دور قوات المرتزقة في حماية العرش السعودي

خالد شبكشي

التاريخ يصنعه الأبطال.. هكذا يخبرنا الحكماء وفلاسفة التاريخ، ولكن، وكما في كل حقول الدنيا، فإن لكل قاعدة شواذ، فقد يصنع التاريخ مرتزقة أيضاً..

وأين ما وجد المال وجد المرتزقة وتالياً الحرب، وعلى الدوام كان هناك رابط وثيق بين صناعة المال وصناعة الحرب، وإن إنفاق المال كثيراً يزيد من أعداد المرتزقة وان أفضى الى الخراب للإنسان والأوطان..

تعد حرفة الارتزاق عن طريق المتاجرة بالبشر، والمشاركة في الأعمال العسكرية والمؤامرات، هي من أقدم الحرف في تاريخ الانسان. ولطالما غذّى المرتزقة الصراعات بين الطوائف والجماعات، وإن اختلف أشكالها وتطورت أساليبها، ولكن بقي الارتباط وثيقاً بين صناعتي المال والحرب، وتحكي المراجع التاريخية أن العبرانيين القدامى كانوا من المرتزقة منذ بداية ظهورهم، فكلمة «عبراني» تشير إلى العبد الذي تحوّل إلى العبودية بمحض إرادته، ليصبح أداة في يد الآخر، كما أن كلمة «الخابيرو» تعني العبرانيين أي الجنود المرتزقة.

ويقول الباحث في التاريخ اليهودي عبد الوهاب المسيري بأن «خابيرو» كلمة أكادية، ومن دلالاتها «الجندي المرتزق»، وتُطلَق على أية جماعة من الرحّل أو الغرباء المستعدين للانضمام إلى صفوف أي جيش مقابل أجر أو بدافع الحصول على الغنائم. ويُوصف الخابيرو في وثائق نوزي في القرن الخامس عشر قبل الميلاد بأنهم «عبيد أصبحوا كذلك باختيارهم». لكن الكلمة كانت تُستخدَم أحياناً للإشارة إلى أية عناصر فوضوية في المجتمع، ففي فترات الفوضى في مصر الفرعونية كانت تتواتر الإشارات إلى الخابيرو. ومعنى هذا أن الكلمة ذات مدلول عرْقي (الغرباء)، وأن لها في الوقت نفسه مدلولاً اجتماعياً طبقياً ووظيفياً.

وانتقلت فكرة الاستعانة بالمرتزقة الى بلدان شتى في مشارق الأرض ومغاربها، فكان المرتزقة حطب الحروب الكبرى والصغرى، وحين وضعت الحرب أوزارها في أوروبا لم يفقد المرتزقة وظيفتهم، فقد استأجرتهم بعض الدول كيما يكونوا جيوشاً لها لحمايتها ومحاربة خصومها.

 
مؤسس بلاكووتر لتجنيد المرتزقة ايريك برنس، ومقر شركته في الإمارات

في الحربين الكونيتين الاولى والثانية كان المرتزقة يشاركون في إشاعة الموت والدمار ويزرعون الفوضى ويكبّدون شعوب أوروبا الخسائر الفادحة في الأرواح، فهؤلاء يقاتلون شعوباً لا يعرفونها ولا تربطهم بها رابطة معنوية ولا عاطفية ولا تاريخية، ثم انهم يقاتلون من أجل المال وكان شعارهم بأنهم جنود جاهزون تحت الطلب لمن يدفع أكثر. ولذلك، فالمرتزقة يملئون قارات العالم، وينفذون المشاريع القذرة لمن يدفع إليهم الأجر.

منطقة الخليج لم تكن بمنأى عن نشاطات المرتزقة، وإن لم تعرف تاريخاً للمرتزقة الأجانب على الأقل في العلن، أو حتى العقود الأخيرة، برغم من انغماس بعض حكّام الخليج في تمويل حروب النيابة. نعم عرفت ما هو أسوأ من المرتزقة وهم العبيد حيث بقيت سوق النخاسة رائجة حتى ستينيات القرن الماضي قبل اغلاقها نتيجة ضغوط خارجية.. ولكن في السنوات الأخيرة دخل المرتزقة كمكوّن رئيس في التشكيلات العسكرية والأمنية المحلية والخارجية..

