قراءة في فكر وآراء ومشايخ فارس الزهراني

الزهراني لم يخرج عن العقيدة السلفية في رؤاه السياسية

يخطئ كثيراً من يظنّ بأن العنف سينتهي في المملكة.

والسبب الأساس في ذاك، هو أن هناك تنظيراً قوياً وتأصيلاً محكماً لمشروعية العنف ومواجهة الدولة.

والمشروعية هذه تستقي مجمل آرائها وأفكارها ومعتقداتها من نتاج السلفية الهائل في مجال التكفير والقتال.

ولا نقصد هنا السلفيون القدماء فحسب كابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب، بل الأجيال التالية التي تربت على هذا الفكر وطورته وقدّمت نصوصاً بمثابة مخازن بارود قابلة للإنفجار والإستخدام.

الصراع العنفي بين قوى الأمن السعودية ودعاة العنف في المملكة من التيار السلفي ـ القاعدة، قد ينسي جبهة العنف الأهم والأخطر، والتي ميدانها الفكر والمعتقد.

فارس الزهراني: قبل وبعد الإعتقال

وإذا كانت الحكومة قد استطاعت أن تردّ الصاع صاعين في الشهور الثلاثة الماضية، وأن تقتل من القيادات العنفية عدداً غير قليل، وأن تعتقل بعضهم وتغري البعض الآخر بالإستسلام (وفق منطق العفو الحكومي) فإنها في الجانب الفكري والمواجهة العقدية أضعف بكثير من خصمها الذي تخرج من جامعة الإمام محمد بن سعود ومن مساجد وجوامع نجد، وتربى في أحضان العلماء المقربين منها.

في ظنّنا ان الحكومة السعودية تخسر على جبهة الفكر، وقد تنجح مؤقتاً على جبهة المجابهة مع العنف بالأدوات الأمنية. والسبب أن الفكر السائد المغذّي لتيار العنف، هو فكرٌ أصيلٌ ليس دخيلاً على المملكة، وهو فكرٌ تتبناه المؤسسة الدينية الرسمية التي تعتبره مقياساً صحيحاً في كل الدنيا إلا في تطبيقه على الحالة السعودية وعلى العائلة المالكة السعودية. ومن هنا، فإن خريجي المدرسة السلفية، ممن انخرطوا في العنف، لم يزيدوا شيئاً في ذلك الفكر، وإنما طبّقوه وكانوا أمينين في استخدامه، وأمينين على معتقدهم.

حين نقرأ الآراء والنصوص والآراء والفتاوى التي يستخدمها العنفيون، سنجد أنها ذات النصوص التي تستخدمها المدرسة السلفية المؤيدة للحكومة. هي ذات النصوص التي تدرس في الجامعات والمناهج الدينية. ومن البديهي أن تلك النصوص والآراء والفتاوى تنتظر تطبيقها على المدرسين أنفسهم (رجال المؤسسة الدينية الكبار الذين يقفون مع الحكومة) كما على الدولة ورؤوسها من الأمراء.

ليس صحيحاً القول بأن ما يحمله العنفيون هو فكر شاذ، أو معتقد باطل. بل الصحيح أنه هو الرأي السائد لدى التيار الديني السلفي الرسمي في المملكة. وهو الذي يسمّى إن استخدمه (الرسمي) عقيدة صحيحة، وإن استخدمه العنفي قيل له أنه (شاذ)!

المخزون الفكري كبير، ومفرقعاته كبيرة. وكان من المتوقع أن تصدر بين الفينة والأخرى انفجارات تنبع من ذلك المعتقد. فالعنف ما هو إلا منتج لذلك الفكر، ومحاربته تستدعي محاربة الفكر نفسه والعقيدة السلفية نفسها، أو على الأقل تشذيبهما. وهذا من المستحيل فعله والقيام به دونما المخاطرة بمصادمة مع المؤيدين للحكومة من رجال الدين الكبار. وإذا ما بقي هذا الفكر، فإنه سيكون القاعدة التي يستند اليها العنفيون في إخراج السلطة من دائرة الدين، والمحفز على قتالها وإعادتها الى حظيرة (السلف الصالح)!

