شاعر «المطحونين».. عبدالمجيد الزهراني

عبد الوهاب فقي

يا بَلَدْ

يا مكرفون!

يا مصافيْ نفطْ

يا كومةْ ديون  

يا بلَدْ

يا رشْحْ

يا زُكْمَةْ

ويا كثرةْ سُعالْ

يا بلَدْ يبدا الإجابة:

قَبِلْ ما يقرا السؤال!

      ***

أنا ابن الجوعْ مكسورِ الثنايا

متى أضعُ العمامةَ تعرفوني

بلادي نصفُ مَنْ فيها عرايا

ونصفُ الشعب دمعةْ في عيوني

من الأسعار صرعانا ضحايا

لجبنةْ (بُو وَلَدْ) وحليب (بوني)

فيا شعبيْ الحبيبْ ويا ضَنايا

أنا منكُمْ، إليكُم، صدّقوني

ترى ما عادْ هِيْ تِفْرِقْ مَعَايا

وِهِيْ شعرةْ فقطْ واوصَلْ جُنونيْ

بِلادْ الخوفْ تِسْجِنْكُم رعايا

وضبّاطْ المباحِثْ يسجنوني

هذه أشعار عبدالمجيد الزهراني، الذي اعتقل مؤخراً بتهمة إهانة ولاة الأمر، وتأجيج العداء للدولة وقتَ الحربْ.

الزهراني شاعرٌ شعبيٌ، يكاد يكونُ مجهولاً. لم يعرفه الا القلّة. لم تنشر له الصحافة يوماً مقالاً او قصيدة. كان مهملاً على الرفّ السعودي، لأنّه باختصار لم يكن طبّالاً للطواغيت.

كان الشاعر عبدالمجيد الزهراني، من الناس، والى الناس.

أنا شاعر للغلابا والدِّشِيْر

هُمْ شهاداتي ومِنهُمْ أوْسِمِيْ

      ***

يا طويلْ العُمرْ حَزِّرْ ثُمْ فَزِّرْ

وشْ ألمنا وِشْ تَعَبْنا وِشْ وَجَعْنا

كِلَّبُونا نِرْفَعِ الخَفّاقْ لَخْضَرْ

لكنِ الخَفّاقْ لَخْضَرْ ما رَفَعْنا

      ***

يا رَفيقْ الدّربْ مَلَّيْنا نِصَارِعْ

هَمَّنَا، حتى مِنِ الواقِعْ قَرَفْنَا

إنْ خَرَجْنا ضَايْقَهْ فينا الشوارعْ

وِنْ دَخَلْنا ضايْقَهْ فينا غُرَفْنا

      ***

وياللّيْ تِمِدُّونْ الْفْلوسْ لْجارْنا

حِنّا ترى مِنْ جارْنا مِتْسَلْفينْ

عبدالمجيد الزهراني اعتُقل فعرفَ الناس شاعر المطحونين، وتداولوا قصائده، وارتدّت الطعنةُ الى صدر الجلاّد.

حَفْيَانْ بَسْ الْأَرِضْ رِجْلَيْنْ حَفْيَانْ

واللي سَجَنّي، ما بيسْجِنْ يقيني

بُكْرَهْ تِطِيْحْ اسجُونْ وتْطِيْحْ جِدْرانْ

وتْشَقِّقْ الظّلْما بِدايةْ جَبِيْني

      ***

يا بَلَدْ هذا كلامي!

واضِحْ وسَهلْ ونِظاميْ

بَلَدِ المليونْ مُخْبِرْ

ما قَدَرْ يِمْسِكْ حراميْ

بخيت الزهراني، يتألم ويقول: (متى نعرف أن الكلمة لا يمكن وأدها؟ منعها مناخٌ جيدٌ لتكاثرها وانتشارها. رجاءً: إمنعوا المنعْ، وتقبّلوا حريّة الرأي). لكن ألم يقل ملك القمع أنه يكفل حرية التعبير؟ وقال في اجتماعه مع الصحفيين: اكتبوا ما تريدون؟! مغرد كتب: (أشكر حكومتنا الرشيدة على تعريفنا بهذا الشاعر الرائع. الحرية لعبد المجيد الزهراني. الحرية للشعر. الحرية للكلمة).

طزْ يا شعبِ الكلامْ

طُزْ يا شعبِ المحبّة والسلامْ

طزْ يا شعبٍ، نسى يبكي على الدُّرة..

ولكنْ ما نسى يضحكْ معَ عادلْ إمامْ

الشاعر العربي حالتان، تقول نوف العنقري. إما كذاب يمدح ويأخذ المقسوم؛ أو ان يكون حراً ويحارب حتى الموت!

شاعر لا يحابي ولا يشحذ بشعره. شاعرٌ في السجن، لكن فكرته بين أيدينا، وآل سعود لا يستطيعون سجن الفكرة، وقصائده تتناقل في مواقع التواصل الاجتماعي.