وبرغم من مناهضة اتفاقية جنيف لعام 1977 تجنيد المرتزقة، لاتزال بعض الدول توظفهم في حروبها القذرة وفي قمع مواطنيها وحماية عروش حكّامها، حتى أنهم شكّلوا مكوّناً رئيساً في الأجهزة الأمنية والعسكرية بما يهدد الاستقرار والأمن.

ويعرّف المرتزق بأنه شخص يُجنَّد في أعمال عنف لقاء أجر مقطوع ويلبي أهدافاً غير مشروعة تهدد لسلامة الإقليمية لدولة ما، أو إخماد نشاطات مطلبية شرعية.

وتحتل الولايات المتحدة صدارة الدول المموّلة لشركات المرتزقة التي تقوم بنشاطات امنية وعسكرية في كثير من دول العالم، وتشير تقديرات دولية إلى أن حجم التعاقدات الرسمية التي ترتبط بها وزارة الدفاع الأمريكية مع 12 شركة خدمات عسكرية خاصة تقدر بنحو 300 مليار دولار سنوياً، وتوظف نحو 700 ألف مرتزقاً.

وكانت صحيفة (نيويورك تايمز) قد كشفت في الرابع عشر من مايو سنة 2014 أن الرئيس باراك أوباما الذي تعهّد بإنهاء حروب سلفه جورج دبليو بوش وإرجاع الجنود الى الديار، هو الرئيس الوحيد الذي خدم فترتين كاملتين وفي كلتيهما كانت الولايات المتحدة منغمسة في الحروب في العراق وأفغانستان وسورية (وأخيراً اليمن حيث نشرت المقالة قبل اعلان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير من واشنطن الحرب على اليمن عشية السادس والعشرين من مارس 2015).. وقد وافق أوباما على شن ضربات عسكرية على ليبيا وباكستان والصومال واليمن.. ولما مجموعه سبعة بلدان قادت إدارته فيها عملاً عسكرياً.

وعود أوباما بإعادة الجنود من العراق وأفغانستان كانت فارغة تماماً، إذ الحقيقة أنه بحلول شهر إبريل 2014 كان هناك أكثر من 5000 جندي أمريكي في العراق، كما ترك أكثر من 5000 جندي آخر في أفغانستان، بحسب صحيفة (نيويورك تايمز) في 15 مايو 2016.

مجلة (فورين بوليسي) الأميركية نشرت في الثامن عشر من مايو سنة 2016 تقريراً عن هوية العسكريين الأميركيين في الخارج، وكتبت تحت عنوان (المرتزقة هم الأغلبية الصامتة لعسكر أوباما)، وأن الرئيس يقوم باستخدام غير مسبوق للمتعاقدين الخاصين لدعم العمليات العسكرية الأجنبية. لقد استطاع عبر التجنيد السري للمرتزقة أن يفاخر أمام شعبه بأنه يعيد الجنود الى الديار وينهي حروب سلفه لأن من يقاتل في العراق وأفغانستان وسوريا والصومال وليبيا هم الأشباح الذين ينتمون الى شركات خاصة سرية، يعملون خارج القانون وخارج المؤسسات الدستورية..

هناك 300 ألف شركة في العالم تجنّد المرتزقة، وتحصل هذه الشركات على عقود بمئات مليارات الدولارات ثمن انخراطها في حروب بالوكالة. وتبرز الشركة البريطانية الشهيرة جي فور إس ومركزها في لندن والتي تأسّست سنة 2004 ويعمل فيها 570 ألف شخص في أكثر من 90 بلداً في العالم. وتعد الشركة الأكبر على مستوى العالم في مجالها.

 
تجنيد المرتزقة من كل مكان لخوض حروب في اليمن وغيرها

وكان النظام السعودي قد أبرم عقداً مع الشركة لإدارة الأمن خلال موسم الحج. ومن المعروف أن شركة جي فور إس والمصنّفة بأنها الأولى عالمياً في الخدمات الأمنية المتشعّبة، تعمل مع السلطات الإسرائيليّة في اضطهاد الشعب الفلسطيني.