بالطبع فإن الحكومة تزجّ بكل رجال التيار السلفي المؤيد لها في مكافحة فكر العنفيين. وكما ظهر على شاشات التلفزيون وبشكل مكثف خلال الأشهر الماضية، فإن من الصعوبة بمكان التفريق بين المتناظرين من جهة المرجعية الفكرية، فالإختلاف ليس حتى في تفسير النص، وإنما في (تطبيقه) على الواقع. وفي كل الأحوال تقريباً بدا أن فكر العنف أصعب من أن تزحزحه (اللحى الدينية الرسمية) أو تضعفه، فإضعافه أو الطعن فيه، إنما هو طعن في مرجعية الفكر نفسه والذي يستند إليها الرسميون أنفسهم.

لقد بدا ان المواجهة الفكرية ليست بين تيارين فكريين مختلفين، بل تيار واحد، يفصل بينهما أن العنفيين يطبقون الرأي، ويطعن فيهم الرسميون بأن التطبيق على الدولة السعودية لا يجوز! ولذا فمبررات الأخيرين تبدو ضعيفة بشكل واضح، بل هي شاذّة وفق المنظور الوهابي نفسه. ومن هنا فإن حرب الفكر لا تميل لصالح رجال المؤسسة الرسمية، ومن المتوقع أن يحمل المستقبل الينا أخبار موجات عنف أخرى قد تكون أشدّ، في حال عاد العنفيون السعوديون من العراق.

يستند العنفيون في المملكة في فكرهم الى ابن تيمية وابن عبد الوهاب ومشايخ الدولة المعاصرين كابن باز والعثيمين وغيرهم. ولأنهم احتاجوا الى تطبيق آراء هؤلاء وفتاواهم على ارض الواقع وتأصيلها، ظهر طلاب ذلك الفكر من المدارس والجامعات الحكومية السلفية (جامعة الإمام على نحو خاص) فأصلوا لفكر العنف مستندين الى نصوص وأقوال وفتاوى العلماء الكبار، وهي نصوص واضحة لا تحتمل اللبس أو إساءة القراءة.

الحكومة اعتقلت منظري العنف وهم الشيوخ: ناصر الفهد، وعلي الخضير، والخالدي. ولكن التنظير لم ينته، والحقيقة فإن المنظرون كثر، ونظراً للتعليم الديني، فإن اكثرية المواطنين تحفظ تلك النصوص والفتاوى، الأمر الذي يسهّل على المنظرين استخدامها وإقناع الآخرين بها. وفي 5/8/2004 أعلنت السلطات الأمنية مرّة أخرى أنها اعتقلت منظر للقاعدة وهو فارس آل شويل الزهراني، وهو يحمل الماجستير ويحضر الدكتوراة في جامعة الإمام. فمن أين جاء الفكر المنحرف او الشاذّ كما تقول السلطات الأمنية؟!

وهل فارس الزهراني هو المنظر الوحيد، في وقت تقول فيه ذات السلطات بأنها تعتبر الشيخ عبدالله الرشود، وهو أحد منتجات الجامعات الوهابية الرسمية، منظراً للقاعدة! هذا يفيد بأن المنظرين كثر، ويفيد بأن معركة الفكر لا يمكن حسمها في صالح الحكومة حتى ولو حسمت الأمر على الأرض أمنياً. ومن الواضح أن الفكر الوهابي بمجمل حمولته يعدّ خزّاناً للفكر العنفي لا ينضب مع تقادم الأيام والسنين، وحتى الآن فإن معالجات الحكومة لآثاره فاشلة، بل أنها تزيد النار التهاباً حين تفسح المجال له لوحده بالنشاط والعمل والتوسع.

