نصف مليون في مكة المكرمة، ومائة ألف في جدة، وعشرات الألوف خارج الحدود

سعوديون عنصريون وآخرون محرومون من الجنسية

من يسمّون بـ (فئة البدون) والتي عرفناها أول مرة في الكويت، ثم اكتشفناها في البحرين، عادت لنراها بشكل أكثر تضخماً في السعودية. نصف حل قدمته الكويت، وحل شبه شامل قدّمته حكومة البحرين في العامين الماضيين، أما في السعودية ـ حيث المشكلة أكثر تعقيداً وخطورة ـ فإن المشكلة نائمة بانتظار انفجارها، على شكل عنف، فضلاً عن مأساويتها الإنسانية.

ستمائة ألف شخص، رجالاً ونساءً وأطفالاً، يعيشون على هامش المجتمع، لا يتمتعون بأية حقوق: لا دراسة، ولا تعليماً ولا صحة، ولا وظائف حتى الدنيا، كالتنظيف وغيره. تجدهم في الشوارع والأسواق يبيعون محارم الورق، والسواك، والصناعات اليدوية البسيطة على الحجاج والمعتمرين.

ستمائة ألف إنسان مهمّش، ولد معظمهم في المملكة، يتكلمون لغتنا، ويتحدثون بلهجتنا، وتشبعوا بثقافتنا، ولا يعرفون وطناً آخر غير وطننا. لم يسافروا الى بلد آخر، فهم لا يحملون جوازاً، ولا بطاقة شخصية (هوية).. يعيشون في أحياء خاصة بهم أشبه ما تكون بالغيتو، لا تصلهم خدمة إجتماعية حكومية، ولا يتحاكمون الى محكمة مدنية، ولا تصل اليهم قوات شرطة ولا مؤسسات خدمية أهلية، ولا غير ذلك.

إنه مجتمع خاص يعالج مشاكله بنفسه.. له قضاته وأعرافه وتقاليده ومصادر رزقه الشحيحة. إنه مجتمع يفرز العنف، بسبب الفقر، وبسبب الشعور بالظلم القاسي الشديد.. أجيال وراء أجيال تنشأ وتتربّى دون أن تستطيع أن تدرس او تعمل أو تتملك منزلاً.

نحو نصف المليون من هؤلاء هم من جذور أفريقية، ونحو مائة ألف من بورما (البريماويين).. والحكومة التي تتقمصها نوبات من العنصرية الكريهة والبغيضة، لا تريد أن تمنح هؤلاء الجنسية، ولا تمنحهم أدنى الحقوق في نفس الوقت والتي يتمتع بها الأجانب عادة، ولا تفسح لهم الطريق للعمل حتى في أدنى المراتب.. وفي نفس الوقت هي غير قادرة على إخراجهم من البلاد، إذ لا توجد دولة تقبلهم، او تعترف بأنهم من مواطنيها، خاصة وأن أغلبتهم الساحقة ولدت على أرض الحرمين، وعاشت في الأماكن المقدسة وما حولها.

الحكومة ـ كما هي عادتها ـ لا تملك الجرأة، وترحّل المشاكل الى قادم السنين كيما تنفجر عنفاً يتحدث عنه الحجازيون الخائفون من تبعات المشكلة، ويعلن بعض هؤلاء (البدون) عن نيتهم القيام به إذا ما أُتيحت الفرصة. وفوق هذا، فإن تصاعد الجريمة والعنف، مؤشر الى خطر قادم لا يريد صناع القرار التعاطي العاقل معه.

لماذا هذا الظلم؟

لماذا لا يتم تجنيس هؤلاء، فهم وفق أية قانون أرضي أو سماوي، أبناء هذه الأرض، عليها ولدوا وتربوا وعاشوا، وبالتالي يستحقون ـ لا منّة ـ أن يحصلوا على الجنسية، وفق مقتضيات مواثيق الأمم المتحدة التي وقعت عليها الحكومة السعودية.

أما تجاهل المشكلة، وهي في تصاعد والأعداد في تزايد، وإعطائها مسحة عنصرية بغيضة، بسبب اللون الأسود، فهذا لن يوصلنا الا الى مزيد من التعقيد والعنف.

