الـعـائـلـة الـمالـكـة عـام 2008

هل نستطيع تشكيل صورة للأوضاع السياسية والإقتصادية والأمنية للمملكة بعد ثلاثة أعوام؟ بدل الإنحباس في الحاضر هناك حاجة ملحّة أن تتوافر دراسات تقرأ الأوضاع الحالية وتبني عليها تصورات المستقبل. ما يجعل هذا السؤال مهماً، أن السياسة في المملكة تسير وفق اللحظة، إنها عمل يومي في غياب استراتيجية واضحة لما ستكون عليه في قادم السنين. الخطط الخمسية الحكومية التنموية لا يبدو أنها نجحت كثيراً في التنبؤ بالمشكلات ولم ترصد حلولاً لها. اما المشاكل السياسية فقد فاجأت الجميع، حكومة وشعباً ومراقبين، شأنها في ذلك شأن الأوضاع الأمنية. إن القصور في قراءة الحاضر لا يعادله في السوء سوى قراءة المستقبل. وفي هذه المقالة محاولة صغيرة في هذا الطريق.

العائلة المالكة هي محور الحياة السياسية والإقتصادية في البلاد؛ إنها اللاعب الوحيد، والقابض الوحيد على زمام السلطة. فهل ستكون العائلة المالكة في السنوات الثلاث القادمة أكثر تماسكاً، وتخفّ حدّة الإستقطابات بين أجنحتها؟ هل سيكون أداؤها أكثر فاعلية مما هو عليه الآن؟ هل ستتجدد الوجوه والدماء؟ وهل تتغير الأفكار والرؤى في الميادين المختلفة المحلية والخارجية؟ هل العائلة المالكة تتهيّأ لاستراتيجية خاصة بها غير التي نعرفها، تغيّر من خلالها النظرة الى ذاتها والى سياساتها؟

موت الملك: يتوقع خلال السنوات الثلاث القادمة وفاة الملك فهد (والأعمار بيد الله).. ويحتمل أن يتوفى ولي العهد الأمير عبد الله الذي أصيب بعدة أزمات قلبية، وكذلك الأمير سلطان الرجل الثالث ـ رسمياً ـ في الدولة والذي يعاني من أورام ـ بعضهم يقول أنها سرطانية خبيثة ـ في معدته إضافة الى أمراض أخرى.

هؤلاء الثلاثة ـ جميعهم ـ تجاوزت أعمارهم الثمانين عاماً، وستكون العائلة المالكة محظوظة إن توفي الملك وحده فحسب، وإن كانت وفاة الأخيرين متباعدة زمنياً ولو قليلاً.

ما بعد وفاة الملك: في حال وفاة الملك وحده، سيبقى ميزان القوى في العائلة المالكة على حاله، مع تعديل طفيف لصالح جناح ولي العهد؛ فعلى الأرجح إن الأمير عبد الله لا يستطيع حكم البلاد لوحده، فهو لا يتمتع بفريق عمل جيد، ولا بمستشارين جيدين، بل هو مطوّق بمن يسمّون (البرامكة) وهم عبد العزيز التويجري وأبناؤه وأصهاره. ثم إن الجناح السديري لن يتنازل عن السلطات الكبيرة التي بين يديه لا لولي العهد ولا لأية أفراد مهمّشين داخل العائلة المالكة من أبناء الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود. من المتوقع أن يدير هذا الجناح السديري المملكة كما هو عليه الآن مع بعض الصلاحيات الإضافية لولي العهد. لن يدخل ولي العهد في معركة مع السديريين إن كان يستهدف إقصاءهم، وإن دخلها فنجاحه غير مضمون وقد يؤدي ذلك الى إقصائه هو. إن توازن القوى لا يتيح الفرصة لأحد الجناحين لكي ينفرد بكامل السلطة أو يحدث في مراكز القوى تغييرات جذريّة.