ولكن من هو فارس آل شويل الزهراني، وما هي أفكاره، وهل تختلف عما لدى مشايخ السلطة، أو وعاظ السلاطين كما يسميهم مخالفيهم؟

لا يعد فارس بن شويل الزهراني الذي اتخذ لنفسه اسماً حركياً هو أبو جندل الأزدي مجرد رقم في قائمة المطلوبين ولكن تنبع خطورته في أنه أخذ شيئاً من العلم الشرعي قبل أن يتجه الى العنف، واتخذه أفراد القاعدة منظراً لهم يبث أفكاره التكفيرية والتحريضية على الإنترنت، وقد ذكر البيان الرسمي بأنه (رأس من رؤوس الفتنة وداعية للتكفير والتفجير، وما زين له سوء عمله التطاول على علماء الأمة وبث الدعاوى المزيفة والمحرضة على قتل رجال الأمن).

هذا ضوء على مؤلفاته وأفكاره والمصادر التي استقى منها آراءه.

الاسم: فارس بن أحمد بن شويل الزهراني، أبو سلمان.

الكنية الحركية: (أبو جندل الأزدي).

المؤهل العلمي: بكالوريوس وماجستير في الشريعة من جامعة الإمام محمد بن سعود، وتم الانسحاب من برنامج الدكتوارة، وتفرّغ لمجاهدة الحكومة السعودية نفسها.

المفتي: أليست أفكاره مصدراً للعنف؟

المكانة: يعتبر فارس من أهم الشخصيات العلمية بالإضافة إلى (يوسف العييري، عيسى العوشن، عبدالله الرشود) في تنظيم القاعدة بالمملكة، بل يعده الكثيرون المنظر الأول للأفكار العلمية التي تتبناها الجماعة، وكتابة البحوث الشرعية التأصيلية، والفتاوى للنوازل والعمليات التي تحدث على أرض الواقع، إضافة إلى كونه متابعاً لتاريخ ورموز ورجالات وكتب (العمل الجهادي) في مختلف الأقطار العربية والإسلامية، مع أنه لم يشارك في أي من ساحات القتال سواء في أفغانستان أو البوسنة أو الشيشان أو حتى على مستوى العمليات المحلية، وهذا يرجع إلى سياسية تبادل الأدوار التي تلعبها الجماعة في تفريغ بعضهم من ذوي الخلفيات العلمية والشرعية إلى دور بلورة وتأسيس الأفكار التي تتم على أرض الواقع.

مؤلفاته:

1 ـ الباحث عن حكم قتل أفراد المباحث. رسالة في جواز قتل أفراد المباحث السعودية.

2 ـ رسالة في التحريض على اغتيال المسؤولين السعوديين، وجواز إستخدام وسيلة الإغتيالات.

3 ـ الآيات والأحاديث الغزيرة على كفر قوات درع الجزيرة. حيث كفر قوات درع الجزيرة واعتبر أفرادها مرتدين ورد على كل من شكك في كفرهم أو تورع عن قتالهم.

4 ـ رسالة حول أحكام الإغارة والتترس. وهو بحث حول مسألة التترس في حالة وجود مسلمين مندسين بين صفوف الكفار، وحكم قتل هؤلاء المسلمين لكونهم متترسين.

5 ـ وجوب استنقاذ المستضعفين من سجون الطواغيت والمرتدين. رسالة في نصرة المعتقلين من أنصار القاعدة في المملكة، ووجوب تخليصهم من سجنهم، وبيان للوسائل التي يمكن افتداؤهم بها عن طريق خطف شخصيات غربية أو مسؤولين للمساومة على افتدائهم.

6 ـ أسامة بن لادن. كتاب كبير عن تاريخ أسامة بن لادن.

7 ـ إتحاف البشر بفضائل الملا عمر. وفيه تعريف بالملا عمر ودولة طالبان، حيث يعتبرها الزهراني، كما عدد من المشايخ السلفيين (الشيخ حمود العقلا مثلاً) الخلافة الإسلامية الشرعية الوحيدة في هذا العصر.

