الإصلاحيون يقدمون مرافعتهم ضد التهم الموجهة إليهم في رسالة لرئيس مجلس القضاء الأعلى

أطلقوا سراحنا بدون تعهدات ظالمة، أو حاكمونا علناً

وجه المعتقلون الإصلاحيون الثلاثة (الحامد والفالح والدميني) والمعتقلون منذ 15 مارس الماضي رسالة الى الشيخ صالح اللحيدان، رئيس مجلس القضاء الأعلى، أي أعلى سلطة قضائية في المملكة، وذلك في الأول من أغسطس الماضي، حملت عنوان (أطلقوا سراحنا من دون تعهدات ظالمة أو حاكمونا علناً)، شرحوا فيها التهم الموجه لهم والمواقف المتناقضة من رجال السلطة تجاه قضية الإصلاح والإصلاحيين، كما تحدثوا عن مسؤولية القضاء في حماية حقوق المواطنين الأولية.

أهمية الرسالة أنها تمثل مرافعة ضد تهم وزارة الداخلية التي قدمتها عبر المدعي العام، تحلل قضية الإصلاح ومعتقلي الإصلاح من جوانب شتى سياسية وفكرية ودينية، أكثر من كونها مفيدة في تغيير موقف السلطة القضائية. فالكثيرون ـ ومن بينهم أصحاب الرسالة ـ لا يأملون من شخصية اشتهرت بالتطرف كالشيخ اللحيدان أن يبدي تعاطفاً مع الأفكار الإصلاحية، خصوصاً وأن الرجل وصل الى ما وصل اليه بناءً على قربه من السلطة السياسية وخاصة الأمير سلطان.. فضلاً عن أنه كان الى وقت قريب مقرباً من المباحث، بل أن جهيمان العتيبي كتب في إحدى رسائله بأنه رجل مباحث! ومما يزيد الأمر سوءً أن جهاز القضاء غير مستقلّ، وكثير من القضاة مجرد أدوات بيد وزير الداخلية.

فيما يلي نص الرسالة.

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أطلقوا سراحنا من دون تعهدات ظالمة أو حاكمونا علانية

سماحة الرئيس الأعلى للقضاء/ الشيخ: صالح اللحيدان،

المعتقلون الإصلاحيون، شجاعة في الدفاع عن الوطن

وفقك الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نلجأ إليكم بصفتكم رأس السلطة القضائية في المملكة العربية السعودية طالبين وراجين إنصافنا وحمايتنا من الظلم الذي أوقعته بنا الدولة، سجناً وتشويهاً، فالقضاء الشرعي هو حامي المواطنين العزل، ومعاذ الأفراد الضعفاء، من بطش الأقوياء، وفي هذه المذكرة سنعرض خمسة عناصر: أولها ماذا فعلنا؟ الثاني كيف تصرفت الدولة تجاهنا؟ الثالث تحليل تصرفات خط المحافظة من بعض رموز القيادة؟ الرابع مسؤولية القضاء في حماية الرأي والتعبير المسئولين، الخامس نطالب بإطلاق سراحنا أو محاكمة علنية عادلة.

أولاً: نشرح أولاً ماذا فعلنا؟

نحن الموقعين أدناه وضمن مجموعة تتجاوز ألف شخصية من علماء هذا البلد وفقهائه ومفكريه وأساتذة الجامعات والمثقفين من دعاة الإصلاح الدستوري والمجتمع المدني أسسنا دعوتنا على خمسة مبادئ.

الأول: الإسلام هو أساس كل إصلاح ولا سيما الإصلاح الدستوري. وقد نصت الدولة في نظامها الأساسي على أن « دستور الدولة هو الكتاب وسنة النبي صلى الله عليه وسلم» ونحن إنما نطالب بتفعيل هذا المبدأ المعلن في الديباجة بإجراءات وآليات وهياكل وأطر، تعمق وتوسع مفهوم تطبيق الشريعة، في الإدارة والتربية والمال العام.

الثاني: الإلتفاف حول القيادة السعودية في إطار قيامها بالإصلاح الدستوري المتدرج.

الثالث: محاربـة نوازع التقسـيم والتدخـلات الأجنـبية والنزعات الإقليميـة، والتمسـك بثوابت الوحـدة الوطنـية، والإلتزام بالعمل السلمي، في المطالبة الإصلاحية.

الرابع: صياغة خطاب يجمع بين كافة الأطياف الثقافية والإجتماعية والمناطقية أي خطاباً وطنياً لا فئوياً، قاعدته سماحة الإسلام لا ضيق المذهبية، الذي أقر مفهوم التعددية، كما طبقها النبي وخلفاؤه الراشدون، الذين نمذج التعامل مع المخالفين فيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

الخامس: دعوة كل من القيادة والناس إلى تفعيل الإصلاح السياسي السلمي لكي يتواكب المجتمع وقيادته في التعاون على البر والتقوى، لأن كل إصلاح لا يمكن أن ينجح إلا بتكاتف رسمي وشعبي معاً، رسمي من القيادة والدولة ومؤسساتها، وشعبي من المجتمع الأهلي أفراداً وهيئات لاسيما من المهتمين بالشأن العام.

وقد أصدرنا في ذلك مع إخواننا دعاة المجتمع المدني والإصلاح الدسـتوري عرائض، منها عريضتان: الأولى/ «رؤية لحاضر الوطن ومستقبله» التي قدمت إلى صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز في شوال 1423 هـ، والثانية/ «نداء إلى القيادة والشعب معاً: الإصلاح الدستوري أولاً» الذي قدم إلى سموه في ذي القعدة 1424هـ. ومضمون الخطابين: المطالبة بتحقيق العدل الإسلامي في توزيع الثروة على كافة الشرائح الإجتماعية والمناطق المختلفة، والتصدي للمشاكل التي يعاني منها المواطنون، ولا سيما الفقر والبطالة، وإتخاذ إجراءات مؤسسية لمكافحة ما تعانيه البلاد، ولا سيما الديون التي قد تثقل كواهل الأجيال القادمة.