توزيع مراكز القوى: بعكس ما يؤمله كثير من الأمراء المهمّشين المراهنين على وصول ولي العهد لكرسي الملك، فإن معظمهم إن لم يكن كلهم، وهم ينتظرون حصّة كبيرة من الغنيمة، لن يحظوا ببغيتهم ومنيتهم. فمن المتوقع أن يحتفظ الجناحان الحاكمان (جناح ولي العهد، وجناح السديريين) بقواهما الحالية؛ فولي العهد لن يفرّط في الحرس الوطني كقوة حامية لجناحه، وسيُسلّم قيادة الحرس في حال توليه المُلك لإبنه الأمير متعب. الجيش هو الآخر لن يخرج من يد الأمير سلطان حتى مع وصوله الى ولاية العهد، ولا يبدو أنه سيسلّم أمر وزارة الدفاع الى إبنه خالد أو الى أخيه عبد الرحمن (نائب وزير الدفاع). أما نايف، فمن المتوقع أن يصبح النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، أي الرجل الثالث في الدولة (وإن كان في الوقت الحالي يمارس فعل الرجل الأول فيها) وقد تستمر سلطاته الواسعة مادامت مبررات ذلك قائمة، وخاصة إذا استمرّ التوتر الأمني؛ أما إذا تصاعد بشكل محموم، فقد تُسحب منه بعض صلاحياته الجانبية رسمياً أما فعلياً فلا؛ يدلنا على ذلك أنه رغم إلغاء المجلس الأعلى للإعلام الذي كان يرأسه ـ أي نايف ـ فإنه لازال صاحب كلمة تضاهي سلطان وعبد الله في هذا المجال.

الوزارات الأخرى ستوزّع كما هي عليه الأمور اليوم بالتوافق، حيث لدى الشخصيات الثلاث آنفة الذكر نفوذاً متقارباً أو لنقل متوازياً، فنفوذ لولي العهد أكثر في المالية والتعليم، يقابله نفوذ للطرف الآخر متميز في وزارات عديدة أخرى. لكن تغييراً أكبر قد يحدث فيما يتعلق بأمراء المناطق، فبعض الأمراء مرشحون لاعتلاء مناصب أرفع: الأمير سلمان كأمير للرياض منذ نحو نصف قرن والذي قد لا يقبل بأن يتولى إحدى الوزارات، وقد لا يقبل أيضاً البقاء بصلاحيات محدودة في أمارة الرياض، وهو وإن ضعف بسبب مرض الملك فهد، فإنه يميل الى استحداث منصب يؤهله للعب دور أكبر في حلقة الحكم والوراثة. هناك أيضاً الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز أمير مكة، وهذا متحالف مع الأمير عبد الله ويحتمل أن يعيّنه الأخير في حال وصوله الى كرسي المُلك في إحدى الوزارات. هناك أيضاً أمارة المنطقة الشرقية، وسيكافح الجناح السديري إبقاء إبن الملك فهد فيها (محمد بن فهد) حيث يرى هذا الجناح أن الجناح الخصم يخطط لإزاحة محمد عنها بمجرد موت الملك؛ وإذا كان لا بدّ من حلول توافقيه، فإن الأمير محمد قد يرحّل من منصبه على أن يحتفظ به ضمن دائرة الجناح السديري. أما الإمارات الأخرى التي يمسك بزمامها الجناح السديري، خاصة أبناء رموزه، فإن مواقعهم فيها ستبقى معزّزة، اللهم إلا اذا تطلبت لعبة المساومات ترفيع أحد أولئك الأبناء الى مواقع أعلى دون التخلي عن المنصب لذات الجناح.