8 ـ وصايا المجاهدين. ويحوي وصايا تكتيكية وحربية للمجاهدين في أحوال كثيرة كحالات الاعتقال أو التحقيق أو كيفية تنفيذ العمليات العسكرية.

9 ـ العلاقات الدولية في الإسلام. ويقع في مجلدين، ويحوي قراءة سلفية وهابية متطرفة لفقه العلاقات الدولية، واعتماد التصنيفات (دار الحرب ودار الإسلام) كما أوضح حكم التعامل السياسي مع الدول، وكفر الهيئات العالمية مثل هيئة الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومحكمة العدل الدولية وجميع المنظمات والمؤسسات التابعة للأمم المتحدة، والجامعة العربية، والمؤتمر الإسلامي، ورأى ان العلاقات مع الدول الكافرة لا تجوز، سواء تسمت بالعربية أو الإسلامية أو لم تتسم بذلك.

10 ـ فتاوى متنوعة في قضايا جهادية.

11 ـ مقالات في مجلة صوت الجهاد ونشرة البتار.

12 ـ حوار في موقع (التوحيد والجهاد) الناطق باسم أبو محمد المقدسي الأردني.

13 ـ نداءات صوتية تتداول على شبكة الإنترنت وأشهرها دعوة الحوالي والعواجي للحوار حول تكفير الدولة، إضافة إلى هجومه على مبادرة العفو السعودية. وقد حوت النداءات المكتوبة الى أن سفر الحوالي حاول إقناعه بالتسليم، وإلا فليخرج ليجاهد (في العراق!) وقال الزهراني أنه رفض ذلك، لأن الجهاد في المملكة أوجب.

مصادره وشيوخه: يمكن تقسيم مصادر وشيوخ (فارس آل شويل الزهراني) إلى ثلاثة أقسام:

الأول: مصادر عامة: وهذه المصادر هي كتب التراث الإسلامي التي دائماً ما يحال إليها في الكلام على أبواب الجهاد والقتال مع استخدام آلية الإسقاط والتحوير، ولي أعناق النصوص وتوجيهها في غير وجهتها. فهذه الكتب تحتوي على كلام شرعي حول مسائل الكفر والإيمان والجهاد والقتال بشروط وظرف تاريخي معين، يتم أخذها وإسقاطها وفهمها بما يلائم سبب الاقتباس منها لإضفاء المزيد من الشرعية على كلامه فنحن نعلم أن الخطاب الديني بكل أطيافه وتشكلاته هو خطاب (نصوصي) يركز على الاقتباس من كتب الفقهاء وأقوال الأئمة والسلف.

الثاني: مصادر يركز عليها دعاة العنف ضد الدولة دائماً، ومن أهمها: أبواب الجهاد من كتب الفقه، إضافة إلى نصوص فقهاء معينين تحدثوا عن موضوعة الجهاد والتكفير في سياق تاريخي يتم تشبيهه بما تمر عليه الأمة الآن خاصة وأن هؤلاء الأعلام يحظون بمكانة كبيرة وقبول منقطع النظير من قبل المتلقين في الخطاب الديني، ومن هؤلاء: ابن تيمية، ابن القيم، ابن كثير، سيد قطب، أبو الأعلى المودودي، والشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثميمين، والشيخ محمد بن ابراهيم، وعدد من مشايخ السلفية الوهابية في المملكة، حيث يتم التركيز على نصوص أقوالهم وفتاواهم التي تناقض الوضع السعودي الحالي، وتنتقد الدولة بصورة ملتوية أو صريحة، وهذا النوع من الفتاوى هو الذي يسبب إرباكاً في الساحة السعودية، كونها مرجعاً للدولة نفسها، وكون المفتين في أعلى قائمة الهرم الديني.

