الشيخ محمد بن عبد الوهاب: داعية وليس نبيّاً

الجذور الفكرية والعقدية لمنهج التكفير في السعودية

قراءة في كتاب (كشف الشبهات) للشيخ محمد بن عبد الوهاب

حسن بن فرحان المالكي

ظهر في زمن الشيخ محمد وبعده من أتباعه من يغالي في الشيخ غلواً كبيراً، ويتعصب لكل ما كتبه في رسائله وفتاواه؛ بل وحكمه على الأحاديث، وآرائه في الأمم والدول والأفراد وغير ذلك. ثم غلا هؤلاء حتى تركوا جزءاً كبيراً من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، التي كانت في ذم (الغلو في الصالحين)، فالغلو في الصالحين من المحاور الرئيسة التي كان الشيخ رحمه الله ينقدها، فأصبحت هذه المسألة المحورية من أساسيات العقيدة عند الغلاة من أتباع الشيخ محمد(1).

وساعد في غلوهم غلو الطرف الآخر؛ فأدى هذا الغلو من الخصوم لغلو مضاد من بعض أتباع الشيخ الذين اعتبروا كل من خَطَّأ الشيخ خصماً للدعوة الإصلاحية، ومن خصوم العقيدة السلفية، وقد يبالغ بعضهم ويجعل هذا من خصوم الإسلام!. إن خصوم الشيخ وغلوهم في تكفيره وتبديعه؛ ساعد التيار المغالي في أتباع الشيخ وتلاميذه بالظهور، والنطق باسم الدعوة، واحتكار الدفاع عن العقيدة السلفية، والغلو في ذم المخالفين، مع الغلو في الدفاع عن أخطاء الشيخ، فأصبح ما دعى إليه الشيخ مهجوراً من الخصوم والأتباع، على حد سواء إلا من رحم ربك(2)، وهذا ظاهر في زمننا هذا، فلا تكاد تجد إلا غلواً في الشيخ أو غلواً ضده. وعلامة المغالي ضد الشيخ أنه لا يقبل إلا وصفه بكل سوء، كما أنه من علامة المغالي فيه أنه لا يقبل نقد الشيخ، ويستعظم تخطئته، وكأن تخطئته من علامات الردة عن الإسلام، فمن وجدتموه يعترف بأن الشيخ قد أخطأ أو عنده استعداد لقبول هذا فهو معتدل، ومن رفض الحديث في الموضوع فهو من الغلاة.

وقد تشوهت صورتنا ـ نحن طلبة العلم في المملكة- بأننا لا نعترف بأخطاء الشيخ، وأننا نعده معصوماً ولا نقبل النقاش في تخطئته والرد على ما أخطأ فيه، وأنه أصبح عندنا كأحد الأنبياء، وغير ذلك من الاتهامات التي يساعد على انتشارها بعض الغلو الموجود عندنا في الشيخ. فمن هنا جاءت هذه المراجعة لكتاب مشهور من كتب الشيخ محمد واسمه (كشف الشبهات) انطلاقاً من عدة أمور:

الأمر الأول: أن أي منجز بشري يحتاج من وقت لآخر للمراجعة والنقد، ولا عيب في هذا لا شرعاً ولا عقلاً.

الأمر الثاني: أن بعض الأخطاء التي وقع فيها الشيخ وخاصة في التكفير؛ قد أوقعت كثيراً من طلبة العلم فيها تقليداً أو مغالاة، داخل المملكة وخارجها.

الأمر الثالث: إحجام كل طلبة العلم في المملكة تقريباً عن بيان تلك الأخطاء؛ فأصبح بيانها (فرض عين) على كل طالب علم قادر.

الأمر الرابع: من حق كل طالب علم في المملكة أن يذب تهمة الغلو عن نفسه، وعن أبناء بلده فكثير من الناس يعرضون عن الأخوة الدعاة القادمين من المملكة؛ بحجة أنهم يكفرون المسلمين وأنهم يتمحورون حول الشيخ محمد بن عبد الوهاب لا حول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ هذا معنى ما قرأته في بعض الكتب التي تنتقد غلونا في الشيخ، وهذا أيضاً معنى ما سمعته من بعض الأخوة الذين خرجوا للدعوة خارج المملكة نقلاً عن تصورات بعض المسلمين، وقد اشتكى هؤلاء الدعاة من الصدود والإعراض من الناس، وهذا الصدود والإعراض نتحمل جزءاً كبيراً من مسئوليته، وإن حاولنا أن نتغافل عن هذه المسئولية أو ننكرها.

إنني وجدت الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله - على فضله وأثره الدعوي الذي لا ينكره منصف - قد وقع في أخطاء أصبحت سنة متبعة عند بعض طلبة العلم؛ الذين أصبحوا يطلقون التكفير في حق علماء ودول وطلاب علم؛ بناءً على ما قرره الشيخ محمد في بعض كتبه ورسائله، وأصبح الواحد من هؤلاء يحتج بأن الشيخ كان يرى كفر هؤلاء العلماء، وكفر هؤلاء الحكام ؛ وكفر من هذه صفته…الخ. والتمسك بكلام الشيخ في هذا الأمور تمسك بالخطأ، والخطأ لا يجوز التقليد فيه. لكن بعض طلبة العلم لم يتنبه على مواضع هذا الخطأ، ويتهم العلماء المعتدلين بمجاملة غيرهم من العلماء والحكام في العالم الإسلامي، لأنهم لا يكفرونهم! بل وصل ببعضهم إلى تكفير العلماء والحكام جملة، سواء في هذه البلاد أو علماء وحكام المسلمين(3) عامةً.

لماذا كشف الشبهات؟!

ركزت على كتاب كشف الشبهات ـ نموذجاًـ مما كتبه الشيخ؛ لأن هذا الكتاب على صغره يتميز بالوضوح، وتلقين الحجج والبراهين، ولوضوح الأفكار فيه، ولانتشاره الواسع بين كثير من طلبة العلم وأثره الواضح فيهم.

الأمر الآخر: أن هذه القراءة هدفها بيان الملحوظات والأخطاء، فهي تراعي أبرز الملحوظات المحورية التي تفسر انتشار التكفير في بعض كتب الشيخ وبعض كتب من بعده من علماء الدعوة. فكانت وظيفة هذا العمل أن أكشف (سر) وجود هذا التكفير وهذا السر كان عبارة عن (شبه من أدلة) من الشيخ.. وكانت نتيجة استدلال بضعيف أو القطع في أمور ظنية أو استدلال غير صحيح من دليل ثابت أو نحو هذا.

الملحوظات على كتاب كشف الشبهات (4):


الملحوظة الأولى:

يقول الشيخ في الاستهلال ص5: (اعلم رحمك الله أن التوحيد هو إفراد الله بالعبادة وهو دين الرسل الذين أرسلهم الله إلى عباده فأولهم نوح عليه السلام، أرسله الله إلى قومه لما غلوا في الصالحين وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً...). أقول: هذا الكلام أوله صحيح لكن آخره فيه نظر؛ فإن الله أرسل نوحاً إلى قومه ليدعوهم لعبادة الله وترك الشرك؛ فقد كانوا يعبدون هذه الأصنام؛ وليس فعلهم مجرد (غلو في الصالحين)؛ فهذه اللفظة واسعة وتحتمل ـ غالباً ـ الخطأ والبدعة عند إطلاقها، وقد يصل الغلو إلى الكفر وهو النادر، فتقبيل اليد قد يعتبر من الغلو والتبرك بالصالحين قد يعتبر غلواً… لكن هذا ونحوه يعد من الأخطاء أو البدع وليست شركاً، وإن تجوزنا في إطلاق الشرك على هذه الأفعال فهو شرك أصغر؛ وليس من الشرك الأكبر المخرج من الملة. والشيخ محمد رحمه الله قال الكلام السابق ليدلل أن دعوته هي امتداد لدعوة الرسل؛ الذين بعثوا أو كأنهم لم يبعثوا إلا إلى قوم يغلون في الصالحين فقط! أو أكبر أخطائهم الغلو في الصالحين! وهذا غير صحيح فقد كانوا يشركون بالله ويعبدون الأصنام وفي هذا كفاية، لكن لأن الشيخ محمد كان خصومه يردون عليه بأن هؤلاء الذين تقاتلهم وتكفرهم أناس مسلمون؛ وقد يوجد عند عوامهم أو علمائهم غلو في الصالحين لكن هذا لا يبرر لك تكفيرهم ولا قتالهم، لما كانت هذه حجة خصومه استحضر هذا المعنى وكرره كثيراً في كتبه.

يجب أن يعرف القارئ الكريم أنني مع الشيخ رحمه الله في إنكار البدع والخرافات والأخطاء والممارسات التي يفعلها البعض كالغلو في الصالحين وتعظيم القبور والتمسح بها وما يصاحب ذلك من دعاء أو ذبح أو استشفاع أو توسل و..الخ. ولكن إنكاري لهذه البدع والخرافات وربما الشركيات في بعضها لا يجعلني أحكم على مرتكبها بالشرك والخروج من ملة الإسلام سواءً كان جاهلاً أو عالماً لأن الجاهل يمنعنا جهله من تكفيره، والعالم يمنعنا تأويله من تكفيره أيضاً. نعم قد يقال فلان ضال، فلان مبتدع، فلان منحرف.. فهذه التهمة خطرها يسير، إنما أن نقول: فلان كافر كفراً أكبر خارج عن ملة الإسلام! فهذه عظيمة من العظائم يترتب عليها أحكام ومظالم؛ فلا يجوز أن نتهم أحداً بالكفر إلا بدليل ظاهر لنا فيه من الله برهان؛ خاصة وأن الشيخ يريد بإطلاق الكفر الكفر الأكبر المخرج من الملة! فهذه نقطة من نقاط الافتراق الكبرى، وهي نقطة عظيمة بلا شك، لكن لا يجوز لأحد أن يرتب على نقدي للتكفير تسويغاً لهؤلاء؛ الذين يعتقدون تلك الاعتقادات، أو يمارسون تلك الشناعات، عند قبور الأنبياء والصالحين والصحابة وغيرهم.

نعود ونقول: كان الشيخ يُواجه من خصومه، بأن من تقاتلهم وتكفرهم مسلمون يصلون ويصومون ويحجون فكان الرد منه على هذه الشبهة - وهي شبهة قوية- حاضرة في ذهن الشيخ عند تأليفه الكتب أو كتابته الرسائل؛ فبالغ في تأكيده من باب ردة الفعل، كما هو ظاهر في العبارة السابقة، وتكرر عرضه لمحاسن كفار قريش وأصحاب مسيلمة والمنافقين في عهد النبوة والغلاة الذين قيل أن الإمام علياً حرقهم، فتكرر من الشيخ تفضيلهم على المسلمين في عصره من علماء وعامة! حتى يبرهن أنه لم يقاتل إلا أناساً أقل فضلاً من كفار قريش والمنافقين وأصحاب مسيلمة! وهذا خطأ بلا شك، مع ما في مقارناته التي يكتبها بين هؤلاء وهؤلاء من أقيسة تهمل فوارق كبيرة، فلذلك تجد استهلاله السابق ينبئ عن قلقله من الشبهة القوية التي كان الخصوم يواجهونه بها. وكان الأولى أن تكون عبارته كالتالي: (..أولهم نوح عليه السلام الذي أرسله الله إلى قومه الذين كانوا يعبدون الأصنام، وعبادة الأصنام هذه كانت بداياتها غلو في الصالحين حتى وصل هذا الغلو ـ مع طول الأمد - للعبادة المحضة لغير الله، فأنا أدعوكم بتجنب الغلو في الصالحين، حتى لا تصلوا لما وصل إليه هؤلاء المغالون؛ فأنا أخشى أن يصل الأمر بكم أو بذريتكم إلى عبادة هؤلاء الصالحين كالبدوي وعبد القادر الجيلاني والشاذلي وغيرهم...). أقول : لو كانت عبارته هكذا أو نحو هذا لكان أصح وأفضل وأبعد عن الغلو المضاد أو اعتساف الاستدلالات، فتنبه لهذا.