وتعمل الشركة في عدد من بلدان الخليج أيضاً، وقد وقّعت معها إمارة دبي عقداً لثلاث سنوات، لإدارة مهمات أمنية على مطارها ـــ مثل التدقيق في جوازات السفر، الفحوص الامنية وحتى خدمة الأمانات.

موقع (أسرار عربية) كشف عن التعاون بين الرياض وشركة جي فور إس. ونقل القيمون على الموقع معلومات من نسخة عن مجلّة داخلية تصدرها الشركة تفيد بأن G4S بدأت تقديم خدماتها إلى الحكومة السعودية منذ العام 2010، بعدما كانت قد أسّست شركة خاصّة في المملكة باسم «المجال – جي فور أس» تتخذ من مدينة جدة، على بعد 80 كيلومتراً من مكة المكرمة مقراً لها. وجزم الموقع بأنّ الشركة نفسها هي التي «تقدّم الخدمات الأمنية في الأماكن المقدّسة».

ويدعو اسماعيل باتل، وهو ناشط في منظمة فلسطينية تعارض استخدام الشركات الامنية في الأماكن المقدّسة، في رسالة الى السفير السعودي في لندن الأمير محمد بن نواف إلى التأمّل في حقيقة أنّ «منح الشركة عقداً لإدارة أحد الأمكنة الأكثر قدسية لدى المسلمين غير مقبول»، ودعاه إلى اتخاذ موقف جازم من الأمر.

وكانت صحيفة (الجارديان) البريطانية قد كتبت سلسلة مقالات نقدية ضد الشركة، وفي واحدة منها في 27 سبتمبر سنة 2013 خاطبت المسلمين قائلة بأن عليهم أن يتساءلوا في موسم الحج لهذا العام عن الاستغلال.

وتوقّفت الصحيفة عند العقد الذي أبرمته السلطات السعودية مع الشركة المثيرة للجدل لتضيء على موقف الحجّاج من استغلال العمّال في أعمال البناء والتطوير المكثّفة التي تشهدها مدينتا مكّة والمدينة.

هذه الممارسات التي يُفترض أن تخدش الحساسية تجاه القيم الإنسانية العامّة لدى الحجّاج، تُضاف إلى ممارسات قمعية تمارسها G4S في الأراضي الفلسطينية، فتُشكّل التوليفة الملائمة لكي يشهد موسم الحجّ ثورة ـــ وإن أخلاقية ـــ وفقاً للصورة التي ترسمها الصحيفة البريطانية.

وفي رد فعل على الانتقادات الشديدة التي واجهت الشركة ونشاطاتها السرية ولا سيما في السعودية وفلسطين المحتلة، قامت بتعديل صفحتها الرئيسية على الشبكة ووضعت في الواجهة خدمات ذات طبيعة مدنية خالصة مثل الضيافة، وتقليم الأشجار، والتموين، والصيانة، بل وحتى رش المبيدات، وترميم المنازل، وخدمات التنظيف.. فيما الخدمات الأخرى ذات الطابع الأمني وضعت في أسفل الصفحة كما لو أنها خدمات ثانوية..

 
عبدالعزيز بن فهد، يتحدث عن اعتقاله من مرتزقة أجانب

من بين الشركات الخاصة في عالم تجنيد المرتزقة، تتصدر شركة بلاك ووتر المشهد. فقد سمع العالم بهذا الإسم لأول مرة في العراق على أثر الانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان وفضيحة سجن أبو غريب حيث كان أفرادها يمارسون التعذيب النفسي والجسدي ضد المعتقلين، وكذلك في أفغانستان وجنوب السودان.. ولاحقاً في اليمن والسعودية.

شركة بلاك ووتر التي تعمل في عدد من الولايات: فيرجينيا (مركز القيادة)، نورث كارولاينا، كونيكتيكت، كاليفورنيا، وماريلاند وأخيراً دبي التي أصبحت مركز قيادة ثاني، هي شركة عسكرية أميركية خاصة تأسست سنة 1997 على يد الضابط السابق في البحرية الأميركية إريك برنس، وفي العام 2009 بدّل اسمها الى (Xe Services)، وتعرف منذ العام 2011 باسم أكاديمي (Academi)، بعد أن تمّ شراء الشركة من قبل مجموعة من المستثمرين الخاصين، من بينهم الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي. وهناك عدد من الشركات الفرعية التابعة لها في عدد من أقطار العالم.

