هل تكسب أو تخسر الحكومة من الانتخابات؟

ذكر مسؤولون سعوديون في بداية شهر اغسطس الماضي بأنهم سيؤجّلون الانتخابات البلدية حتى شهر نوفمبر من اجل إعداد أفضل لعملية التصويت. ومن الناحية النظرية فإن الانتخابات تبدو كما لو أنها وسيلة للحكومة السعودية لاعادة بناء روابطها مع الولايات المتحدة فيما تسمح للرياض إدراج نفسها مع العناصر الليبرالية داخل المملكة بالدعوة للاصلاح. وبالرغم من أن الانتخابات قد تولّد دعماً لحرب النظام ضد القاعدة ولكن في الوقت نفسه قد تغضب المؤسسة الدينية الوهابية المحافظة، وهذا آخر شيء تقدم العائلة المالكة عليه أو مضطرة اليه.

وقد ذكرت الحكومة في بيان رسمي بأنها ستشرع في أول انتخابات بلدية في البلاد على ثلاث مراحل تبدأ في نوفمبر، أي بعد عطلة شهر رمضان، حسبما ذكر مسؤولون سعوديون لوكالة الانباء السعودية في الرابع من أغسطس الماضي. وجاء في البيان بأن قرار تأجيل الانتخابات، والتي كان من المقرر اجراؤها في سبتمبر، قد تم بالتشاور مع مجموعة الامم المتحدة التي تقدّم مساعدة للحكومة من أجل تطوير البنية التحتية لعملية التصويت، لانتخاب نصف الاعضاء في 178 مجلساً بلدياً في 13 منطقة في المملكة ( وسيعّين الملك النصف الآخر من الاعضاء).

هل سيشارك الشعب فيها؟

المرحلة الاولى من التصويت ستتم في منطقة الرياض في منتصف نوفمبر، أي بعد شهر رمضان، أما المرحلة الثانية فستبدأ قبل الحج أي في أوائل يناير، وستغطي المنطقة الشرقية وهكذا مناطق عسير والباحة وجيزان ونجران. أما المرحلة النهائية والتي من المقرر عقدها في حوالي فبراير فستتم بعد الحج وستغطي مناطق مكة والمدينة والقصيم والجوف والحدود الشمالية وتبوك وحائل.

لا ريب أن النظام السعودي يتجه نحو شيء غير مسبوق مثل الانتخابات المحلية، فيما تشير التوقعات الى استئناف تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية لنشاطه عقب هدوء حذر وهذا ما ظهرت مؤشراته الضارية منذ بداية سبتمبر. وفيما يبدو فإن الحكومة تأمل من وراء الانتخابات البلدية الى تحقيق هدفين رئيسيين: الاول تصحيح علاقاتها مع واشنطن وتوليد أكبر اصطفاف داخلي من أجل اعدة ترميم المصداقية المتهدّمة لأكثر من سنتين. وبتحقيق هذين الهدفين، فإن العائلة المالكة تستطيع أن تظهر وكأنها تقوم بعمل في الاتجاه الصحيح بخصوص وعودها المكررة بالاصلاح، وبإمكانها في ضوء ذلك الظهور في الداخل والخارج بأنها تقبض بقوة واقتدار على السلطة. ولكن الانتخابات قد يكون لها تداعيات غير محسوبة في الظاهر، من قبيل تسلّق بعض المتعاطفين مع تنظيم القاعدة على سلم الانتخابات والوصول الى الحكومة على المستويات الشعبية، أو ربما قد تؤدي الانتخابات الى عزل رجال الدين الوهابيين المحافظين، الذين لديهم تأثير كبير على الروح الوطنية.

ويدرك النظام السعودي بأن هناك تقاطعات عديدة وهامة داخل المجتمع السعودي ليس فيما يتصل بالتعاطف مع القاعدة فحسب، ولكن فيما يرتبط ايضاً بالنزعات العدائية المتنامية ضد آل سعود. وفيما تبقى قدرة الحكومة محدودة في سعيها من أجل تحقيق اصطفاف داخلي كبير والفوز بأغلبية الشارع المتضرر، فإنها تبدو قادرة على تهدئة وتقريب العناصر الحداثية التي تنادي بالاصلاحات الديمقراطية.

إن هذه الحركة الاصلاحية غير الاسلاموية، بالرغم من محدوديتها من حيث الحجم والتأثير تقدّم للنظام وصفة عاجلة للدعم المطلوب. وفي الوقت نفسه، فإن الرياض لا تنوي الامتثال لكافة المطالب التي ينادي بها المجتمع المناوىء للوهابية. ومن الناحية التكوينية ثقافياً فإن الاصلاحيين ميّالون الى الحلول التصالحية وأنهم يرغبون في المشاركة جنباً الى جنب مع آل سعود في الحرب ضد الارهاب.