الملحوظة الثانية:

وقوله أيضاً في استهلاله ص5-6: (وآخر الرسل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو الذي كسر صور هؤلاء الصالحين، أرسله إلى قوم يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله..)!. أقول: هكذا يرسم الشيخ سامحه الله صورة جميلة وغير صحيحة عن كفار قريش ليبني على ذلك تكفير مسلمين (يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله..!!)، وهذا قياس مع الفارق الكبير كما سبق شرح ذلك وسيأتي. ثم ذكر الصفة التي من أجلها قاتل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الكفار وقاتل محمد بن عبد الوهاب المسلمين فقال: (لكنهم ـ يعني كفار قريش - يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله!) يعني فجاز قتالهم ويجوز لنا نحن قتالهم للسبب نفسه (5)!.

سبحان الله، كفار قريش الذين لا يقولون (لا إله إلا الله) ولا يؤمنون بيوم القيامة ولا البعث ولا جنة ولا نار ولا يؤمنون بنبي ويعبدون الأصنام ويقتلون ويظلمون ويشربون الخمور ويزنون ويأكلون الربا ويرتكبون المحرمات مثلهم مثل المسلمين المصلين الصائمين الحاجين المزكين المتصدقين المجتنبين للمحرمات والفاعلين مكارم الأخلاق (أفنجعل المسلمين كالمجرمين، مالكم كيف تحكمون)؟!

لا، ليسوا سواء، المسلمون ليسوا كالكفار حتى وإن تأول علماؤهم وجهل عوامهم فالتأويل والجهل باب واسع لكن لا يساوى فيه من يقوم بأركان الإسلام مع من ينكرها. ولا يتساوى من يؤمن بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نبياً ورسولاً ومن يكذبه ويظنه ساحراً أو كاهناً، ولا يتساوى من يتوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويتبرك بالصالحين ـ وإن أخطأ- مع من يرجم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويقتل الصالحين. لا يتساوى من يؤمن باليوم الآخر والجنة والنار مع من يقول (إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا..). لا يتساوى من قال: (لا إله إلا الله) مع من قال: (أجعل الآلهة إلهاً واحداً). لا، لا يتساوى من آمن ومن كفر؛ من صدق الرسل ومن كذبهم، من آمن بالبعث ومن كفر به. لا يتساوى من طلب شفاعة الأنبياء والصالحين ممن يطلب شفاعة الجماد. لا يتساوى ممن يطلب شفاعة الأنبياء وهو يعرف أنهم عبيد الله ممن يطلب شفاعة الأصنام ويجعلهم مشاركين لله في الألوهية.

لا يا شيخنا ـ رحمك الله - هناك فرق كبير بين هؤلاء وهؤلاء. وأقول للأخوة المختلفين معي في هذه المسألة:

معظم علماء المسلمين في عهد الشيخ محمد وفي أيامنا هذه يقولون بجواز التبرك بالصالحين (6) والتوسل بهم، فهل نحن اليوم نكفر جميع هؤلاء؟! أم نخطئهم فقط؟! بل ليت التخطئة بدليل وبرهان. إن قلتم: نحن نكفرهم ردَّ عليكم العلماء المعاصرون داخل المملكة وخارجها واتهموكم بالغلو في الدين وتكفير المسلمين! وإن قلتم: لا، نحن لا نكفرهم رددتم على الشيخ محمد بن عبد الوهاب تكفيره لهم لأنه كان يكفر علماء وعوام مثل علماء زماننا وعوامهم تماماً، ولن يخرج مقلدو الشيخ من هذه الإلزامات، وإن تكلفوا التفريق بين المسلمين (من العلماء والعوام) الذين كانوا في عهد الشيخ محمد وبين المسلمين (من العلماء والعوام) اليوم؛ كان التفريق بين كفار قريش وبين هؤلاء العلماء والعوام أكثر وضوحاً وظهوراً!.

نعم، لأن كل ما أنكره الشيخ محمد رحمه الله على علماء عصره من التوسل بالصالحين أو التبرك بهم أو الاستشفاع بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو زيارة القبور أو ترك الإنكار العلني على العوام والحكام.. الخ، لا زال إلى اليوم في علماء مصر والشام والحجاز واليمن والعراق والمغرب.. الخ فضلاً عن عوامهم. فأنتم إذا كفرتم هؤلاء لزمكم الرد على علمائنا الذين لا يكفرونهم، فإذا بلغ علماءنا ردكم ولم يكفروهم لزمكم تكفير علمائنا؛ لأن من قواعد الدعوة السلفية في كتابات كثير من علماء الدعوة أن (من شك في كفر الكافر فهو كافر)!.


الملحوظة الثالثة:

يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب ص7: (وإلا فهؤلاء المشركون ـ يعني كفار قريش- يشهدون أن الله هو الخالق وحده، لا شريك له، وأنه لا يرزق إلا هو، ولا يحي إلا هو، ولا يميت إلا هو، ولا يدبر الأمر إلا هو، وأن جميع السماوات ومن فيهن والأرضين السبع ومن فيها، كلهم عبيده وتحت تصرفه وقهره..) ثم سرد الآيات في ذلك. أقول: هنا أيضاً رسم صورة زاهية للمشركين؛ ولم يذكر تكذيبهم بالبعث، ولا اعتقادهم أن الذي يهلكهم هو الدهر، ولا اعتقادهم انهم يمطرون بنوء كذا وكذا، ولا أكلهم الربا، وقتلهم النفس، ودفنهم البنات ولا غير ذلك من المظالم والجرائم؛ ولا وصفهم للنبي صلى الله عليه وآله سلم بأقبح الأوصاف وتكذيبهم له، وتعذيبهم المسلمين وقتلهم المستضعفين. فالشيخ محمد أخذ الآيات التي تدل على إيمانهم على وجه الجملة بأن الله هو الخالق الرازق.. مع أن هذه الاعترافات التي اعترف بها المشركون؛ قد أجاب عنها بعض العلماء؛ وذكروا أن المشركين إنما اعترفوا بها من باب (الإفحام والانقطاع)، وليس من باب الاقتناع، ولو كانوا صادقين في اعترافهم؛ لأتوا بلوازم هذا الاعتراف؛ فلذلك يأمر الله نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يذكّرهم بلوازم هذا الاعتراف كما في قوله تعالى: (فقل: أفلا تتقون) (قل: أفلا تذكرون)؟!… الخ.

فكأن الله عز وجل يوبخهم بأنهم كاذبون، وأنهم لا يؤمنون بالله عز وجل خالقاً ورازقاً، كما لا يستطيعون في الوقت نفسه أن يقولوا أن الأصنام هي التي خلقت السماوات والأرض!! فبقوا بين الاعتراف بالقول (انقطاعاً) وممارسة ما يخالفه واقعاً، وهذا الجواب الذي أجاب به بعض العلماء إن كان ضعيفاً فأضعف منه الزعم بأن كفار قريش أفضل من المسلمين في عصر الشيخ.

والحاصل: أنه لا يجوز للشيخ رحمه الله ولا لغيره أن يذكر فضائل الكفار ويهمل أخطاءهم، بينما يختار أخطاء المسلمين وينسى فضائلهم! ولا يجوز أن نختار الآيات التي قد نوهم بها العوام ـ ولو دون قصد - بأن فيها ثناء على الكفار، ونترك الآيات التي تذمهم وتبين كفرهم وظلمهم وتكذيبهم بالبعث... الخ. لا يجوز أن نقوم بكل هذا حتى نسوغ به قتالنا للمسلمين الركع السجود؛ بزعمنا أنهم مثل الكفار تماماً الذين (يصلون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله..)؟! وأننا نقوم بعمل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه! فهذا غير صحيح، والاعتراف بالخطأ خير من التمادي في الباطل، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، ومن رضي المعصية كان كمن شهدها وشارك فيها أو قريب من ذلك، فلنتق الله ولا تخدعنا القوة والكثرة عن ديننا، ولا نغتر بكثرة المناصرين في الباطل، فإن هؤلاء لا يملكون جنة ولا ناراً، ولعل الشيخ الآن أحوج إلى استغفارنا من حاجته إلى نصرة الأخطاء التي وقع فيها، لكننا نغتر بالكثرة والغوغاء.

ثم على هذا المنهج العجيب في المقارنة بين (فضائل الكفار) و(أخطاء المسلمين)! يمكننا أن نقول: كيف نقاتل اليهود؟! وهم يصدقون في القول، ويحترمون العدالة، ويوزعون الأموال بالسوية، ويؤمنون بالله، ويحترمون المقدسات، ويحترمون حرية الرأي،..الخ! ونترك قتال المسلمين الذين يظلمون؟! ويتعاملون بالربا؟ ويكذبون؟ ويخلفون المواعيد؟ ويخونون في الأمانات؟ والذين يجيزون التوسل و يتبركون بالصالحين؟.. الخ. وهكذا فإن ذكرنا محاسن موجودة عند اليهود؛ وتناسينا مساوئهم وعكسنا القضية في حق المسلمين؛ تصبح المسألة ملتبسة، وأصبح قتال المسلمين أولى من قتال اليهود المحتلين(7)!.


الملحوظة الرابعة:

ويقول الشيخ ص9: (فإذا تحققت أنهم مقرون بهذا – يقصد بأن الله هو الخالق الرازق-.. ولم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، عرفت أن التوحيد الذي جحدوه هو (توحيد العبادة)، الذي يسميه المشركون! في زماننا (الاعتقاد) !!) اهـ. أقول: سامح الله الشيخ محمد ففي هذا النص تكفير صريح لعلماء المسلمين في زمانه!. ثم إن المسلمين لا يعبدون إلا الله بخلاف هؤلاء المشركين؛ الذين يسجدون للأصنام؛ وإذا لم يكن هذا واضحاً؛ فلن نستطيع التفريق بين أمور أخرى أشد التباساً، ومن تلك الأمور الملتبسة اتهام بعض العلماء للشيخ محمد وأصحابه بأنهم خوارج؛ لأنهم عندهم ممن يكفرون المسلمين ويستبيحون دماءهم، أنهم يخرجون من قبل المشرق، وأن سيماهم التحليق و... الخ. فإذا كانت التسوية بين الخوارج والوهابية ظلماً؛ فالتسوية بين كفار قريش والمسلمين أكثر ظلماً، وأبعد عن الحق، وإن كان الشيخ معذوراً في تفضيل كفار قريش على علماء زمانه؛ فالذي يجعل علماء الدعوة من الخوارج أولى بالعذر؛ لأن الخوارج مع هذا مسلمون على الراجح، ولم يكفرهم الصحابة بينما كفار قريش لا يشك أحد في كفرهم.


الملحوظة الخامسة:

قوله ص9 في وصف محاسن كفار قريش وغيرهم: (كانوا يدعون الله سبحانه ليلاً ونهاراً! ثم منهم من يدعو الملائكة لأجل صلاحهم وقربهم إلى الله ليستغفروا له، أو يدعو رجلاً صالحاً مثل اللات! أو نبياً مثل عيسى وعرفت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قاتلهم على هذا الشرك! ودعاهم إلى إخلاص العبادة... فقاتلهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليكون الدعاء كله لله والنذر كله والذبح كله لله والاستغاثة كلها بالله وجميع العبادات لله...الخ) أهـ. أقول: الكفار لم يكونوا يدعون الله ليلاً ونهاراً! وإنما كانوا يذكرون هبل واللات ومناة، ولو كانوا يدعون الله ليلاً ونهاراً لما نهى الله نبيه عن (عبادة الذي يدعون) كما في قوله تعالى: (قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله..)(8)، وقال تعالى واصفاً حال الكفار ساعة الموت: (حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا: أين ما كنتم تدعون من دون الله..)(9)؟! وقال (إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم..) (10)، وقال عن الكفار: (قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين ندعو من دونك..) (11) وغير ذلك كثير من الآيات التي لم أشأ تتبعها، وهي تخبر عنهم بخلاف ما أخبر الشيخ، بأن أكثر دعاؤهم هو للأصنام وليس كما يقول الشيخ من أنهم (يدعون الله ليلاً ونهاراً)! إضافة إلى أنهم لم يكونوا يدعون الله بإخلاص إلا في الشدائد.

