر متظافرة يجب توظيفها لخدمة أولوية كبرى وهي نشأة مملكة موحدة ومركزية.

وعلى اية حال، فإن مشكلة مستقبل الدولة تنبع من التناقضات بين التطرف الديني وسيرورة الدولة. ينقل حافظ وهبة المستشار المصري في مكتب الخارجية لدى ابن سعود منذ عام 1922 تفاصيل دقيقة عن احتجاج العلماء في يونيو 1930 بشأن منهج إدارة التعليم في مكة كونه يشتمل على تعليم الفن، واللغات الاجنبية، والجغرافية والتي تحتوي على مادة حول دوران الارض. وفي محاولة منه لاقناع المعترضين قام وهبه بتقديم شرح للعلماء حول أهمية هذه الموضوعات من منظور ديني. وقد اعترض أحد العلماء على مادة الجغرافيا كونها تشتمل على فرضيات حول دوران الارض وتتحدث عن النجوم والكواكب التي اختلقها الفلاسفة الاغريق وقد انكرها السلف(13). وبخلاف ما كان عليه الحال عام 1921 حين رضخ عبد العزيز لحليفه الديني وأوقف استعمال اللاسلكي في مراسلته مع المناطق الاخرى في الحجاز(14)، فقد قرر في هذه المرحلة تعزيز حكمه باستعمال دور متوازن ولكنه فاعل من أجل إزالة العقبات التي تحول دون تقدّم الدولة. وقد واجه تحديات جمّة عالجها تارة بالاقناع الودي أو بعدم الاكتراث أو بالتعويض في مواقع لا تشكل خسارة بالنسبة له وتسترضي حليفه الديني. فحين شكى علماء نجد لعبد العزيز حول الاحتفال بالعيد النبوي الذي يقام في الحجاز أصدر عبد العزيز أمراً بحظر الاحتفال بهذه المناسبة، ولكن حين يريد كسب المناظرة فإنه يفعل(15).

في 29 مايو 1933 وقّع وزير مالية ابن سعود عبد الله سليمان إتفاقية مع شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا (سوكال) بناء على أمر ملكي، وقد منحت هذه الاتفاقية شركة سوكال امتياز التنقيب وتطوير النفط في البلاد. وقد عارض العلماء بشدة هذه الاتفاقية كونها تؤدي الى فتح الأبواب امام الكفار للاقامة في جزيرة العرب، كما ستؤدي الى فساد اخلاقي بادخال المسكر والصور الخليعة وغيرها من وسائل الشيطان. ولكن عبد العزيز تجاوز الاحتجاج بطريقة حاذقة وعدم اكتراث(16). ولكن الجدل الحقيقي هو أن عبد العزيز تمكّن من تكييف سياساته لشروط التحديث مع احتفاظه بدرجة التزام معينة بأحكام الشريعة وبالعلاقة مع العلماء. وبصورة عامة، وجد ابن سعود والملوك من بعده أنفسهم في مواجهة قوتين فاعلتين: علماء نجد الذي يتمسكون بقوة بالتعاليم الوهابية التقليدية المتعارضة مع الابتكارات الحديثة (أي البدع)، والقوة الأخرى هي تيار التحديث بما هو قوة ضرورية للنظام الحاكم.

الدولة السعودية الحديثة: وبداية التحدي

إن التاريخ السياسي للدولة السعودية يلفت الى مرحلتين رئيسيتين: مرحلة عبد العزيز والتي رهنت الدولة الى الملكية القبلية المطلقة، حيث حكم إبن سعود البلاد بوصفه زعيم قبيلة، فكان هو كل شيء في الدولة، إذ لم يكن أخوانه أو أبناؤه أو وزراؤه وأمراء المناطق أو أي شخص آخر قادراً على القيام بعمل أو مبادرة دون مشورته، فكل القرارات لابد أن تحظى بموافقته أو أنها ستذهب مع الريح(17). الثانية مرحلة ما بعد عبد العزيز، والتي بات فيها على الملك، بالرغم من تمتعه بسلطة غير محددة، التمسك بالاجماع داخل العائلة المالكة، ومراعاة التوازانات بين الاجنحة اضافة الى حساب التطورات الجديدة وتحديات الاتجاه التحديثي في البلاد.

في المرحلة الأولى الواقعة بين (1932 ـ 1953) فإن النظام السياسي السعودي يعتمد بشكل أساسي على أدوات دبلوماسية كلاسيكية، وغالباً ما تكون قائمة على جهود شخصية أكثر من كونها مؤسسات ذات هياكل تنظيمية معروفة. وخلال الفترة ما بين سقوط الرياض عام 1902 واحتلال جدة عام 1925، فلم تكن هناك أي دوائر وزارية في البلاد، ما خلا ديوان الشيوخ الذي يرأسه الملك عبد العزيز وكان يدير منفرداً شؤون الدولة، وكان الاساس لتشكيل الجهاز الوزاري.

إن وضعية كهذه تعود الى هيمنة القيادة الكاريزمية لابن سعود الذي ألغى الحاجة الى جهاز اداري فاعل ومؤسسي للدولة. فقد كان مهتماً بدعم كافة جهود بناء مملكة مركزية موحّدة. فالحجاز، على سبيل المثال، كان منطلقاً لمأسسة الدولة بفعل التقاليد السياسية والادارية والمجتمعية السائدة فيه. فقد ورث ابن سعود النظام الاداري المعدّل للشريف حسين وتعقيدات ادارة السلطة المتطورة(18)، ولذلك دشّن أول مجلس للشورى إنطلاقاً من منطقة الحجاز وذلك في 21 يناير 1925، وكان يفترض أن يأخذ شكل السلطة التشريعية. واعترافاً بأهمية التجربة الادارية الثرية في الحجاز، فقد أفاد عبد العزيز من التقاليد البيروقراطية في الحجاز من أجل إرساء قاعدة المأسسة للدولة. والحقيقة أن التجربة الادارية المتطوّرة في الحجاز قد شهدت انتكاسة منذ احتلاله من قبل قوات ابن سعود الأمر الذي أدى الى ارتكاس مؤسساتها الادارية والثقافية، والذي أدى لاحقاً الى ما يشبه الطمس للشخصية التاريخية، والهوية الاجتماعية والثقافية لهذه المنطقة. وبالنسبة للمجتمع الحجازي، فإن الخسارة كانت فادحة منذ أن قررت العائلة المالكة نقل المؤسسات الحكومية من الساحل الى الداخل أي من الحجاز الى نجد في عهد الملك فيصل (1964 ـ 1975).