الثالث: الشيوخ المعاصرون. من أهم من يذكرهم أبو جندل في كتبه ورسائله: أبو محمد المقدسي المنظر الأول لجماعات التطرف المسلح، وصاحب المؤلفات الشهيرة في التأصيل لقضايا التطرف والعنف وتكفير الأنظمة والخروج عليها، لا سيما وأن المقدسي لا يقتصر فقط على الاستشهاد بسيد قطب والمعاصرين، بل يحرص على دعم مواقفه وآرائه وربطها بفكر ابن تيمية وأئمة الدعوة النجدية السلفية (الوهابية) الأمر الذي أثر بشكل كبير في الوسط الخليجي والسعودي. والمقدسي اعتقل قبل عام في الأردن، وقد قتل ولده في عملية انتحارية في العراق راح ضحيتها كثير من العراقيين الأبرياء.

وهناك غير المقدسي ممن يركز عليهم (فارس) كـ: عبدالقادر عبدالعزيز، عبدالسلام فرج وهما من الجماعة الإسلامية المصرية، أبو قتادة الفلسطيني المعتقل في بريطانيا، أبو بصير عبدالمنعم حليمة، بالإضافة إلى الشيخين (ناصر الفهد وعلي الخضير) المعتقلين حالياً في السجون السعودية. ويعتبر (فارس) من أشد المعارضين والمنكرين لسفر الحوالي وسلمان العودة ورموز التيار الصحوي ويسميهم بالخونة والمنافقين حيث يرى أنهم تنكبوا لمبادئهم وللأفكار التي كانوا يشيعونها ضد النظام السعودي، ودائماً ما يورد النصوص القديمة لهم لإحراجهم. وهذا الهجوم المتكرر منه له دلالتان: الأولى أنه يعلم مدى تأثيرهم البالغ على الخطاب الصحوي وهو يحتل الشريحة الأعرض في المجتمع من الشباب المتدين، والثانية: أنه يراهم غير صادقين فيما يطرحونه من أفكار، وأن الذي قادهم إلى ذلك هو الجبن والخوف ومراعاة المصلحة والمكاسب التي لا يريدون خسارتها، ويتجلى موقفه ذلك من خلال ندائه الشهير للحوالي والعواجي بالمناظرة العلنية في تكفير الدولة؛ كما أنه حين سئل عن الحوار والمصالحة التي شارك فيها الصحويون رد بأنه لن يجد أشفى مما قاله سلمان العودة في سلسلته الشهيرة (الغربة) بقوله: (قد تجتمع بعض الفرق على الكفر الصريح الواضح الذي لا شك فيه؛ كاجتماع الأحزاب القوميَّة والوطنية على أساس الرابطة القوميَّة، وإنكارها للأخوة الإيمانية، ومنحها حق التشريع والسلطة للبشر من دون الله، وإهانتها للإسلام وأهله، وكاجتماع بعض أصحاب الطرق الصوفية على زعمائهم المدَّعين لأنفسهم رتبة أعلى من رتبة النبوة؛ بل والمدَّعين حلول الإلهية فيهم، والناسخين للتكاليف عن أتباعهم ومريديهم، والزاعمين الأخذ عن الله بلا واسطة. وهذه الراية وتلك تجمع المنافقين نفاقًا اعتقاديًا، ممَّن يحادُّون الله ورسوله، وممن لا يستحي من التصريح بالردة والخروج عن الدين ـ وعامَّة القادة المتبوعين منهم كذلك ـ؛ كما تجمع الرعاع والدهماء ممن يلتفون حولها رغبة أو رهبة خاصةً حين تملك القوة والسلطان، أو تكون على علاقة بمن يملك القوة والسلطان ممن لا يَعُون من الأمر شيئًا، ولا يفهمون من أصول الفرق التي ينتسبون إليها شيئًا، وليس لديهم استعداد ـ أصلاً ـ لسماع شيء من تلك الأصول، أو مناقشتها، أو قبولها، فهم مشغولون بهمومهم اليومية عن ذلك، ولكنهم في الجملة مصلُّون، مقيمون للشعائر الظاهرة) ص26.

