إقرار نظام مكافحة التحرّش

أول رخصة قيادة نسائية

عبد الوهاب فقي

في العاشر من شوال، ستقود المرأة سيارتها عملياً في السعودية.

بلا شك هو تحوّل اجتماعي كبير، رغم ان جوهر الموضوع صغير جداً.

 

قبل السماح للمرأة بالقيادة، كان لا بدّ من إقرار نظام مكافحة التحرّش، فمن يعرف المجتمع السعودي، خاصة النجدي الوهابي، يعلم كم هي المرأة بحاجة الى حماية في ممارسة حقها بقيادة السيارة. وأيضاً قبل البدء، لا بدّ من اصدار الرخص، او على الأقل منح رخص سعودية لمن تمتلك رخصاً أجنبية.

ومن هنا ظهرت فتيات ونسوة يلوحن برخص قيادتهن كمنجز كبير، وظهر من يتحدث عن أول رخصة نسائية، وكلٌّ يزعم أنه الأول.

هناء الخمري، وبمناسبة الحصول على رخص القيادة، هنأت النساء وأرجعت الفضل الى الرعيل الأول الذي تظاهر في نوفمبر ١٩٩٠، إضافة الى الجيل الجديد، مثل ابتهال المبارك، ووجيهة الحويدر، ومنال الشريف، ولجين الهذلول، وعزيزة اليوسف، وغيرهن.

أي ان الفضل ليس لإبن سلمان، بل لهؤلاء اللاتي صنعن التاريخ ودفعن الثمن سابقاً ولاحقاً.

هؤلاء صاحبات الفضل اعتقلن، واطلق عليهن رسمياً في اللحظة الأولى وبدون محاكمة لقب: (عملاء السفارات). والآن تزعم النيابة العامة بأنهن اعترفن بجرمهن.

الإعلامية السعودية في راديو مونت كارلو، ايمان الحمود، اعدت برنامجاً عن المعتقلات والمعتقلين، ووعدت بنشر الحلقة على حسابها في تويتر؛ ثم بدا لها ان لا تنشر الحلقة رغم تسجيلها، لان احد أقارب المعتقلين طلب ذلك، وقالت ان الأمور تتجه نحو الحل. أي لاحتمال اطلاق سراح الناشطات.

الحقيقة ان هذا جزء من ضغوطات مباحث آل سعود، وهم لم يعتقلوا الناشطات الا لمنعهن من كسب فضل إقرار قيادة المرأة للسيارة.

 

المقزز ان مجلة فوغ جاءتنا بصورة الاميرة هيفاء ابنة الملك عبدالله لتروج لقيادة المرأة. قالت احداهن بأن عزيزة اليوسف هي التي تستحق ان تكون على الغلاف؛ وليس ان يكون مصيرها السجن. وهتفت: لا تسرقوا نضال المناضلات وترموهن في السجون. لقد شُهّر بعزيزة اليوسف وأمثالها في الصحافة المحلية، وقبل ان يقول القضاء كلمته، بأنها خائنة وعميلة، ولكنه الاعلام والقضاء السعودي الذي يزعمون نزاهته.

علق الناشط يحي عسيري على ما نشرته مجلة فوغ وسرقة نضال الآخرين، بأنه انحطاط أخلاقي: (من تضعون صورتها هي ابنة الأسرة التي حرمت المرأة من حقوقها). ومريم عبدالله تجدها مفارقة: (لجين الهذلول في المعتقل، والأميرة هيفاء بنت عبدالله على غلاف مجلة عالمية، اين الناشطون الحقوقيون؟).

المنظمات الحقوقية الدولية استنكرت الاعتقالات والاتهامات؛ وعشرة أعضاء من البرلمان الهولندي يسألون وزير الخارجية عن الأمر وعن العلاقة مع السعودية نفسها.

في موضوع استخراج رُخَص السواقة وممارستها قريبا، علق جمال خاشقجي: (سنكتشف عبثية الجدل الذي عشناه عقوداً، وأن المسألة أكثر من عادية). والداعية سليمان الطريفي يعلق: (بعد ان يصبح امر السواقة طبيعياً، سيكتشف الممانعون ان المرأة السعودية اكثر نضجاً ورقياً والتزاماً بالقيم وبالقيادة السليمة). ورأى حسين الحربي أن (النقاش في قيادة المرأة تأييداً أو نفياً إسفافٌ فكري)! يقصد ان الموضوع بذاته لا يستحق التطبيل والاهتمام؛ وهذا رأي متداول، ولكن الصحفي وحيد الغامدي يعتقد أن معارضي قيادة المرأة هم من صنع الرمزية للحدث اليوم.

وعموماً فإن سبب اعتقال الناشطات على الأرجح، هو أن محمد بن سلمان، وحين تبدأ سواقة المرأة للسيارة، يريد أن يظهر بمظهر محررها ومخلصها، وليس أولئك النسوة اللائي في السجن. أي أنه يريد احتكار المجد لنفسه. وقد أشارت الواشنطن بوست الى أن هذا السبب هو ما دفع ابن سلمان لاعتقالهن.

وتنقل أوساط مقربة من الديوان الملكي، ان ابن سلمان شعر بالإنزعاج الشديد، انه حين تم تحديد وقت سواقة المرأة قبل بضعة اشهر ورفع الحظر عن ذلك، طفقت النسوة والناشطات يباركن جهود بعضهن التي أثمرت، وأن نضالهن ودخولهن السجن أثمر في النهاية بأن اعترفت الحكومة بحقهن بقيادة السيارة.

يومها اتصل جهاز المباحث بـ ٢٢ ناشطة يبلغهن بأن لا يجرين مقابلات تلفزيونية او إعلامية ولا يكتبن في مواقع التواصل الاجتماعي عن موضوع قيادة المرأة. ولا مبرر لهذا التحذير الا قضية احتكار فضل السماح لقيادة المرأة لمحمد بن سلمان!

الصفحة السابقة