وفي الحديث عن المرحلة الثانية فيمكن القول بأنه على الرغم من أن التنبوءات التي قدمّها عدد من المراقبين الاجانب والمستشارين والخبراء حول انهيار مملكة آل سعود في مطلع الثلاثينات(19)، فإن الملوك اللاحقين قد ورثوا مملكة شبه مستقرة، ولكن غير منظّمة. إن أحد أهم الملامح الرئيسية لهذه المرحلة كان تأسيس أجهزة الدولة، بفعل تخصيص مبالغ ضخمة من عائدات النفط في برامج التحديث. ولعل من المفيد الاشارة الى أنه بعد خمسين عاماً من الحكم المطلق (1902 ـ 1953) وافق عبد العزيز قبل أسابيع من موته على إنشاء مجلس الوزراء، وكان ينوي بهذه الخطوة تمهيد السبيل لأبنائه البالغ عددهم 46 أميراً للامساك بزمام السلطة. فقد نصّ الأمر الملكي القاضي بإنشاء المجلس على تعيين سعود رئيساً لمجلس الوزراء. وعلى أية حال، فإن انشاء مجلس الوزراء قدّر له البقاء كقضية نظرية فحسب الى وفاة الملك عبد العزيز.

وفي مارس 1954 أحيا الملك سعود العمل بمجلس الوزراء على أساس نظام جديد، كما وضع نظاماً جديداً لمجلس العائلة المالكة (الديوان)، وعيّن سعود ولي عهده فيصل رئيساً لمجلس الوزراء. ومن الناحية الفعلية كان تشكيل مجلس الوزراء قد أدى الى سحب السلطة التشريعية من مجلس الشورى القديم، والذي كان مؤلفاً من العلماء، والتجار، وزعماء القبائل. وقد احتسب مجلس الوزراء على أنه تدشين لمرحلة جديدة من التطور في النظام السياسي السعودي(20). إن ما يمكن وصفه نقطة بداية انتكاسة الدور التقليدي للعلماء كان في السلطة الهائلة التي تم منحها لمجلس الوزراء. وبحسب المادة 18 من نظام المجلس، فإن مجلس الوزراء يشرف على السياسات الداخلية والخارجية والمالية والاقتصادية والتعليمية والدفاعية، وكافة الشؤون العامة للدولة، كما يشرف على تنفيذ هذه السياسات، ويملك سلطات تنظيمية وتنفيذية وادارية ويشرف على الشؤون المالية والشؤون والمصالح الوزارية، ويأخذ الاجراءات الضرورية في هذه الاصعدة، وأن صلاحية الاتفاقيات والمعاهدات الدولية يجب أن تحظى بموافقة المجلس، كما أن القرارات التي يصدرها المجلس لا يجب حظرها باستثناء حالات تتطلب أمراً ملكياً(21).

لاحاجة للقول بأن الدولة السعودية الحديثة بدأت من الناحية الفعلية من منتصف الستينيات، أي منذ اعتلاء فيصل العرش. ففي عهده أخذ الجهاز الوزاري شكلاً محدداً، كما تم إنشاء المؤسسات التي تمنح التكنوقراط القدرة على قيادة سفينة الدولة. وفي عام 1965 أصبح 6 من التكنوقراط وزراء من بين 14 وزيراً فيما ارتفع العدد سنة 1975 الى 14 من أصل 25 وزيراً، وفي عام 1982 أصبح عدد الوزراء التكنوقراط 16 من أصل 27 وزيراً، فيما تناقصت حصة آل الشيخ والمؤسسة الدينية بصورة عامة في الجهاز الاداري للدولة بحيث احتفظوا بثلاثة مناصب وزارية.

وكمحصلة يمكن القول بأن الستينيات مثّلت نقطة تحوّل في تاريخ الدولة السعودية، كونها شهدت تحوّلاً بنيوياً هاماً. وقد كان انتشار التعليم الحديث قد ساهم في تهيئة أرضية لنوع من علمنة الاجهزة الحكومية، وقد لعبت الفورة القومية والتيار الوطني دورا في الدفع باتجاه التحرر من التقاليد الدينية المحافظة، وبدأت الدولة تميل بفعل النزعة القومية المتصاعدة الى التحديث والتي أدت الى كبح تأثيرات جهود العلماء من أجل إدامة النزعة الدينية المحافظة ومقاومة تأثير المتغيرات الجديدة. ففي يوليو 1965 لقي أحد أفراد العائلة المالكة ويدعى خالد بن مساعد حتفه خلال اضطرابات أعقبت تدشين محطة للتلفزيون في كل من الرياض وجدة، وكان الأمير أحد المعارضين للبث التلفزيوني بوحي من القيم الدينية. إن ذلك يشير بوضوح الى أن العائلة المالكة خضعت لضغط العصر الجديد وبدأت في شن حملات ضد المعارضة الدينية، المتمثلة في العلماء والتيار الوهابي المحافظ.

العلماء والتحديث: المناظرة العويصة

بصورة عامة يمكن القول بأن سلطة العلماء قد جرى تأطيرها في مجالين رئيسيين: القضاء والتعليم. ومن الناحية التاريخية فإن دور العلماء كان محصوراً بصورة أساسية في مجال القضاء(22). فقد كان العلماء يزاولون منصب القاضي، باعتبار أن القضاء مجال امتياز للفقه ومن ثم مجال عمل العلماء. وحين فرض عبد العزيز سيطرته على مناطق عديدة من الجزيرة العربية، كان هناك ثلاثة أنظمة قضائية: الاول في الحجاز حيث كان هناك نظام قضائي متطور يتم العمل به جنباً الى جنب الاصلاحات التشريعية التي أدخلها العثمانيون على النظام القضائي في الامبراطورية في السنوات: 1839، 1856، 1876، وقد حظيت الاصلاحات القانونية تلك باعتراف المحاكم الحجازية. والثاني كان النظام القضائي في المنطقة الشرقية خلال العهد العثماني الى جانب الاحكام القضائية التي كانت جارية في كل من المحاكم السنية المالكية والشيعية الجعفرية. والثالث كان في نجد حيث لم يكن فيها نظام قضائي مؤطّر تنظيمياً وإنما كان يعتمد بدرجة أساسية على الاعراف والسوابق القضائية(23). وتقليدياً، فإن زعيم القبيلة في نجد يملك سلطة معنوية ومادية لمزاولة دور القاضي، وفي بعض الحالات يقوم زعيم القبيلة بتعيين قاضٍ فيما يتولى هو الاشراف على تنفيذ الاحكام.

