البيت السعودي المضطرب

محمد فلالي

الرؤية القائلة بأنه كلما مضى الوقت، كلما تعززت قبضة ابن سلمان على الحكم، صحيحة في مجملها. لكن هذا لا يعني انه لا توجد معارضة شديدة لتوليه العرش، او ان هذه المعارضة داخل العائلة المالكة قد انخفضت حدّتها بالضرورة.

لازال محمد بن نايف في الإقامة الجبرية؛ ولازال امراء كبار مختفون وبينهم طلال؛ ولازال الكثير من الضباط الموالين لابن نايف في الإقامة الجبرية والمعتقلات، في وقت كشفت فيه بي بي سي عن اختطاف مجموعة من الامراء من اوروبا، وورود أنباء عن اعدام بعضهم. واخيراً لدينا عبدالعزيز بن فهد الذي اعتقل مؤخراً.

هذه مؤشرات تبرهن على ان وضع ابن سلمان غير مستتب.

وحتى الآن لم يسافر ابن سلمان الى الخارج، منذ انقلابه على ابن عمه ولي العهد السابق، محمد بن نايف.

لقد سافر والده الى طنجة بالمغرب بغرض السياحة ـ قبل الحج، وانفق هناك مائة مليون دولار، على الأقل، حسب احدى الصحف، فيما الأرقام الحقيقية لما صُرف بمئات الملايين من الدولارات.

لكن محمد بن سلمان، لم يسافر الى الخارج، وقد ألغى مؤخراً زيارته الى فرنسا، وقيل ان السبب هو متابعة (حراك 15 سبتمبر) الذي شكل تحدياً أمنياً وسياسياً وثقافياً وحتى شخصياً لمحمد بن سلمان نفسه.

بعيداً عن الإشاعات المتزايدة.. لا يُشك ابداً في ان هناك صراعاً محتدماً داخل العائلة المالكة. ولعلنا أقرب الى الصحة لو قلنا أن هناك سخطاً متنامياً، وعدم قناعة بتولي ابن سلمان العرش، وان هناك معارضة لم تفعّل وتتمظهر مادياً بالشكل الكافي حتى الآن ضده.

ولا يُشك أيضاً، بأن كل السلطات بيد ابن سلمان: السلطات السياسية والمالية والاقتصادية والعسكرية والاعلامية والثقافية والترفيهية والأمنية (بعد تفكيك اجهزة وزارة الداخلية).

لا ينقص محمد بن سلمان الجرأة ـ حدّ الرعونة ـ في المواجهة. وهو مغامر من الطراز الأول. كما أنه عنيف في المواجهة. يشبه في ذلك سيرة أبيه سلمان نفسه، الذي هو شديد وقاس حتى على أبنائه والمقربين منه.

شخص بهذه السلطات والسمات، يستطيع تكسير المعارضة داخل العائلة المالكة مهما كان الثمن، ويستطيع اخماد السخط من ان يتفعل على شكل تحالفات ضده، كما ويمنع تمدد السخط الى أفعال بالتعاون مع قوى من الشارع خارج إطار العائلة المالكة، وهو ما حدث في القرن التاسع عشر بين أبناء فيصل بن تركي فيما سمي بالحرب الأهلية النجدية.

الذين يتحدثون عن أحمد بن عبدالعزيز كبديل للدب الداشر، باعتباره سديري وباعتباره عمّ له، أو باعتباره نائباً سابقاً لوزير الداخلية، ثم وزيراً للداخية.. هؤلاء الذين يريدون ان يضعوا أحمد بن العزيز في واجهة المدفع، باعتباره مرجعية سياسية للعائلة المالكة، ويضخمون من حجمه ومن قدراته.. يدركون بأن أحمد ليس في وارد القيادة، ولا شخصيته تتحمل الصدام مع اخيه سلمان او ابن أخيه. هناك امراء ومواطنون وموظفون كبار يعكسون رغبتهم في مواجهة سلمان وابنه بالاختباء وراء أحمد بن عبدالعزيز.

 
اذا تبسم في وجهك سلمان.. أنتَ في خطر!

آخرون اكتشفوا ان احمد بن عبدالعزيز لا قوة لديه، لا مالية ولا عسكرية، حتى لو افترضنا ان له رصيد شعبي بين العائلة المالكة، وهو ما يحتاج الى اثبات، رغم ان السخط بين افرادها ـ الأمراء ـ قد يدفعها لتصعيد رجل قد لا ترغب فيه او لا تجد فيه الصفات المطلوبة لقيادتها.