ومطالبة الدولة بأن تكفل للناس كافة الحقوق السياسية والأساسية، التي أقرها الإسلام قبل أربعة عشر قرناً من تنادي الأمم الحديثة إليها، بإقرار مبدأ المشاركة الشعبية السياسية في إتخاذ القرار الرسمي، والسماح للمجتمع الأهلي المدني بالتعبير المسئول عن رأيه كتابة وتجمعاً، عبر النقابات والجمعيات وإقرار التجمعات الأهلية المدنية. وحيث إن أي إصلاح لا يمكن أن يستقر ولا أن يستمر إلا إذا كانت قاعدته سياسية، فقد حدد الخطابان الحل في خمس نقاط:

1- تطوير نظام الحكم من نظام أحادي مطلق الصلاحيات من دون مساءلة، إلى نظام مؤسسي محدد الصلاحيات فصله النداء الدستوري بأنه «الملكية الدستورية» المؤسسة على الشريعة الإسلامية، وتقرير حقوق المواطنين التي قررها الإسلام بأن الأمة صاحبة السلطة، في تقرير مصالحها، التي أقرتها الشريعة أو قررتها، وأنه من دون ذلك لن يكون شعار «الإسلام دستورنا» متجسداً.

2- إنشاء مجلس للنواب، ينتخبه الراشدون من الشعب، رجالاً نساءاً ويكون له سلطة إصدار القوانين والتنظيمات، وله سلطة على رسم سياسة الدولة العامة، خارجية وداخلية، ويتولى المحاسبة والمراقبة، وتتحقق بها الشورى الجماعية الملزمة التي أشار إلى إشتراطها الفقهاء كابن عطية الأندلسي.

3- تعزيز إستقلال القضاء، بإجراءات وهياكل، تصل مفرداتها إلى عشرين بنداً وتجدونها مشروحة في خطاب بعنوان «رؤية لاستقلال القضاء»، فعبارة «القضاة مستقلون ولا سلطان لأحد عليهم إلا سلطان الشريعة» التي في ديباجة نظام القضاء لا تكفي، فالمطلوب استقلال نظام القضاء، فلن يستقل القضاة ما لم يستقل النظام.

4- تجسيد مبدأ التعاون على البر والتقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشؤون العامة، روحية ومدنية، بإجراءات فعالة بمثل السماح للناس بإنشاء جمعيات المجتمع المدني الأهلية كالنقابات والروابط، في شتى الشئون ثقافية ومهنية واجتماعية واقتصادية وسياسية.

5- فصل السلطتين «القضائية» و«النيابية»، عن هيمنة السلطة التنفيذية، بحيث يتجسد مفهوم الحاكم في الدولة على أنه وكـيل عن الأمة لا وكـيل عليها، وليس أدرى بمصالحها من نواب الشــعب، الذين هم «أولو الأمر» وأهل الحل والعقد، وهم أهل الرأي والعلم والفضل، كما أشار عديد من التابعين كعكرمة ومجاهد وأبي قلابة وابن تيمية وابن سعدي وكما فصل النيسابوري والرازي ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا، واستقر عليه فقه السياسة الشرعية عند فقهائه المعاصرين.

وبين دعاة الإصلاح أن هذه الإجراءات، التي ينبغي أن تأتي متدرجة، هي مصاد الرياح، التي تحفظ البلاد والعباد، من رياح التغريب والعلمنة، ومن الفتن الأهلية والفوضى، ومن أخطار التدخلات الأجنبية والعولمة. وبينوا أن هذه إجراءات وآليات، من الوسائل الشرعية، لتحقيق المقاصد الشرعية في العدل، في المال والإدارة والشئون العامة والتولية والعلاقات الخارجية والتربية الخ...، وكل وسيلة مشروعة تحقق مقاصد الشريعة، فهي واجبة في الشرع، ولو لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نزل بها القرآن ولم يفعلها الخلفاء الراشدون، كما نص على ذلك الفقهاء، كابن عقيل الحنبلي في أصول الفقه، وكابن القيم في «الطرق الحكمية».

اللحيدان، متطرف وموظف لدى سلطان ونايف

إن مبدأ «الإسلام دستورنا» غير فعال، إذا لم يجسد بإجراءات وأطر، تكفل اعتبار رأي الناس في مصالحهم عبر ممثليهم وتكفل حراسة الملة وسياسة الأمة، من أخطار التدخلات الأجنبية وتضع الضوابط الكفيلة بحفظ مال الأمة، وتكفل صيانة الأمة ومصيرها وتربيتها ومالها ومستقبلها لكي لا ينفرد بالتصرف بمصالح الأمة بعض عناصر الأسرة المالكة، وكأنهم من جنس الملائكة، الذين لايعصون الله ما أمرهم، وكي لا يستبدوا بامتيازات ومظالم، كبار وصغار. وتضمن أن لا يتصرف الحاكم بالبلد والبشر، تحت عنوان «ولي الأمر أدرى بالمصلحة» وكأنه معصوم لا يسأل ولا يحاسب ولا يراقب عن ما يفعل، وهو مصطلح سعودي ما أنزل الله به من سلطان، ولا يمكن أن يصح القول: إننا نحكم بما أنزل الله، ما لم يتساو الأمراء وأفراد الشعب، والأقوياء والضعفاء وما لم تتساوى المناطق والفئات الإجتماعية، في كافة الحقوق والواجبات.