بعد قيام المملكة السعودية تم تعطيل كافة الانظمة القضائية بناء على أمر ملكي صدر عام 1927 يقضي بتوحيد النظام القضائي وتنظيم عمل المحاكم. وقد نصّت المواد الاربع والعشرون الواردة في الأمر الملكي على نظام تشكيلات المحاكم الشرعية(24)، وأن النظام القضائي يجب أن يستند على الاحكام الشرعية كما وردت في الفقه الحنبلي. كما نصّ المر الملكي على أن كل السوابق القضائية الورادة في تراث الفقه الحنبلي يجب تطبيقها حرفياً في المحاكم. وقد تمت المصادقة على هذا المرسوم في تاريخ 24 ربيع الأول سنة 1347 هـ. وقد منحت التعليمات الجديدة الملك سلطة مطلقة في الموافقة على كافة الاحكام الصادرة عن المحاكم(25). وعلى أية حال، فإن التغييرات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة بفعل عامل الثروة النفطية والحاجة الى تشريعات جديدة تتعامل مع تلك التغييرات أدت الى تطوير النظام القضائي. ففي عام 1931 كان المرسوم الخاص بالتنظيم التجاري قد صدر وكان مشابهاً الى حد كبير مع الانظمة الحديثة. وفي وقت لاحق صدر عدد من المراسيم الملكية بخصوص القوانين الخاصة بالعلاقات التجارية، وأنظمة البنوك، وحقوق الطبع والنشر، والجنسية، وأنظمة الضرائب، والمؤسسات الصحافية، والجيش السعودي، والعلاقات الدولية. وقد منحت هذه الانظمة والتعليمات الحكومة والملك سلطة تشريعية واسعة وأدت بصورة تلقائية الى تقليص سلطة العلماء.

وقد قاوم الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ (توفي 1969) والذي كان المفتي العام للبلاد في عهد الملك فيصل والشخصية الأكثر نفوذاً في عائلة آل الشيخ قاوم محاولات العائلة المالكة الرامية الى تقليص سلطة العلماء في المجال القضائي. وقد عبّر عن احتجاجه مراراً على القوانين الجديدة كونها غير صادرة عن اللجنة الشرعية أي العلماء. وقد أصدر فتوى يدافع فيها عن موقع العلماء، كما يؤكد على ارتباط الشعيرة بالشريعة وأن تطبيق الشريعة بدون تدخل من قوانين أخرى يتكامل مع عبادة الله وحدة، وأن مضمون توحيد الله ونبوة محمد تتطلب توحيد العبادة لله وحده والا يشرك به شيء، وهذا يعني الالتزام بالاحكام التي أنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم. فالسيوف إنما شهرت لتحقيق هذه الغاية وأن يستعمل في حال التفرق(26). وقد حذر الشيخ ابراهيم العائلة المالكة من إدخال القوانين المتعارضة مع الشريعة أو التي لم تحظ بقبول العلماء، كما نبّه العائلة المالكة الى أن مثل هذه التجاوزات لدور العلماء قد يؤدي الى الثورة ضد الحاكم(27). وقد عبّر الشيخ ابراهيم والعلماء الكبار في الجهاز القضائي عن رفضهم لكثير من القوانين والاحكام المخالفة للشريعة مثل: تعاطي واستعمال المخدرات، وعائدات التبغ، والمعاملات التجارية الخاصة بأدوات الموسيقى، والرخص التجارية، ونظام العمل. في مواجهة السلطة المتنامية للشيخ محمد بن ابراهيم، قام الملك فيصل بتأسيس وزارة العدل عام 1962، وهي خطوة وصفت بأنها محاولة من قبل الحكومة لاضعاف سلطة العلماء(28). وبعد وفاة المفتي العام الشيخ محمد بن ابراهيم عام 1970 أصدر الملك فيصل مرسوماً ينص الى إلغاء منصب المفتي العام وتشكيل هيئة كبار العلماء المؤلفة من سبعة عشر عضواً متحدرين من مناطق مختلفة، بينهم عضو من آل الشيخ بالاضافة الى أعضاء من الحجاز وآخرين من أصول موريتانية ومصرية(29).

وهكذا يظهر بأن منذ تسلّم الملك فيصل السلطة عام 1963 قام بإرساء أساس الفصل بين نظامين قضائيين: القضاء المدني، والقضاء الشرعي. وفي عام 1970 صدر نظام قضائي جديد مكوّن من 102 مادة، وبالرغم من كون النظام أكّد على استقلالية القضاء والمحاكم الا أنه أدخل تغييرات جوهرية عليه بحيث ينسجم مع سياسات الدولة وأهدافها. ويقسّم النظام المحاكم الى: المجلس الأعلى للقضاء، ومحاكم التمييز، والمحاكم العامة، والمحاكم الخاصة. وبالرغم من حقيقة أن نصوص النظام الجديد لا تفصح عن طبيعة صلاحيات هذه المحاكم، غير أنه وصف باعتباره نوعاً من انتهاك للسيادة التقليدية لمجال عمل العلماء. وتبرير ذلك أن التنظيم القضائي الجديد يراعي النظر في بعض القضايا التي لم ترد في الشريعة ويحسب عامل الزمن والمصلحة العامة في تطبيق الاحكام. وهكذا، فإن ظهور تشكيلات قضائية مستقلة تتعامل مع قضايا وحقول مختلفة قد أدى تدريجياً الى تقليص دور المحاكم الشرعية(30).