ولو كانوا يدعون الله ليلاً ونهاراً - كما وصفهم الشيخ - لغبطهم عليه زهاد الصحابة! فهذه صورة من الصور الكثيرة الجميلة التي يمدح فيها الشيخ كفار قريش، ليس حباً فيهم؛ ولكن ليقارن بينهم وبين مسلمي عصره؛ ثم ليبني على تلك المقارنة الناقصة تفضيلهم على المسلمين، ثم البناء على هذا كله تكفير المسلمين وقتالهم (12). والذي يجب أن يصحح هنا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قاتل الكفار، لأمور كثيرة أهمها الشرك الأكبر بالله وإخراج المسلمين من ديارهم وإنكارهم النبوة وارتكابهم المظالم.. الخ. فتعليل الشيخ محمد ناقص وهذا النقص في التعليل أدى إلى قتال مسلمين (يصلون و يحجون و يذكرون الله)!. ثم لم يرد في القرآن الكريم أن علة قتال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للكفار حتى يكون الذبح كله لله والنذر كله لله والاستغاثة كلها بالله.. فقط. وإنما الأسباب الكبرى الرئيسة هي : الشرك الأكبر وإنكار النبوة وإخراج المسلمين من ديارهم..الخ. فالشيخ يذكر أسباباً صغيرة مشتبهة لم تذكر في النصوص وليست متحققة ولا يُدرى أهي سبب في القتال أم لا؟! ويترك الأسباب الكبرى المتفق عليها والمنصوص عليها في القرآن الكريم بأنها هي سبب قتال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للكفار.


الملحوظة السابعة:

ثم يواصل ص11 بقوله: (لم يريدوا أن الله هو الخالق الرازق المدبر فإنهم يعلمون أن ذلك لله وحده كما قدمت لك، وإنما يعنون بالله ما يعني المشركون في زماننا بلفظ السيد!) أهـ. أقول: هذا أيضاً فيه تكفير صريح للمسلمين في زمانه فالسيد يطلقها كثير من الناس في القرون المتأخرة إلى اليوم على أهل البيت، وإطلاقها ليس كفراً ولا حراماً، نعم قد يكون مكروهاً، والحديث الوارد في النهي فيه نزاع قوي، وإن كان أهل نجد أو الحجاز يطلقون السيد على الذي يتبركون به ويطلبون منه الدعاء فهذه بدعة قد تكون كبرى وقد تكون صغرى بحسب الحالة لكنها ليست كفراً، ثم ليس صحيحاً على إطلاقه ما ذكره الشيخ من أن المشركين كلهم كانوا يعلمون أن الله هو الخالق الرازق.. فهذا متحقق في بعض الكفار لا كلهم؛ فالدهريون مثلاً لا يؤمنون بهذا بنص القرآن الكريم.


الملحوظة الثامنة:

قوله ص11: (فأتاهم النبي (صلى الله عليه وسلم) يدعوهم إلى كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) والمراد من هذه الكلمة معناها لا مجرد لفظها..) أ.هـ. أقول: لكن مجرد التلفظ بها ينجيهم من التكفير والقتل بينما من يقولها من معاصري الشيخ لا تعصمهم من تكفير ولا قتال ، فالمنافقون في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) يقولون الشهادتين بألسنتهم، وكان النبي (ص) يعرف ذلك في كثير منهم؛ ومع ذلك عصمت دماءهم وأموالهم، أما المعاصرون للشيخ من المسلمين فلم تعصم دماءهم و أموالهم لا الشهادتان ولا أركان الإسلام.. مع صدقهم في ذلك.


الملحوظة التاسعة:

ويقول ص12: (فالعجب ممن يدعي الإسلام وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال الكفرة، بل يظن (يعني المدعي للإسلام) أن ذلك (يعني تفسيرها) هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب لشيء من المعاني)؟! أهـ. أقول: هذا غير صحيح؛ فليس هناك مسلم واحد يقول إن معنى (لا إله لا الله) هو التلفظ بها دون اعتقاد القلب لذلك. والمسلمون جميعهم علماؤهم وعوامهم، يمقتون في المسلم أن يقول ما لا يعتقد، بل حتى العوام يسمون هذا (نفاقاً)، وهم يذمون من يخالف قوله فعله، بل حتى الكفار يذمون من يخالف قوله فعله.. فكيف يظن الشيخ هذا الكلام - سامحه الله ـ أن المسلمين في عصره يقولون بجواز أن نشهد الشهادتين بلا اعتقاد لمعانيها، فنقول (لا إله إلا الله) ونعبد غيره، (ونقول: محمد رسول الله) ونعتقد كذبه؟! فالمسلمون في عهد الشيخ مثل المسلمين اليوم في البلاد الإسلامية، فهل يجوز لنا أن نقول اليوم: إنهم يقولون: (نقول: الشهادتين باللفظ فقط وسننجو حتى وإن اعتقدنا خلافها)؟! نعم لهم شبه وأدلة يستجيزون بها التوسل والاستشفاع والاستغاثة ونحو ذلك، وهذا خطأ بلا شك عندنا في ذلك، لكن هم عندهم شك، بل هم لا يرون هذا متناقضاً مع الشهادتين، ولهم في ذلك مؤلفات وأدلة وشبهات وتأويلات، مثل تأويلاتنا وشبهاتنا؛ في تكفير المسلمين ومدح كفار قريش وتفضيلهم على المسلمين!! وهم يصرون على عقائدهم مثل إصرارنا؛ ويتهمون ناصحيهم بالعمل لصالح الوهابية، مثلما نتهم ناصحينا بالقبورية والعمل لصالح الصوفية والشيعة، وستبقى نظرية المؤامرة والتشكيك في نيات الآخرين حاضرة في حواراتنا، ما دام الغلو والغلو المضاد لهما حضورهما في هذه الحوارات ولن يقطع هذا إلا المباهلة. ثم كيف يجعلهم ممن (يدعي الإسلام)؟! يعني وليسوا مسلمين!! وهذا تكفير آخر فتنبه!!


الملحوظة العاشرة:

ثم يقول ص13: (والحاذق منهم – يعني ممن يدعي الإسلام من علماء المسلمين!- يظن أن معناها لا يخلق ولا يرزق إلا الله)! ثم يتبع هذا بقاصمة وهي (فلا خير في رجل جهال الكفار أعلم منه بمعنى لا إله إلا الله)؟!. أقول: سبق الجواب بأن علماء المسلمين في زمانه لا يفسرون الشهادتين كما ذكر هنا ـ فيما أعلم - نعم لهم تأويل بأن التبرك والتوسل لا يناقضها وهذا شيء آخر. لكن أن يأتي عالم ويزعم أن (لا إله إلا الله) ليس معناها إلا (لا خالق إلا الله ولا رازق إلا الله) مع جواز صرف العبادة لغيره فلا أظن عالماً عاقلاً يقول هذا، ومن زعم هذا فعليه الدليل والبرهان.


الملحوظة الحادية عشرة:

ذكر ص15،16: أن أعداء التوحيد قد يكون عندهم علم وحجج وفصاحة … وهذا إقرار منه بأنه يتحدث عن معارضيه من علماء عصره في نجد والحجاز والشام(13) .. معهم علم وفصاحة وقبل هذا ينفي أنهم لا يعرفون معنى لا إله إلا الله!


الملحوظة الثانية عشرة:

ويقول ص17: (والعامي من الموحدين يغلب ألفاً من علماء هؤلاء المشركين)! أقول: هذا تكفير واضح لعدد كبير من العلماء ويستحيل في العادة أن يوجد مثل هذا العدد من العلماء الكفار في بلد واحد؛ فاعرف هذا فإنه مهم وهو من أدلة من يتهم الشيخ بتكفير من لم يتبعه!! والشيخ وأتباعه يقولون : معاذ الله أن نكفر المسلمين لكن هذا المسلم عند الشيخ له شروط طويلة يختلف فيها مع العلماء قبل العوام ولا تكاد تنطبق إلا على من يقلده ويتبعه – كما سيأتي مدعماً في الأمثلة القادمة- فالخلاف يكاد يكون لفظياً فقط!!.


الملحوظة الثالثة عشرة:

ويقول ص19: (وأنا أذكر لك أشياء مما ذكر الله في كتابه جواباً لكلام احتج به المشركون في زماننا علينا...)!!.أهـ. أقول: يا ترى من هم هؤلاء المشركون الذين يغوصون في أدلة الكتاب والسنة مع فصاحة وعلم وحجج…؟! أليسوا علماء مختلفين معه في دعوى كفر مخالفيه من علماء وعوام؟ لا ريب أن هذا فيه تكفير صريح للمخالفين له ممن نسميهم (خصوم الدعوة) أو (أعداء التوحيد) أو (أعداء الإسلام)!! وهذا ظلم، لأن الشيخ كان يرد على مسلمين ولم يكن يرد على كفار ولا مشركين، وهذه رسائله وكتبه ليس فيها تسمية لمشرك ولا كافر وإنما فيها تسمية لعلماء المسلمين في عصره كابن فيروز، ومربد التميمي، وابني سحيم سليمان وعبد الله، وعبد الله بن عبد اللطيف، ومحمد بن سليمان المدني، وعبد الله بن داود الزبيري، والحداد الحضرمي، وسليمان بن عبد الوهاب، وابن عفالق، والقاضي طالب الحميضي، وأحمد بن يحي، وصالح بن عبد الله، وابن مطلق، وغيرهم من العلماء الذين يطلق عليهم (المشركون في زماننا)!! و قد استمر علماء الدعوة بعده في تكفير أو تبديع يكاد يصل للتكفير لعدد آخر من علماء المسلمين ـ أخطأوا ولم يكفروا- في عهد الدولة السعودية الثانية كابن سلوم وعثمان بن سند وابن منصور وابن حميد وأحمد بن دحلان المكي وداود بن جرجيس وغيرهم. وفي القرن الرابع عشر الهجري استمر تكفيرنا وتبديعنا لعلماء معاصرين ـ أخطأوا ولم يكفروا - كالكوثري، والدجوي، وشلتوت، وأبي زهرة، والغزالي، والقرضاوي، والطنطاوي، والبوطي، والغماري، والكبيسي، وغيرهم، ولو نستطيع لقلنا عنهم (المشركون في زماننا) وقد قيل!

ومن المؤسف أنه لا يوقف تكفيرنا وتبديعنا للآخرين إلا السلطة أو العجز، ولولاهما لما أبقينا أحداً إلا وصمناه بكفر أو بدعة مكفرة! مع أن الواجب أن يكون هذا التورع عن التكفير والتبديع من العلماء لا من الحكام، ولا وقت العجز، لأن العلماء يعرفون عظمة حق المسلم وتحريم دمه وماله وعرضه، فهي آخر ما أوصى به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع، فهذه الخطبة التي بثها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مائة ألف من المسلمين؛ يحفظها بألفاظها العلماء لا الحكام، فكان الأولى والأجدر بهم حفظ ورعاية هذه الوصية النبوية الكبرى.


الملحوظة الرابعة عشرة:

قوله ص12 مخاطباً أحد العلماء المختلفين معه: (وما ذكرتَ لي أيها المشرك!! من القرآن أو كلام النبي (صلى الله عليه وسلم) لا أعرف معناه)! أقول: يا ترى من هذا المشرك الذي يستدل على الشيخ بالقرآن والسنة؟! أي مشرك هذا؟! ثم هذا تكفير للمعين فتنبه.