ثانياً: موقف أركان القيادة

أعلن خادم الحرمين الشريفين في خطابه الشهير لمجلس الشورى مصطلحاً حديثاً، لم يكن هذا المصطلح دارجاً في القاموس السياسي السعودي وهو عبارة «المشاركة الشعبية» وأكد أن الجميع شركاء في الوطن. ومصطلح «المشاركة الشعبية» يستخدم أول مرة في خطاب رسمي جليل من رأس السلطة التنفيذية، كان ذلك في 17/ مايو/ 2003 م. ماذا تعني المشاركة الشعبية؟ ماذا تعني عبارة الجميع شركاء في الوطن؟ ألا تعني أن للمواطن الحق الكامل في مناقشة الشئون العامة للمواطن، أليس قيام الفقهاء والمفكرين وأساتذة الجامعات بكتابة خطابات المطالب كبياني «الرؤية» و «النداء الدستوري» من أرقى أنواع التعبير عن المشاركة الشعبية والشراكة في الوطن.

وإثباتا لهذا المسار استقبل صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز بترحاب، أربعين «40» من دعاة الإصلاحات الدستورية، وناقش معهم هدر المال العام، والاستبداد في الإدارة، واستقلال القضاء، والمجتمع المدني، ووعدهم خيراً، ووضحوا له فكرتهم في الفرق بين الإصلاحات الدستورية الأساسية الثابتة، والإصلاحات الشخصية المحدودة، وقال لهم: «رؤيتكم هي مشروعي» وذكر لهم أنه نادى بالمشاركة الشعبية في الجامعة العربية، مما يدل على أنه يؤيد المشاركة الشعبية في الداخل، ما دام ينادي بها للعرب جميعاً. ولكنه أشار إلى أن الشعب يحتاج إلى إنضاج، لأن الشعب إذا لم يستوعب مفاهيم الإصلاح السياسي الدستوري وآلياته، فلن يكون ظهيراً للإصلاح. وفي يوم 25/1/1425هـ الموافق 16/3/2004 م، فوجئ دعاة الإصلاح الدستوري والمجتمع المدني بسجن ثلاثة عشر شخصاً منهم، وأفرج عن عشرة منهم بعد أن أرغموا على توقيع تعهدات بعدم الدعوة إلى الإصلاح جملة وتفصيلاً، في بيان أو قناة فضائية، أو أي وسيلة إعلامية.

أما نحن فقد قدمت لنا صيغة تعهد، وجدنا أنه لا يجوز شرعاً التوقيع عليها، تنص على أننا أحدثنا فتنة وفوضى، وتحريضاً على عصيان «ولي الأمر» وأن علينا أن لا نتكلم في الإصلاح، أو ندعو إليه في بيان أو قناة فضائية أو أي وسيلة إعلامية، وأن علينا أن لا نجتمع في مكان. وملخص الموضوع تجريدنا من الحقوق السياسية وإلزامنا بالسكوت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو «الإحتساب» على السلطة.

ولأننا حريصون على استمرار ما لنا من صلات طيبة بالعناصر الإصلاحية في القيادة، ولكون البلاد تمر بظروف عنف تدعو إلى الهدوء، فقد وقعنا على تعهد بأن لا نسعى إلى عقد لقاء عام لدعاة الإصلاحات الدستورية مستقبلاً إلا بإذن الدولة، وربطنا طاعة الدولة في ما نكتب من بيانات وما نتحدث فيه عبرالقنوات الفضائية ووسائل الإعلام بـ «المعروف» كما نص الحديث الشريف وأكد مفهومه شيوخ الإسلام كابن تيمية والغزالي وابن حزم. ولكن يبدو أن بعض عناصر القيادة، وجدوا أن هذا التعهد غير كاف، وكأنهم يريدون أن نطيعهم في المعروف وفي المنكر أيضاً، ولذلك فقد مرت أشهر ولم يفرج عنا، وبذلك أفرغ التعهد من مقتضاه الذي هو الإفراج السريع، فكتبنا بأن التعهد مقتضاه الإفراج وإذ لم يتم الإفراج، فإن التعهد فقد معناه ولم يعد ملزما لنا.

ونحن والدولة تحكمنا نصوص الشريعة وروحها ومقاصدها في ذلك، فليست مفاهيم الفوضى والفتنة والبلبلة وطاعة الإمام مطلقة من الضوابط الشرعية، لكي يطلقها خط المحافظة، بما فيه من بعض عناصر القيادة والفقهاء والقضاة، على كل عمل لا يروق له، فقد صرح شيوخ الإسلام كابن تيمية وابن القيم والغزالي وابن حزم، ونصوا على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون بإذن السلطة أو عدمه، فالتغيير بالبيان والمقابلة الإذاعية ونحوها مسألة لا خلاف فيها، وإلا سقط الأمر الشرعي «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه» والمواطنون شركاء في هذا الوطن، لكل منهم دوره، فهو على «ثغرة من ثغور الإسلام» سواء أكان في الصفوف الأمامية أم الخلفية.

وأثناء إعتقالنا شن عدد من عناصر القيادة، حملة لتشويه مطالب الإصلاح الدستورية ودعاتها، وهذه مقتطفات تدل على التفكير السائد لدى بعض أركان القيادة:

أ- وزارة الداخلية قالت: (توقيف عدد من المواطنين للتحقيق معهم فيما نسب إليهم مما لا يخدم الوحدة الوطنية وتماسك المجتمع القائم على الشريعة) وسردت أسماءنا «الشرق الأوسط 26/1/1425هـ -17/3/2004م». ووزير الداخلية يقول: «المخاطر التي تحيق بالمملكة تجعلها حريصة هذه الأيام، على عدم السماح بأي نشاط تستغله جهات خارجية للإساءة إليها» وكلامه يوحي بأنها ستسمح لهم بالنشاط إذا لم يستغل خارجياً. ولذلك حذر الناشطين من دعاة الإصلاح «من إستغلال أطراف خارجية مطالب الإصلاح، للضغط على الأوضاع الداخلية، والإساءة إلى الوحدة الوطنية» «الحياة 4/2/1425هـ - 24/3/2004م». وهذا كلام عجيب لأن تصرف الدولة مع لجنة حقوق الإنسان الشرعية 1413هـ يدل على أن الدولة لن تسمح لأحد بأي نشاط، وظهور لجنة حقوق الإنسان عام 1425هـ هل يدل على أن الضغوط الإجنبية غير موجودة؟! وكأن الإصلاحيين لا القيادة – هم الذين يرحبون بالتدخلات الأجنبية، في شئون الدولة والمجتمع، وكأن الوطنية القائمة على الشريعة هي بقاء الظلم المنظم ونهب ثروة الشعب ونفطه، والإستبداد بالإدارة، ولا سيما في القرارات المصيرية، من وراء ظهر الأمة.

ب- قالت وزارة الخارجية أنه تم إعتقال بعض المواطنين الثلاثاء الماضي بسبب تورطهم في أعمال تحريض واستخدام أسماء أشخاص مرموقين ذوي سمعة دون موافقتهم، بهدف إثارة البلبلة، في موقف أحوج ما تكون البلاد للرؤية الواضحة، والوحدة الوطنية، وتتعرض لهجمات من الإرهاب «الرياض الجمعة 28/1/1425هـ - 19/3/2004م» وقد ذكر وزير الخارجية في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية الأمريكية كولن باول (أن ما حدث يتعلق بأمن البلاد، وأن هؤلاء الأشخاص أرادوا الإنشقاق، في وقت تواجه فيه السعودية الإرهاب. والذين أفرج عنهم تعهدوا بعدم الرجوع إلى استخدام أسماء الآخرين، وأما الذين أبوا فقد اختاروا طريق القضاء) «الشرق الأوسط 29/1/ 1425 هـ - 20/ 3/ 2004م» وكأن هناك تزوير أسماء؟ وكأن هناك أناساً اشتكوا؟ وكأن القضاء تقدم إليه أحد من ذكرت الدولة أن أسماءهم كتبت من دون إذنهم؟ وكأنه لا بد من الإعتقال، لمثل هذه الدعاوى الكيدية؟.

ج- قال وزير الدفاع: «هؤلاء تمردوا على آبائهم، وقد أفرج عن عدد منهم، ممن التزموا، ونأمل أن يهدي البقية الباقية» وهدد بالإحالة إلى القضاء، واتهم دعاة الإصلاح بالإنشقاق، وسرد آيات من القرآن الكريم، تؤكد أن هذه التهم لها عقاب شرعي في القضاء الإسلامي.

ثالثاً: تحليل موقف الرافضين الإصلاح من عناصر القيادة

هذه الحملة على دعاة الإصلاح الدستوري والمجتمع المدني، تنبئ عن مؤشرات وظواهر، تدل على نمط التفكير السائد عند خط المحافظة على الأفكار والآليات الأموية والعباسية، وخلاصة هذه التصريحات ومضمونها ما يلي:

باسم الوطنية تجري أكبر انتهاكات لحقوق المواطن

1. استخدام عبارات تشوه دعاة الإصلاح السياسي والدستوري، وتصوره إخلالاً بالوحدة الوطنية، وكأن دعاة الإصلاح هم الذين سيفتحون المجال للأمريكان ليبنوا قواعدهم في البلاد، وليتدخلوا في شؤون النفط، وليتدخلوا في أمور التربية والتعليم.

2. فوق ذلك يتحدث بعضهم عن العلاقة بين المجتمع والقيادة، وكأن الحاكم بل الأمير أب للمواطنين ويجب على دعاة الإصلاح الدستوري بره وطاعته المطلقة، فالقضية ـ عندهم ـ ليست قضية مواطنين تعاقدوا مع الحاكم على أن يحكم بالعدل والشورى كما قرر فقهاء السياسة في الأسلام، بل قضية أبناء مشاغبين على والد يحكم بـ «السيف الأملح» وفي ذلك تجاهل لطبيعة التعاقد الإجتماعي بين المجتمع والقيادة، الذي تترتب عليه حقوق وواجبات على كلا الطرفين. وقد قرر الأسلام هذا المبدأ قبل أربعة عشر قرناً من إستقراره في الفكر السياسي الأوروبي الحديث.

3. واضح من ذلك أن خط المحافظة والتشكيك بالإصلاح، بما فيه من بعض عناصر القيادة يستخدم مصطلحات الفتنة والبلبلة والإخلال بالوحدة الوطنية والفوضى والتحريض، وكأنه وحده الذي يقرر المصلحة للأمة، وكأنه أدرى بالمصلحة منها وفوق ذلك هو أدرى بالشريعة لذلك فهم الذين يقررون متى شاءوا أن حقوق الإنسان والدستور من الشريعة أو من العلمنة.

4. واضح فيها ثقة خط المحافظة وتعويق الإصلاح المطلقة بأن القضاء تابع لهم، وسيجرم من اتهموا، وهذا محتمل مادام ولي الأمر أدرى بالمصلحة ومادام هو القاضي الأصيل، وليس القاضي في المحكمة إلا وكيل، ومع ذلك فإنهم يحاولون علناً التأثير على القضاء بهذه التشويهات، وهم بذلك يصورون القضاء وكأنه أداة في أيديهم، وبذلك يضاف إلى السلاحين الآخرين البوليس والإعلام، ويخنق دعاة الإصلاح بهذا المثلث. إنهم يتحدثون عن إدانتنا في القضاء قبل إحالة القضية إليه وقبل إصدار حكمه، وفي ذلك تدخل وضغط سلطاني وإعلامي على القضاء، وفي ذلك أيضاً تشويه للقضاء والقضاة، وكأنهم فزاعة تقمع بها الدولة حقوق الناس السياسية، وهذا يدل على أن خط المحافظة عند بعض أركان القيادة لا يسهمون في استقلال القضاء وتعزيز حياده ونزاهته بل يعملون على عكس ذلك. ومن توفيق الله لمسيرة الإصلاح أن الناس اطلعوا على محضرين من محاضر التحقيق معنا إذ تسربا إلى الانترنت فكشف المحضران ضخامة المزاعم الباطلة التي يراد بها ضرب الإصلاح الدستوري ودعاته.