في تسليط الضوء على مجال التعليم يلزم القول بأن هناك ثلاث مراحل تحوّل يمكن تقسيمها زمانياً على النحو التالي: 1927 ـ 1953، وهي مرحلة تجاذب بين الاصالة والحداثة، والتي عبّرت عن نفسها في النزاع بين التعليم التقليدي والتعليم الحديث. وقد ناضل العلماء من أجل مقاومة النظريات الحديثة التي وردت في منهج التعليم مثل نظرية دارون في التطور، ودوران الأرض، وتعلّم لغات الكفار، والفن، والجغرافيا ونظرية الخطوط المتوازية على أساس أن هذه الخطوط بحسب العلماء قد تلتقي بمشيئة الله. وفي رد فعل نجح العلماء عام 1949 في تأسيس أول كلية دينية في مكة المكرمة، ويقوم منهجهاعلى تدريس القرآن الكريم والسنة النبوية، واللغة العربية، والتاريخ والأدب. وفي عام 1954 فتحت كلية اللغة العربية أبوابها، وتحولت في العام التالي الى مركز لتدريب القضاة والمعلمين. ويرجع كثير من علماء الدين في نجد إنتشار المدارس والكليات والجامعات الدينية الى دور الشيخ محمد بن ابراهيم(31).

في المرحلة الثانية (1954 ـ 1975) توسّع مجال التعليم الحديث وشمل الى جانب المناطق الحضرية المناطق القروية. إن أهم ميزة لهذه المرحلة هو تشكيل وزارة خاصة بالتعليم عام 1954، والتي إعتبرت مؤشر تهديد قاد الى تخفيض الدور التقليدي للعلماء وسيادتهم في هذا الحقل الحيوي. ويمكن القول بأن هذه المرحلة، ومنذ تأسيس أول جامعة حديثة في الرياض عام 1957، شهدت تراجعاً في التعليم الديني والذي أصبح الاقبال عليه مقتصراً على بعض العوائل الدينية أو المحافظة في نجد، فيما نجح كثير من المؤسسات مثل (أرامكو، والجيش السعودي) في تشجيع التعليم الحديث من أجل تنمية الكفاءات لدى موظفيها واعداد أفراد مؤهلين لمزاولة المهام المطلوبة في ادراة المنشآت المدنية والعسكرية. يضاف الى ذلك الدور الذي لعبته زوجة الملك فيصل عفّت التي نجحت في اقناعه بأهمية تعليم البنات، حيث تم افتتاح أول مدرسة للبنات عام 1960. ومن أجل ارضاء العلماء الذين عارضوا هذه الخطوة قام الملك فيصل بتعيين عالم دين للاشراف على (الادارة العامة لتعليم البنات). وبالرغم من القيود الصارمة المفروضة على تعليم البنات فإن الاحصاءات الرسمية تشير الى تطوّر هائل حدث خلال فترة وجيزة. ففي العام 1960 ـ 1961 كان هناك خمس عشرة مدرسة ابتدائية للبنات، وفي عام 1966 ـ 1967 ارتفع العدد الى 220 مدرسة، ومنذ عام 1974 بدأ تعليم البنات على نطاق واسع في أعقاب الزيادة المفاجئة في موارد الدولة بعد ارتفاع أسعار النفط، حيث بدأت الدولة بتنفيذ برامج التنمية بما يشمل مجال التعليم.

أما المرحلة الثالثة فقد بدأت منذ عام 1974، وبناء على تقرير صادر في مارس 1992، فإن أكثر من 4972 مدرسة ابتدائية، و1903 مدرسة متوسطة، و634 مدرسة ثانوية، و24 كلية لتأهيل المعلمين، و38 مركزاً للتعليم الخاص(32)، اضافة الى 7 جامعات و66 كلية و10 كليات للبنات. في المقابل، بدأت المؤسسة الدينية في نجد بالافصاح عن رغبتها في مزاولة نفوذ مباشر على التعليم الحديث. وقد طالبوا بتطعيم مناهج المدراس الحديثة بمواد دينية، كما طالبوا بإنشاء مدارس دينية من أجل مقاومة تأثير المدارس الحديثة، وهكذا جامعات دينية مقابل الجامعات الحديثة. فمن بين سبع جامعات هناك ثلاث منها تعتبر جامعات دينية اضافة الى عشرات الكليات والمدارس والمعاهد الدينية. ولعل من المفيد الاشارة الى أن ثمة أداة ساعدت العلماء في إيصال مطالبهم واحتجاجهم متمثلة في (ديوان المظالم) عام 1955. فقد سيطر العلماء على ادارة الديوان واستعملوه كقناة رسمية للتعبير عن مواقفهم عام 1960 ونجحوا من خلاله في انشاء كثير من المؤسسات الدينية.

ويمكن المجادلة بأن المشهد الاجتماعي ـ الديني في نجد يخفي وراءه أهدافاً سياسية محددة، فمن جهة يعكس إنشاء مجموعة مدراس وجامعات دينية التزام العائلة المالكة بالقيم الدينية، ومن جهة ثانية يساهم ذلك في تعزيز أركان السلطة، ويؤكد سيادتها على البلاد. فقد بات واضحاً بأن العائلة المالكة أفادت من المجتمع الديني في نجد من أجل مواجهة خصوم الدولة. ولكن في المقابل، يعتقد كثير من المراقبين بأن المراكز الدينية هي سيف ذو حدين، فهي قابلة لأن تتحول الى بؤر للتطرف التي قد تهدد استقرار الدولة نفسها، وقد تتحوّل في بعض الحالات الى مراكز لتجنيد الاتباع والمعارضين للنظام الحاكم كما في مثال حركة جهيمان العتيبي والمجموعات المتطرفة التي نشأت لاحقاُ. فبالرغم من أن ابن سعود كان رجل دولة وأن مهمته كانت حشد الانصار خلف مشروع الدولة التي كان يتطلع الى تشييد أركانها، وهذا ما دفعه لتجنيد المطوعين والعلماء لحفظ النظام الا أن هذه الاداة أصبحت في حالات عديدة خطيرة الى حد الخروج عن الخطة المرسومة لها. وللتمثيل نذكر هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر منذ انشائها عام 1930 المتزامنة مع تشكيل قوات الشرطة والمراقبة العامة. فبالرغم من قصر ابن سعود مهمتها على الدعوة الى الصلاة والالتزام بالاخلاق في الاسواق العامة الا أن هذه المهمة تجاوزت الحدود المقررة لها لاحقاً بحيث باتت أيدي رجال الهيئة شبه مطلقة. وقد أصدر الملك فيصل مرسوماً ملكياً في الرابع عشر من سبتمبر 1971 من أجل تشكيل لجنة مؤلفة من ثلاثة وزراء ورئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أجل تنظيم مهام اللجنة، ولكن تزايد عدد المخالفات التي جرت من قبل رجال الهيئة أثبت فشل اللجنة.