العوفي: زعيم القاعدة الجديد

آراؤه ومواقفه: لسنا بحاجة إلى دراسة متأنية تقرأ ظاهرة (فارس الزهراني) باعتباره من المتحولين من التيار العلمي الصحوي إلى التكفيري الجهادي، لا سيما وأن له أثراً كبيراً على قطاعات من الشباب المتعاطف مع فكر القاعدة، ومع ذلك يمكن الإشارة إلى جملة من آرائه، وهي في معظمها آراء سائدة معلومة ومقبولة لدى الشارع السلفي العريض في المملكة، وبعض تلك الآراء مما يتفرد به هو إما اختياراً أو توسعاً في الاستدلال وإيراد الحجج والشواهد. أي أن فارس الزهراني ليس الوحيد ولا الأول ولا الأخير ممن يقول بهذه الآراء بين علماء الوهابية، حتى الرسميين منهم من يؤمن بأكثر الآراء التي يوردها فارس في كتاباته. ومن أمثلة ذلك:

1ـ موقفه من الدول الإسلامية وخاصة المملكة: يقول: (حكام بلاد الإسلام في هذا العصر كلهم طواغيت مرتدون كافرون خرجوا من الإسلام من جميع أبوابه، ولم يبقَ أمام المسلمين الموحدين سوى الحديد والنار، سوى الجهاد في سبيل الله لإعادة الخلافة على منهاج النبوة). وهذا رأي عامة علماء الوهابية فهم يكفرون الدول والشعوب الإسلامية عدا حكومة السعودية وشعب (نجد ـ السلفي). ولقد حدث بعض التطور في السنين الأخير، بحيث أنهم لا يعلنون ما يرونه من كفر الدول الإسلامية صراحة، ووفق المقاييس نفسها، تحول آل سعود ودولتهم الى دولة كافرة شأنها شأن البقية، لأنها تنكبت طريق الحق، واستخدمت الإسلام، ولذا قام نفر من علماء السلفية في المملكة بتكفيرها. ولولا خشية الفتنة ـ كما يرى علماء الوهابية الكبار ـ لأفتوا بكفر آل سعود. ولكنها المصالح التي يقدمها إضعاف المذهب الوهابي نفسه، وخسارة دعم الحكومة له ولرجاله. ولذا قالوا بتكفير الفعل وليس الفاعل. فالربا والزنا والخمور وترك الصلاة وغيرها تؤدي الى الكفر، ولكنهم لا يطلقون على الفاعل صفة الكفر، خاصة إذا ما كان من بين النجديين السلفيين. ولكنهم يتوسعون في التكفير اذا ما كان المراد تكفيره من خارج مذهبهم.

ويقول فارس الزهراني: (الحكومات الجاثمة على الحكم في بلاد المسلمين وحكامها اليوم لا يشك في كفرهم إلا من طمس الله على بصيرته وأعماه عن نور الوحي مثلهم، إذ إن كفرهم مُتلون متنوع من أبواب شتى). ويضيف: (ولا يماري في هذه الحقيقة إلا اثنان من الناس: إما جاهل بواقع هؤلاء لا يعرف أنظمتهم وسياساتهم وواقع حكوماتهم فيهرف بما لا يعرف، ويتكلّم فيما لا يعلم، ضالاً عن جادة الحقّ مضلاً للنّاس؛ أو منافق خبيث من أولياء هذه الحكومات علفوه حتّى حرفوه، وأرضعوه حتّى أخضعوه وأشبعوه حتّى أسكتوه).

2 ـ العجز عن الخروج المسلح لا يعني ترك تكفير الأنظمة وعملائها من المنافقين: يقول: (فإذا عجز المسلمون في وقت من الأوقات عن الخروج على الحاكم الكافر وتغييره، فلا يعني هذا أن يتركوا تكفيره، بل هذا حكم شرعي يستطيعونه).

3 ـ دعوته إلى ضرورة بناء تنظيمات مسلحة لقلب الأنظمة الحاكمة. يقول: (بناء تنظيمات مسلحة، قادرة على الترقي عن مرحلة شوكة النكاية إلى شوكة التمكين).