5. يتأكد هذا الاتجاه من خلال أسئلة التحقيق، إذ من الجلي أن خط المحافظة على التفكير السائد الذي جسدته هيئة الإدعاء والتحقيق العام للدولة يريد ضرب دعاة الإصلاح بسيف القضاة من خلال أمرين:

الأول: الزعم بأن دعاة الإصلاح الدستوري والمجتمع المدني يهدمون الوحدة الوطنية القائمة على الشريعة، ولعل بعض أركان القيادة ينسى الإعلام الذي يردد أناشيد «دستورنا القرآن» وكأن دستورنا القرآن يبيح الاستئثار بالمال والتحكم في التربية والاستبداد بالإدارة، والتفريط بمصالح الأمة وقمع حرية الرأي والتعبير والإحتساب على السلطة.

الثاني: استعداء القضاء وتقديم دعاة الإصلاح على أنهم أناس يشككون في نزاهة القضاة وعدلهم، ونتيجة ذلك المتوقعة أن يصبح القضاة حكاماً وخصوماً في آن واحد، وهذا أمر بديهي إذا كان مركز القضاة محصورا في أنهم وكلاء، وأن القاضي الأصيل إنما هو الإمام، ومادام الإمام أدرى بالمصلحة، إذا كان الأمر كذلك فلا داعي للمحاكمة أصلاً لأن القاضي الأصيل قد أصدر الحكم فسجن وضبط الدعوى والحكم في وسائل الإعلام:-

يا أعـدل الـخـلـق إلا فـي مـعـامـلـتـي فـيـك الـخـصام وأنـت الـخـصـم والـحـكـم

ومن أجل ذلك يطالب دعاة الإصلاح الدستوري والمجتمع المدني باستقلال «نظام» القضاء، ولا يطالبون ببراءتهم إذا كان القاضي مجرد وكيل، فالمشكلة في «النظام» لا في أشخاص القضاة، وهذا أمر شرحته مذكرة «رؤية لاستقلال القضاء» المرفقة.

رابعاً: مسئولية القضاء، تجاه الرأي والتعبير، فضلاً عن الإصلاحات الدستورية

من الواضح أن وزارة الداخلية تستخدم سجن الإستظهار«التوقيف»، لإرهاب حرية الرأي والتعبير، لكي يتاح لها أن تفصل وأن تقمع، من دون رقيب ولا حسيب، وقد قمعت مئات من خطباء المساجد وكتاب الصحف والإعلاميين، ودعاة الإصلاح السياسي جزء من هذا النسيج. وقد وثقت بأن القضاء، سواء كان القضاء العام أو ديوان المظالم، لن ينبس ببنت شفة. ودليل ذلك مايلي:

1- أن وزارة الداخلية لا تسمح للقضاء أن يتفقد أحوال المساجين، ولا أن يزوروهم في الزنازين، لكي يطمئن القضاة إلى أن السجن «تعويق» عن الحركة كما قررالإسلام قبل أربعة عشر قرناً من تنادي الدول الحديثة إلى ذلك وليس بـ«تضييق» يتم فيه تعذيب الأجساد والنفوس.

2- ولا تتيح وزارة الداخلية للقضاء أن يتأكد من أن اعترافات المتهمين صحيحة شرعاً، ولا تتيح للقضاء أن يمارس دوره في التأكد من طبيعة التوقيف ووظيفته، ولاتتيح له الأنظمة والإجراءات العملية أن يرفض إعترافات المعتقلين التي تنتزع بالتعذيب والإكراه.

3- ولا تسمح وزارة الداخلية للقضاء أن يمارس دوره، في الأمر بالإفراج عن الموقوفين أشهراً بل ولا سنين من دون محاكمة، وعديد من الذين سجنوا في قضايا الرأي والإصلاح، قبعوا في السجون مدداً طويلة، ولم يستطع القضاء، أن يقول في قضية أي سجين رأي أو غيرها: أخرجوه أو قدموه للمحاكمة.

من أجل ذلك نطالب القضاء بتفهم قضيتنا وإطلاق سراحنا، وتعويضنا مادياً ومعنوياً، عن ما أصابنا من ظلم، لأننا لم نمارس عملاً يستدعي سجن استظهار ولا سجن عقوبة. وهذه هي مبررات المطالبة:

سلطان: الأب الدكتاتور واللص

1- استقبل ولي العهد الأمير عبدالله نائب الملك خطاب الرؤية بترحاب وجرى النقاش الصريح في مضمون المطالب، وأقر مشروعيتها عندما قال «رؤيتكم هي مشروعي» ولكن الشعب يحتاج الى إنضاج، ودعاة الإصلاح الدستوري والمجتمع المدني عندما يمارسون دورهم في تثقيف الشعب، قد أخذوا ضوءاً أخضراً من نائب الملك، فكيف تجرم الدولة أشخاصاً استقبلهم نائب رأس القيادة، واعتبرهم معبرين عن مشروعه.