لابد من الإشارة الى أن للشركة مركزي قيادة الأول في ريستون بولاية فرجينيا والآخر في دبي بالامارات العربية المتحدة.

وتعمل اليوم شركة داين كورب البريطانية الى جانب شركة بلاك ووتر في إسمها الجديد في خدمة التحالف العربي بقيادة السعودية وإدارة الامارات في العدوان على اليمن.

ربيع المرتزقة

بعد موجة الثورات الشعبية التي اجتاحت العالم العربي في آواخر العام 2010، استبد الذعر بممالك النفط في الخليج، فلجأت في بادىء الأمر الى شدّ العصب وتناسي الخلافات لمواجهة الخطر المشترك الذي بات يطرق الأبواب، فتمّت المصالحة لخليجية، وجرى استيعاب قطر مجدداً في نادي الملوك.

وما لبثت الممالك أن اعتمدت سياسة الهجوم والهروب للإمام بقيادة الثورة المضادة، والانغماس في بلدان العربي، فاختارت التدخل العسكري المباشر في البحرين في الخامس عشر من مارس سنة 2011 فيما اختارت هندسة انقلاب عسكري في مصر لإسقاط الثورة الشعبية في الثلاثين من يونيو سنة 2013، وهو ما فعلته السعودية والامارات بأموالها، وقادت في اليمن مبادرة باسمها أطلق عليها المبادرة الخليجية في إبريل 2011 لاحتواء الثورة الشعبية والإبقاء على النظام القديم وحرمان الثورة من قطف ثمارها الديمقراطية، فيما اعتمدت استراتيجية الحرب بالوكالة في كل من سوريا وليبيا..

وفي كل البلدان التي تدخّلت فيها ممالك الخليج كانت النتائج كارثية. فقد أحرق شيوخ النفط ثروات شعوبهم في مؤامرات ضد أشقائهم العرب في بلدان أخرى، كانت على وشك الخلاص من الأنظمة المستبدة.

وحدها قطر، وعلى لسان ثرثارها الأبرز رئيس وزرائها ووزير خارجيتها السابق حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، التي أقرّت بدورها التخريبي حين تحدّث عن المؤامرة الجماعية على سوريا، فتصارع السعودي والتركي والقطري على سوريا التي أسماها «الصيدة».

اختار حمد بن جاسم تلفزيون قطر الرسمي في أكتوبر 2017 ليشن حملة مفاضحة على مدى أكثر من ساعتين، تناول فيها الشيخ القطري ملف العلاقات الخليجية وسوريا والعراق وقضايا دولية أخرى.

يقول حمد بن جاسم ما نصّه: «أول ما بدأ الموضوع في سوريا توجهت إلى المملكة العربية السعودية وقابلت الملك عبد الله، الله يرحمه، بناء على تعليمات من سمو الأمير الوالد، وقال لي نحن ننسق معكم وأنتم تسلموا الموضوع»، وأوضح «لدينا أدلة كاملة على ذلك».

 
حملة الريتز بحماية وتنفيذ جنود مرتزقة

قدّم حمد بن جاسم رواية مقتضبة ولكن كافية لمفاضحة خليجية مع عون أميركي واسرائيلي وتركي غير مغفول. قال بأن أي «دعم يذهب إلى سوريا كان يتوجه إلى تركيا بتنسيق مع القوات الأمريكية»، وتابع: «نحن تهاوشنا ـ تنازعنا ـ على الصيدة وفلتت الصيدة واحنا قاعدين نتهاوش عليها»، واستدرك مخاطباً حلفاء العدوان على سوريا وعلى رأسها السعودية: «أنتم تقولون الآن بشّار موجود ليبقى ليس لدينا مانع، ولكنكم كنتم معنا في خندق واحد قولوا لنا نحن غيرنا موقفنا».

نعم، لم تكن دول الخليج وحدها، ولم تكن تلك لحظة خليجية مستقلة كما يحلو للبعض أن يصفها، لولا تدخّل الاميركي والأوروبي (البريطاني والفرنسي) ومعهم الاسرائيلي. لم يكن الخليجي حرّاً في قراره قط، ولم يكن هو من يملي فقد كان منغمساً بماله في «الخراب الكبير»، الذي طال بلداناً عربية. فاللحظة الخليجية لم تكن عربية ولا إسلامية، فقد كانت ولا تزال أميركية واسرائيلية، وإن من جنى ثمارها لم يكن العرب.