حريٌّ بمواطني الدرجة الأولى! المقربين من العائلة المالكة التي يجري في عروق أبنائها الدم الأزرق! ان يبادروا لوضع الحلول العملية، وأن لا يتكئوا على الزمن، فهو لن يلعب لصالحهم. حريٌّ بهم أن يلتفتوا الى عنوان حكمهم (الإسلامي) المزعوم ليقرّوا بحقوق مواطنين مستضعفين بؤساء، دون تمييز عنصري جاء الإسلام ليقضي عليه. وحريٌّ بهم، ان يعلموا أن المواطنة ليست مجرد بطاقة هوية، ولكنها لا تكتمل بدون تلك البطاقة، التي تؤسس للحقوق المدنية، فضلا عما سواها.

إن معاملة سيئة كهذه، كانت واحدة من أسباب نقمة جهيمان وانتفاضته ضد الحكم السعودي في 21 نوفمبر 1979.

ينبغي التذكير أن أزمة الجنسية في المملكة حادّة وتشمل أطيافاً أخرى، وإن كانوا على شكل أفراد. فإلى ما قبل بضعة أشهر، انفجرت فضيحة كبيرة في مصر تتعلق بأبناء المصريات المتزوجين من سعوديين، والذين رفضت الحكومة السعودية منحهم الجنسية، وهم بالآلاف، الأمر الذي حدا بالرئيس المصري والسلطات المصرية الى دراسة الموضوع والعمل على تغيير القانون لمنح أبناء المصريات الجنسية المصرية.

وكأنّ السعودية استشعرت الخجل الى حدّ ما، بسبب المبادرة المصرية، فأحالت ملف هؤلاء لدراسته على أن يمنح أبناء السعوديين في مصر وغيرها (في سوريا هناك نفس المشكلة وكذلك في بلدان عربية وأجنبية أخرى) الجنسية السعودية، مع وضع شروط صعبة حتى لا يحصل هؤلاء الأطفال على جنسية (شعب الله المختار!). هذا لا يشمل بالطبع أبناء السعوديات المتزوجات من أزواج غير سعوديين، إذ أن محنة هؤلاء أكبر، خاصة بالنسبة للمطلقات وأبنائهن الذين يشعرون بأنهم محظوظون إن سمح لهم بحقّ السفر للسعودية، لزيارة أهليهم!

على أن هناك عائلات عديدة في شمال المملكة بوجه خاص، وكذلك في عدد من المدن السعودية ممن لا يحملون أية هوية (بدون جنسية) مع أن آبائهم كانوا يحملون الجنسية السعودية، وفي بعض الأحيان تنقسم العائلة الى قسمين: قسم يحمل الجنسية، وقسم لا يحملها! وقد مضى على طلب بعض هؤلاء للجنسية مدة تصل الى ثلاثين عاماً، وإن الحرمان من الهوية يجعلهم غير قادرين على توفير أبسط مقومات الحياة، من الحصول على عمل أو التملك لمنزل، او الإستشفاء في مصحّ حكومي!

ومن بين المحرومين من الجنسية، أبناء قبائل غادروا المملكة في فترة سابقة الى بلدان مجاورة ـ العراق مثلاً ـ وحين أرادوا العودة لم يعترف بسعوديتهم (القديمة!) فبقوا على الحدود، يرسلون الإستغاثات والشفاعات للمسؤولين.. وفي حالات قليلة، منحت الحكومة بعض هؤلاء حق الإقامة في حريم القبيلة، دون حقّ الجنسية!

هذا في الوقت الذي نعرف أن الحكومة أعطت الجنسية لفئات غير مسلمة، أكثرها مسيحية من لبنان، جعلت الشيخ بن باز في عام 1983 يقدم احتجاجاً شديد اللهجة الى الملك فهد. ورغم أن الحكومة السعودية تسقط جنسية المواطن الذي يحصل على جنسية أخرى، أي انها لا تقبل بتعدد الجنسية، فإنها لا تطبق ذلك إلا على الضعفاء، فكثير من الدبلوماسيين السعوديين ـ وهم من نجد ـ ومن موظفي السفارات السعودية في الخارج ـ خاصة اوروبا والولايات المتحدة ـ يحملون الجنسيتين، بل أن بعض الأمراء يحملها، وفي مقدمتهم الوليد بن طلال الذي يحمل الجنسية اللبنانية (من جهة أمه) وكذلك رئيس وزراء لبنان الذي منح الجنسية السعودية رغم أنه أبقى جنسيته اللبنانية، وهناك الكثير من السوريين الذين خدموا الحكم السعودي يحملون الجنسيتين!