الملحوظة الخامسة عشرة:

ويقول ص23: (فإن أعداء الله (هكذا!) لهم اعترافات كثيرة يصدون بها الناس منها قولهم نحن لا نشرك بالله بل نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عليه السلام لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فضلاً عن عبد القادر أو غيره ولكن أنا مذنب والصالحون لهم جاه عند الله وأطلب من الله بهم فجاوبه بما تقدم وهو أن الذين قاتلهم رسول الله (ص) مقرون بما ذكرت ومقرون أن أوثانهم لا تدبر شيئاً وإنما أرادوا الجاه والشفاعة…) أهـ. أقول: هذا يدل على أن الشيخ يرى تكفير هؤلاء الذين يقولون القول السابق، وأنه يعتبرهم مشركين شركاً أكبر؛ كشرك كفار قريش وهذا عين التكفير، وأكبر أحوالهم أن يكونوا مبتدعين فقط، والمبتدع لا يجوز تكفيره فضلاً عن قتله، وكل المبتدعين المقتولين عبر التاريخ إنما كانوا مقتولين لظروف سياسية بحتة؛ يدركها من درس التاريخ(14).


الملحوظة السادسة عشر:

قوله ص24: (فإنه إذا أقر ـ يعني المخالف للشيخ - أن الكفار يشهدون بالربوبية كلها لله!! وأنهم ما أرادوا ممن قصدوا إلا الشفاعة ولكن أرادوا أن يفرق بين فعلهم وفعله بما ذكره (من صلاتهم وصلاحهم بخلاف الكفار) فاذكر له أن الكفار منهم من يدعو الصالحين ومنهم من يدعو الأولياء...) أهـ. أقول: الكفار لا يؤمنون ببعض الربوبية، ولا بالألوهية كلها، وهم يعبدون الأصنام ذاتها، ولم يقتصروا على الطلب (طلب الشفاعة فقط)، بل قولهم قالوه انقطاعاً لا اعتقاداً، أو أنه قول بعضهم فقط، لأنه ثبت عن بعضهم على الأقل أنهم يقولون بالدهر ولا يؤمنون بالبعث. أما المسلمون فإنهم لا يسجدون لأحد غير الله، ولا يعبدون إلا الله، وقد يجهل بعضهم أو يتأول بأن الصالحين من الأحياء والأموات، يجوز التوسل بهم وطلب شفاعتهم عند الله، وأنهم إن دعوا لهم فإنهم ينفعونهم بإذن الله لا استقلالاً عن إرادة الله (15) وهذا يختلف كثيراً عن هؤلاء الكفار. والحاصل أن التشابه بين الكفار والمسلمين المعاصرين ـ إن سلمنا به - أبعد بكثير من التشابه بين الخوارج واتباع الشيخ، فالتشابه بينهم من التكفير والتحليق واستحلال الدماء... الخ أكبر وأظهر. وحجة الخوارج على علي رضي الله عنه هي قريبة من حجة الوهابية على مخالفيهم، فالخوارج قالوا بوجوب صرف الحكم كله لله (لا حكم إلا لله)!! وهي كلمة حق أريد بها باطل مثلما ظن الوهابية من قولهم (لا ذبح إلا لله ولا توسل إلا بالله ولا استغاثة إلا بالله.. الخ). فهذا حق من حيث الأصل لكن قد تكون هناك صور في التطبيق تخرج عن هذا الإطلاق؛ وأقل الأحوال أن تكون هناك ممارسات خاطئة للإطلاقات السابقة، يفعلها البعض بتأويل أو جهل، فهذه الممارسة لا يكفر صاحبها إلا بعد ارتفاع موانع التكفير وقيام الحجة.


الملحوظة السابعة عشر:

قال ص26: (فإن قال ـ يعني المخالف للشيخ - الكفار يريدون منهم (من الأصنام) وأنا أشهد أن الله هو النافع الضار المدبر لا أريد إلا منه والصالحون ليس لهم من الأمر شيء ولكن أقصدهم أرجو من الله شفاعتهم فالجواب: أن هذا قول الكفار سواءً بسواء!!)! اهـ. أقول: الذي يقول الكلام السابق لا يكفر؛ لأنه متأول أو جاهل، وكونه يتفق مع الكفار في جزئية يسيرة لا يعني مساواته بالكفار أو أن لهما الحكم نفسه (16). بمعنى لو أقسم أحد بغير الله، فقد شارك الكفار في جزئية يسيرة، لكن لا يكفر بسببها، فالشيخ غفل عن مثل هذه الدقائق؛ فوقع في تكفير المسلمين، فتركيز الشيخ على آية (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى)، التي هي - فيما يظهر - حكاية عن انقطاعهم واعتذارهم الذي لا يصاحبه صدق نية، وإغفاله لبقية الآيات في وصف الكفار وعقائدهم، فيه نقص في استيفاء مواطن اختلاف الكفار عن المسلمين. ثم طلب الشفاعة من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والصالحين مع اعتقاد أنهم جميعاً عبيد الله، وأنهم لا يعطون شيئاً إلا بإذن الله، هذا كله ليس كالسجود للأصنام، وإن كان خطأً أو بدعة صغرى أو كبرى، ولذلك يستطيع مخالف الشيخ أن يلزمه تكفير شارب الخمر، لأنه لا يشربها إلا وهو يحبها والمحبة عبادة، وصرف شيء من المحبة لغير الله شرك وهكذا..

وإن قلتم: نحن لا نعترض على محبة الصالحين وإنما نعترض على عبادتهم. قيل لكم: هؤلاء لا يعبدونهم وأنتم تسمون توسلهم بالصالحين عبادة وهم لا يقرون لكم بأن هذه عبادة ولهم أدلة في ذلك ـ على ضعفها - لكنها تمنع من تكفيرهم فهذا هو التأويل الذي ذكر العلماء أنه يمنع من التكفير. فإن قلتم: التوسل عبادة. قالوا: ما دليلكم على ذلك؟ فإن قلتم: لم يفعله السلف؟ قالوا: قد فعله عمر بن الخطاب بالعباس بن عبد المطلب. فإن قلتم: عمر توسل بالحي لا بالميت. قالوا: وهل تجوز عبادة الحي؟ إن قلتم: لا؟ قالوا: فلماذا تسمون (التوسل) عبادة؟! هذا دليل على أنكم تسمون الأشياء بغير اسمها. فإن قلتم: التوسل بالميت عبادة بخلاف الحي. قالوا لكم: ما دليلكم على التفريق؟ فإن قلتم: دليلنا فعل الصحابة فإنهم فعلوا هذا ولم يفعلوا ذلك. قالوا لكم: - على التسليم لكم - فإنهم قد يتركون أمراً ولا يكون محرماً فضلاً عن كونه كفراً مخرجاً من الملة؟! ثم عندنا أدلة في توسل بعضهم بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ميتاً، كما في حديث عثمان بن حنيف المشهور. فإن قلتم: هذا عندنا ضعيف. قالوا لكم: وأكثر الأحاديث التي تستدلون بها هي عندنا ضعيفة، بل هي ضعيفة عند التحقيق، مثل حديث تقريب الذباب وحديث شرك آدم وحواء، وغيرها من الأحاديث الضعيفة والموضوعة الموجودة في كتبكم. فإن قلتم: الأولى تجنب التوسل للشبهة والاختلاف. قالوا لكم: أولى من ذلك تجنب تكفير المسلمين وتفضيل كفار قريش عليهم لأن الأصل المتيقن هو الإسلام لا الشرك، فلا نترك المتيقن للمظنون. فإن قلتم: التشديد لا بد منه ليهتدي المسلمون لدين الله ويحذروا تلك البدع والخرافات. قالوا لكم: والرد عليكم لا بد منه ليحذر طلاب العلم من الوقوع في تكفير المسلمين واستحلال دمائهم وأموالهم. فإن قلتم: تعالوا للتحاكم لكتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وترك التقليد. قالوا لكم: مرحباً وأهلاً فقد قلنا لكم هذا من زمن طويل وأنتم ترفضون، و تستعدون علينا السلطات، ولم تنتهوا عن تكفير الأبرياء حتى كفر بعضكم بعضاً، و تظالمتم فعرفتم عندئذ مقدار ظلمكم لنا في الماضي، وتعرفتم على بعض ما كنا نستدل به في براءتنا من الكفر، لأنكم ذكرتم أدلة في الرد على من يكفركم كنا نكررها في الرد على تكفيركم لنا، فاعتدالكم في الأزمنة الأخيرة للأسف كان لمصلحة أنفسكم و حمايتها لا حماية جانب الشريعة .


الملحوظة الثامنة عشر:

قوله ص33: (ولا يشفع ـ النبي صلى الله عليه وسلم - في أحد إلا من بعد أن يأذنه الله فيه كما قال عز وجل (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) وهو لا يرضى إلا التوحيد كما قال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه)!!... ولا يأذن الله إلا لأهل التوحيد).أهـ. أقول: على هذا يمكن أن يقال ما قاله بعض المتحاورين مع الشيخ من أنه بناء على هذا الكلام فلن يدخل الجنة في زمن الشيخ إلا أهل العيينة وأهل الدرعية! ففي كلام الشيخ السابق تكفير ضمني لكل من يرى التوسل بالصالحين أو طلب الشفاعة منهم، وهم جمهور من علماء المسلمين وعامتهم في ذلك الوقت وفي زماننا أيضاً. وهنا أتذكر صدق كلمة قالها أحد معارضي الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله عندما قال ما معناه: (النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه سيأتي مفاخراً بقومه يوم القيامة وعلى كلام هذا ـ يقصد الشيخ محمد - سيأتي نبينا (صلى الله عليه وسلم) وليس معه إلا نفر من أهل العيينة)!! أهـ ذكر هذا عنه الدكتور عبد العزيز بن عبد اللطيف في كتابه (دعاوى المناوئين). والدكتور عبد العزيز وفقه الله رد على الكلام السابق ولم يتنبه للوازم كلام الشيخ محمد هنا عندما حرَّم الشفاعة على غير أتباعه الذين سماهم (الموحدين) بحجة أن غير هؤلاء ليسوا مسلمين (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه)! فالمسلمون في العالم الإسلامي ـ سوى أتباع الشيخ بنجد وملحقاتها - يكونون عند الشيخ قد ابتغوا غير دين الإسلام!.

وهذا أمر في غاية التكفير والخطورة لأن العالم الإسلامي فيه هذه البدع والخرافات من زمن طويل، وفيه العلماء المتأولون والعوام الجهلة ولكن لا يجوز لنا أن نقول بكفرهم، فالذين أدركهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله هم المسلمون أنفسهم الذين تباكينا عليهم من هجمات الصليبيين في الشام، وغزو المغول في المشرق، واضطهاد الفرنجة في الأندلس... أما على كلام الشيخ رحمه الله فلا داعي للبكاء لأن هؤلاء مشركون متبعون غير دين الإسلام فلماذا البكاء؟! وهذا التكفير لم يكن يوجد عند الشيخ ابن تيمية ـ مع أخطاء وقع فيها - فقد كان ابن تيمية في زمن يشبه زمن الشيخ محمد من انتشار الجهل عند العوام وضعف العلماء في دعوة الناس إلى التوحيد الصافي؛ لكن ضعف هؤلاء وجهل هؤلاء لا يبيح لنا إلا وصفهم بالتقصير والجهل والإثم ويكفي، أما أن نطلق عليهم الكفر المخرج من الملة؛ فالتكفير أمره عظيم وإخراج هذه الشعوب من دين الله أمره أشد وأعظم. بل إن بقايا الخوارج أنفسهم في الأزمنة المتأخرة لا أظن أنهم كفروا العوام أو استحلوا دماءهم، كما فعل الشيخ رحمه الله وأتباعه ـ بفتاوى منه - في العلماء والعوام.