اختارت السعودية والامارات ومعهما حمد البحرين، وسيسي مصر، وعبد الله الثاني الأردن، ومحمد الخامس المغرب أن يكونوا جميعاً دمى في لعبة هابطة يديرها الأميركي، والأوروبي، والاسرائيلي.

ثمة في المشهد الخليجي ما يستحق التأمل طويلاً لأنه يتجاوز مجرد الفضيحة والوصمة الأخلاقية، بل يصل الى حد الانحطاط بالنوع الإنساني، إذ يعيد حكام السعودية والامارات إحياء العبودية في شكلها القبيح. فمنذ اندلاع الربيع العربي لجأ الحليفان اللدودان الى سياسة الارتزاق مجدداً لناحية تنفيذ حروب قذرة.

ما تحاول الرياض وأبو ظبي اخفاءه عن أنظار شعوبها وعن العالم بأسره هي عمليات الارتزاق التي تجري في الخفاء حيث يتم تجنيد عناصر من أصقاع الدنيا وجلبهم للدفاع عن عروش الخليج في تعبير عن الخوف من انفجار الغضب الشعبي نتيجة فشل السياسات الرسمية في قضية الإصلاح السياسي وفي معالجة ملفي الفقر والبطالة وفي الدفاع عن قضايا الأمة..

وكان موقع (Voltire.net) قد كشف في الأول من يونيو سنة 2011 عن جيش المرتزقة السري في الشرق الأوسط وأفريقيا، إذ عملت الامارات على بناء جيش سري خاص بها مؤلف من المرتزقة بالاعتماد على خدمات شركة «بلاك ووتر»، التي بات ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد أحد اكبر المساهمين فيها منذ العام 2013.

وجاء في تقرير الموقع: في مدينة زايد العسكرية، وفي معسكر تدريب في منطقة صحراوية في الإمارات العربية المتحدة، هناك جيش سري قيد الإعداد. هذا الجيش السري للمرتزقة، الذي من المقرر استخدامه ليس فقط في الإمارات، ولكن في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وكانت صحيفة (نيويورك تايمز) قد كشفت في 16 مايو سنة 2011 أن إيريك برينس، ومن دون الظهور شخصياً، وقّع في أبوظبي أول عقد بقيمة 529 مليون دولار (تم توقيع الصفقة في 13 يوليو 2010)، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز.

وقد أكّدت الامارات بأنها استأجرت شركة مؤسسة بلاك ووتر ايريك برنس، لتوفير «الدعم التشغيلي والتخطيط والتدريب» لجيشها. لكنها لم تذكر تفاصيل عن مشروع الشركة لبناء كتيبة مرتزقة أجنبية للحكومة الإماراتية.

وجاء في بيان مكتوب من أحد كبار المسؤولين الإماراتيين، صدر عن وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية، أن البلاد اعتمدت بشكل مكثف على مقاولين خارجيين لتعزيز قواتها العسكرية، وأن كل العمل مع المقاولين «يتوافق مع القانون الدولي والاتفاقيات ذات الصلة».

وجاء في البيان، الذي أصدره اللواء جمعة علي خلف الحميري، أن الامارات العربية المتحدة وقّعت مع شركة ريفليكس ريسبونسز وهي الاسم الآخر لشركة بلاك ووتر عقداً، لكنه لم يشر إلى مئات القوات الكولومبية والجنوبية الإفريقية والأجنبية الأخرى التي تتدرب في قاعدة عسكرية إماراتية. لم يذكر البيان مالك الشركة إيريك برنس بالاسم.

 
جي فور اس.. الشركة المتصهينة الأضخم في تجنيد المرتزقة ولها دور في مراقبة الحجاج

لقد تحوّلت أبو ظبي الى مرتع خصب للشركات الأمنية، واستطاع محمد بن زايد استيعاب كل المطاردين في بلدانهم من مؤسسي الشركات الأمنية في الولايات المتحدة وأوروبا، حتى بات ابن زايد مضارباً دولياً رئيساً في سوق المرتزقة. وقد لعب هؤلاء في الحملة التي شنّها محمد بن سلمان ضد خصومه من الأمراء والوزراء والتجار في الرابع من نوفمبر سنة 2017.