2- من الواضح من خلال التشويش الإعلامي الذي قام به الجناح المحافظ في القيادة، أن هناك اتهاماً لخطابي «الرؤية» و «النـداء الدستوري» بمخالفة الشريعة، وقد وضح ذلك من خلال أسئلة التحقيق معنا، فإذا كانت الدولة في صلب نظامها الأساسي قالت «دستور البلاد هو كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم» فإذن هي تعرف أن الدستورإطار لتنظيم الأمور وأن الإسلام لا يعارض الدستور. وتعرف أن الدستور إذا كان منبثقاً من الشريعة، هو الذي يضمن التطبيق الصحيح للشريعة في الدولة الإسلامية الحديثة.

3- خطابا الإصلاح الدستوري مؤسسان تأسيساً محكماً على الشريعة، ومن الغريب أن يتهم هذا الخطابان أو يتصور أنهما يعارضان الشريعة، وقد وقعهما أكثر من 25 أستاذاً من أساتذة أصول الفقه والفقه والحديث وعلوم القرآن والعقيدة، البارزين في كليات الشريعة وأصول الدين ومن تولوا رئاسة أقسام وعمادات كليات شرعية أو إدارة جامعات إسلامية، فضلاًعن عديد من المحامين الشرعيين الذين يحملون شهادات عالية أو عليا من كليات الشريعة، إن تجريم الموقوفين هو أيضاً تجريم للموقعين، ولا فرق بين من وقع وتبنى؛ إن هيئة الإدعاء العام، قد جرمت كل هؤلاء الفقهاء وأساتذة الجامعات واتهمتهم بالعدوان على الشريعة:

إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

4- أننا ينبغي أن نرفع أصواتنا بالإنكار على مثل هذه التصرفات، ونأمل من السائرين على خط الإصلاح السياسي والدستوري الذي دشنه خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين سواءاً كانوا في القيادة أو القضاء، أومرافق الدولة الأخرى أو وزارة الداخلية وغيرها، أم في المجتمع بكافة أطيافه الإجتماعية والثقافية والإقليمية والمذهبية أن لا يتخاذلوا، ونأمل أن يثبت القضاة من السائرين على خط الإصلاح استقلالهم، وأن يلاحظوا أن العناصر التي لا تريد الإصلاح في القيادة تزج بالقضاة والفقهاء لكي تضرب بهم أصحاب الرأي والتعبير والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر عامة والمعنيين بالإحتساب السياسي خاصة من الآمرين بالعدل والناهين عن الظلم في الشأن العام. إن زج مؤسسة القضاء اليوم بقضية دعاة الإصلاح الدستوري والمجتمع المدني مثل زج هيئة كبار العلماء والإفتاء بالأمس مسيء لهم أشخاصاً وتياراً وله عواقب فظيعة لأنه يصم شريعة العدل بالعدوان.

ونموذج ذلك مسلك الدولة قبل أكثر من عشرة أعوام تجاه جمعية «حقوق الإنسان الشرعية» التي أنشأها ستة من الفقهاء وأساتذة الجامعات، وأحدهم بالأمس هو أحدنا اليوم الدكتور/ أبو بلال عبدالله الحامد، وقد قمعتها الدولة بسيف الفقهاء فاستصدرت فتوى من هيئة كبار العلماء بعدم مشروعية اللجنة، وكانت هذه الفتوى أساساً اعتمدت عليه الدولة في فصلهم من جامعاتهم ومراكزهم، وتشويه مقاصدهم ووسائلهم، من أجل ذلك صدر قرار بفصلهم، مرفقاً بفتوى هيئة كبار العلماء التي جاء فيها أن مجلس هيئة كبار العلماء:

(يستغرب تصرف هؤلاء الإخوة، في تكوينهم أنفسهم لجنة للدفاع عن الحقوق الشرعية، وإعلانها في وسائل الإعلام الأجنبية، ويستنكر هذا العمل ويقرر بالإجماع عدم شرعية قيام هذه اللجنة، وعدم جواز إقرارها، لأن المملكة العربية السعودية بحمد الله تحكم بشرع الله، والمحاكم الشرعية منتشرة في جميع أرجائها، ولا يمنع أحد من رفع ظلامته إلى الجهات المختصة في المحاكم أو في ديوان المظالم، وكاتبوا النشرة يعلمون ذلك تمام العلم، ولما يترتب على وجود هذه اللجنة من أمور لاتحمد عقباها) «الشرق الأوسط. الجمعة 25/ ذو القعدة/ 1413 الموافق 14/مايو/1993م». واتهمتهم بالخروج على الدولة حتى اضطرت فقيهاً جليلاً مثل الشيخ عبدالله الجبرين إلى إعلان طاعته الإمام في العسر واليسر في وسائل الإعلام وعلى رؤوس الأشهاد وكأن لجنة «الحقوق الشرعية» تندرج تحت مفهوم الخروج على الدولة!

وماذا بــمـصـر مـن الـمـضـحـكـات

ولـكـنـه ضـحـك كـالـبـكـا

ثم سجنت عديدا من رموز دعاة حقوق الإنسان ومناصريها، من فقهاء وعلماء ومثقفين على خلفية اللجنة. وأحيل بعضهم إلى القضاء فأصدرالقضاء أحكاماً قاسية بتجريم أمور مشروعة أو مباحة، ولو افترضنا أن في بعضها خطأ على أكثر تقدير لما تجاوز «الجنحة» البسيطة لا «الجناية» الكبيرة؛ وقد أضعفت هذه الأحكام كما أضعفت فتوى هيئة كبار العلماء الثقة في الفقهاء والقضاة، وأبرزتهم آلة من آلات قمع الشعب، ومطالبه العادلة.