ويتذكر كثيرون المشكلة التي سببها رجال الهيئة مع وولي العهد المغربي عام 1975 الذي كان في مصيف الطائف، حين أجبره رجال الهيئة على حلق شعره. والحادثة الاخرى جرت مع زوجة الرئيس الليبي معمر القذافي، التي كانت في زيارة الى السعودية وتجولت في سوق البطحاء في الرياض عام 1979، حيث أمرها رجال الهيئة بارتداء الحجاب بحسب الطريقة المعمول بها في نجد، حيث أدى ذلك الى أزمة دبلوماسية بين البلدين. كما يتذكر كثيرون ما جرى بعد وصول القوات الدولية الى الاراضي السعودية في سبتمبر عام 1990 حيث أثار منظر المجندات الاميركيات وهن يجبن الاسواق والشوارع في المنطقة الشرقية بلباس غير محتشم حفيظة رجال الهيئة الذين اعتبروا هذه المناظر بأنها مخالفات سافرة للقيم والتقاليد الدينية والاجتماعية في المملكة، وقد سجّلت حالات تصادم بين رجال الهيئة والجنود الأجانب خلال الستة شهور التي قضوها في السعودية. وفي رد فعل مفاجىء أصدر الملك فهد مرسوماً في ديسمبر 1990 بإقالة رئيس الهيئة وتعيين عبد العزيز السعيد المتخرج من جامعة الأزهر بدلاً عنه. وفي مقابلة اجرتها جريدة الرياض في الثالث عشر من جمادى الثانية سنة 1411هـ أقرّ السعيد بإرتكاب رجال الهيئة مخالفات للمهمة الموكلة اليهم. وكان ينظر كثيرون الى تعيين السعيد باعتباره مؤشراً قوياً على التغيير الجوهري في نشاطات الهيئة تحت ادارة شخصية غير متحدرة من المجتمع الديني السلفي. وبالرغم من أن دور الهيئة وحضورها الاجتماعي قد تقلص في تلك الفترة الا أن ثمة شكاوى عديدة تتحدث عن اختراقات سافرة قام بها رجال الهيئة للخصوصية كما في اقتحام المنازل والممتلكات الخاصة، ومباني السفارات، والمواقع السكنية للعمال الاجانب، اضافة الى اجراءات صارمة يتبعها رجال الهيئة في إجبار المواطنين على الالتزام بالطقوس الدينية. وعلى اية حال، فإن ثمة أغراض غير معلنة تحققها مثل هذه الحوادث، فهي تستبطن عنصراً حيوياً للحكم السعودي ومشروعيته الدينية.

العلماء والدور السياسي

من منظور العائلة المالكة التقليدي فإن العلماء يجب أن ينأوا بأنفسهم عن ممارسة أي نشاط سياسي وأن يقصروا دورهم على الشؤون الدينية فحسب. وقد إستجاب العلماء لتلك النزعة لدى الحكام السعوديين بناء على تعاليم دينية تحث العلماء على عدم التورط في السياسة على أساس أنها أولاً تتعارض مع الزهد في أمور الدنيا، وأن يترك أمر الحكم للأمراء الذين هم أعرف به منهم، وثانياً فإن التجارب التاريخية تقدّم دليلاً آخر على أن العلماء واجهوا اضطهاداً شديداً أو تعرضوا للابتزاز من قبل الحكام، وثالثاً فإن إعتماد العلماء من الناحية المالية على الحكام قد حدّ من حريتهم وفي نهاية المطاف أدى الى مساهمتهم المحدودة في الشؤون العامة.

على الحكام قد حدّ من حريتهم وفي نهاية المطاف أدى الى مساهمتهم المحدودة في الشؤون العامة. ويمكن المجادلة بأن العلماء لعبوا دوراً فاعلاً في بعض الاحداث السياسية التي جرت خلال تاريخ الدولة السعودية الحالية، ويذكر على سبيل المثال قصة ازالة الملك سعود عن العرش عام 1964. ويرد البعض على ذلك بأن تدخل العلماء كان استجابة لطلب العائلة المالكة، حيث عمل أحد الجناحين المتصارعين على استدراج العلماء لدعم قرار مجلس الوزراء في الاول من أبريل عام 1964، والقاضي بعزل الملك سعود عن العرش. وبناء على تفاهم خاص مع العائلة المالكة، أصدر العلماء بياناً يؤيد قرار مجلس الوزراء، وقد تلى ذلك تنفيذه في الثاني من نوفمبر عام 1964.

لاريب أن العلاقة التي تربط آل سعود بالعلماء تفرض لعب دور مزدوج ديني ـ سياسي، ويؤكد ذلك توظيف العلماء كل مصادر المشروعية لتعزيز السلطة، ومحاربة الخصوم الداخليين ومباركة القرارات والسياسات الصادرة عن الحكومة. فقد واجه الحكم السعودي تحدياً بالغ الخطورة في الستينيات بفعل انتشار الفكر القومي الناصري والذي وصلت تأثيراته الى داخل المؤسسة العسكرية، حيث خطط بعض أفرادها للقيام بانقلاب ضد العائلة المالكة. وفي تفاهم مع الملك قام العلماء بشجب الافكار القومية ونظام عبد الناصر، وقد صنّف المفتي العام السابق الشيخ عبد العزيز بن باز كتاباً بعنوان (نقد القومية العربية) على أساس معارضتها لمفهوم الامة الاسلامية(33).

وبنفس الطريقة، فقد أدت الاحداث التي تلت الثورة الايرانية عام 1979 والتهديدات التي حملتها لدول الجوار الى تعبئة دينية واسعة النطاق، حيث منحت المؤسسة الدينية والتيار السلفي بصورة عامة صلاحيات واسعة لمواجهة الخصم الجديد. وقد حدث ما يشبه بفورة دينية شاملة بقرار رسمي عكست نفسها على مؤسسات الدولة وسياساتها ونشاطاتها.