وزيادة على ذلك، قامت الحكومة السعودية، وفي سبيل تعزيز دعاواها على أراضي غيرها، أو المختلف حولها، في اليمن الجنوبي ـ سابقاً ـ وفي عمان والإمارات، قامت بمنح الآلاف من رجال القبائل هناك الجنسية السعودية، ومنحتهم امتيازات، حتى تستطيع أن تجادل بأنهم سعوديون وأن أراضيهم سعودية. حدث ذلك في حقب متعددة من التاريخ الحديث، في الخمسينيات حين نشأت أزمة البريمي، وفي التسعينيات الميلادية الأخيرة!

هل نحن شعبٌ عنصري؟

في قراءة لدراسة لم تنشر حملت إسم (السعوديون الأفارقة) نشر أحد كتاب منتدى طوى (ماس) مقالاً عن أولئك المتحدرين من العنصر الأفريقي، والذين حصلوا على الجنسية، ولكنهم لازالوا يعاملون بدونيّة وعنصرية منتنة.

يذكر الكاتب بقرار إلغاء الرقّ في المملكة عام 1964، وكيف سارع ملاك العبيد خاصة من الأسرة الحاكمة في محاولات مضنية لتعطيل قرار الملك فيصل الذي كان يواجه بضغوطاً شديدة من قبل الرئيس الأميركي. وإزاء إصرار فيصل لجأ الأمراء إلى تقييد العبيد في القصور وإجبارهم على البقاء في ظروف مأساوية فظيعة لم يجرؤ أحد على الكشف عنها حتى اليوم، ولكن قصصاً تسللت من أسوار القصور تتحدث عن انتهاكات مريعة.

وتضيف الدراسة أنه على مدى قرون ظل العنصر الأفريقي جزءً من التركيبة السكانية للجزيرة العربية. وفي فترة ظهور الدولة السعودية الحديثة كان الأفارقة ينقسمون الى قسمين: الأول ويمثله العبيد الذين فقدوا جذورهم ولا يعرفون أصولهم وبعد تحريرهم باتوا يعرفون بلقب (المولد) أو حملوا لقب القبائل والأسر التي كانت تملكهم. والثاني: يمثله الأحرار من الذين جاؤوا الى المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وهؤلاء يعرفون في السعودية بـ (التكارنة) وتجد من ألقابهم (هوساوي، فلاتة، برناوي، برقاوي، زبرماوي أو تكروني) وجل هؤلاء ترجع جذورهم للدول الإسلامية في غرب أفريقيا كنيجيريا والسنغال وغينيا ومالي والنيجر وتشاد وساحل العاج وقليل منهم من غانا وبوركينا فاسو.

ظل هؤلاء وطوال تاريخ وجودهم أقلية مضطهدة، تعاني من قهر اجتماعي وتهميش سياسي غير معلن ولكنه محسوس وملموس، يهمس به (التكارنة) خفية وهم ملتحمون بقدر ما بالنسيج الاجتماعي، ويتحدثون عن أنفسهم كأقلية مضطهدة لها إسهاماتها في تشكيل المجتمع السعودي على المستويات كافة، وان ظل إسهامها الاقتصادي محدوداً نظرا لكون غالبيتها تنتمي للطبقة الكادحة، أو لأنها لم تتح لها الفرصة للعمل الاقتصادي، لذلك يندر أن يبرز من هذه الأقلية رجال أعمال بارزين، وغالبا ما يكونون من صغار رجال الأعمال وما دون ذلك، كالشيخ أحمد باقدو الشريك في مستشفى (عرفان وباقدو) أحد أشهر مستشفيات القطاع الخاص في مدينة جدة حاليا؛ وبكر بن سلمان صاحب سلسلة أشهر المطاعم الشعبية في المنطقة الغربية وهي (مطاعم حراء).