بالنسبة للعائلة المالكة، فإن مشكلة ارضاء وتهدئة الليبراليين في المملكة هي أنها قد تعزل حلفاءها التقليديين والقدماء في المجتمع المدرسي الوهابي. وليس الحلفاء الدينيين فحسب لآل سعود ينددون بالليبراليين الذين يصمونهم بالعلمانيين، ولكن يعتبرون زعماء القبائل وعلماء الدين شخصيات سيادية، والتي قد تجنب كثيراً منهم مواجهة مباشرة مع أي محاولة للدمقرطة.

وهذا يصب في صالح الاسلامويين الراديكاليين والعناصر الجهادية المناوئة للنظام، والتي ستملك حينئذ سلاحاً ايديولوجياً لتشهره في وجه العائلة المالكة. وأكثر من ذلك، فإن الانتخابات قد تكون وسيلة بالنسبة للوهابيين المحافظين أو الاسلاميين غير العنفيين كيما يحصلوا على تأثير أكبر في المملكة عبر النشاطات الانتخابية الشعبية.

ومن خلال بناء تحالفات مع الحداثيين، اذا ما استطاعوا تزويد عمود فقري صلب للدولة، فإن النظام السعودي يستطيع تقليل حجم التهديد المفروض عليه من خلال مداهمة أوكار المسلّحين. يبقى رؤية كيف تنوي العائلة المالكة الموازنة بين تحالفاتها التقليدية القديمة مع تحالفاتها الجديدة والحداثية. وما هو واضح فإن الانتخابات قد تضاعف من النشاط العنفي في المملكة.

على أية حال، فإن معركة الانتخابات قد تكشف عن الاسلحة التقليدية التي باتت معروفة في الانظمة الاستبدادية والشمولية، فهناك نزعة تلقائية لدى العائلة المالكة بدفع خصومها خارج المعترك الانتخابي. وقد ذكرت مصادرة عديدة بأن الحكومة بدأت اتصالاتها مع بعض الشخصيات في مناطق المملكة المختلفة من اجل دفعها للترشيح مع ضمان الدعم والدعاية الانتخابية. وقد حظيت خطة الحكومة بتأييد من الادارة الاميركية نفسها التي باتت على قناعة بضرورة استبعاد المتشددين الدينيين المناوئين للولايات المتحدة وهذا ما يمنح الحكومة فسحة التلاعب في العملية الانتخابية على بساطتها ومحدودية الصلاحيات المنوطة بالمجالس البلدية.

في المقابل، تتزايد التوقعات والآمال المعقودة على التجربة الانتخابية باعتبارها فاتحة لعهد جديد في بلد لم يعتد على النشاط السياسي الشعبي. وفي مقالة كتبها د. إبراهيم عباس نـَتّو حول الانعكاسات الداخلية للانتخابات اذا ما سارت بالطريقة الديمقراطية ورد ما يلي:

نحن علي وشك أن نلج باباً من أبواب الديمقراطية في المملكة العربية السعودية، وذلك في شكل بدء التصويت ـ الاقتراع للانتخاب المباشر للمجالس البلدية في 178 موقعاً بلديا في الـ13 منطقة التي تغطي انحاء البلاد، والمقصود هنا هو انتخاب نصف أعضاء كل مجلس محلي/ بلدي، بدءاً بمنطقة الرياض في شوال 1425هـ/ نوفمبر 2004م.

ونحن يلزمنا الكثير والكثير من التوعية ومحو الأمية في مجالات ومفاهيم، وعمليات الديمقراطية، من ألفها إلي يائها. وحاجتنا هذه في المملكة العربية السعودية تشمل المواطن الناخب/المقترع، وكذلك الشخص المتقدم للإنتخاب المترشح .. بل علينا أن نشمل منظمي ومنفذي عمليات الإنتخاب برمتها، فهم أيضاً في حاجة إلي التدريب والتمرين والتوعية والتثقيف، فالكل هنا في سنة أولي ديمقراطيا، بل وفي مرحلة الروضة.

كانت قد دعت الزميلة الدكتورة هتون الفاسي، أستاذة التاريخ في جامعة الملك سعود/الرياض.. إلى أن يدلو الكل بدلوهم في التثاقف والتدارس في موضوعات الإنتخابات.. وبالتالي الديمقراطية، ثم ساهمت سعادتها بكتابة مقالتين إلى الآن، نشرت إحداهما في الـ (ديلي ستار) اللبنانية.