في هذا الصدد أيضاً يمكن القول بأن من غير المحتمل أن يتولّى الأمير طلال ـ الأقرب الى جناح عبد الله ـ أية منصب في أي ظرف قادم؛ كما أن حظوظ أبناء طلال قليل أيضاً، بمن فيهم الوليد بن طلال نفسه. وقد يحدث على نحو ضئيل بعض المبادلات في المناصب بين الآباء والأبناء، ومن المحتمل أن يعطى الجيل الثالث فرصة أكبر في المناصب، ولكن بحدود قليلة وفي مواقع تبدو ثانوية، كنيابة بعض الإمارات. ليس من المرجح أن يتخذ الأمراء قراراً جمعياً بتحويل النسبة الأكبر من سلطاتهم الى أبنائهم من الناحية الرسمية، حتى وإن كان الواقع كذلك (خالد بن سلطان لازال يلعب الدور الأول في وزارة الدفاع بعد أبيه متجاوزاً عمه عبد الرحمن؛ ومحمد بن نايف يكاد يكون الرجل الأول من الناحية العملية في وزارة الداخلية؛ في حين يتولى متعب إدارة الحرس الوطني بشكل شبه كامل؛ اما أبناء سلمان فهم في مواقع مناسبة وبعيدة عن مجال المنافسة ومناصبهم غير مرتبطة بأبيهم من الناحية الفنية، فأحدهم وكيل وزارة النفط، وآخر يمسك بالهيئة الوطنية للسياحة، وثالث يتمتع بمنصب أحد أمراء المناطق، ورابع يدير الإمبراطورية الإعلامية: الشرق الأوسط وأخواتها).

هناك بعض الأمراء يعتقد أن سلطاتهم ستؤول الى الإنحدار أكثر فأكثر: الأمير عبد الرحمن وزير الدفاع، والأمير أحمد نائب وزير الداخلية، ولا يتوقع أن يعود الأمير تركي بن عبد العزيز من القاهرة ليحتل منصباً جديداً، وقد كان حتى 1978 نائباً لوزير الدفاع. وكذلك الأمير مشعل الذي يرجح أن يطالب ولي العهد بتعيين أبنائه في السلطة بعد أن جرى تهميشه لزمن طويل منذ أن كان وزيراً للدفاع حتى الستينيات الميلادية. وهذا الأخير وإن كان تنازل لأخيه سلطان الذي يصغره بولاية العهد مقابل مبلغ مالي كبير، فإنه لم يتنازل عن حق أبنائه في الوصول الى منصب ما.

كأن السلطة بدأت تتمحور حول بعض الأشخاص، وكأن الإستفراد بالملك وتوابعه يضيق من مجال المنافسة؛ وليس بمقدور أبناء عبد العزيز سواء الموجودين في السلطة أو الخارجين منها سوى الإنضمام الى واحد من المعسكرين، وكثيراً ما يبدلون ولاءاتهم احتجاجاً أو إلفاتاً للنظر، أو طلباً لمغنم حاضر!

يبقى أمامنا أبناء الملك فيصل؛ لقد بنى الكثيرون آمالاً عريضة على هذا الجناح؛ ولكنه أبدى تردداً في خوض معترك الصراع على السلطة، فكان أن أصبح أحد (ممتلكات) جناح السديريين، خاصة الأمير سلطان، فهو الأكثر قرباً منه. من المحتمل جدّاً أن يضعف هذا الجناح، وقد تكون إزاحة وزير الخارجية قد أزفت في حال توفي الملك فهد. بيد أن مشكلة وزارة الخارجية تكمن في أي الجناحين سيتولاها؛ فقد حاول الملك فهد وهو في أوج قوته حوالي عام 1983 أن يزيح سعود الفيصل، ولكن الأمير عبد الله رفض الأمر. إذا كان الجناح السديري سيعيّن الأمير بندر بن سلطان (السفير الحالي في واشنطن) وزيراً للخارجية فإن الأمير عبد الله سيرفض التغيير من أساسه حتى ولو مُنح حق تعيين سفير جديد في واشنطن. اما تركي الفيصل فسيبقى في منصبه، وكذلك خالد الفيصل سيبقى أميراً لعسير. أما الأخ محمد الفيصل، الذي يختلف عن باقي إخوته كونه مبعداً عن السلطة (كان قد تولى وزارة المياه في عهد والده فيصل) وكونه لا يميل الى الجناح السديري ويتهمه بأنه ضالع في اغتيال والده، فسيبقى على وضعه الحالي. بيد أن هناك من يعتقد بأن محمداً هذا هو القوة الحامية لمناصب إخوته، وإن عزل أحدهم فقد يفجر صراعاً مكشوفاً مع أعمامه، ولن يكون هناك من مجال حينئذ سوى احتواءه في السلطة ضمن أحد المناصب. ولأن الرجل يعتبر عنصر توتر، فقد يقبل السديريون بقاء سعود الفيصل على أن يتعاطوا مع أخيه محمد. يبقى من الجناح الفيصلي عبد الله الفيصل، وهو أكبر أبناء الملك الراحل فيصل، وهذا الأمير قد تباغته المنيّة قبل عمّه الملك، فهو مريض جداً ومسنّ أيضاً، ويتجاوز عمره عمر الملك نفسه.