وفي نهاية المطاف وتحت ضغوط دولية حسب ما يشاع أنشأت الدولة «لجنة حقوق الإنسان الوطنية» بعد أكثر من عشر سنوات من المطالبة بها، فصار إنشاؤها حلالاً مشروعاً أو واجباً شرعياً، بعد أن كان بالأمس محرماً غير مشروع، والتفت الوزارة على مفهوم لجان حقوق الإنسان الأهلية بإنشاء لجنة ظاهرها أنها «وطنية» و«أهلية» وأعمالها حتى الآن تؤكـد أنها واجهة إعلامـية لوزارة الداخلية.

والفقهاء والقضاة والمفتون وقعوا في ورطة عندما حرموا بالأمس حقوق الإنسان وشرعوها اليوم، وكذلك الفقهاء والقضاة أمام دعوة الإصلاح الدستوري والمجتمع المدني لو فعلوا ما فعلته هيئة كبار العلماء بالأمس، سيقدمون أنفسهم على أنهم غير متعمقين ولا ملمين بالوسائل الحديثة لتحقيق مقاصد الشريعة وكأنهم من الذين يدورون مع السلطان حيث دار، وسيكونون كالذين يحرمون زراعة العنب لأن بعض الناس يعتصرونه خمراً، وسيكونون من الذين يقمعون مقاصد الشريعة والعدل والشورى بتأويل الدين، ويضربون روحها بنصوصها، وكلياتها بجزئياتها، إن دعوة الإصلاح السياسي الدستوري، قد تقدم اليوم على أنها فتنة وإخلال بطاعة الإمام، وفي غد تتضح الرؤية بأنها الوسيلة المناسبة التي تضمن التطبيق الصحيح الشامل للشريعة. وهذا الأمر لا يسيء إلى القضاة والفقهاء فحسب بل يسيء إلى الإسلام، ويفتح الباب الموارب لسيول العلمنة والهيمنة والتدخلات الأجنبية والفتن الأهلية التي تلوح في الأفق.

خامسا: أطلقوا سراحنا أو حاكمونا علانية

من أجل ذلك نطالب السلطة القضائية، من خلال سماحتكم رئيس المجلس الأعلى للقضاء، بإطلاق سراحنا فورا، ونحن ندرك أ ن الظروف الحالية قد لا تتيح للقضاء القيام بذلك فلا زالت السلطة التنفيذية مجسدة بوزارة الداخلية تحجم دوره، دليل ذلك أن القضاء لم يستطع منذ نشوء الدولة السعودية أن يضمن محاكمات علنية للمتهمين بتهم سياسية.

من أجل ذلك نطالبكم على أقل تقديربمخاطبة السلطة التنفيذية، بأن عليها أحد أمرين:

إما الإفراج الفوري، أو الإحالة إلى القضاء لإقامة محاكمة «علنية» ونصر على أن علانيتها هي الإجراء البسيط الذي له علاقة كبرى بعدالتها وشرعيتها للأسباب التالية:

هل مشروع الإصلاحيين مشروعه كما قال؟!

1- أن الأصل في المحاكمات الشرعية العلانية، ولا تعتبر المحاكمة شرعية ولاعادلة إذا لم تكن علنية، وكل محاكمة سياسية سرية هي ظلم وعدوان.

2- نصت جميع القواعد القضائية في الدول العادلة على علانية المحاكمة وقد أخذت الدولة بهذا الإجراء العادل في المادة 155 من نظام الإجراءات الجزائية.

3- أن القضاء إذا إتجه إلى إستثناء المحاكمة السياسية من العلانية، فإنه يأخذ بالإستثناء الذي يهدم به الأصل، فللقاضي إستثناء بعض القضايا من العلانية إذا كان ذلك يساعد العدالة، ولكن إتجاه القضاء في هذه القضية للإستثناء لا يصب في مصلحة العدالة، وللأسف فإن عديداً من القضاة لا يرتاحون من حيث المبدأ للشفافية والعلانية، وهذا الإجراء ليس له وجاهة في قانون الشريعة الذي أرسى مبدأ العلانية قبل أربعة عشر قرناً من تنادي الأمم الحديثة إليه للأسباب التالية:

1- أن السرية مظنة الهوى، فالسرية هي طابع الأعمال التي لا يراد سبر غورها ولا معرفة حيثياتها كما قال الشاعر:

الستر دون الفاحشات ولا يلقاك دون الخير من ستر

2- أن العلانية أمر يثبت به القضاة استقلالهم، ويثبت أن الدولة ليس لديها ما تخشاه أو تخفيه عن أنظار المهتمين بقضية حقوق الإنسان والعدالة في الداخل والخارج، من محامين وإعلاميين ودعاة حقوق الإنسان، واللجوء إلى السرية يعطي إنطباعاً بأن الدولة لا تنوي إقامة محاكمة عادلة أولاً، وأنها لا تريد أن يستقل القضاء ثانياً، وأن القضاة غير فعالين في المطالبة بإستقلالهم ثالثاً.

3- أن عناصر المحافظة من القيادة اتهمت مشروع الإصلاح السياسي الدستوري ودعاته بتهم شتى وشوهت المقاصد والوسائل في الإعلام وما فعلته تلك العناصر يشكل ضغطاً غير مباشر على القضاء وفيه إيحاء للقضاء بنوع الحكم، فصار من حق المتهمين أن يعرف الناس دفاعهم عن أنفسهم إذ ليس من العدل أن تجرم الدولة الأفراد العزل علناً، في قنوات الإعلام، ثم يكون دفاع المتهمين عن أنفسهم سراً.