عوّل بعضهم ـ في وسائل الاعلام ـ على قيام تحالف بين احمد بن عبدالعزيز، ووزير الحرس الوطني متعب بن عبدالله. فهذا الثنائي قد يحد من فوارق القوة بين المتصارعين.

حتى الان لا يوجد الا جناح واحد في العائلة المالكة هو جناح الملك وابنه سلمان.

غابت الثنائية منذ وصول سلمان الى السلطة: لقد تفكك التحالف السديري (السديريين السبعة) بموت رموزه. وانهار الجناح المقابل الضعيف وهو جناح الملك عبدالله بموته دون ان يستطيع تكوين بديل له، وكان ترتيباته لما بعد وفاته وتعيين مقرن ولياً للعهد، مجرد بيت كارتوني سرعان ما انهار في الأسابيع الاولى لوصول سلمان الى السلطة، حيث اجبر مقرن على التنازل والتقاعد عن السياسة كليّة، ثم عدا فصفّى مواقع ابناء الملك عبدالله، وحجّمهم سياسياً على الأرض ليُختزلوا مرّة أخرى في (الحرس الوطني).

ابناء الملوك، او امراء الجيل الثالث المهمين ازيحوا من مناصبهم: كل ابناء عبدالله تمت ازاحتهم، عدا متعب في الحرس الوطني، فإزاحته تتطلب جراحة عسكرية خطيرة، لم يحن أوانها. وكل ابناء فهد اطيح بهم بمن فيهم محمد بن فهد. وكل ابناء سلطان بندر وسلمان وغيرهما اطيح بهم، عدا أمير تبوك فهد بن سلطان. وهناك وجوه أخرى من ابناء المؤسس صفاها الملك عبدالله قبل رحيله: عبدالرحمن وغيره.

كل هذا أبقى جناحاً واحداً، هو جناح سلمان وابنه، وهو ما تبقى من جناح السديريين السبعة، خاصة بعد الاطاحة بابن نايف، حيث اُلغيت الثنائية في حلف السديريين.

الآن لم يتبق من وجه ملكي له قوة في الدولة ويستطيع ان يحدّ من سلطة وسطوة محمد بن سلمان، الا متعب وزير الحرس الوطني، المؤسسة التي ارتبطت بعبدالله وابناءه منذ تأسيسه. وهذه المؤسسة يتوقع له النهاية ايضاً، اما دمجاً في الجيش، او تغييراً في شخص وزيرها ووضعها تحت إمرة أمير آخر من غير أبناء الملك عبدالله.

كان بالامكان اعادة رسم خارطة التحالفات داخل العائلة المالكة في عهد الملك عبدالله. فقد كان لديه الوقت والإمكانات وكافة السلطات التي تخوله لفعل ذلك. لكن الأخير لم يجرب ذلك اصلاً، وكان كل همه تعيين ابنائه، واسترضاء من تبقى من امراء التيار السديري الأحياء.

ومن الفرص الضائعة، أنه كان بإمكان محمد بن نايف ولي العهد ووزير الداخلية السابق، ومتعب بن عبدالله وزير الحرس، ان يشكلا تحالفاً ثنائياً يوازي تحالف الملك وابنه، لكنهما ـ ربما لحساسيات الصراع التاريخي بين السديريين وجناح عبدالله ـ اضافة الى جهل الإثنين معاً بعواقب السياسة ومراميها، لم ينتجا تحالفاً ولا تفاهماً بينهما، وكان لديهما الوقت لذلك.

الآن يراد الحديث عن ثنائي احمد بن عبدالعزيز ومتعب، فكل منهما يكمل الآخر. الأول يسوق متعب لدى العائلة المالكة، والثاني يحمي احمد من بطش (الدب الداشر) وأبيه. هكذا تخيّل البعض الأمر.

 
حج عبدالعزيز ثم جرت التضحية به!

لا نظن ان هذه المعادلة سيكتب لها النجاح.

فعين محمد بن سلمان واستخباراته مسلطة على كل الأمراء، وهم مراقبون بشدة، ولديه الاستعداد للانتقام.

ما يبقى لدى الأمراء هو التسليم لسلطة ابن سلمان، واستعلان الامتعاض منه بصورة من الصور لمن تمكن من الأمراء قول ذلك، ولمن امتلك منهم قدراً من الشجاعة ان توفرت له الوسائل. وهذا لا يغير كثيراً من حقيقة ان السلطة قد وقعت كاملة تقريباً في قبضة محمد بن سلمان.