4 ـ الحوار الوطني انهزام وضلال، والوطنية عقيدة كفرية. يقول: (يجب التّنبيه على ضلال دعوة بعض القادة بوجوب الحفاظ على النّسيج الوطني، أو اللحمة الوطنيّة، أو الوحدة الوطنيّة، فعلاوة على أنّ هذا القول فيه شبهة الوطنيّة الكافرة، إلاّ أنّه يدلّ على أنّهم لم يفهموا قطّ الطّريقة السننيّة لسقوط الحضارات وبنائها).

5 ـ اعتبار من اغتال السادات بطلاً من أبطال الإسلام. ويصفهم بالأبطال الخمسة. فهو يؤيد تكفير السادات، ويؤيد قتله غيلة. وهذا رأي كثير من المتدينين وغير المتدينين في العالمين العربي والإسلامي!

6 ـ اعتباره ما جرى لطالبان ليس هزيمة بل هو تكتيك، وأنها دولة الخلافة يقول: (ما جرى لدولة الإسلام في أفغانستان فهو بالمقاييس العسكرية ليس بهزيمة بل هو تكتيك تقتضيه المرحلة؛ إذ من المعروف لدى كل متابع لأفغانستان أنهم إنما انتصروا على الاتحاد السوفيتي بعد توفيق الله عز وجل لهم بهذا النوع من الحروب ـ حرب العصابات).

7 ـ ويرى فارس آل شويل الزهراني بأن مسيرة الجهاد في السعودية ضد نظام الحكم متواصلة وأن المتعاطفين كثر. في حين ترى الحكومة أن هؤلاء مجرد (شرذمة قليلون) وأنهم مجرد (فئة ضالة). والزهراني لا بد يدرك حجم التعاطف مع زملائه، وحجم الكره المتصاعد للحكم السعودي، فهو قريب من التيار الرسمي، بل كان واحداً منه، وهو يلحظ التغييرات الطارئة عليه نفسياً وفكرياً. ومما لا شك فإن ما يقوله الزهراني أقرب الى الصدق من دعاوى الحكومة وإعلامها. يقول: (مسيرة الجهاد في صعود وتبلور ونمو، وما يقال في وسائل الإعلام ليس بصحيح، فالأعداد التي انضمت لمسيرة الجهاد زادت بنسبة كبيرة جدا).

8 ـ ويعتقد الزهراني بأن الدولة السعودية في طريقها الى النهاية. وهذا رأي يقول به الكثير من المواطنين والمحللين السياسيين في داخل المملكة وخارجها، وإن اختلفت المقاربات، والرؤى حول الأسباب. فالتيار السلفي يرى أن الدولة زائلة بسبب بعدها عن الله. والآخرون يعطون التفصيل على وجه علمي: بأن الدولة زائلة لأن سنن الله في الكون تقتضي زوالها، فأخطاؤها وأمراضها، وفساد القائمين عليها، والظلم المنتشر، والحقوق المغتصبة، كلها تؤدي الى ذلك الإنهيار. فيما يقول المثقفون بأن الدولة معرضة فعلاً للإنهيار، لأن الوحدة الوطنية ضعيفة، والهوية الوطنية غير موجودة، والتمييز على أساس طائفي أو مناطقي يشعل المرارة في النفوس ويفسح الطريق لدعوات الإنفصال للنمو بحيث أغرى ذلك الدول الأخرى على تفكيك السعودية، المسيطر عليها مناطقياً (نجد).

وبناء على توقع الإنهيار ومشهده القادم، حثّ فارس الزهراني المواطنين أمثاله بالإستعداد للوضع المتوقع وحماية النفس. يقول: (نوصي الجميع بالاستعداد للفوضى والتوحش القادم بالتسلح والتموين والتخزين والبدء بالإعداد والتعود على شظف العيش وشراء المستلزمات).