4- الدولة تعلن الإلتزام بالكتاب والسنة دستوراً، والعلانية إحدى إجراءات العدالة الإسلامية، وهي أيضاً ملتزمة بما وقعت عليه من مواثيق، لأن هذه المواثيق تعد من الأنظمة المرعية، مادامت لا تخالف الشريعة، وهذه الأنظمة التي وقعت عليها الدولة تنص على ما نطالب به، فقد وقعت الدولة على «إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام» وهو من مواثيق جامعة الدول العربية 1412هـ «1991م»، ووقعت ثانياً على «وثيقة مناهضة التعذيب» سنة 1416هـ «1997م»، ووقعت ثالثاً «وثيقة مؤتمر تونس للإصلاح» 1425هـ «2004م»، ووقعت رابعاً «وثيقة حقوق الإنسان العربي» الصادرة من الجامعة العربية في شهر جمادى الآخرة 1425هـ «أغسطس2004م» وأودعت وثائق توقيعها لدى الأمانة العامة للجامعة العربية، وهذه الوثائق تؤكد ما سبق أن أصدره الفقهاء والمفكرون الإسلاميون في المجلس الإسلامي الأوروبي «ميثاق حقوق الإنسان في الإسلام» سنة1400هـ«1982م»، ومقتضى ذلك أن الدولة ملزمة بمحاكمة علنية، لكي يعرف الناس ما يحكم به القضاة أياً كان نوع الحكم.

5- العلنية هي التي تدلل هل القضاء يعتبرالرأي المسئول حقاً وواجباً أم جريمة؟ وهل يعتبر دعاة الإصلاح السياسي الدستوري، الداعين إلى تعزيز تطبيق الشريعة الإسلامية في المال العام والإدارة والتربية ونحوها دعاة قسط أم مجرمين؟ وهل سيعتبر الفقهاء من أساتذة الشريعة الذين وقعوا على خطابي الرؤية والإصلاح الدستوري جهلة بالدين؟ وهل وزارة الداخلية ستظل على أساليبها السابقة تسجن وتعذب وتجرم تحت تأويل مصطلحات الفتنة والفوضى وعصيان «ولي الأمر» ودرء المفاسد؟ وهل القضاء سيستجيب لها فيخل بالمواثيق التي وقعت عليها؟

إن قضيتنا قضية رأي ونحن إصلاحيون، كما إعترفت الدولة من خلال تصريحات عناصر القيادة، وكما صرح رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قناة تلفزيون العربية مساء الإربعاء الموافق 19/5/1425هـ.

6- أن في نظام القضاء فجوات تتيح للسلطة التنفيذية التدخل، وتفتح الباب لتجريم الرأي والتعبير المشروعين وأهمها أمران في هذا المقام:

الأول: ليس فيه مدونة لحقوق المواطنين في الرأي والتعبير، تحدد ما هو محظور من ما هو مباح من قضايا الرأي والنشر والمطبوعات، فليس فيه سلم لدرجات «الجريمة» أو «الجناية» في مجال الرأي والتعبير..

الثاني: ليس فيه أيضاً تحديد أو سلم «للعقوبات» وليس فيه قواعد وضوابط للعقوبات، في مجال قضايا الرأي والنشر، فليس فيه إلا قاعدة التعزير، وهي قاعدة فضفاضة، تمتد من ضربة بالسوط الى ضربة بالسيف، وفيها مجال واسع لإ نتهاك الحقوق السياسية للمواطن، ولن يستطيع القضاة سد مسارب التدخل، ولا إثبات حيادهم ونزاهتهم إلا بمحاكمة علانية أمام الناس الذين هم شهود الله في أرضه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. لقد إستقر في قديم الدهر وحديثه أن عدالة القضاء النابعة من إستقلاله في أي دولة، هي أن يستطيع القضاة إصدار أحكام على الدولة، وأن يستطيعوا أن يبرؤا من جرمتهم الدولة، وأن يحفظوا حقوق الأفراد العزل من إنتهاك الدولة، وأن يحموا المضطهدين، وأن يخرجوا المسجونين ظلماً.

وإذا لم يفعل القضاء ذلك فإن ذلك لا يعبر عن ضعف إستقلال القضاء فحسب، بل يعبر عن ضعف النظام السياسي أيضاً، كما أنه يدل على هشاشة خط دعاة الإصلاح الرسمي والشعبي في القيادة والقضاء ووزارة الداخلية والأهالي وذوي المبادرات من دعاة حقوق الإنسان والإصلاح الدستوري والمجتمع المدني، ينبغي للجميع أن يتعاونوا على البر والتقوى، وإن إختلفت مناهجهم ومراكزهم وأدوارهم لأنهم يتفقون في الغاية وهي الحرص على حراسة الملة، وسلامة الدولة، وصلاح الأمة، برفع لافتة العدالة.

وكل منهم ومنا ومنكم (على ثغرة من ثغورالإسلام فالله الله أن يؤتى الإسلام من قبله) كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، ونضعكم أمام تبعتكم الجسيمة، وكل منا ملاق جزاء عمله في الدنيا والآخرة أمام الله ثم أمام هذا الشعب الذي يتشوف إلى تعزيز العدالة والشورى، (وقل إعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون * وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون).

وفقنا الله وإياكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

من دعاة الإصلاح الدستوري والمجتمع المدني


الأستاذ الدكتور/ أبو بلال عبدالله الحامد: الأستاذ السابق بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

الأستاذ/ علي الدميني: إديب وشـاعر

الأستاذ الدكتور/ متروك الفالح: أستاذ السياسة المقارنة والعلاقات الدولية بجامعة الملك سعود

حرر في الرياض يوم الأحـد15/6/1425هـ «1/8/2004م»


الأساتذة المكرمين: وكلاءنا المحامين:

نرجو تسليم الخطاب لصاحب المعالي الرئيس الأعلى للقضاء وإرسال نسخة لكل من:

1- خادم الحرمين الشريفين راعي مسيرة الإصلاح

2- صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز

3- صاحب الفضيلة رئيس المحكمة الكبرى بالرياض

4- صاحب الفضيلة رئيس لجنة محاكمتنا القاضي محمد بن ابراهيم الخنين

5- رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان

الصفحة السابقة