ورغم التهميش الصامت من قبل الحكومة لهذه الفئة (عدم وجود أي أسود في مجلس الشورى، وعدم تقلد أي أسود مناصب وزارية)، والاحتقار المستتر من قبل الرأي العام والإعلام للسود السعوديين.. إلا أنهم ظلوا يعملون وينتجون بصمت، فأغنوا الحياة والثقافة والأدب والرياضة، وكان لهم حضورهم القوي الذي غالبا ما يقابل بالتهميش ومحاولات الإقصاء، مما خلق لدى هؤلاء السود نزعات قوية بالانكماش والانزواء على نحو ما حصل مع اللواء متقاعد (محمد إبراهيم فلاتة) الذي وصل في خدماته إلى مرتبة قيادة القاعدة الجوية في المنطقة الغربية ثم أحيل إلى التقاعد في صمت أواخر الثمانينيات الميلادية، ولم يعد يذكر أو يعهد إليه منصب شرفي كما هي العادة مع أبناء القبائل أو غير ذوي الأصول الأفريقية.

وفي إطار العسكرية نفسها يذكر التاريخ السري للسعوديين الأفارقة أسماء كثيرة برعت في مجالها ثم اختفت في هدوء مريب أمثال (محمد جمعة) ضابط الشرطة الشهير الذي كان له صيته في مكافحة المخدرات قبل عقدين من الزمان، وإمام برناوي (توفي قبل بضع سنوات) وهو مؤسس النادي العسكري بالطائف والذي كان مقربا من الملك سعود، ومن أبنائه يظهر اليوم (أحمد إمام) أحد أبرز من أسس رياضة الكاراتيه في السعودية وهو يعمل اليوم في الاستخبارات السعودية، إضافة إلى (صالح إمام) وهو واحد من مؤسسي الحركة الكشفية في الأندية الرياضية حيث أسهم هو وطاهر سعد هوساوي في تأسيس أول فرقة كشفية خارج نطاق المدارس بنادي الوحدة بمكة عام 1971.

أما في المجال التربوي والتعليمي فقد كان للسعوديين الأفارقة إسهام بارز في هذا المجال، فتاريخ مكة لا ينسى كتّاب الشيخ (عبد الله حمدوه السناري) في ثلاثينيات القرن الماضي، إضافة إلى كوكبة هائلة من المعلمين ورجال التربية والتعليم، يأتي منهم (الشيخ عيسى فهيم) الذي كان من أوائل من رحلوا لتأسيس التعليم في قرى ومناطق عسير في الستينيات الميلادية. ويأتي أيضا اسم الدكتور عبد الله المصري (الهوساوي) أول من تخصص في علم الآثار بالسعودية وأنشأ أول إدارة لها، حتى أُبعد للقطاع الخاص وأسهم في تأسيس قناة الشرق الأوسط (MBC).

وكذلك الدكتور (أحمد محمد علي فلاتة) رئيس البنك الإسلامي للتنمية حاليا، الذي كان أول مدير لجامعة الملك عبد العزيز عندما كانت جامعة أهلية، وكان قاب قوسين أو أدنى من تولى وزارة المعارف (التربية والتعليم) لولا سياسة تهميش العنصر الأسود. وهنا يتذكر السعوديون الأفارقة بمرارة كيف نحته الحكومة السعودية من منصب الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي بحجة أنه ليس سعودي الأصل عام 1992!

وفي المجال الأدبي والثقافي يتذكر السعوديون جيدا الشاعر الراحل طاهر زمخشري (1913-1987) حين فاز بجائزة الدولة التقديرية للأدب، حيث وقف أمام الملك فهد هاتفا وهو يلقي كلمته فقال (.. أنا كومة فحم سوداء – كما كانوا يطلقون علي – أقول كلمات بيضاء وأغني للحب) فضجت القاعة بالتصفيق. طاهر هذا هو أول من أصدر مجلة للأطفال في السعودية عام 1959 سماها الروضة لم تستمر طويلا لقلة الموارد، وكان من أوائل من أسهم في أدب الطفل حتى اشتهر بلقب (بابا طاهر)، وكان له دوره البارز الذي يغيب اليوم في تأسيس الإذاعة السعودية، وتشكل الأغنية السعودية وتبنيه لأقطابها كطلال مداح ومحمد عبده. والآخر هو عبد القدوس الأنصاري (التمبكتي) (1906-1983) الذي أنشأ في عام 1936 أقدم مجلة ثقافية لازالت تصدر حتى اليوم باسم (المنهل). وهناك أسماء كثيرة من هذه العرقية برزت وتبرز في مجال الأدب والثقافة ولكنها مهمشة، منها الكاتب (عبد الله نور) الذي لم يشفع له ارتماؤه في أحضان الأسرة المالكة وصداقته الشخصية بالأمير خالد الفيصل، وهناك الناقد والمترجم البارع (فائز أبا) الذي حرم من إكمال دراساته العليا في الأدب الإنجليزي بسبب استقلاله الفكري واعتداده بنفسه وقدراته، إضافة إلى أسماء أخرى ناشئة ما زالت تتشكل.