9 ـ عدم اعتراف الزهراني بالجنسية السعودية واستبدال إسم المملكة السعودية بلفظ الجزيرة العربية. وهذا ليس جديداً ولا هو أول من قال به. فالكثيرون يشمئزون من نسبة البلاد والمواطنين الى العائلة المالكة (سعودي، وسعودية). والمملكة هي الدولة الوحيدة في العالم التي تنسب أبناءها الى عائلة مالكة. أما الجنسية السعودية، فهذه رؤية تشمل عدداً غير قليل من المتدينين، الذين لا يعترفون بالحدود بين الدول الإسلامية وهي حدود صنعها الإستعمار. أي أن الدولة القطرية الحديثة التي صنعها المستعمر عشية الحرب العالمية الأولى، لم تكن ذات جاذبية ـ ولا تزال. فرفض الجنسية والولاء على أساس قطري يناقض الجامعة الإسلامية والوحدة الإسلامية. ولم يزل عدد من المفكرين الإسلاميين مشغولين بهذا الأمر حتى هذا اليوم. وما يقوله الزهراني وغيره من السلفيين، إنما يحوي إنكاراً للدولة القطرية السعودية، وهو يفضل الدولة الدينية الواسعة ـ مفتوحة الحدود. في حين يرى القوميون العرب ذات الشيء، ولكن على أساس (القومية العربية) التي يدخل في مكوناتها الإسلام.. أي على أساس ان العرب أمة واحدة، وأن الحدود من صنع الإستعمار. هذا رأي شائع على أية حال، ولربما وجدنا ما يعضده حتى من نصوص المناهج التي تدرّس في السعودية.

10 ـ ادعاؤه بأن السلفية الحقة هي سلفية القتال، وكل سلفية عدا تلك هي سلفية صوفية وهو يعني هنا تيار الصحوة المدعي للسلفية. يقول: (لا يمكن للرّجل أن يكون سلفيّاً في عقيدته كما يزعمون وإخوانيّاً في طريقته ومنهجه، كما أنّه لا يمكن كذلك أن يكون سلفياً في عقيدته وصوفيّا في طريقته ومنهجه، والسبب الّذي يستدعي هؤلاء القوم إلى هذا التقسيم الخرافيّ، هو أنهم لم يفهموا من السّلفية إلا شيئاً جزئياً في البناء الشّامل للمنهج السّلفيّ، مثل ظنّهم أن السّلفي هو من يعتقد بمنهج الأسماء والصِّفات الإلهية على طريقة الأوائل من أئمّتنا، فظنُّهم هذا يدعوهم أن يقولوا عن فلان أنّه سلفيّ في عقيدته (عقيدة الأسماء والصَّفات) وإخوانيّ الطّريقة والمنهج، مع أن السّلفيّ لم يكن يوماً من الأيام شعاره الّذي يتميّز به عن غيره هو موضوع عقيدة الأسماء والصّفات فقط، بل السّلفي هو ذلك الشّخص الّذي يحمل المنهج الشّامل في عقيدة التّوحيد بشقّيها: توحيد الشّرع وتوحيد القدر). في هذا الأمر، لم يخرج الزهراني بعيداً في رؤيته للمذهب السلفي بنسخته السعودية. فهذا المذهب لم يكن منذ نشأته إلا مذهب قتال. تكفير عقائدي أولاً وقتال ثانياً. هكذا نشأت الدولة السعودية، وهذا هو ديدنها حتى اليوم!

11 ـ دعوته لخطف شخصيات مهمة لافتداء المجاهدين. يقول: (المفاداة بأسرى الكافرين أي بأن نأسر من الكفار وبالذات الرموز المهمة ثم نطالب بفكاك أسرانا مقابل فك أسراهم يعني مثلاً يؤسر بعض الجنرالات من الأمريكان أو السفراء والضباط). فهو يرى أنه في حرب، يجوز فيها ما يجوز للعدو نفسه، بما في ذلك خطف المسؤولين السعوديين من الأمراء الكبار، أن أُتيحت الفرصة.

الصفحة السابقة