قتال المسلمين لا يجوز لمجرد وجود بدع وخرافات، لأن القتال لا يجوز إلا بنص شرعي، أما بلا نص فارتكابه أسوأ من تلك البدع والخرافات. والشيخ محمد رحمه الله ربما لو لم يقاتل المسلمين، واكتفى بمراسلة العلماء يحثهم على الدعوة إلى الله؛ ربما لو فعل هذا لجاءت النتيجة نفسها ولو متأخرة، ولتجنبنا مآسي التكفير من ذلك الزمن إلى عصرنا هذا الذي يعتمد فيه المكفرون على فتاوى الشيخ وعلماء الدعوة في تكفير المسلمين. وإن كان سيد قطب رحمه الله قد بالغنا في نقده لأننا وجدنا في (متشابه) كلامه ما يوحي بالتكفير؛ فإن الشيخ محمد قد وجدنا التكفير في (صريح) كلامه لا متشابهه (17)! فجعلنا سيد قطب كبش فداء لأنه ليس له أنصار عندنا وللشيخ أنصار! وهذا ليس من أخلاق طالب العلم الذي يقول الحق ولو على نفسه، ولا يحمل المسئولية الأبرياء.

وهذا يدعونا لنقد عبارات الشيخ مع الاعتراف بفضله علينا، لكن الضرر في كتبه وإن رآه البعض يسيراً فإنه في الوقت نفسه خطير للهالة العظيمة الموجودة حول الشيخ رحمه الله، والمشكلة الكبرى عندنا أن فتاوانا اليوم في التكفير تخالف الشيخ تماماً، لكننا نجبر الناس على الإيمان بفتاوى الشيخ التي تحمل توسعاً في التكفير، والإيمان بفتاوانا التي كان يراها الشيخ (إرجائية) والتي تتفق مع فتاوى خصوم الشيخ في الرد على التكفير!! وهذا جمع بين المتناقضات(18). ولو أننا قلنا: إن الشيخ اجتهد في التكفير فأخطأ لزال كل هذا التناقض، ولم ينقص دين ولا دنيا ولا مكانة، فالدين لا يهتز لتخطئة أمثال عمر وعلي رضي الله عنهما، فكيف يهتز لتخطئة ابن تيمية أو ابن القيم أو الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وبيان أخطاء الشيخ محمد في هذا الجانب (جانب التكفير) مفيد وضروري، لأن المجتمع السعودي علماؤه وطلاب العلم فيه تربوا على فتاوى الشيخ وعلماء الدعوة الذين كانوا يميلون لتكفير المسلمين، ولابد أن يتأثر بعضهم بهذا الجانب، وقد رأينا فتاوى لبعضهم في الحكم بردة بعض الناس! ومن قرأ كتاب (الدرر السنية) عرف هذا تماماً، بل في هذا الكتاب مجلدان كبيران بعنوان (الجهاد)، كلهما في جهاد المسلمين، وليس فيه كلام عن جهاد الكفار الأصليين من اليهود والنصارى، مع أن بلاد المسلمين المجاورة في الخليج والعراق والشام كان فيها كفار أصليون محتلون. وتبادل التكفير حصل بين علماء الدعوة أنفسهم عندما اختلف أولاد الأمير فيصل بن تركي (عبد الله وسعود) رحمهم الله، فكان مع كل أمير علماء يكفرون الطائفة الأخرى. فهذه (الفوضى التكفيرية) هي نتيجة طبيعية وحتمية من نتائج منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الذي توسع في التكفير؛ حتى وجدت كل طائفة في كلامه ما يؤيد وجهة نظرها. بل حركة الحرم وأصحاب التفجير في العليا ما هم إلا نتيجة لمنهج الشيخ في التكفير قبل سيد قطب ومن شاء فليراجع مصادر هؤلاء وسيعرف هذا تماماً.


الملحوظة التاسعة عشرة:

قوله ص36: (فإن قال: الشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام فقل: وما معنى عبادة الأصنام؟ أتظن أنهم يعتقدون أن تلك الأخشاب والأحجار تخلق وترزق وتدبر أمر من دعاها فهذا يكذبه القرآن..) أهـ. أقول: عبادة الأصنام هي السجود لها والصلاة لها وطلب الحوائج منها مع الكفر بالنبوات.. وأما المسلم فلا يصلي لولي ولا نبي ويقر بأركان الإسلام وأركان الإيمان ويؤمن بالبعث و الحساب والجنة والنار.. الخ. ثم في كلام الشيخ تعميم عجيب عندما قال ص37: (الشرك هو فعلكم عند الأحجار والبنايات التي على القبور وغيرها..) وذكر أنهم (يدعون ذلك ويذبحون له ويقولون: إنه يقربنا إلى الله زلفى! ويدفع عنا ببركته..) اهـ، وأنا أشك في وجود مثل هذه الصورة التي نقلها الشيخ، فهذا إن وجد فنادر، أما طلب البركة من تربة قبور الصالحين ونحوها فهو إلى اليوم وهو بدعة وليس كفراً(19) فضلاً عن الشرك الأكبر المخرج من الملة لكل أهل تلك الجهة، بل كان الذهبي وبعض العلماء يجوزه فهل هم كفار؟ ولا زال بعض العوام يفعلون هذا في مناطق مختلفة ولكن هذا لا يعني كفر الناس في تلك الجهات على أقل تقدير، بل لا تخلو منطقة من وجود أفراد يعتقدون في السحرة والكهان اعتقادات باطلة أو كفرية، لكن هذا لا يعني تكفير الناس الذين لا يفعلون هذا، وهم الكثرة مع أن الشيخ محمد رحمه الله كان يكفر كل أهل المنطقة التي يوجد بها مثل هذه الممارسات، بحجة أن من لم ينكر فهو كالفاعل. ويظهر من كلام الشيخ محمد أنه إن علم بحادثة في الحجاز أو عسير أو سدير عممها على أهل تلك الجهة كلها فيكفرهم ويقاتلهم. وهذه حجة من يرى أن الحركة سياسية بالدرجة الأولى؛ لأنه لا يعقل عند هؤلاء أن يظن الشيخ أن يكون أهل الحجاز على إجازة الذبح عند القبور والاستشفاع بأصحابها.. فهذا لن يكون إلا في أفراد، أما التبرك بالصالحين أو تربة قبورهم فهذه قد تكون عند بعض العلماء المتأولين. فلو كان الذهبي معاصراً للشيخ هل نرى وجوب قتله وتكفيره خاصة وأنه كان يرى التبرك بالصالحين وتربة قبورهم؟! إذا قلتم: نعم؛ اطردتم وأصبحت خصومتكم مع غيرنا. وإن قلتم: لا، وافقتمونا بأن هذا الأمر لا يجوز فيه التكفير ولا القتال، نعم يمكن التخطئة والإنكار بلا تكفير ولا سيف.


الملاحظة العشرون:

قوله ص39: (ويصيحون كما صاح إخوانهم حيث قالوا: (أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب).أهـ. أقول: هذا يتضمن تكفير المخالفين له في الرأي الذين لا تصح فيهم هذه التهمة أبداً ، فليس هناك مسلم على وجه الأرض يقول هذا القول وليس هناك مسلم يقرأ هذه الآية من كلام الكفار ثم يقول بمثل قولهم.


الملحوظة الحادية والعشرون:

ويقول ص39: (فإذا عرفت أن هذا الذي يسميه المشركون في زماننا (الاعتقاد) هو الشرك الذي أنزل فيه القرآن وقاتل رسول الله (ص) الناس عليه فأعلم أن شرك الأولين أخف من شرك أهل زماننا بأمرين) أهـ. أقول: وهذا تكفير صريح للمسلمين في زمانه إلا من كان على منهجه لأنه لا يعرف كلمة (اعتقاد) ولا كتب الاعتقاد إلا الصفوة من علماء وطلبة علم فإذا كان هؤلاء أشد شركاً من كفار قريش فكيف بالباقين؟! وقد سبق الجواب على هذا كله.


الملحوظة الثانية والعشرون:

ويقول ص43: (الذين قاتلهم رسول الله (ص) أصح عقولاً وأخف شركاً من هؤلاء). أقول: هذا تكفير صريح.


الملحوظة الثالثة والعشرون:

يقول ص43: (اعلم أن لهؤلاء شبهة يوردونها على ما ذكرنا وهي من أعظم شبههم فأصغ بسمعك لجوابها وهي أنهم يقولون: إن الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون أن لا إله إلا الله ويكذبون الرسول وينكرون البعث ويكذبون القرآن ويجعلونه سحراً ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ونصدق القرآن ونؤمن بالبعث ونصلي ونصوم فكيف تجعلوننا مثل أولئك)؟!

فيجاوب الشيخ قائلاً: (فالجواب أنه لا خلاف بين العلماء كلهم أن الرجل إذا صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء وكذبه في شيء أنه كافر! لم يدخل في الإسلام وكذلك إذا آمن ببعض القرآن وجحد بعضه! كمن أقرّ التوحيد وجحد وجوب الصلاة (ثم ذكر صوراً من هذا).. فإن كان الله قد صرح في كتابه أن من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض فهو الكافر حقاً وأنه يستحق ما ذكر زالت هذه الشبهة) أهـ.

أقول: كلام الشيخ عجيب فهنا فرق كبير بين المنكر لشيء مما جاء به الرسول متعمّداً ممن ترك بعض ما جاء به الرسول (ص) متأولاً أو جاهلاً هذا أمر.

الأمر الثاني: لم ينكر هؤلاء شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة كالأمثلة التي ضربها الشيخ من ترك الصلاة أو ترك الزكاة أو الحج أو الإيمان ببعض القرآن والكفر ببعض..الخ.

الأمر الثالث: لو رجع الشيخ للكتب التي تناقش مسائل اختلاف العلماء ولعل أشهرها كتاب (رفع الملام) لابن تيمية رحمه الله لعرف عذر المخالفين، فقد لا يثبت عندهم أمر ما أو نهي ما، وعلى هذا فلا يجوز له والحالة هذه أن يقول: هم ينكرون ما جاء به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ لأنهم متأولون وليسوا منكرين، وهناك فرق كبير بين الإنكار المبني على المكابرة، وبين التأويل العارض من دليل وشبهة، أو تركهم العمل بدليل يرون ضعفه، فهذا لا يعني أنهم آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض! أو آمنوا ببعض ما جاء به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ورفضوا بعضاً.

وكذلك لم يراع الشيخ الجهل فالجهل بالشيء يمنع من إطلاق الكفر على الجاهل.

وعلى منهج الشيخ يمكن للعلماء المختلفين أن يكفّر بعضهم بعضاً بدعوى كل عالم أن الآخر أنكر شيئاً مما جاء به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)! وأنه بهذا كمن كذّب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) جملة! وهكذا... بينما الصواب غير هذا؛ فالطرف الآخر لا يقرّ لك بأنه ينكر شيئاً مما جاء به الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وإنما يقول لك: هذا لم يثبت عندي أو يقول: إنما معناه كذا أو يعارضه كذا... الخ (35).

وكلام الشيخ السابق يدل على أنه لم يحرر مسألة (الأسماء والأحكام ) تحريراً يحمي التطبيق، ولم يحرر (موانع التكفير) كالجهل والتأويل والاضطرار… ولا يعترف إلا بالمكره، فعدم تحرير هذه المسائل والموانع لا ريب أنه يوقع المتكلم في التكفير بكل سهولة(36).

ثم قاعدته تنطبق على كل طائفة من طوائف المسلمين، وقد يرد عليكم مخالفوكم ويقولون: أول هؤلاء أنتم، فأنتم تَكْفُرون ببعض الكتاب، كعصمة دم المسلم وعدم تكفيره، فأنتم عند هؤلاء تؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض!! وهكذا … ويستدلون على هذا بالواقع فيقولون: هذا التكفير والقتال منكم لا زلنا نشاهد آثاره في هذه الأيام في كثير من الأقطار العربية.


الملحوظة الرابعة والعشرون:

قوله ص48: - وكرر نحو هذا ص57- (هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلوا بني حنيفة وقد أسلموا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصلون ويؤذنون فإن قالوا: إنهم يقولون إن مسيلمة نبي، قلنا: هذا هو المطلوب إذا كان من رفع رجلاً إلى رتبة النبي صلى الله عليه وسلم كفر وحل ماله ودمه ولم تنفعه الشهادتان ولا الصلاة فكيف بمن رفع شمسان أو يوسف أو صحابياً أو نبياً في مرتبة جبار السموات والأرض...)!! أهـ.