يقول حمد عويِّد مازجاً الألم بالسخرية: (الظاهر ان عبدالمجيد أوجع بعض المتنفذين في قصائده. حسّاسين الله يحفظهم)!

الزهراني.. مجرد شاعر، لم يسرق او يشبّك أرضاً، أو يحرّض لقتال. أي عزٍّ يكون للوطن إذا طَمسَ حريّة الفرد، واعتقل المظلومين، وتركَ الفاسدين؟ أيّ عزٍ إذا سُلبَ من الشعب حقُّه؟.

يعني ممنوع الكلامْ

ما حَدْ يْحِبْ الصّريْحْ

بَسْ يِحِبّونِ المَدِيْحْ

احْذَرْ آنِّكْ بانتقادْ

تجْرَحِ رْموزِ الفسادْ

هذا ببلاديْ حرامْ

      ***

آهْ يا وَطنْ

أصابَهُ الْعَفَنْ

أقبحُ ما فيكَ عايِشْ

وأجملْ ما فيكْ انْدَفَنْ

انه زمن التطبيل والقمع السلماني: (لا صوتَ يعلو فوقَ صوتِ الطبلة).

لكن يا حكومة هبلة ـ هكذا يخاطب المواطن بدر الأمراء آل سعود ـ تراه شاعر، وترهبك أبيات شعرية؟ كيف أمن وأمان وانتِ تعتقلين حتى الشعراء؟ ثم ان عادل الجبير يقول بأنه لا يحق لأحد ان ينتقد السعودية غير السعوديين، فهل اعتقال الزهراني هو التطبيق العملي لهذا الزعم؟

غير ان الحقيقة تقولها نورة فايز الشهري، وهي أن شعر الزهراني كان لاذعاً سياسياً، وتضيف: (ما كنتُ أعرفه، وعرفته الآن. واو. كلماته رنّانة وقوية).

أبكيْ عَجْزِ آلمديونينْ؟

ولاّ أغلال المسجونين؟

أبكيْ كافْ؟

ولاّ صادْ؟

ولا نونْ؟

ولاّ سين؟

      ***

أَصْدَقْ عبارةْ للفقيرْ بْهالْبَلَدْ:

مبروكْ (ما) جالِكْ وَلَدْ!

      ***

وِدِّيْ آلْثِمْ رِيْحَةِ آلقُدسِ العتيقةْ

يِمْكِنْ آكسرْ حاجزِ الدّمعِ الثقيلْ

يمكنْ آحضنْ، ثوبْ طِفلَةْ في الجليلْ

إحداهن أبدعت حين قالت: (قلبي الذي كانت أبياتُكَ سبباً في اتساعه، يقف معكَ تماماً ضد زنزانتك، وضد القيود التي تطوّق يديك)!

وعميل سلطوي يقول: (البلد بحالة حرب، وهذا الإمّعةْ يثير البلبلة)!

دامَهْ أخطا في سُؤالِهْ

سيّديْ مَالَكْ ومَالَهْ؟

ما يِحقْ لكْ إعتقالَهْ

إتْرِكَهْ يِعْقَلْ لِحالَهْ

في البَلَدْ مِيّةْ زبالَه

تنْتِظرْ مِنّكْ إزالَهْ

يا بَلَدْ صايرْ على هالكونْ عالَهْ

يا بَلَدْ يستوردِ الصابونْ ويْصَدِّرْ زِبالهْ!

وفتح أحدهم الخيارات امام الملك الطاغية: (ليش الاعتقال؟ الرجال شاعر وكتب قصيدة. شوفوا لكم شاعر من عندكم يردّ عليه).

لا يوجد الا الحزم عند ملك الهزائم.

يا طويلِ العُمْرْ ما عِنْدِكْ دراهم؟

غيرْ حافزْ والضّمانِ الإجتماعي؟

والله انِّكْ يا طويلِ العُمُرْ فاهِم

وِانِّ شَعْبِكْ يا طويل العمرْ واعِيْ 

      ***

ما نِعْرِفْ وِشْهُوْ الدولارْ

ما ندريْ وشْ معنى فْرَنْكْ

احنا نعرفْ بابَ اللهْ

لكِنْ نِجْهَلْ بابِ البَنْكْ

المعارض هارون أمين يسخر من أبواب الأمراء المفتوحة للمواطنين فيقول: (الأبواب المفتوحة على الدوام هي العنابر في السجون)؛ وقال آخر: هي (بلد تُعتقلُ فيها على الحرف، وعلى الهمسةِ، وعلى الصورة والقافية والكلمة، وعلى التغريدة والتفعيلة. هي يا صاحبي معتقل، لا وطن)!

ويبقى التأكيد من الشاعر المعتقل بأن:

السالفةْ ما هيْ لبَنْ

السالفةْ أنْ الذيْ يسرقْ لبَنْ

بعد اللبنْ يسرقْ وطَنْ!

الصفحة السابقة