في حال موت عبد الله قبل الملك أو بعده: إذا توفي الأمير عبد الله ولي العهد قبل الملك فهد، فإن السلطة ستبقى منحبسة في الجناح السديري الى أمدٍ طويل. سيحكم المملكة حينئذ لونٌ واحد، وقد تُدار بأفضل مما هي عليه الآن نظراً لخفوت حدّة الصراع المتوقع بين أقطاب السلطة. مما لا شك فيه أن وفاة الأمير عبد الله يعطي الفرصة لتوحيد السلطة، ولكنه قد يفجرها من زاوية أخرى. سيشتدّ العداء بين السديريين القابضين عليها وبين المهمشين الذين لا تمثيل لهم. وقد يفجر موت عبد الله صراعاً كامناً داخل الجناح السديري نفسه، بين عبد الله وسلطان وسلمان وأحمد وعبد الرحمن. إن الفوارق بين هؤلاء موجودة، ولقد حاول ولي العهد استقطاب (الناشز) تركي بن عبدالعزيز، وأكبر أبنائه؛ كما حاول توثيق العرى مع سلمان، لكن هذه المحاولة الأخيرة باءت بالفشل، فقد أظهر الجناح السديري تماسكاً يشهد له بالرغم من غياب رأسه عن الوعي (ونقصد بذلك الملك فهد).

أما إذا توفي الأمير عبد الله بعد وفاة الملك فهد، فيفترض حينها أن تغييراً طفيفاً قد طرأ على موازين القوى، لا يلغي من استيلاء الجناح السديري على كامل السلطة، ولكن بوجود بعض الأطراف الأخرى التي ستفقد رأسها، اللهم إلا إذا شكلت محوراً جديداً في حياة الأمير عبد الله نفسه. هذا يعتمد على المدّة التي يبقى فيها عبد الله ملكاً على البلاد، وعلى مقدار النجاح في تثبيت عناصر غير سديرية كلاعبين أساسيين في السلطة. لا يتوقع كثيرون أن تكون لدى ولي العهد القابلية والكفاءة في إدارة معركة على هذا النحو، خاصة وأن من يريد الإعتماد عليهم هم أيضاً ضعفاء في هذا المجال، وقد كانوا مبعدين عن السلطة ـ في أكثرهم ـ بلا خبرة أو ممارسة.

في حال موت سلطان قبل الملك أو بعده: إن توفي سلطان قبل الملك فهد وقبل ولي العهد، ثم توفي الملك فهد، فإن الجناح السديري سيمنى بضربة قوية وقد تكون قاصمة، فبالرغم من أن موازين القوى الفعلية على الأرض قد تكون ثابتة، إلا أن ولي العهد قادر حينها على تقليص سلطات الجناح السديري، ولن يكون حينها قادراً على مناوءة عبد الله كملك في سلطاته، وستدخل العناصر المغيّبة عن السلطة من أوسع الأبواب. قد يستطيع الأمير عبد الله ـ وضمن صفقة جديدة ـ السيطرة على وزارة الدفاع؛ ولكن وزارة الداخلية ستبقى بيد نايف، وهذا الرجل سيكون عصيّاً على التطويع، على الأقل داخل حريم وزارته. يستطيع عبد الله أن يوجّه ضربة أخرى للعنصر المشاغب (نايف) إن استطاع جذب سلمان إليه، والإتكاء على ضعفاء الجناح السديري ضد الأقوياء، وهي السياسة التي تستخدمها العائلة المالكة ضد مواطنيها ويستخدمها الأمراء ضد بعضهم البعض.