أقول: هذا الكلام فيه عدة أوهام عجيبة:

الأول: بنو حنيفة ارتدوا مطلقاً وآمنوا برجل زعموا أنه نبي وتركوا أوامر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأوامره عامدين.

وهؤلاء يختلفون عن أناس لا يحبون الصالحين إلا لمحبة هؤلاء الصالحين للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو هكذا يظنون، ولا يرفعون أحداً من الصالحين فوق رتبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا يوصلونه لهذا فضلاً عن جعل أحد الصالحين في رتبة الله عز وجل، فهذا لم يقل به هؤلاء الناس مطلقاً ولم يقل به مسلم عاقل(37) على مرّ التاريخ.

والشيخ يلزم بأشياء لا تلزم، وعلى منهجه يمكن تكفير من بحث عن رزقه عند فلان، أو حلف بالنبي (ص)، أو حلف بالكعبة، أو غلا في أحد من الصالحين أو غيرهم وهذا خطأ بلا شك.

بل يمكن على هذا المنهج أن نكفر المغالين في الشيخ الذين لا يخطئونه ولا يقبلون نقده؛ الذين يحتجون بأنه أعلم بالشرع وقد يردون حديثاً صحيحاً أو آية كريمة.

وعلى هذا تأتي وتقول: هؤلاء رفعوا مقام الشيخ محمد إلى مقام النبوة أو الربوبية وعلى هذا فهم كفار مشركون... الخ.

فهذا منهج خاطئ والمسائل العلمية لا تؤخذ بهذا التخاصم، بل لها طرق معروفة عند المنصفين من عقلاء المسلمين والكفار.


الملحوظة الخامسة والعشرون:

يقول ص49 وكرر نحو هذا ص58: (ويقال أيضاً الذين حرقهم علي بن أبي طالب بالنار كلهم يدّعون الإسلام وهم من أصحاب علي وتعلموا العلم من الصحابة ولكن اعتقدوا في علي مثل الاعتقاد في يوسف وشمسان وأمثالهما؟ فكيف أجمع الصحابة على قتلهم وكفرهم)؟!

أقول: الذين حرقهم علي – إن صح التحريق ابتداءً(38) - هم مرتدون لا يدعون الإسلام كما ذكر الشيخ، ولم يصح ما اشتهر في كتب العقائد من أنهم كانوا يؤلهون علياً، إنما صح في البخاري أنهم مرتدون أو زنادقة، (اللفظان وردا في البخاري)، وإن صحت الرواية التي فيها أنهم اعتقدوا في علي الألوهية، فالحجة على الشيخ أعظم لأنهم بهذا لا يدعون الإسلام، وإنما جعلوا علياً إلهاً وهذا كفر بإجماع المسلمين وبالنصوص الشرعية.

ثم نرى الشيخ اختار أنهم (اعتقدوا في علي مثل اعتقاد الناس في شمسان)!! وهذا لم يرد مطلقاً بمعنى لم يرد في روايات الذين حرقهم الإمام علي أنهم يغلون فيه فقط ذلك الغلو المقترن بالإقرار بأركان الإسلام!! وإنما تركوا الإسلام كله فهل يريد الشيخ أن يوهمنا أن هؤلاء الذين قتلهم الإمام علي كهؤلاء الصوفية الذين يخلطون عباداتهم بنوع من الغلو والتوسل بالصالحين وما إلى ذلك؟!.


الملحوظة السادسة والعشرون:

أيضاً قوله ص50 عن الفاطميين (بنو عبيد القداح الذين ملكوا المغرب ومصر في زمان بني العباس.. فلما أظهروا مخالفة الشريعة في أشياء دون ما نحن فيه، أجمع العلماء على كفرهم وقتالهم وأن بلادهم بلاد حرب وغزاهم المسلمون حتى استنقذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين).أهـ .

أقول: وهذا أيضاً غير صحيح، فالحرب بين الأيوبيين والفاطميين حرب سياسية بحتة لا دخل للدين بها.

وكانت البدع يومها في كل مكان في دولة بني العباس في العراق وتحت حكم صلاح الدين في مصر والشام وعند الفاطميين في مصر.. الخ. كان الوضع في العالم الإسلامي يومها كالوضع في عهد الشيخ محمد تماماً!.

وجاء صلاح الدين مدداً للفاطميين من آل زنكي ثم استولى، ولا بد أن يستخدم الفاطميون والأيوبيون الدين سلاحاً في المعركة كما يفعل حكام العرب اليوم، فالأمر ليس فيه غرابة، لا بد أن تظهر كل دولة أن حربها للآخرين دينية وليست سياسية حتى تستجيش معها الغوغاء، وقد بدأ استخدام الدين لخدمة السياسة من أيام الدولة الأموية، من عهد معاوية تحديداً.

أما الفاطميون أو العبيديون - لا تهمني التسمية - فلن يعدموا مدافعين عنهم وناشرين لفضائلهم، بل أسوأ الفاطميين وهو الحاكم بأمر الله الذي اتهم بالزندقة والكفر، ومع ذلك فقد دافع عنه بعض العلماء والمؤرخين.


الملحوظة السابعة والعشرون:

وقوله ص51: عن (باب حكم المرتد) في كتب العلماء بأنهم ذكروا في ذلك أنواعاً كثيرة (كل نوع منها يكفر ويحل دم الرجل وماله حتى أنهم ذكروا أشياء يسيرة عند من فعلها مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه أو يذكرها على وجه المزاح..) أهـ.

أقول: ليس كل ما ذكره هؤلاء يكون صحيحاً، هذا أمر. فقد ذكروا أشياء كثيرة بعضها ردة بالإجماع، وبعضها مختلف فيه، وبعضها ليس ردة عند الأكثر، ولم يتفقوا في ذكر تلك المسائل، كما أن المسائل التي ذكروها تختلف بحسب المسألة، وبحسب القائل من جهل أو تأويل أو إكراه أو اضطرار..الخ.

الأمر الثاني: أن العلماء في عهد الشيخ يعرفون الأبواب الفقهية التي فيها حكم المرتد، ولم يقولوا بالاستباحة الجماعية للدماء والأموال؛ الذي يفتي به الشيخ هنا، وإنما يتم الحكم على الشخص بمفرده بعد قيام الحجة عليه.

الأمر الثالث: أن الفقهاء عندما يحتجون على الشيخ بشيء مما ذكره الفقهاء في كتبهم يسارع إلى اتهامهم باتخاذ هؤلاء الفقهاء أرباباً من دون الله، وأن هذا عين الشرك!!

أما الشيخ فإن علم عدة حالات معدودة في منطقة ما ألزم أهلها كلهم الردة واستحل دماءهم وأموالهم، بحجة أن تلك المنطقة بين ساكت ومرتد! فالمرتكب مرتد والساكت مرتد! وهذا يختلف تماماً عما ذكره الفقهاء تحت باب (حكم المرتد)، فإنهم لا يحكمون على المجموع بفعل البعض، بل بعضهم لا يقول هذا إلا من باب الترهيب والتحذير من الشيء، لكنه عند وجود الحالة يعذر بالجهل ويبين له ما يرفع هذا الجهل.

فالحكم على القول أو الفعل بأنه ردة لا يعني الحكم على صاحب الفعل لاحتمال الجهل أو التأويل. فكيف بالحكم على منطقة كاملة فضلاً عن معظم العالم الإسلامي بفعل أفراد جهلة أو متأولين.


الملحوظة الثامنة والعشرون:

ثم يقول الشيخ ص51،52 (الذين قال الله فيهم: (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم..) أما سمعتَ أن الله كفرهم بكلمة مع كونهم في زمن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يجاهدون معه ويصلون ويزكون ويحجون ويوحدون؟) أهـ.

أقول: أولاً: هؤلاء منافقون.

ثانياً: لم يستحل النبي (صلى الله عليه وسلم) دماءهم ولا أموالهم ولم يقتلهم بل نهى عن ذلك؛ فهذا يخالف فعل الشيخ مع من حكم عليهم بالردة من المسلمين لا من المنافقين.


الملحوظة التاسعة والعشرون:

أيضاً قوله ص52: (وكذلك الذين قال الله فيهم (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون؟ لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ..الآية).

يقول الشيخ: (فهؤلاء الذين صرح الله أنهم كفروا بعد إيمانهم وهم مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة تبوك، قالوا كلمة ذكروا أنهم قالوها على وجه المزح! فتأمل هذه الشبهة وهي قولهم: تكفرون المسلمين أناساً يشهدون أن لا إله إلا الله ويصلون ويصومون ثم تأمل جوابها فإنه من أنفع ما في هذه الأوراق) أهـ.

أقول: أولاً: هم زعموا أنهم قالوها على سبيل المزح (إنما كنا نخوض ونلعب) بينما الواقع أنهم يستهزئون بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والاستهزاء به (صلى الله عليه وآله وسلم) استهزاء بالشريعة نفسها فهذا كفر وردة.

ثانياً: لماذا يصدقهم الشيخ؟! عندما زعموا أنهم إنما فعلوا ذلك على سبيل المزح؟! سبحان الله يكذبهم الله عز وجل في كتابه الكريم ويسميهم مستهزئين بالله وبآياته وبرسوله، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يكذبهم في ذلك، ولا يقبل عذرهم؛ لأنه ليس صدقاً، ثم يأتي الشيخ رحمه الله فيقبل قولهم الذي كذبهم الله فيه ورسوله، فأصبح قولهم صادقاً عند الشيخ وأصبح كلام الله عز وجل ورسوله غير مقبول في تكذيبهم!.

فانظر كيف أصبح كذب المنافقين مصدراً من مصادر العقيدة السلفية المعاصرة؟!.


الملحوظة الثلاثون:

قوله ص53: (وقول ناس من الصحابة (اجعل لنا ذات أنواط..)؟!.

أقول: هؤلاء الذين قالوها ليسوا من أصحاب الصحبة الخاصة (الشرعية)؛ وإنما هم الطلقاء قالوها يوم حنين وكانوا حديثي عهد بكفر.

ثم في القصة دلالة على أن المجتمع لا يخلو من أناس يعتقدون الاعتقادات الباطلة، فهذا مجتمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وفيه من يعتقد مثل هذا كالطلقاء.. فهذا يدعو للرحمة بالناس وإرشادهم ولم يكفرهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لجهلهم.


الملحوظة الحادية والثلاثون:

قول الشيخ ص63: (الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه لا ننكرها كما قال تعالى في قصة موسى (فاستغاثة الذي من شيعته على الذي من عدوه..) وكما يستغيث الإنسان بأصحابه في الحرب أو غيره في أشياء يقدر عليها المخلوق؛ ونحن أنكرنا استغاثة العبادة التي يفعلونها عند قبور الأولياء أو في غيبتهم في الأشياء التي لا يقدر عليها إلا الله إذا ثبت ذلك فاستغاثتهم بالأنبياء يوم القيامة يريدون منهم أن يدعوا الله.. وهذا جائز في الدنيا والآخرة، وذلك أن تأتي عند رجل صالح حتى يجالسك ويسمع كلامك تقول له: أدع الله لي كما كان أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يسألونه ذلك في حياته وأما بعد موته فحاشا وكلا...) أهـ .

أقول: فما رأيك فيمن تأول بأن الاستغاثة بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جائزة عند قبره لأن النبي حي في قبره؟! لا ريب أن من يرى هذا الرأي له جانب من تأويل بل لهم في ذلك حديث عثمان بن حنيف.

ثم قد يأتي آخر ويقول لك: لماذا تذهب إلى رجل صالح وتطلب منه أن يدعو الله لك؟ لماذا لا تدعو الله مباشرة؟ أليس في هذا مشابهة لعمل الكفار في اتخاذ هؤلاء واسطة بينك وبين الله؟ ألم يقل الله (..فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان..)؟!!.

وهكذا يمكن لآخر من الخصوم أو غلاة الأتباع أن يضيق عليك المخارج حتى يحكم عليك بالكفر مثلما ضيقت على الآخرين حتى كفرتهم.