وكانت اليمن مسرحاً مفتوحاً للمقاتلين المرتزقة الذين جندهما الحليفان للقتال بالنيابة عنهما مقابل أجور زهيدة وأهداف دنيئة ووضيعة. فقد حضر مقاتلون من جنسيات متعددة أفريقية وأميركية لاتينية للقتال في معسكر التحالف العربي الذي تقوده السعودية بعد فشل التحالف في حسم المعركة وخشيته من خوض القتال البري.

في التاسع والعشرين من أكتوبر سنة 2015 كشفت صحيفة «التايمز» البريطانية عن استئجار القوات الإماراتية مئات المرتزقة من كولومبيا ونشرهم في اليمن للقتال معها ضد الجيش واللجان الشعبية. وفتحت الصحيفة الباب على تساؤل آخر وهو دور المرتزقة في حماية الامارات نفسها.

وقالت الصحيفة إن مجموعة الكولومبيين جزء من جيش خاص تستأجره الإمارات من شركة «بلاك ووتر» الأمريكية التي تقدّم خدمات أمنية للإمارات من أجل بسط نفوذها على مدينة عدن.

أوليفيير جويتا، المدير الإداري لشركة جلوبال كاسبت ولويد بيلتون المتخصص في شؤون أمريكا اللاتينية وأفريقيا تحدثا في أكتوبر 2015 عن تجنيد الامارات لنحو 800 كولومبي للقتال بأجور مدفوعة في اليمن.

ونشر موقع «ميدل ايست أي» في 27 أكتوبر 2015 تقريراً يؤكد فيه أن السعودية جنّدت المئات من المرتزقة من كولومبيا للغرض ذاته، ونقل الموقع عن صحيفة «التيمبو» في أمريكا اللاتينية، أنه تمّ تجنيد 800 عسكري من العناصر العسكرية السابقة من كولومبيا من قبل المملكة السعودية للحرب في اليمن انطلاقا من عدن.

وقال اللواء المتقاعد الكولومبي «خايمي رويث» لإذاعة محلية كولومبية إنه تمّ «توجيه جنود سابقين في الجيش الكولومبي للعمل في صفوف قوات التحالف تحت قيادة السعودية». ولفت الى أنها ليست المرة الأولى التي يتوجّه فيها جنود كولومبيون سابقون للقتال في مناطق نزاع، ويوجد المئات منهم يعملون في دول خليجية.

حملة الريتز.. دور المرتزقة

توقّعت مجلة )الحجاز( في عددها 178 الصادر في أغسطس 2017 سيناريو الحملة التي كان محمد بن سلمان يخطط لتنفيذها ضد الأمراء والنافذين في الدولة السعودية. لقد نفّذ ابن سلمان الحملة بحذافيرها كما توقعتها المجلة، ولكن بقي السؤال من هي القوة التي شاركت في حملة الاعتقالات ضد مئات الأمراء والوزراء والتجار؟ (أنظر العدد 178 ص 20 العمود الثاني حول خيارات ابن سلمان مع مراكز القوى داخل العائلة المالكة).

في آخر تغريدة له على حسابه في تويتر في السابع من سبتمبر 2017، لفت الأمير عبد العزيز بن فهد الى أن من جاء لاعتقاله فيهم أجانب.

“الله يستر قدوم حرس محمد بن سلمان مع بعض الأجانب أستودعكم الله، اللهم إني أسألك حسن الخاتمة، اللهم احفظ أمة محمد من كل مكروه».

وكان عبد العزيز بن فهد قد شن في أغسطس 2017 هجوماً لاذعاً عبر حسابه في تويتر ضد ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، ونعته بـ «السرسري».

لم يكن ليغفر ابن زايد لعبد العزيز بن فهد ما قاله فيه وهجاه، فتحيّن الفرصة المناسبة للانتقام، فغُيّب عن الأسماع والأنظار قبل موعد انطلاق حملة ابن سلمان على الأمراء، فكان أول من وقع في فخ المرتزقة، وقيل بأنه قتل.