أيضاً، يستطيع الأمير عبد الله أن يخرق المتعارف عليه بشأن ولاية العهد، فيستطيع نقلها الى جيل حفدة المؤسس، أي الجيل الثالث من الأمراء، رغم صعوبة ذلك، لأن الذهنية متخلّفة؛ ولكنه يستطيع أن يخرج ولاية العهد من الجناح السديري.

اما اذا توفي سلطان ثم توفي الأمير عبدالله وقبل أن يتوفى الملك، فإن الحال سيختلف، فستكون الأرجحية للجناح السديري في السيطرة، لأن الأمير عبد الله سيكون ولياً للعهد بدون تغيير، وسيرث الجناح السديري سلطات سلطان، ثم صلاحيات عبدالله.

وهناك احتمال أخير قائم، وهو أن الموت قد لا يتخطّف أياً من الثلاثة الكبار، وهذا يعني أن جملة التحليل آنف الذكر ستكون مؤجلة لسنة أو أكثر.

وفي الجملة علينا أن نراقب السنوات الثلاث القادمة أو أكثر منها بقليل، فستكون حرجة للنظام السياسي، لأن وجوهاً عديدة ستختفي تباعاً بالوفاة، الأمر الذي يجعل الوضع السياسي غير مستقرّ. يأتي هذا في الوقت الذي تواجه البلاد تحديات أمنية عاصفة وتحديات سياسية خانقة واقتصادية مفجعة وتهديدات خارجية لم تنته تستهدف أصل الدولة.. وإن غياب الماسكين بزمام السلطة الواحد تلو الآخر في فترة زمنية متقاربة، من شأنه أن يزيد عدم الإستقرار في غياب التنسيق الأولي والإتفاقات المقنعة بين مختلف الأطراف؛ كما أن من شأن ذلك أن يفجّر الصراع بين الأمراء أنفسهم وربما وصل الأمر الى استخدام كل جناح عصاه الأمنية والعسكرية لتثبيت ما يراه حقوقه؛ كما ان الموت المتسلسل سيزيد في أغلب الأحوال الى تزايد التدخل الأجنبي؛ وقد يُخرج الصراع على السلطة من أُطره (العائلية) الى الشارع وقواه السياسية والدينية ـ أولاً، كما سيخرجه الى خارج الدولة نفسها، فقد يرى بعض الأطراف التقوي ضد الآخر باستدعاء العامل الأجنبي ليعمل لصالحه، وهذا كله نذير شؤم للدولة والمجتمع، وقد يؤدي في المحصلة الى نشوب حرب فعلية داخلية قد تتوسع الى حرب أهلية ـ كما حدث في الدولة السعودية الثانية. وقد يرى الأميركيون الفرصة المناسبة لإحداث تغيير جذري في الطاقم الحاكم، إما بإزالته أو بتجديده بوجوه أميرية شابة، أو بإقحام عامل الإصلاح السياسي كمحور تمييز بين الأمراء، وإن فشلت كل هذه الأمور، فقد يتبنون بدائل التقسيم لتأمين إمدادات نفط رخيصة وكثيرة آمنة.

إن تقليب الأمور على كل وجوهها المحتملة أمرٌ مطلوب من المواطنين قبل غيرهم، فالبلد تُساق بالفعل نحو خيارات صعبة، ولا تنبئ السياسات القائمة ولا ممارسات العائلة المالكة أن الأمراء الكبار يدركون ما ستؤول اليه الأمور، ولا يقدرون المشكلات القادمة حق قدرها.

