جاهلية مملكة الخوارج السعودية!

ناصر عنقاوي

زوجة الصحابي خَبّابْ بن الأرَتْ، بَقَرَ الخوارج بطنها، وقتلوها، ولم يترددوا في كفرها واستحلال دمها، لأنها وزوجها كانا على غير رأيهم.

لكن هؤلاء الخوارج أنفسهم، ترددوا وجادلوا بعضهم بعضاً بشأن التقاط أحدهم تمرة سقطت من نخلة، خارج سور بستان نخل، هل أكلها حلال أم حرام.

هكذا هم الخوارج؛ يعظّمون التوافه من الأمور، ويستهينون في أفظعها مثل الدماء المحرّمة والمحترمة.

يغيظ الخارجي أن يراك بدون شارب، أو إن كان ثوبك طويلاً.

ويتحفّز لردعك باليد واللسان، إن أهديتَ مريضاً وردةً أو زهرة.

ولا يتردد في تكفيركَ إن انتقدت فتوى لأحد مشايخه.

لكن لا يغيظ هذا الخارجي الوهابي، ولا يستثيره سيل الدماء لآلاف البشر، يُذبحون في الغالب الأعم على أيديهم.

هذا هو الفكر الخارجي اليوم، والذي مصدره المملكة السعودية الداعشية.

لا يتحدث خوارج (نجد) عن الظلم، ولا عن السرقات والفساد، ولا عن السجون والمعتقلات، ولا عن أصحاب الحاجات في مملكة تجري أنهار النفط من تحتها.

هم غير معنيين بما يفعله الحاكم، غير مهتمين بموالاة الكفار بزعمهم، ولا بسلوكه، ولا بسياساته التي أفقرت العباد، وأذلّت الأحرار.

هذا الحاكم السعودي بنظرهم له حق وواجب الطاعة العمياء.

لا يخالط تلك الطاعة نقد ولا تقويم، ولا نصيحة في العلن، وحتى نصيحة السر المزعومة منهم غير متأتّية، ولا يقولون إلا ما يقوله الحاكم، ولا يفتون إلا بما يريد.

لكنهم، أي حملة الفكر الخارجي، خصوصاً مشايخ الوهابية، أشدّاء على الشعب، يلاحقونه في الشوارع، ويراقبون تصرفاته وكأنهم أنبياء وأوصياء عليه؛ وحتى في الأمور التي تتحمل أكثر من رأي، لا يقرّ لهم قرار إلا بفرض ما يريدون.

للشعب النصيحة العلنية، والجلد العلني، والسخرية والتسطيح، والتكفير، والإتهام الصريح بالزندقة، والقذف، والإتهام، وغيرها.

وللحاكم السعودي، الحب والطاعة، وإنْ جلد ظهرك، وسرق مالك، وحتى لو هتكَ كرامتكَ وعرضك!

لهذا تجد مشايخ نجد الوهابيين يجيدون الفتيا في كل شأنٍ تافه، خاصة ان تعلّق بالمرأة.

يتشددون جهلاً، ويبطشون بسلطان الحكم ومؤسساته، ويفرضون على المواطنين تسمية مواليدهم بأسماء محددة، ولا يمكن أن تظهر من أحدهم لفظة أو كلمة كتبها، إلا وتمّ تفسيرها بالنحو الذي يفسح لهم المجال للمزيد من القمع والإهانة للشعب.

اليوم هناك فتوى جديدة.

فتوى من عضو هيئة كبار العلماء، الشيخ عبدالله المنيع، حيث طالب بتغيير إسم نادٍ اسمه (الباطن) الى أي إسم آخر، لأن الباطن هو من أسماء الله الحسنى.

والباطن هو نادٍ في مدينة عمرها قرون، اسمها (حَفْر الباطن) قريبة من الحدود الكويتية والعراقية، وتوجد بها إحدى القواعد الكبيرة التي انطلقت منها كتائب الغزو الأميركي للعراق.

والشيخ المطلق، تنبّه الى حرمة اسم (نادي الباطن) وضرورة تغييره، ولكنه لم يطلب تغيير اسم المدينة (حفر الباطن) ولا اسم القاعدة العسكرية هناك (قاعدة حفر الباطن).

الشيخ المنيع تنبّه الى إسم نادي الباطن، وقال ان الباطن من أسماء الله الحسنى، ولم يتنبه الى نادي النور، أو نادي السلام، أو غيرهما وهما ايضاً من اسماء الله الحسنى.