إحتجاز عبدالعزيز بن فهد

الأمراء كغيرهم يخشون على أمرين: على أنفسهم من الاعتقال او القتل او الاحتجاز، او على أموالهم من أن يصادرها محمد بن سلمان كعقاب. اما من لديه سلطة في يده، أو يؤمل الحصول على شيء منها في المستقبل باثبات هدوئه وولائه لمحمد بن سلمان وأبيه، فهؤلاء لا يتحركون.

الأمير عبدالعزيز بن فهد، ابن الملك الأسبق، كان أشبه ما يكون بملك في فترة مرض والده، والتي امتدت من اصابته بالجلطة في ١٩٩٦ وحتى وفاته ٢٠٠٥. بعدها انحدرت مكانة عبدالعزيز بن فهد الى الحضيض، حتى تم تهميشه كلياً، ولم يبق له سوى الأموال التي نهبها باسم أبيه وعائلته (قدّرت ثروته بنحو 20 مليار دولار).

بعدها، أظهر الامير عبدالعزيز بن فهد (التدروش/ اي التديّن الكاذب) ولكن عينه لم تغب بعيداً عن السلطة.

واضحٌ الآن انه ومن السهولة بمكان تصنيفه ضمن الممتعضين من ولي العهد الجديد محمد بن سلمان، الذي فرضه والده ملكا غير متوج على البلاد خلافاً لأعراف العائلة المالكة نفسها.

نستدل على ذلك من خلال تغريدات عبدالعزيز بن فهد نفسه. فرغم ان تغريداته اصبحت تسلية للمجتمع لسذاجتها وسطحيتها وأخطائها الاملائية واللغوية، الا ان (عزّوز/ او الطفل المعجزة، كما كان يسمى)، اوضح رأيه في محمد بن زايد وانتقده في تغريدات عديدة بأشد العبارات.

وواضح أيضاً ميول (عزّوز) لمحمد بن نايف، فبعد محنة الأخير، حاول التخفيف عنه في التغريدات واوصاه بالصبر في مقر اقامته الاجباري. وفي عيد الأضحى بعث اليه تهنئة في تغريدة، ضمن جملة التهاني التي بعثها.

الامير محمد بن سلمان يدرك أن عبدالعزيز بن فهد ممتعض منه ومن سياساته، وأنه يظهرها على شكل تغريدات تطعن في (أستاذه وشريكه) محمد بن زايد.

وكما ذكرنا فان الأمراء يخافون الدب الداشر، وهي الصفة التي اطلقها غانم الدوسري على محمد بن سلمان. يخافون منه ان يعتقلهم او يصادر أملاكهم، او حتى يقتلهم كما هو واضح من قتل امراء معارضين اختفوا من وجه البسيطة بعد اختطافهم من اوروبا.

أيضاً فإن عبدالعزيز بن فهد، بدا ـ في الآونة الأخيرة ـ خائفاً على امواله وعلى حياته. لكنه لم يصمت كما فعل الوليد بن طلال الذي فضل الصمت، وكبتَ طموحاته السياسية، منذ ان صفعه محمد بن سلمان باغلاق محطته الاخبارية الفضائية (العرب).

فاجأنا (الحاج) عبدالعزيز بن فهد بأن حجّ هذا العام وصور (سيلفي مع كثيرين) ثم توّج ذلك بلقاء له مع الملك سلمان في قصره بمِنى، وكان البِشرُ طافحا على وجهه ووجه الملك. لكن ابتسامة سلمان ابتسامة ثعلبية، لا تخفي حقيقة السياسة والنوايا المبيّتة، وكما قال الملك خالد ذات مرة لشخص يتحدث مع الأمير سلطان: انتبه له، انه ينصب لك فخّاً مادام يبتسم في وجهك، ويتلطّف معك!

 
حج عبدالعزيز ثم جرت التضحية به!

وقد صدق الملك خالد، فسياسة السديريين هي عكس ما يخفون تماماً. وهي سياسة مارسها الجناح السديري بمختلف اطيافه، حتى الملك فهد كان يُستدلّ على عزله لوزير او غيره، بتقربه منه وتلطفه معه، فذلك ايذان برحيله!

بعد انتهاء موسم الحج غرد (عزّوز) وفجّر قنبلة حين حمد الله واضاف: (بَروح بَوَدِّعْ عمي سلمان، وأسافر إن شاء الله. إن ما سافرت، فاعلموا أني قُتِلتْ. فودّعتكم بناتي، ودمي تعلمون عند مَن؟)، في اشارة الى محمد بن سلمان. وقد سبق ان اعلن عزوز قبل أشهر عن تعرّضه لمحاولة قتل بالسم، ونشر تفاصيلها على تويتر. التغريدة جعلت عمر المطيري يقول، ان عزوز قد يدخل في مواجهة في حال منعه من السفر قد تؤدي الى قتله. واضاف: (الرجل ليس مريضاً لكنه قال قولاً لا يجرؤ عليه أحد). مغرد آخر علق بأنه لا يحب (عزّوز) ولكن لا يتمنى له الهلاك، ووصف تغريدته بأنها (ليست عادية) وهذا صحيح.