السياسات العامّة:

لا يبدو أن بين العائلة المالكة من أمراء كبار أو أصحاب مسؤولية دنيا من يمكن الإشارة إليه أو المراهنة عليه في إحداث تطور حقيقي في المنهج السعودي للحكم. لا توجد أية شخصية تتمتع بالكارزما، كما لا توجد أية شخصية تستطيع أن تكون محور التقاء أجنحة العائلة المالكة، أو قادرة على ضبط تلك الأجنحة؛ ولا يظهر أمامنا حتى الآن أن هناك شخصية متميّزة في الرؤية السياسية أو في الأداء الفني للمناصب التي يتولاها. تبدو الصورة مساواتية الى أبعد الحدود، وكأنه لا فرق بين الكبير والصغير، ولا بين خطاب جيل الديناصورات وجيل الشباب الحالي. الجميع يتكلم بنفس اللغة، وتهيمن عليه نفس العقلية، ويمارس نفس الإستعلاء في الأداء، وهم جميعاً محكومون بمنظومة قيم خاصة بالعائلة المالكة نفسها، خففت الى حد كبير من تحول الإنشقاقات الى صدام مسلح، كما انهم محكومون بالنظرات التقليدية لمراكز القوى والمفاهيم المجتمعية السائدة. لن نجد ـ بمعنى آخر ـ أميراً أو ملكاً إصلاحياً؛ وإن المراهنين على عبدالله مثلهم مثل اولئك الذين راهنوا من قبل على الملك سعود الذي كان ضعيفاً فكان ذلك سبباً للإطاحة به، كما كان سبباً في توسّع هامش الحريات الذي قبره الملك فيصل.

لكن الخضّات السياسية المتوقعة بسبب (تناول ملك الموت للرؤوس الكبيرة) وبينها احتمالية تصاعد الإختلافات بين الأمراء، قد تغري بعضهم اللعب بورقة الديمقراطية والإصلاحات السياسية كيما يعزز مواقعه أو للحصول على مواقع نفوذ او المزيد منها. ولعل الأقرب للحدوث، هو استمرار السياسات العامّة الحالية، وإن كان هناك من دوافع إصلاحية فستأتي في الأغلب الأعم بسبب الضغوط الداخلية الشعبية والخارجية، أي أنها لن تأت بإرادة ذاتية أو بدون ممانعة شديدة من العائلة المالكة.

هذا يعني الإشارة الى حقيقة هنا، وهي أن استمرار اختلاف الامراء ـ وكما هو حادث الآن ـ يمكن النظر اليه من زاويتين متناقضتين فيما يتعلق بالإصلاحات، فقد تزيد حدة الإختلافات العائلة المالكة ضعفاً وتشويهاً لصورتها وفشلاً في إدراتها، وبالتالي فإن ذلك يعني المزيد من الضغط عليها ومن ثمّ يمكن التوقع أنها ستقدم على إصلاحات. اما الرؤية المناقضة لهذه، فهي أن اختلاف الأمراء لا يبلور إرادة واحدة بينهم باتجاه اتخاذ منهج جديد في الحكم وتبني خيار المشاركة الشعبية. كلا المسارين المحفز نحو الإصلاح أو المعوّق له سيتسابقان ـ كما هو الحال الان تماماً ـ دون أن تتوضح الغلبة لأيّ منهما. أي أن المواطنين في السنوات الثلاث القادمة، سيشهدون مسارين متناقضين معاً: محاولات خجولة للإصلاح بفعل الضغوط وفشل الدولة وتصاعد العنف؛ ومن جهة ثانية محاولات شديدة أيضاً لتفريغ العملية السياسية من محتواها (كما هي الإنتخابات البلدية وكما هي الجمعية الأهلية لحقوق الإنسان وكذلك نقابة الصحافيين) فضلاً عن البعد عن أي شيء له علاقة بالمشاركة (السياسية) كالوعد بتشكيل مجلس شورى منتخب مثلاً او وضع دستور.