وهنا يلحظ المراقب تغييب السود من المناصب القيادية في المؤسسات الثقافية والصحافية، فعدا طاهر زمخشري لم يتول أي أسود رئاسة التحرير، عدا (أحمد محمود) الذي رأس تحرير جريدة المدينة في السبعينيات الميلادية ثم أقيل ووضع اسمه في القائمة السوداء!، وتمت إقالته مرة أخرى هذا العام من منصب المدير العام لمؤسسة المدينة الصحافية بعد التشكيك في وطنيته من قبل أجهزة الدولة!

وفي ظل كل هذا القهر الاجتماعي لم يتوقف السعوديون الأفارقة عن الإبداع، فهناك من يبرز منهم في قطاع الأطباء والمحامون والمهندسون والفنانون والمعلمون وأساتذة الجامعة والإعلاميون والرياضيون وهؤلاء يمثلون قطاعا عريضا في الحركة الرياضية والشبابية في السعودية، بل كان لهم دور ريادي في التاريخ الرياضي للسعودية. فاشهر اللاعبين في كرة القدم كانوا من الأفارقة السعوديين أمثال (سعيد غراب، وماجد عبد الله) أشهر لاعبين أنجبتهم الملاعب السعودية، إضافة إلى عشرات من نجوم كرة القدم على مر التاريخ أمثال (النور موسى، وسلبمان مطر ـ الكبش ـ ويوسف خميس، وأحمد نيفاوي، وأحمد جميل). إضافة إلى أسماء أخرى برزت في رياضات مختلفة ومنهم (عبد الرزاق معاذ) في ألعاب القوى وهو وصل إلى عضوية اتحادي اليد والقوى، وحامد إدريس في كرة اليد، وابناء الكنو محمد وأنس وسعد في الكرة الطائرة، أما في كرة السلة فهم العمود الفقري للأندية والمنتخبات السعودية على مر التاريخ، وأشهر اللاعبين في هذا المجال (بلال سعيد، وأسعد تكروني، وعلي بكر هوساوي، ومحمد طاهر، وفيصل ملاوي، وعبد العزيز المولد، ومختار فلاتة، ومحمد السالك ومحسن خلف).

ويلاحظ أن هؤلاء الرياضيين يقابلون باستهجان واحتقار عنيف من قبل الرأي العام والإعلام عند أدنى إخفاق يتعرض له الرياضيون، والسبب هو انتماؤهم العرقي ووضعهم الاجتماعي. تجلى ذلك في الحملة الشعواء التي شنها الإعلام الرياضي على أبرز لاعبي الكرة في الوقت الحاضر (محمد نور هوساوي) الذي شارك المنتخب السعودي في كأس العالم الأخيرة، بل وصل الأمر إلى أن صرح البعض بأن سبب نكسة المنتخب في اليابان هو وجود هؤلاء اللاعبين ووصفوهم بالعبيد، حيث كان ثلثي المنتخب من السود دون أي اعتبار لكونهم مواطنين.

أما في قطاع الأطباء فمن أشهر الأطباء حاليا الدكتور عبد الله فلاتة كبير جراحي المسالك البولية والكلى في جدة بمستشفى الملك فهد، والدكتور ياسين ملاوي استشاري أمراض ونظم القلب بمستشفى الملك فيصل التخصصي، والدكتور خالد هوساوي استشاري أمراض جلدية وتناسلية عوضا عن عدد لا بأس به من الأطباء والفنيين والممرضين في القطاع الصحي، ولكن جل هؤلاء بعيدون عن المناصب القيادية.