ثمة حاجة هنا لتسليط بعض الضوء على حادثة الحرم كونها تمثل أول انعطافة خطيرة في تاريخ الدولة السعودية الحالية. فقد قاد جهيمان العتيبي حركة عصيان مسلح سيطرت في مطلع العام الهجري الموافق 20 نوفمبر عام 1979 على الحرم المكي. وبالرغم من أن الحدث لم يجلب اهتمام المجتمع الديني في نجد، حيث كانت أبدت قلة من السعوديين تعاطفاً مع أسلوب جهيمان العتيبي(34)، الا أن الاساس الايديولوجي الذي قامت عليه الحركة شكّل مصدر الهام لجماعات لاحقة.

من وجهة نظر علماء الدين الوهابيين فإن السبب وراء عدم مناصرة حركة جهيمان العتيبي هو أنها قامت باحتلال المسجد الحرام ونجم عنه سفك للدماء وقتل للابرياء وتعطيل للصلاة داخل الحرم لمدة من الزمن، وأن الحركة لجأت في التعبير عن مواقفها بحمل السلاح في بيت الله(35). وعلى أية حال، فإن ثورة جهيمان التي كانت أشبه ما تكون بولادة جديدة داخل الحركة الوهابية أخذت شكلاً متطوراً بعد أكثر من عقد وبدأت تعبر عن نفسها خلال أزمة الخليج الثانية، فقد أعاد التيار السلفي في بداية التسعينيات ترديد مؤاخذات جهيمان العتيبي على النظام السياسي السعودي، كما وردت في عدد من رسائله المنشورة بصورة سرية بين أتباعه، تماماً كما أعاد جهيمان نقاط الاعتراض التي أثارها الاخوان الأوائل ضد حكم بن سعود. فقد ذكر جهيمان في (رسالة الامارة والبيعة والطاعة ـ 29) بأن عبد العزيز عطّل الجهاد، ووالى النصارى وفتح الابواب أمام الاشرار، وأن أبناءه اقتفوا سيرته. وخلص للتساؤل (أين الحكم القائم على الكتاب والسنة، الذي زعموا بأن حكمهم متلزم به). وانتقد جهيمان التحالف بين العلماء والأمراء، كما وجّه نقداً للمفتي السابق الشيخ عبد العزيز بن باز الذي وصفه بأنه (ركن من أركان الدولة، وأنه مجرد موظف رسمي(، وأن ما جعله وأنصاره منفرين منه هو ولاؤه لهذه الدولة المضللة. وقد أنهى جهيمان تقييمه الديني للحكام السعوديين بالقول بأن بقاءهم إنما هو لمحو الاسلام وتدمير العقيدة.

وبالرغم من إخماد حركة جهيمان سياسياً منذ صدور فتوى وقّعها ثلاثون عالماً في 26 نوفمبر عام 1979 والتي تسمح باستعمال القوة ضد أعضاء الحركة، فإن الحركة نجحت كأيديولوجيا فاعلة أعيد انتاجها من قبل التيار السلفي الاعتراضي والذي ضم علماء كبار تبنوا مواقف جهيمان واحتجاجاته ضد الحكم السعودي. لقد أكّدت حركة جهيمان على المأزق العميق في العلاقة بين الدين والدولة السعودية، وهو انعكاس للاستقطاب بين الاتجاهين التقليدي والتحديثي.

أزمة الخليج الثانية: بداية القطيعة

يمكن الاحتجاج بأن أزمة الخيج الثانية تمثل بداية مرحلة الأزمة في العلاقة بين الدين والدولة في السعودية، فقد تعرضت العائلة المالكة الى عاصفة نقد شديدة كشفت عن تناقضات حادة بين الاتجاهين الديني والسياسي في البلاد. إن سلسلة العرائض التي رفعت الى الملك فهد من قبل مجموعات دينية وسياسية في المملكة بعد الايام الاولى للاحتلال العراقي للكويت في الثاني من اغسطس 1990 تجاوزت الحدث وما يحمله من تهديدات أمنية الى المطالبة بالاصلاح السياسي والديني. فقد أجمعت العرائض على الحاجة لعملية تغيير واسعة في السلطة من خلال التشديد على ضرورة فتح الباب أمام المشاركة السياسية وتقليص سلطات العائلة المالكة في الحياة السياسية.

وفي حقيقة الأمر، أن أزمة الخليج سرّعت مخاض تشكيل الجبهات الشعبية للتعبير عن مطالب الاغلبية السكانية، وفي نفس الوقت دفع الاتجاه الديني السلفي للانخراط في العمل السياسي بما يعد نقطة تحوّل هامة في تاريخ العلاقة بين المجتمع الديني في نجد وآل سعود.

وفي الإطار الأوسع، فإن العرائض كشفت عن حقيقة كون الاتجاهات الدينية والليبرالية لم تكن على وفاق مع نموذج الحكم في السعودية، فمن وجهة نظر تحديثية، فإن العائلة المالكة لم تقدّم سوى القليل جداً في مجال ادخال اصلاحات سياسية واجتماعية، وتطوير النظام القضائي في ضوء الحاجات المعاصرة، والاشراف على مراكز الدعوة الدينية، ووضع دستور لتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم وتأسيس قاعدة للمشاركة من مختلف الجماعات في النظام السياسي(36). ومن جهة نظر دينية محافظة، فإن العائلة المالكة أخفقت في تطبيق الهدف الجوهري من اقامة الدولة، وهو تطبيق الشريعة. وفي مايو 1991 رفع رجال دين بارزون عريضة الى الملك فهد يطالبون بالغاء القوانين الاجنبية التي تسربت الى النظام القضاء السعودي. وبخلاف الاتجاه التحديثي، فقد شدّد هؤلاء على الحاجة الى توحيد واستقلالية نظامي القضاء والدعوة، كما طالبوا بإزالة العوائق التي تحول دون أداء هذه الانظمة(37).

وقد بلغ التوتر بين الاتجاه الديني والعائلة المالكة مستوى خطيراً، حيث وصم بعض رجال الدين الحكم السعودي بأنه حكم كافر. وفي سابقة جديدة، أصدرت جماعة سلفية كتاباً في يناير 1992 بعنوان (الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية) وقد طبع الكتاب في بيشاور شمال باكستان، حيث كان يتدرب كثير من السعوديين على السلاح. ويسلط الكتاب الضوء على القوانين الاجنبية التي دخلت على النظام القضائي في السعودية بما يجعله نظاماً غير شرعي، كما يتناول موضوع العلاقات الدبلوماسية مع الدول الكافرة او المشركة، وتورط الحكومة السعودية في نشاطات المنظمات الدولية. ويؤكد الكتاب على الحاجة الى اعادة احياء مبدأ الجهاد من أجل الاطاحة بالحكم السعودي، ومن ثم تطبيق شرع الله وتحقيق مفهوم التوحيد(38).