وإذا كان المتوقع بأن لا يصل ملك قوي الى الحكم، ففهد قد يكون آخر الملوك الأقوياء، ومع استمرار الأجنحة على وضعها الطبيعي، فإن أي ملك لن يستطيع التغيير في مسلك العائلة المالكة، من جهة نهبها لثروات البلاد، والتعدي على نفطها بتحصيصه بين الأمراء، وسرقة الأراضي، والإثرة بالمناقصات، ونهب أموال العامّة وأملاكهم بمن فيهم التجار. في أفضل الظروف المتوقعة، قد يستطيع الملوك القادمون إبقاء الحالة على ما هي عليه وليس إصلاحها. وفي مجال خدمات الدولة فإنها ستنحسر حتى مع وجود الوفرة المالية، وسيبقى الأداء الحكومي مرتبكاً، مع تزايد المطالب وتزايد عدد السكان، ومع الوعي المتصاعد بين الجمهور الذي قد يفرز متاعب إضافية.

الوضع الأمني سيبقى ـ على الأرجح ـ قلقاً. فالعنف لا تبدو له نهاية في السنوات الثلاث القادمة. قد تخف حدّته حيناً وتتصاعد حيناً آخر؛ اما السخط الشعبي فسيأخذ في الأزدياد، وقد تكون العائلة المالكة محظوظة جداً، إن استطاعت تجنّب أي انهيارات محتملة، كأن ينهار سوق البورصة السعودي الذي أبدى أداءً جيداً خلال العامين الماضيين، بالرغم من أن الإقتصاديين يحذرون من أن أسعار الأسهم مبالغ فيها كثيراً بسبب المضاربات.

هنا، لعلّ بعض الوزراء من العامّة، وفي خضم ضعف المركز الذي يسير الدولة باتجاه اهدافها، لعل هؤلاء يجدون متنفساً وحرية أكبر في وزاراتهم، فيغتنمون الأوضاع في تمشية سياساتهم، أو تحقيق مصالحهم الخاصة، او كليهما.

الجمهور هو الآخر، سيشعر في الأعوام القادمة بجرعات حرية أكبر، لا يعود سببها الى قرار من العائلة المالكة بتوسيع هامش الحرية في الصحافة أو غيرها، بل بسبب الشعور العام بضعف الدولة، وبالتالي فيحتمل أن تتقدم النخب مرّة أخرى لتقوم بدفع حواجز الخطوط الحمر، وتوسع دائرة النقد، وتكرر مطالب الإصلاح. ومن المحتمل جداً، أنه ولثلاث سنوات قادمة، أن لا تكون هناك انتخابات لمجلس الشورى ولو نصفية، ولن يطرأ تحول على دور المرأة، ولن تحظى الفئات المذهبية والمناطقية والقبلية المهمّشة إلا بحرية (الشكوى) دون أن يتحقق لها شيء على الأرض.

كل هذا يقودنا الى استقراء أن جهاز الدولة سيزداد تحللا، والعائلة المالكة أقلّ مصداقية وشرعية، فإذا ما أضيف هذا الى استمرار العنف، أو تزايد الضغط الخارجي ـ الأميركي، خاصة إذا ما ترتبت الأوضاع في العراق، فإننا سنشهد طريقاً مسدوداً أمام المسؤولين السعوديين يعرض الدولة وكيانها للخطر كما يعرض العائلة المالكة الى مواجهة سؤال: متى سترحل، وقد نشهد انفراجاً غير متوقع على النحو الذي حدث في البحرين يخرج البلاد من المحنة التي ستجد نفسها فيها.

 
فهد: آخر الملوك الأقوياء
عبدالله: ملك ضعيف كسعود
سلطان: موته كارثة للجناح السديري
مشعل: باع منصبه لسلطان بمبلغ مالي كبير
سعود الفيصل: قد يعزل لصالح بندر بن سلطان
محمد بن فهد: جناح عبد الله يريد الإطاحة به
طلال: لا أمل في أي منصب
خالد الفيصل: الجناح الفيصلي ليس بديلا
عبدالمجيد: مرشح عبدالله للصعود
نايف: الأكثر شراسة، وعصيّ على التطويع
بندر: هل يصبح وزيراً للخارجية؟
سلمان: خسر بعض النفوذ حين مرض الملك
الصفحة السابقة