وفوراً، ظهر هاشتاق ساخر بالمناسبة بعنوان: لا تقتلوا عزّوز.

لكن عزّوز تراجع وحذف التغريدات، وقال ان حسابه قد تم اختراقه، وحمد الله انه تم استرجاعه (وكفى بالله حسيباً على السارق) حسب قوله.

ايضاً هذه ليست المرة الاولى التي يغرد فيها عزوز، ثم يزعم ان حسابه قد تعرض للإختراق، بعد أن يوصل رسالته، وهو امر يفعله الاعلام دائماً، خاصة الصحافة المكتوبة!

يأتي هذا التحذير او الإبلاغ من عزوز بنيّة محمد بن سلمان قتله، بعد ظهور معلومات عن اعتقال امراء وضباط كبار اعترضوا على تنصيب ابن سلمان ملكا غير متوج. كما يأتي ايضاً في ظل تسريبات عديدة بأن الملك سيعلن تسمية ابنه محمد بن سلمان رأساً للدولة؛ فيكون تشديد القمع على الأمراء تمهيداً لتلك الخطوة اي تنصيب ابن سلمان ملكاً.

خاطب احدهم عزوز: (المشكلة خطّك ما تغيّر) يعني نفس اسلوب كلامك، ولا يوجد اختراق. وآخر اضاف بأن ذات الأخطاء تتكرر مثل (إنشاء الله) (فهذه ختم جودة لحالها)! يعني نفس الفيلم ما تغيّر، يقول ثالث.

المغردة فينوس تسخر: (كلما جاب العيد، قال الحساب مهكّر). وثان يسخر: (صراحة ملّينا من موضوع الحساب مسروق. وين أهله عنه)؟! لكن مغرداً كان جاداً ورأى ان عزّوز قصد كل كلمة قالها، ربما بالغ في مسألة القتل، ولكنه لم يبالغ في احتمال اختفائه، مثلما اختفى امراء غيره. ورأى المغرد تركي الشلهوب، وهو اسم مستعار، ان عزوز أظهر ذكاءً هذه المرة، فتغريدته بمثابة ضربة استباقية، بعدما شعر بأنه سيختفي مثلما اختفى غيره.

الدكتور المعارض محمد المسعري يعتقد التالي: إن لم يكن حساب عزوز مخترقاً، (فلا أظن انه سيؤذن له بالسفر، فهو مقتول!). وزعم فارس بن سعود (يقال انه امير) بأن عبدالعزيز بن فهد نُقلَ من الإقامة الجبرية الى مكان مجهول، وأن حسابه على تويتر تديره عصابة دليم (سعود القحطاني).

وسخر المعارض في المنفى عمر عبدالعزيز من حكاية اختراق حساب عزوز، وقال: (حسابه يتهكّر مرتين في السنة. مرة في العيد، ومرّة في الكريسماس)؛ واضاف ان بامكانه إيناس وحشة محمد بن نايف في خلوته الاجبارية (الله يطول بعمر ابن سلمان). وواصل عمر داعيا الى فعل شيء (قبل ان يتفرق دم عزوز بين القبائل)؛ وختم عارضاً خدماته على عزّوز ان كان يريد مساعدة في الحصول على لجوء سياسي في كندا ـ حيث يقيم عمر ـ ولكن (بشرط ان تعيد أموال الشعب اللي سرقتها).

حساب محمد بن سلمان الساخر علق: (أتمنى لك الشهادة يابن عمي)؛ ثان واصل: (مِنْ وين لنا أسدْ سُنّةْ بعده؟ بليز لا تقتلونه)!؛ ونوف تؤيد: (إيْ والله. لا تقتلونه، خلّوه يوَنّسْنا بْفَصْلاتَهْ توالي الليل بتويتر)؛ وفهد مذهول: (عزّوز الطفل هيموت يا جدعان). ومواطن صالح يخاطبه: (ابو تركي، طمّنّا عليك. اذا انت حي حِطْ لايك. واذا انت مقتول: سَوْ ريتويت)!

الخلاصة يقولها عبدالله السعد: (اذا كان امير وابن ملك، وحفيد المؤسس، لا يأمن على نفسه من السلطة، رغم الامتيازات والحراسات، فكيف بحال المواطن الغلبان؟!).

الصفحة السابقة