أهل القلم وأهل السلاح

حاملو السلاح والمتفجرات، الذاهبون الى الجنة على النعوش الملائكية، والإنتحاريون الذين استهدفوا الأبرياء والآمنين في بيوتهم قتلاً وتدميراً..

هؤلاء نالوا عفواً ملكياً قرئ على الملأ العام من أعلى قيادة في الدولة وعبر شاشة التلفزيون الرسمي.

وعدوهم بـ (العفو عمّا مضى) وجنّدوا (المشايخ) لإقناعهم بالعدول عن حمل السلاح في وجه حكم آل سعود. وانبرى سفر الحوالي وغيره يتصلون بتلامذتهم العنفيين الإرهابيين مقدمين الإغراءات بالعفو، وربما بالمعونة المالية لبدء حياة جديدة.

هذا والعنفيون يتمنّعون، ويرفضون، ويصرّون على جهاد (آل سعود).. فتفتّقت عقلية الحوالي بأن حاول إقناعهم بأن ميدان الجهاد يمكن أن يتغير، فلماذا المملكة؟! لتذهبوا إذن الى العراق! الساحة المفتوحة لتصفية الحساب مع (الرافضة) ومع (الأمريكان) وللدفاع عن (السنّة العرب).

العوفي ـ زعيم القاعدة الجديد في جزيرة العرب! ـ رفض العرض، وأعلن على الملأ ما قاله الحوالي، وبرّر رفضه بأن الجهاد في السعودية أولى، وأنه يقف على ثغرة من ثغور الإسلام يحاول أن يسدّها، وأن جهاد آل سعود هو عونٌ لجهاد أهل العراق، وأنه يفضل الرباط في جزيرة العرب على أن يرابط في العراق!

وبعد مدّة من عرض العفو الرسمي، لم يتبرّع ليسلّم نفسه سوى ستة أشخاص، أحدهم لا علاقة له بالموضوع بقدر ما هو تاجر سلاح! يبحث عن الربح، والآخر تقطعت به السبل في الخارج وأصبح معوّقاً فوجدها فرصة لأن يعود الى أهله، وثالث مطلوب في الخارج ـ طلّق الجهاد الوهابي ـ وأراد العودة، حيث توسّط أهله له فعاد من إحدى الدول العربية. أما الثلاثة الباقون فلا يعلم تفاصيل كثيرة عن موقعيتهم من موجة العنف التي اجتاحت المملكة من أقصاها الى أقصاها في السنوات الثلاث الماضية.

وبرّت الحكومة ممثلة بوزارة الداخلية بوعدها، فأطلقت سراح الحصيلة الهزيلة من العفو وهم ستة أشخاص قبيل عيد الفطر المبارك الماضي!

أما الصورة الأخرى النقيضة فهي هذه:

مجموعة من قيادات العمل السلمي الإصلاحي، الذي زعم رموز السلطة ـ وفي تصريحات علنيّة ـ أنهم يؤيدونه يعتقلون في 16 مارس الماضي بتهمة (التحريض على الإرهاب)! والطعن في النظام القضائي! وما أشبه من تهم ساذجة غبية، في حين أن كل المعتقلين هم من الرموز الفكرية والسياسية المعروفة بالإعتدال ونبذ العنف والعمل في العلن.

هؤلاء حملة القلم، من أساتذة الجامعات والصحافيين والمحامين، الذين نقرأ لهم دراساتهم ومقالاتهم وكتبهم في الإصلاح الدستوري والتأكيد على (الولاء للقيادة!) وعلى (وحدة الدولة) وعلى (سلمية التحرك) ليس فقط لم ينالوا عفواً هم لا يستحقونه بنظر الأمراء، كما ناله حملة السلاح، بل حرموا من أبسط حقوقهم في المحاكمة العلنية العادلة، ومن الرعاية الصحية داخل المعتقل.. ولازال الإصلاحيون داخل السجون، فيما المحاباة والتودد لدعاة العنف وممارسيه.

الفارق في معاملة الحكومة لحملة القلم وحملة السلاح يشرح لماذا لا يمكن لنا أن نتفاءل بإمكانية قيام إصلاح سياسي حقيقي في المملكة، كما يوضح سرّ تواصل العنف في البلاد. فمن يحابي العنفي ويقمع السياسي السلمي المستنير لا يمكن أن يصل بالبلاد الى شاطئ الأمان.

الصفحة السابقة