صحيفة (دايلي ميل) البريطانية نشرت في الثاني والعشرين من نوفمبر سنة 2017 تقريراً خاصاً عن دور مرتزقة أميركيين يعملون لحساب شركة بلاك ووتر يشاركون في حملة الريتز.

ونقلت الصحيفة عن مصادر خاصة في المملكة السعودية بأن المرتزقة الاميركيين يعذّبون الأمراء والوزراء والتجار المحتجزين في فندق الريتز في الرياض، فيما تمّ تعليق الملياردير الأمير الوليد بن طلال رأساً على عقب. وتنقل الصحيفة عن مصدرها داخل المملكة السعودية أن المتعهدين الأمنيين الأميركيين الخاصين يقومون بعمليات «الاستجواب» مع الأمراء والتجار المعتقلين في حملة القمع. وأضاف المصدر بأن المحتجزين تمّ تعليقهم من أقدامهم وتعرضوا للضرب خلال التحقيق. المصدر نقل للحصيفة بأن المرتزقة هم من «بلاك ووتر»، لكن الشركة تنفي أن تكون لديها أية عمليات في المملكة السعودية على الإطلاق وتقول إن موظفيها ملتزمون بالقانون الأمريكي.

دايلي ميل كشفت نقلاً عن مصادرها داخل السعودية بأن ولي العهد السعودي جلب المرتزقة الأميركيين للمشاركة في الاعتقالات والاستجوابات. وقال المصدر عن أوضاع الموقوفين: «إنهم يضربونهم، ويعذبونهم، ويصفعونهم، ويهينونهم». وقال المصدر للصحيفة: «إنهم يريدون تفكيكهم». وكشف المصدر إسم بلاك ووتر بأنها التي تقوم بهذه المهمة.

يقول المصدر أيضاً أن جميع الحرّاس المسؤولين عن أمن محمد بن سلمان الشخصي هم أمن خاص يعملون في الشركة الأميركية بلاك ووتر أو أكاديمي، فهو لا يريد ضباطاً سعوديين أمضوا حياتهم مع الأمراء الموقوفين.

وفي تأكيد لصلة محمد بن زايد المستثمر الرئيس في الشركة يقول المصدر للصحيفة: «لقد نقلوا جميع الرجال من أبو ظبي. الآن هم المسؤولون عن كل شيء». ولفت المصدر الى أن سعد الحريري، رئيس حكومة لبنان الذي استدعي الى الرياض في 3 نوفمبر 2017 قد أحتجز هو الآخر وكان يخضع تحت حراسة مرتزقة بلاك ووتر.

رئيس الجمهورية اللبنانية، ميشال عون، نشر على حسابه في تويتر في 15 نوفمبر 2017 مانصّه:

«لدى السلطات اللبنانية معلومات غير مؤكده أن شركة بلاك ووتر الأميركية تحرس سعد الحريري وعائلته وليس قوات الأمن السعودية».

شمعون آران، المحلل السياسي في هيئة البث الإسرائيلي، نشر تغريدات على حسابه في تويتر بعد أيام من حملة الاعتقالات. ونقل في تغريدة له في 7 نوفمبر عمّا وصفها تقارير استخباراتية ما نصّه: «شركة Blackwater الأمريكية هي التي قامت بحملة اعتقالات الأمراء السعوديين».

وكتب في تغريدة أخرى أن: «شركة بلاك واتر الأمريكية للحراسة والأمن هي التى تتولى مسؤولية توفير جميع احتياجات الأمراء السعوديين المعتقلين- الطعام والشرب وغيرها».

بناء على معطيات جمّة في دور المرتزقة، ثمة حاجة الى مواكبة ما يجري في داخل المملكة، حيث إننا أمام عملية اختطاف لدولة تدار من قبل «الأجانب» و»المرتزقة»، ويلعب فيها ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد دوراً محورياً بصفته مستثمراً رئيساً في شركة بلاك ووتر، أو «أكاديمي» الاسم الجديد، ومن خلال التعاقد مع شركات خاصة بتحليل المعلومات التي تقدّم نصائح لابن سلمان للقيام بتدابير أمنية واقتصادية وسياسية تتعلق بطريقة إدارة شؤون الحكم.

الصفحة السابقة