نعم يستطيع آخر أن يلزمك بما ألزمت به الآخرين فيقول لك: النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) له خصوصية، وقد أمر الله المنافقين أن يأتوا إليه ليستغفر لهم؛ لأن إتيانهم إليه دليل ظاهري على التوبة، لكن بأي دليل تُدخل أنت (الرجلَ الصالحَ) وتجوّز أن يأتيه الرجل ويسأله أن يدعو له؟! هل شرَّع هذا الله في كتابه؟ أو قاله رسوله؟ أو جاء عن أحد من أصحابه؟

ولو كان هذا مشروعاً لنقل لنا لأنه مما تتوفر الدواعي على نقله..الخ.

ثم لماذا تقيد طلب الدعاء من الرجل الصالح (أن تأتي الرجل حتى تجالسه ويسمع كلامك)؟! وما الفرق بين هذا وبين من يوصي أحدهم إلى فلان أن يدعو الله له؟!

والحاصل هنا أنه بمنهج الشيخ يستطيع المخالف له المتعنت أن يلزمه الكفر فإن أعتذر بأعذار جاز للآخر أن يعتذر بأعذار مماثلة.

ونحن في هذا كله ندعو لإخلاص العبادة لله وترك التكفير.


الملحوظة الثانية والثلاثون:

ثم ختم الشيخ ص66 بمسألة (عظيمة) وهي (أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً..)!!.أهـ .

أقول: وهذا فيه تقعيد لتكفير سائر المسلمين ممن لا يعرف الحقائق والإلزامات التي ذكرها الشيخ، وبهذا يستطيع أتباع الشيخ أن يختبروا الناس في عقائدهم وأعمالهم عند كل بلدة يدخلونها أو يكاتبونها فإن وجدوا عندهم تحفظاً أو أخطاءً استحلوا قتالهم؛ لأنهم (غير مسلمين)!!

بل إن الشيخ هنا أدخل الاختلال في العمل وعدّه من علامات الكفر! وعلى هذا يمكن بسهولة التكفير بالمعاصي؟! وبهذا وأمثاله اتهمه خصومه بأنه من الخوارج الذين يكفرون بالمعاصي.

وموضوع الاختلال يختلف باختلاف المعصية لكن اختلال القلب لا يؤثر في الأحكام الدنيوية فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حكم بإسلام المنافقين في الظاهر، لكن عند الله لا بد من اللسان والقلب، أما الشيخ فلا يكتفي بإظهار المسلم للإسلام ونطقه بالشهادتين، ولا يكتفي بصلاة ولا صوم ولا زكاة ولا حج ..الخ، وقد صرح بأنه يقاتل أناساً يصلون ويصومون ويحجون ويتصدقون ويشهدون الشهادتين!.

ثم ما هو اختلال العمل؟ هل الكبائر كشرب الخمر والسرقة وغيرهما من اختلال العمل؟ هل فاعلها يخرج من الإسلام حسب ظاهر كلام الشيخ؟ إذن فلماذا ننكر على الخوارج تكفير أهل المعاصي؟ ولماذا ننكر على المعتزلة والزيدية القول بخلود أهل الكبائر في النار والمنزلة بين المنزلتين؟! ولماذا ننكر على الآخرين اتهامنا بالتوسع في التكفير والتقييد له؟!


الملحوظة الثالثة والثلاثون:

وقال الشيخ ص70: لم يستثن من الكفر (إلا المكره).

أقول: وهذا القصر فيه نظر، فإن المضطر والخائف والمتأول والجاهل لا يجوز تكفيرهم، وهذا يدل على أن الشيخ لا يعول كثيراً على مسألة الأسماء والأحكام، فقد أهمل أبرز موانع التكفير، كالتأويل والجهل.

أما احتجاجه بأن الله لم يستثن إلا المكره في قوله تعالى: (إلا من أكره) فهذا نعم في هذه الآية؛ أما في غيرها من الآيات والأحاديث الصحيحة فهناك معذورون آخرون غير المكره (39).

وهذه من عيوب الشيخ فهو يعتمد على آية واحدة أو حديث واحد ويترك ما سواه، فهذا خلل علمي، فقد يأتي آخر ويقول لم يحرم الله عز وجل إلا أربع محرمات في قوله تعالى: (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله).

فيقول: وعلى هذا فليس هناك أمور أخرى محرمة كالخمر والسرقة والزنا!! هكذا قد يقول وينسى أن الله حرم الخمر والسرقة والزنا وغيرها في نصوص أخرى، وأن الآية السابقة خاصة بالأطعمة.

انتهت أبرز الملحوظات على كتاب كشف الشبهات، وهي ملحوظات رئيسة على رسالة صغيرة مشهورة، يتبين منها أن الشيخ رحمه الله توسع في التكفير، فنقول أخطأ وكفى، ولا يجوز تبرير الخطأ بغلو ولا التشنيع عليه بهذه الأخطاء، قلت هذا نصيحة والله المطلع على النيات، والحمد لله رب العالمين.

تحرير محل الخلاف:

معظم الخلاف بين الشيخ ومخالفيه يكمن في تركيزه على النظرية وتركيزهم على النتائج.

وخصوم الشيخ ليسوا من العوام بل هم خاصة أهل ذلك الزمان باعتراف الشيخ: الدرر السنية (2/62).

فخصوم الشيخ مثلاً يتهمونه بأنه ينكر الشفاعة ويرد عليهم بأنه لا ينكر الشفاعة، لكنه في الوقت نفسه يحصر الشفاعة لأتباعه الذين يسميهم (الموحدين)! ويصرح بأن الشفاعة ليس إلا للمسلمين – يعني من كان على رأيه -.

فهم أخطأوا في اتهامه بإنكار الشفاعة وهو أخطأ بحصرها في أتباعه، فهم ينظرون للنتيجة، وهو يبقيهم في المقدمات.

وكذلك يقولون: أنت تكفر المسلمين وهو يقسم أنه لا يكفر المسلمين، ولا يكفر إلا من كفره الله ورسوله! وسر المسألة أنهم يرون النتيجة من تكفيره لهم ولأتباعهم، لكنه يعتمد على المقدمة بأنهم ليسوا مسلمين، فالمسلمون الذين لا يكفرهم هم الموحدون وهذه التسمية الأخيرة لا يسلمون له بها(40).

وهكذا معظم ما يدندن حوله الشيخ وخصومه أن كل طرف متمسك بجانب فهو يتمسك بالمقدمة وهم يعترضون على النتائج، فلذلك لم يحدث تفاهم ولا تحرير موطن الخلاف وقد لا يتم مادام هناك غلاة من الطرفين، كل واحد ينتصر لطرف ويظلم الآخر.

وهذا يشبه ما يجري بين السنة والشيعة من اتهام السنة للشيعة بتكفير الصحابة، والشيعة يقولون نحن لا نكفر الصحابة، فإذا نقلت لهم من كتبهم ما يدل على ذلك قالوا: هؤلاء ليسوا من الصحابة، هؤلاء مرتدون!! والمرتد ليس صحابياً على منهجنا ومنهجكم!! فأنتم تشترطون في الصحابي بأنه (يموت على الإسلام) وهؤلاء ماتوا على غير الإسلام فهم خارج النزاع! ولا تصح تهمتكم لنا.. وهكذا يدور المتخاصمون في حلقة مفرغة لأنهم لم يحرروا موقع الخلاف.