تنبّه للباطن ولم يتنبّه لـ (الملك) الذي هو من أسماء الله أيضاً.

ما نخلص اليه هو أن الغلو والتشدد، منهج الخوارج، وهو منهج الوهابية.

لا علمٌ ولا فهمٌ ولا إدراك.

ولقد أُثير النقاش حول موضوع تغيير اسم نادي الباطن في الصحافة المحلية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، بين مطالب بتغييره تنزيهاً للخالق، تعالى ذكره، وبين مطالب بإبقائه لأن المفتي وهو الشيخ المنيع جاهل في الدين والدنيا، وإن كان عضواً في الدائرة الضيقة من هيئة كبار العلماء الوهابيين.

فبمجرد أن ظهر تصريح الشيخ المنيع، بضرورة تغيير اسم النادي، علق قتيبة تركستاني على دعوة المنيع: (ماذا عن الأسماء الأخرى، مثل نادي النور، أو رتبة: “الرقيب” أو حي “الكامل”؛ فهل يجب تغيير ذلك؟). واضاف: (غير معقول المطالبة بتغيير اسم نادي الباطن). ووجهت إحداهنّ سؤالاً لعلاّمتنا المنيع: (أليس إسم الملك من أسماء الله الحسنى. هل يجوز أن يتسمّى به أحد؟). وهي تقصد لماذا يسمّى الحاكم السعودي نفسه ملكاً؟! وأضافت ساخرة بأن تغيير اسم نادي الباطن (موضوع مهم جداً ويستحق النقاش! لله درُّ علمائنا ما أغزرَ علمهم)!

الكاتب عبدالله وافيه ذكرنا بأن الشيخ سعيد بن مسفر، قد سبق له وان اقترح تغيير اسم غابة في منطقة الباحة، من غابة (السكران) الى غابة (الشكران) وقد تمّ تنفيذ اقتراحه! وليان الحربي تخاطب مشايخ السلطة وعاظ السلاطين فتقول: (تركتم الفساد والبطالة والظلم، وما طَلَعْ حِسْكُمْ إلا على اسم نادي؟ سبحان الله. انتم حرام نسمّيكم علماء دين، لأنكم جهلاء بالدين).

ولأن مشايخ الوهابية واتباعها يهمّهم رأي ابن تيمية قبل رأي الدين والقرآن حتى، جاءنا الدكتور عادل العُمَرِي بطريقة ذكية لإقناعهم عبر ابن تيمية: (يذكر ابن تيمية في التّدْمُرِيّةْ: سمّى الله نفسه بالعزيز، وسمّى بعض عباده بالعزيز، فقال: وقالت امرأةُ العزيز. وليس العزيزُ كالعزيز).

مع هذا لم يقبل المتطرفون رأي ابن تيمية. ولسان حالهم المثل القائل: عَنْزَةْ ولو طارَت!

وسخر فهد الأحمري من دعوة الشيخ المنيع، وطالب بـ (تغيير اسم نادي النصر، لأن النصر من عند الله: وما النصرُ إلاّ من عند الله). ومثله فيصل الشمري: (يا ليت تتغيّر أسماء الأحياء في العاصمة الرياض، مثل حي السلام، وحيّ الصمد في الغربيّة. فالدالُّ على الخير كفاعله). 

من جانبه، حذّر الكاتب سليمان الضحيان من أن الاستجابة وتغيير اسم النادي، سيتبعه مطالبات بتغيير حي السلام، وحفر الباطن، ووادي الباطن، ومصطلح الظاهر في أصول الفقه، وغيرها كثير. واقترح أحدهم إسما جديداً للنادي وهو: رعد الشمال. ورعد الشمال هو اسم مناورة عسكرية كان مركزها حفر الباطن. فردّ أحمد العنزي بأن اقترح اسما آخر، وهو نادي (بطنسونه) على وزن نادي (برشلونه)، وهكذا يتم الإحتفاظ بحروف الباء والطاء والنون.

لكن رئيس نادي حفر الباطن، خاف من عضو هيئة كبار العلماء، وقال للصحافة بأنه يحترم العلماء، وأن لا مانع لديه من تغيير الإسم، مع ان اكثرية مواطني المدينة بل والمملكة ضد تغيير الإسم. فإذا رفض رئيس النادي تغيير الإسم، ربما لزَمَ تكفيره هو الآخر من قبل الشيخ المنيع او غيره.

الصفحة السابقة