إن واحدة من أخطر انعكاسات هذا التطور هو الانقسام الحاد داخل المجتمع الوهابي النجدي على اساس العلاقة بين العلماء والحكومة، حيث بدأ الحديث عن علماء البلاط والعلماء المستقلين. وقد عبّر الانقسام عن نفسه في شكل صراع أجيال داخل المجتمع الديني الوهابي بين (الجيل القديم والعلماء الشباب الناشطين). فالعلماء الموالون للعائلة المالكة وصموا بالكفر، وكان ذلك يمثل حكماً قاسياً أثار مشاعر العلماء. ففي رد فعل فوري أصدر المفتي السابق الشيخ عبد العزيز بن باز بياناً استنكر فيه استعمال البعض لسلاح التكفير ونصح العلماء الشباب بأن ينأوا بأنفسهم عن كل الاسباب التي تؤدي الى انقسام الامة وتفريق شملها. وقد ألقى الشيخ بن باز باللائمة على العلمانيين والمتغربين والكفار الذين أججوا الصراع بين العلماء.

لقد أصبحت العائلة المالكة تحت تأثير ضغط شديد بفعل موجة العرائض التي رفعتها القوى السياسية الدينية والوطنية الليبرالية المطالبة بالاصلاح السياسي الشامل. وبعد ثلاثين يوماً من الوعود على الاصلاح المنتظر أعلن الملك فهد في الاول من مارس 1992 عن الانظمة الثلاثة: النظام الاساسي، ونظام مجلس الشورى، ونظام مجالس المناطق. غير أن هذا الاعلان سبب خيبة أمل واسعة، وجاءت ردود الفعل عليه فورية وسلبية، حيث عبّر كثير من دعاة الاصلاح عن عدم ثقتهم بأن تقوم العائلة المالكة باصلاحات جادة وفاعلة.

وبصورة اجمالية فإن الانظمة الثلاثة لم تحقق الحد الادنى مما توقعه المراقبون في الداخل والخارج. فمن وجهة نظر مراقبين أجانب، فإن النظام الاساسي ليس خطوة صحيحة على طريق الديمقراطية(39). وبحسب الباحث السياسي فريد هاليداي فإن هذه الانظمة ـ الثلاثة ـ ليست فاعلة أو كافية لتشكيل أحزاب سياسية، وصحافة حرة، وحقوق الاقليات الدينية والمرأة في الاصعدة السياسية والتشريعية(40).

وفي سبتمبر 1992 وقّع أكثر من مائة شخصية دينية على عريضة شاملة عرفت باسم (مذكرة النصيحة) والتي كانت اشبه ما تكون بمانفيستو للاصلاح الديني أو نموذج ليوتوبيا الدولة الدينية بحسب نظر التيار السلفي في السعودية، حيث اشتملت على الاساس النظري للدولة الدينية، والتي تُخضِع من طرف آخر المشروعية الدينية للدولة السعودية لاختبار جاد. وقد أثارت المذكرة، وبما حظيت به من اهتمام واسع من قبل وسائل الاعلام الاجنبية، حفيظة العائلة المالكة حيث لجأت الى كبارالعلماء للتدخل. وفي اكتوبر 1992 عقدت هيئة كبار العلماء جلسة طارئة لاتخاذ التدابير الضرورية لاخماذ الانتفاضة القادمة في مركز السلطة. وفي الجلسة الدورية التاسعة والثلاثين، شجب الشيخ بن باز الاخبار التي تحدثت عن تعاطفه ودعمه للمذكرة، كما عبّر عن رفضه لمحتوياتها على خلفية أن من كان يقف خلف التحضير للمذكرة ساهم في نشر أسباب الفرقة وزرع الكراهية والافشاء والمبالغة في الاخطاء، وفي المقابل تجاهل فضائل الدولة. وفي النهاية شكك الشيخ بن باز في نوايا معدّي المذكرة لجهلهم بالحقيقة.

ويلمح تسلسل الاحداث بعد ذلك الى أن الحكومة نجحت الى حد ما في تأجيل موعد تفجّر الازمات الداخلية خصوصاً بعد تحرير الكويت وبدء أعمال مجلس الشورى واعتقال عدد من رموز التيار الديني المتشدد، أو مغادرة بعضهم للخارج، وانسحاب آخرين من ميدان السياسة ضمن تسويات ثنائية، اضافة الى الاتفاقات الجانبية بين الحكومة وبعض مجموعات المعارضة (والشيعية بدرجة اساسية). وباستثناء حادثي تفجير العليا عام 1995 والخبر عام 1996، فإن النشاط السياسي الاصلاحي في شكله الجماعي قد شهد تراجعاً ملحوظاً حتى نهاية التسعينيات.

الا أن البلاد شهدت منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 تطورات بالغة الخطورة والاهمية، وكان العام الماضي يمثل بداية مرحلة جديدة استأنفت فيها القوى الاصلاحية الوطنية والدينية نشاطها المطلبي بصورة أكثر تنظيماً وتصميماً، وقد أخذت الانشطة السياسية بطابعها المطلبي شكلاً وطنياً حقيقياً، حيث ظهرت لأول مرة إمكانية نجاح مشاريع عمل سياسي مشترك يضم بداخله مختلف الطيف السياسي بتوجهاته الايديولوجية المتنوعة. وهذا ما عكسته بوضوح عرائض العام الماضي: (رؤية لحاضر الوطن ومستقبله) و(دفاعاً عن الوطن) و أخيراً (الاصلاح الدستوري أولاً). وقد أجمع موقعو هذه العرائض على مبادىء مشتركة في الاصلاح السياسي من بينها وضع دستور جديد يحدد شكل الحكم ويقرّ بتوسعة قاعدة المشاركة السياسية، وتقليص سلطات العائلة المالكة واعتماد مبدأ الانتخابات والتمثيل المتكافىء، والفصل بين السلطات، ومعالجة مشاكل البطالة والدين العام والتعليم والصحة والخدمات العامة، اضافة الى التأكيد على حقوق المرأة الاجتماعية والسياسية.