هوامش

1- بل معظم (المسائل الجاهلية) التي كتب فيها الشيخ كتاباً يجب أن يراجع الغلاة من أتباعه أنفسهم فيها وسيجدون أن معظمها متحققة فيهم للأسف.
2 ـ وهكذا احتكر غلاة الوهابية الدفاع عن الوهابية مثلما هم اليوم محتكرون الدفاع عن الشيخ كما ترونه في ردود الأخوة : عبد الكريم الحميد وعلي الخضير والعقلا ونحوهم ممن يكادون يحكمون بالردة على من خطّأ الشيخ! وهذا يشبه احتكار النواصب (ومنهم غلاة السنة) الرد على الشيعة والنطق باسم السنة، ومن ثمّ أخذوا يلمزون علي بن أبي طالب وأهل بيته باسم السنة! ويثنون على معاوية ويزيد وشيعتهم باسم السنة! – كما نفعل في كثير من رسائلنا الجامعية!-، ثم أصبح من ينقدهم معرضاً للاتهام بالتشيع والرفض! مثلما أصبح من ينقد غلاة الوهابية معرضاً للاتهام بمخاصمة الدعوة السلفية، وربما مخاصمة الإسلام والدعوة لعبادة القبور! فهذا كله يحدث لسبب بسيط؛ وهو أن الغلاة هم المتصدرون في الدفاع والبيان، فدافع عن السلفية من ليس سلفياً، ودافع عن السنة خليط من السنة والنواصب، والمدافعون أو المبينون غالباً يكون لهم الصدارة في التحدث باسم المذهب أو الحركة أو التيار، ويكتسبون الاعتراف مع الزمن، ويرتضون الجوار! ثم تأتي مرحلتهم الثانية بإخراج أهل المنزل الأصلي، وهذه السنة الحياتية موجودة في المذاهب والقبائل.
3- وكلامي هذا لا يعني تبرئة حكام المسلمين أو علمائهم من الخطأ أو الهوى أو الظلم لكن هناك نقد للخطأ بدرجته وهناك شيء آخر اسمه (إخراج من الملة) فهذا الذي ننكره لأسباب موضوعية من جهل أو تأويل، وإصلاح الأمور لا يأتي بتكفير واستحلال دماء وإنما يأتي بطرق أخرى من نقد ونصيحة وإعانة على معرفة جوهر الخطأ وكيفية تلافيه أو التقليل من آثاره ومحاصرته، فالمجتمع أو الدولة – أي دولة- مشروع الجميع عليهم أن يصبر بعضهم لبعض حتى يحققوا أكبر قدر ممكن من المصالح الدينية والدنيوية، والغريب أن الكفار يديرون شؤونهم بهذا التفاهم العلمي الهاديء ونحن نتناحر ويأكل بعضنا بعضاً حتى عرضنا الإسلام عرضاً مشوهاً يصد الناس عنه، نريد الطرح العلمي لحل المشاكل العلمية والثقافية والاجتماعية والسياسية وهذا الطرح العلمي الهاديء هو في مصلحة الجميع ولا أظن عاقلاً إلا يرحب به، سواء كان عالماً أو حاكماً أو مثقفاً مادام أن الحرص على الإصلاح هو مطلب الجميع ويجب أن يبقى هاجساً للجميع وبوادر هذا الإصلاح يجب ألا تتأخر فالمستقبل وتحدياته لا تقبل التأجيل.
4- اعتمدت على نسخة صغيرة - طبع دار زمزم –بالرياض-أعده للطبع حمدي أبو السعود آل حمدان- الطبعة الأولى 1414هـ. هناك طبعات أخرى لكن الرسالة صغيرة فمن وجد أي طبعة فيمكنه قراءتها في دقائق معدودة.
5- البعض يقول: لو لم يكفرهم الشيخ محمد ويقاتلهم لما انتشر الإسلام الصحيح! ولبقينا في البدع والخرافات إلى زمننا هذا! …وهذا افتراض غيبي، وقد يعارض هذا القول آخر فيقول: إن الإسلام انتشر في معظم أفريقيا ومعظم آسيا بغير سيف، فلو أن الشيخ راسل العلماء و الأعيان لربما اهتدوا للإيمان الصحيح بلا ضرر ولو تأخرت استجابتهم، وسلمت الدعوة من تهمتين كبيرتين وهما (التكفير والقتال) ظلتا عائقاً كبيراً من عوائق نجاحها إلى اليوم، بل قد يعرض بعضهم عن الإيمان النقي من الشبهات والبدع ويزين له الشيطان الدفاع عن الباطل، كل هذا من باب الخصومة للوهابية، لأنهم في رأيه كفروا مسلمين وقتلوا مسلمين بلا بغي ولا قطع طريق، وهكذا كل يفترض، فالافتراضات لا مكان لها عند مناقشة الأمر شرعاً، بمعنى أن حد السرقة هو القطع حتى لو افترض آخر أن (قتل السارق) سيكون أكثر تأثيراً في منع السرقة فهل يجوز قوله شرعا؟! بالطبع لا، ومن أضرار هذا أنه عندما يعلم الآخرون أن الفئة الفلانية يقتلون السارق فسيتخوفون من هذه الفئة ويعملون على عدائها، وهذا سر كثرة أعداء الوهابية وربما من أناس ليسوا بأورع ولا أتقى، لكن التكفير والقتال للمسلمين جعل لهم المشروعية في هذا العداء من وجهة نظر بعض العلماء على الأقل. إذن فمعرفة حكم الشيء لا تدخل فيه التوقعات المستقبلية، وكذلك إذا كان الرجل مسلماً لا يجوز تكفيره وقتله ليهتدي غيره! ( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)؟!.
6- بل نقل ابن حجر أن التبرك بالصالحين جائز عند جمهور علماء المسلمين ( فتح الباري).
7- وقد رأينا نتيجة هذا –فيما يبدو- في بعض مواقع الإنترنت السلفية!! التي لا تأسف على ذهاب الشهداء من الفلسطينيين، وزعم هؤلاء الأخوة الغلاة أن الأمر سيان فالأمر: كفار يقتلون مبتدعة! فالمسألة طوب يكسر بعضه – حسب تعبيراتهم- وسبق لهؤلاء الغلاة أيضاً، أن ارتكزوا في ذم مجاهدي البوسنة والشيشان بمثل هذه الأقوال العجيبة التي وجدوا لها ما يسوغها في كتب العقائد القديمة والحديثة؛ ولو شئت أن أنقل تفضيلهم اليهود والنصارى على المسلمين – المختلفين في الرأي- لما انتهيت، وقد ذكرت شيئاً من هذا في كتاب (قراءة في كتب العقائد) فليراجعه من شاء .
8- سورة الأنعام آية 56.
9- سورة الأعراف آية 37.
10- سورة الأعراف آية 194.
11- سورة النحل آية 86.
12- والشيخ محمد رحمه الله أثنى على الكفار في مواضع كثيرة منها قوله عن كفار قريش ( كانوا يعرفون الله ويخافونه ويرجونه)! الدرر السنية(1/146)، وهذا لا يصح إطلاقه، ومن ذلك قوله: (كانوا –يعني كفار قريش- يتصدقون ويحجون ويعتمرون ويتعبدون ويتركون أشياء من المحرمات خوفاً من الله عز وجل!!) (الدرر السنية 2/118)، فهذا الكلام فيه نظر كبير. ومن ثنائه على المنافقين لهذا الغرض قوله: (كان المنافقون على عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ويصلون مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الصلوات الخمس ويحجون معه..) انظر الدرر السنية (2/86). قلت: كل الكلام السابق يمكن قبوله إلا قوله (في سبيل الله) فالمنافقون لا يفعلون هذا لأجل الله وإنما لأهداف أخرى. وستأتي نماذج من وصف كفار قريش بمثل هذا وتفضيلهم على مسلمي عصره. كما مدح الشيخ - سامحه الله - المرتدين كمسيلمة وأصحابه للغرض نفسه، فقال في الدرر السنية(2/44): (مسيلمة يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويصلي ويصوم!!)، قلت: وهذا غير صحيح ، فلو شهد أن محمد رسول الله لما ادعى النبوة وقد كذبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إضافة إلى أن مسيلمة كانت له شعائر خاصة غير صلاتنا وصيامنا. وقال عن بني حنيفة أصحاب مسيلمة الكذاب في الدرر السنية (9/ 387): هم عند الناس من أقبح أهل الردة وأعظمهم كفراً وهم مع هذا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويؤذنون ويصلون وأكثرهم يظنون أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بذلك )!اهـ. وقال عن أصحاب مسيلمة أيضاً في الدرر السنية(9/383): (شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، لكن صدقوا لمسيلمة أن النبي أشركه في النبوة، وذلك أنه أقام شهوداً شهدوا معه بذلك، وفيهم رجل من الصحابة معروف بالعلم والعبادة، يقال له الرجال، فصدقوه لما عرفوا فيه من العلم والعبادة)!اهـ ، أقول: إذن فبنو حنيفة ضحية نظرية عدالة الصحابة!، التي نكاد نكفّر من لم يؤمن بتحققها في كل فرد منهم، وهذه دعوة للإيمان بالأمور المتناقضة، فمن اتبع مسيلمة كفر، ومن رد شهادة الصحابي كفر! وكذّب بالآيات في تعديلهم في زعم الغلاة! فماذا تريدون من أصحاب مسيلمة أن يفعلوا؟ هم من غلاة السلفية في قضية عدالة الصحابة! فهل تريدون منهم أن يكفروا بنظرية عدالة الصحابة أم يؤمنوا بنبوة مسيلمة؟!. وقد أثنى الشيخ على المرتدين الذين أحرقهم علي فقال عنهم(2/44): كانوا يشهدون ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله !!اهـ قلت: وهذا غير صحيح، فالقوم كانوا مرتدين، وبعض غلاتنا يقولون إنهم ادعوا الإلهية في علي، فإن كان هذا صحيحاً فهو أبلغ في الرد على الشيخ بأن هؤلاء لا يشهدون الشهادتين.
13- وقد كرر غير مرة بأن خلافه مع الصفوة من العلماء والقضاء لا مع العوام.
14- توسعت في هذا في كتاب العقائد فلا يظن ظان أن خالد القسري والحجاج وأمثالهم ممن كانوا يحرقون الكعبة ويقتلون الصالحين أنهم قتلوا الناس حرصاً على الدين!!.
15- حتى غلاة الصوفية الذين يجوزون أن الولي يحيي الموتى -مع بطلان هذا القول- لا يقولون بأنه الولي يفعل هذا استقلالاً عن الله!! وكذا غلاة الشيعة الذين يقولون بالولاية التكوينية للأئمة وأن ذرات الكون تخضع لهم لا يقولون بأن هذا يحدث استقلالاً عن إرادة الله، وإنما يزعم الغلاة من الصوفية والشيعة بأن الله منح الأولياء والأئمة القدرة على هذا بإذن الله مثلما منح بعض الأنبياء كعيسى عليه السلام القدرة على الخلق من الطين كهيئة الطير وإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص لكن بإذن الله ومثلما منح بعض الأولياء كصاحب سليمان القدرة أن يأتي بعرش بلقيس في لحظة كل هذا بإذن الله، فهذه الأقوال مع بطلانها لا يعيدونها إلا لقدرة الله وإذنه وتقديره ومنحه بعض الخصائص لعباده من أنبياء وأولياء ولهم في ذلك أقوال ومؤلفات واستدلالات عجيبة تركوا فيها قطعي الأدلة لمظنونها مع تعسف في الاستدلال مثل عملنا في التكفير مع فارق في نسبة الخطأ.
16- علماً بأننا نأخذ أقوال هؤلاء من الشيخ نفسه وهو خصم لهم، فمؤلفات العلماء الذين ردوا عليه لا يقرون بمثل هذه النقولات لكننا نناقش تلك الأقوال على افتراض صحتها إلى قائليها.
17- وإذا لم يكن قوله بأن شيوخه وشيوخهم وشيوخهم لا يعرفون دين الإسلام مع تفضيلهم لدين عمرو بن لحي على دين الإسلام، وأن أكثر الناس في عصره بنجد والحجاز على إنكار البعث...إذا لم يكن هذا الكلام ونحوه من صريح التكفير فما أدري ما هو التكفير إذن؟
18- أقصد أن فتاوى العلماء المعاصرين ترد على شبه التكفير بحجج خصوم الشيخ نفسها التي كانوا يردون بها على الشيخ، ومن أوضح ذلك مسألة الحاكمية.
19- بل الذهبي يرى جواز ذلك.
35- كإنكار ابن أبي ذئب على الإمام مالك في رد حديث (المتبايعان بالخيار) قال: يستتاب وإلا ضربت عنقه؟! بحجة أنه رد الحديث أو ترك شيئاً مما أتى به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا ضيق أفق من ابن أبي ذئب رحمه الله، لأن الإمام مالك لن يترك الحديث إلا لعلة يراها أو نسخ أو نحوه، رحم الله الإثنين.
36- يمكن مراجعة ما كتبه الشيخ ابن باز والعلامة الألباني في هذا الموضوع.
37- تحرزاً من بعض غلاة الشيعة وبعض غلاة الصوفية.
38- قصة تحريقهم أحياء انفرد بها عكرمة مولى ابن عباس ولم يشهد القصة وإنما ذكر أن الخبر بلغ سيده ابن عباس بلاغاً، فقال لو كنت أنا لقتلتهم لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من بدل دينه فاقتلوه). والحديث في البخاري من طريقين عن عكرمة ولم يخرجه مسلم، وقد رواه عكرمة بلاغاً ولم يكن بالكوفة وإنما كان بالبصرة مع مولاه ابن عباس ولعل الخبر وصلهم مشوهاً، أما روايات شهود العيان فذكرت أن القوم مرتدين وأن علياً قتلهم ولم يحرقهم ثم بعد قتلهم خدد لهم أخاديد وألقاهم فيها ودخن عليهم زيادة في التنكيل والترهيب من عملهم لأنهم لبثوا يأخذون عطاء المسلمين وهم مرتدون فترة من الزمن، ولعل هذا التدخين عليهم هو الذي أوهم بعض المشاهدين أنه أحرقهم وإلا فالإمام علي نفسه من أحرص الناس ألا يعذب بالنار، خاصة وأنه من رواة حديث (لا يعذب بالنار إلا رب النار) ولم يصح أن صحابياً حرق أحياء إلا ما كان من أبي بكر الصديق رضي الله عنه من تحريقه المرتد الفجاءة السلمي – علماً بأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب يزعم أن الفجاءة هذا كان قائماً بأركان الإسلام!!- وكان الفجاءة قد قام بأعمال قبيحة في الردة. وحرق خالد بن الوليد في الردة، لكن خالداً رضي الله عنه ليس من أصحاب الصحبة الشرعية، وهو صاحب مجازفات تبرأ من بعضها الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته كما في قصة بني جذيمة، ولا يعد خالد من المجتهدين، إنما هو صاحب سيف وترس وليس صاحب علم وفقه رضي الله عنه وسامحه، وقد توسعت في ذكر طرق أحاديث وروايات التحريق في الجزء الأول من الرد على ابن تيمية رحمه الله.
39- توسعت في ذكر هذه الموانع وأدلتها في كتاب (التكفير والتفجير – أسباب وحلول) وهو ما كان قد سبق نشره في ثلاث مقالات مطولة بعنوان: (رسالة إلى أخي عبد العزيز المعثم) نشرت في صحيفة الرياض بداية عام 1417هـ، لكن الكتاب لم يطبع إلى الآن. - انظر على سبيل المثال قوله – في الدرر السنية (1/63)- مدافعاً عن نفسه من تهمة تكفير المسلمين قال: (فإن قال قائلهم - يقصد معارضي الشيخ: إنهم يكفرون بالعموم! فنقول: سبحانك هذا بهتان عظيم!). لكن الشيخ يكمل بما يؤكد التهمة بقوله: (الذي نكفر الذي يشهد أن التوحيد دين الله ودين رسوله وأن دعوة غير الله باطلة ثم بعد هذا يكفر أهل التوحيد ويسميهم الخوارج)!. أقول: إذن فالخلاف يكاد يكون لفظياً فقط، فتكفير الخصوم بسبب تسميتهم للوهابية خوارج لا يجوز، بل لو قام الخصم بتكفيرنا لا يجوز لنا تكفيره، وهذا منهج الصحابة أنهم لا يكفرون من كفرهم، وقد قرر الشيخ هذا في مكان آخر فيعد هذا من التناقضات.

الصفحة السابقة