كما أقدَمَ الكاتب الزميل الدكتور عبد الرحمن الحبيب ـ أستاذ العلوم السياسية في نفس الجامعة ـ علي نشر مقالة بعنوان (الانتخابات البلدية بوابة لثقافة جديدة)، ختمها بالعبارة الجامعة: غاية القول إننا إزاء عملية ثقافية واجتماعية (للديمقراطية) ذات استحقاقات واعدة، لكن ذلك لن يؤتي أٌكله إلا عبر وعينا أفراداً وجماعات ومسؤولين بأهمية هذه التجربة وما تزخر به من مكاسب، قد نفوّتها تهاوناً أو استخفافاً أو عجزاً.. فلنتفاءل بقدرتنا على الإنجاز! .

وأود هنا أن اسارع بتكرار إكباري وإعجابي باللائحة التي اصدرتها الدولة السعودية في الشهر المنصرم، في يوم الإثنين 9 من أغسطس 2004م، بدت اللائحة غاية في الجودة، وكانت غاية في التفصيل والتوضيح، بما شمل تعميم وعمومية وشمولية أحقية (من لهم حق التصويت).. بما لا يستبعد أحداً من نصف المقترعين المنتظرين (النساء)، نصف المجتمع، فقد جاءت اللائحة واضحة وصريحة بأن كل مواطن، كل مواطن (ماعدا العسكريين) له حق التصويت.

ثم ظهر في الأخبار ما يخلب بصر القاريء.. عن أنه سيحق للسجناء أن يصوّتوا/يقترعوا. فلا أظن أن أحداً في العالم قد سمع بأن المساجين يحق لهم التصويت، ولا ـ في تخميني ـ حتي في الدول الإسكندنافية! وهذه خطوة تسجل بمداد خاص لصالح الدولة، واتبع اللواء/ علي الحارثي، وهو مدير عام السجون في المملكة، الذي أدلي بالتصريح الصحافي، بأن فرصة وحق التصويت مفتوحتان لكل فرد، بلا أي استثناء. وأسارع هنا لأصفق وأهلل، بل، ولا بد وأن أعترف بأن اهتزت مشاعري حينما واصلت قراءة تصريح السيد اللواء، بما فاق كل التوقعات في تصوري، حين أضاف ـ أيضاً ـ بأن: المساجين سيكون لهم حق الترشح للمقاعد الإنتخابية ـ إذا انطبقت عليهم متطلبات الترشح . وختم المدير العام اللواء تصريحه بأن كل سجين يتساوي مع أي مواطن آخر في مجال الحقوق والواجبات.

ثم إنه مما يثلج الصدر . أن بدأنا نسمع (حتى قبل انصرام النصف الأول من الشهر الذي أعلنت اللائحة في يوم 9 منه) عن بدء تقاطر الراغبين في عدد من مدن المملكة.. في الترشح للمقاعد المعروضة للإنتخاب. ولقد جاء ضِمن الراغبين، في مدينة مكة المكرمة مثلاً: الرئيس السابق لجامعة أم القرى، معالي الدكتور راشد الراجح، وكذلك رجل الأعمال عبدالرحمن فقيه، كما قرأنا عن رجال أعمال يرغب في الترشح لمقعد انتخابي في مدينة الرياض قام بالتعاقد بمبلغ (يتراوح بين المليون والمليوني دولار) مع إحدي مؤسسات الترويج الإعلامي لإدارة حملته الإنتخابية. وفي هذا وذاك إشارة واضحة عن تطلع الناس واستبشارهم ببدء الإنتخابات الديمقراطية في البلاد، وأنهم يأخذونها مأخذ الإهتمام والجد.

وأود أن أقدِّم هنا ما أسميته أهداف ـ الديمقراطية السبعة:

1 ـ التعددية.

2 ـ استقلال السلطات الثلاث.

3 ـ تعزيز الحريات.

4 ـ تنفيذ المواثيق الدولية برمتها، نصاً وروحاً.

5 ـ حقوق الإنسان، بما فيها حقوق المرأة، في مناحي الحياة.

6 ـ إشاعة التسامح.

7 ـ ترسيخ العدالة الاجتماعية بعامة.

واخيراً يمكن القول بأن إحتفال هذه السنة باليوم الوطني للمملكة العربية السعودية في 23 من هذا الشهر(سبتمبر) سيكون له طعم ومذاق ونكهة خاصة.

الصفحة السابقة