وفي مجال الفنون كان للأفارقة السعوديين إسهام لا يمكن إغفاله وأن حاول البعض ذلك لدوافع لا يمكن أن تخلو من العنصرية، فالواقع يشهد بأن معظم الفنون الشعبية ذات جذور أفريقية، ويتجلى ذلك بوضوح من إيقاعاتها، وأكد كثير من الباحثين المستقلين والمنصفين أن فنون المزمار التي تنتشر في منطقة الحجاز هي أفريقية بامتياز، إضافة إلى الرقصات الشعبية كالسامري والهولو والزير وألوان أخرى متعددة. أما على صعيد الموسيقى فالساحة السعودية تعرف جيدا الملحن عمر فلاتة الشهير بعمر كدرس، الذي توفي قبل ثلاثة أعوام، فهو من صنع فنان السعودية الأول حاليا محمد عبده، وأخذ بيده في بداياته، وقدم له أشهر ألحانه، وكان معه شريكا في هذا الدعم الشاعر المشار إليه أعلاه (بابا طاهر).

أما في المجال الديني فالتاريخ لم يعد يذكر (متعمدا) الشيخ ألفا هاشم الذي كان من أشهر علماء المسجد النبوي قبل أكثر من مائة عام، ولا يذكر الشيخ عبد الرحمن الأفريقي الذي استدعاه الملك عبد العزيز للرياض للإفادة من علمه، وغيرهما كثيرون كالشيخ عمر فلاتة العالم الموسوعي الذي توفي قبل خمس سنوات وكان من أبرز وأقدر مدرسي الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والشيخ محمد ثاني الذي وصل لإمامة المسلمين في المسجد النبوي، ولكنهم قصروا عليه الإمامة في صلاتي العصر والظهر السريتين أي ليستا جهريتين.

في مجال الإعلام هناك المذيع الشهير حسين نجار (الهوساوي) الذي نال شهادة الدكتوراة وهمش حتى تقاعد، وكان أقصى منصب وصل إليه هو مدير البرنامج الثاني بإذاعة جدة، رغم كفاءته، وترشح زملاء له أقل منه كفاءة لمناصب وزارية وقيادية في الإعلام.

وفي السنوات الأخيرة بعد انقضاء ما اصطلح على تسميته في السعودية بسنوات (الطفرة) التي تعني الوفرة المالية التي بدأت منذ منتصف السبعينيات حتى منتصف الثمانينيات، أخذت تعلو على السطح النزعات العنصرية، والطروحات العنصرية في المجتمع، والتي يغض الإعلام المحلي الطرف عنها، ولكنه لا يتحرج في إثارتها إن كانت متعلقة بالسود، مما يؤجج مشاعر الرأي العام ضد هذه الأقلية التي ظلت طيلة تاريخها مسالمة تعمل بصمت وقناعة دون أية طموحات لمزاحمة الآخرين في الرزق والمناصب، فكل تركيزها ينصب على ما يكفل لها حدا معقولا من العيش بسلام، ولكنها رغم ذلك لم تسلم من القهر الاجتماعي الذي يرشحه المراقبون للتفاقم إن ظل الصمت يحكمه. وان ظلت السياسات الحكومية تعامل هذه الفئة من المواطنين بهذا التجاهل والازدراء.

الأفارقة السعوديون على رغم التقدم النسبي الذي تحقق في بعض أوساطهم من حيث التعليم ما زالوا في المرتبة الأخيرة بالمقارنة مع سائر الفئات العرقية التي يتألف منها المجتمع السعودي في مؤشرات الدخل والتعليم والعمالة والوظائف. ويمكن ملاحقة أسباب هذا التأخر إلى رواسب مرحلة الاسترقاق وظروف تاريخية معينة، واستمرار الاستعلاء العنصري عليهم مما يبقي على تهميش الأفارقة السعوديين وعلى اعتبارهم في أحسن الأحوال مواطنين درجة عاشرة، فالمواطن السعودي الأسود يعاني من أشكال التفرقة المبطنة الصامتة غير المعلنة، وهو يحمل عبء لونه أينما حل.

الصفحة السابقة