تجدر الاشارة الى أن الازمات الاقتصادية والامنية والاجتماعية ساهمت بصورة فاعلة في تحريك كافة القوى السياسية الوطنية والدينية للتحرك العاجل من أجل دعوة العائلة المالكة لحسم موضوع الاصلاح السياسي المؤجل لسنوات طويلة، والقيام بإجراءات اصلاحية فاعلة وشاملة.

إن ما تكشف عنه معطيات المرحلة الراهنة أن زعزعة عنيفة قد حدثت لقواعد استقرار الدولة وأزالت كثيراً من هيبتها بفعل الاخفاق في تسوية مشكلات مواطنيها، ودفعت بكثيرين للانخراط في السياسة بطريقة غير مسبوقة. وتواجه الدولة حالياً مأزقاً حقيقياً في التعامل مع متطلبات العملية الاصلاحية التي لا يكفي فيها مجرد احداث تغييرات جزئية أو بطيئة، فالأزمات المتراكمة لسنوات طويلة أصبحت بحاجة الى قرارات حاسمة.

نخلص للقول بأن الدولة وإن نجحت في العقود الماضية في حفظ التوازن بين القيم الدينية وعملية التحديث الا أنها اليوم تواجه مأزقاً على المستويين الديني والتحديثي. ولاشك أن انعكاسات أحداث الحادي عشر من سبتمبر والضغوط المتواصلة على الحكومة السعودية من أجل المشاركة الفاعلة في محاربة الارهاب واقتلاع جذروه ومحفّزاته في مناهج التعليم، وفي أعمال الجمعيات الخيرية، والنشاطات الدعوية بصورة عامة تملي عليها السير باتجاه جديد قد يؤول الى تغيير وجه الدولة.


هوامش

(1)- Mohyiddin al-Qabesi, The Holy Quran and the Sword: Selected addresses, speeches, and interviews by HM Late King Abdulaziz al-Saud (Riyadh, 1998), p.70

(2) ـ لمع الشهاب في أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، تحقيق مصطفى أبو حاكمة، (بيروت 1967) ص 26

(3) - أبو يلعى الفراء الحنبلي، الاحكام السلطانية (بيروت، 1979) ص 19، وأنظر أيضاً: ابن تيمية، منهاج السنة النبوية (جدة، 1962) الجزء الثاني ص 78.

(4) - S. S. Huyette, Political Adaptation In Saudi Arabia: A Study of the Council of Ministers, (London, 1985), p.13

(5) - أحمد أمين، زعماء الاصلاح في العصر الحديث (القاهرة، 1993)، ص 17

(6) - محمد جلال كشك، السعوديون والحل الاسلامي، (ماساتشيوستس ـ الولايات المتحدة، 1982)، ص 87

(7) -see Ayman al-Yassini, Religion and State in Saudi Arabia

(8) - Robert Lacy, the Kingdom, p.110

(9) -M. Abir, Saudi Arabia: Government, Society, and the Gulf Crisis, (London, 1993),p.4

(10) - خير الدين الزركلي، شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبد العزيز (بيروت، 1970) الجزء الثاني ص 485

(11) - محمد بن عبد الوهاب، أصول الايمان وفضائل الاسلام، منشورات جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية، الرياض الجزء الأول ص 225

(12) - The Economist Intelligence Unit, Country Profile: Saudi Arabia 1992-1993, p.3

(13) - حافظ وهبة، جزيرة العرب في القرن العشرين (القاهرة، 1961) ص ص 145 ـ 146

(14) - عبد الفتاح أبو عليه، الاصلاح الاجتماعي في عهد الملك عبد العزيز ص 157

(15) - R. Lacy, The Kingdom, p.181

(16) N. Safran, Saudi Arabia: The Ceaseless Quest for Security, (London, 1988), p.61

(17) - خير الدين الزركلي، الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز (بيروت/د.ت) ص 91- 92، وأنظر أيضاً: عبد الله القباع، السياسة الخارجية السعودية (الرياض، 1986) ص 192، وغسان سلامة، السياسة السعودية الخارجية ص 46

(18) - S. S. Huyette, Political Adaptation in Saudi Arabia, op.cit.,p.53

(19) - N. Safran, The Ceaseless Quest.., op.cit., p.58

(20) - S.S. Huyette, op.cit., p.65

(21) - عيد الجهني، مجلس الوزراء في المملكة العربية السعودية، (الرياض، 1981) ص 89-99

(22) - S.S.Huyette, op.cit., p.37

(23) - م.م. الزحيلي، التنظيم القضائي في الفقه الاسلامي وتطبيقه في المملكة العربية السعودية (الرياض، 1979) ص 117

(24) - المصدر السابق، ص 110

(25) - المصدر السابق ص 117

(26) - الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ، مجموع فتاوى الشيخ ابراهيم، الجزء 12 ص 251

(27) - المصدر السابق الجزء 12 ص 254

(28) - Joseph Kechichian, The Role of the Ulama in the Politics of an Islamic State: the Case of Saudi Arabia, International Journal for Middle East Studies, Vol.18, 1986, p.60

(29) - أنور عبد الله، العلماء والعرش (لندن، 1995) ص ص 74 ـ 75

(30) - الزحيلي، مصدر سابق ص 158

(31) - أنور عبد الله، مصدر سابق ص 68

(32) - جريدة الرياض 13 مارس 1992

(33) - الشيخ عبد العزيز بن باز، نقد القومية العربية والدعوة الى الكتاب والسنة (بيروت، 1971) ص 63

(34) - Joseph Kechichian, the Role of the Ulama.., op.cit.,p.58

(35) - مرشد النجدي، الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية، (لندن، 1994) ص ص 248 ـ 249

(36) - وقّع نحو 43 شخصية وطنية من بينهم وزراء سابقون ورجال أعمال وأكاديميون على عريضة رفعت الى الملك فهد في ديسمبر 1990

(37) - عريضة وقّعها نحو 52 شخصية دينية في نجد ورفعت الى الملك فهد في مايو 1991

(38) - مرشد النجدي، الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية، مصدر سابق ص 196

(39) - Christian Science Monitor, March 4, 1992; New York Times, March 2, 1992

(40) - The Guardian, March 4, 1992

الصفحة السابقة