عبد الله الحامد يترافع

ورقة دفاع الدكتور عبد الله الحامد:

صرخة أمام القضاء السعودي

مرافعة سياسية وقانونية ودينية


(1)

رسالة

بسم الله الرحمن الرحيم

أصحاب الفضيلة أعضاء هيئة مقاضاة الموقوفين الثلاثة من دعاة الدستور الإسلامي (الفالح والدميني والحامد): القاضي محمد بن خنين - رئيس الهيئة؛ القاضي عبداللطيف بن عبداللطيف - عضو الهيئة؛ القاضي سعود العثمان - عضو الهيئة.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أُشير إلى قرار الهيئة في ما اعتبرته جلسة رابعة لمحاكمتنا، يوم الأربعاء 18/10/1425هـ بأنها غير مختصة في النظر في قضية دعاة الدستور الإسلامي. هذه دفوعي أمام دعاوى المدعي العام، وتجدون كل نسخة موقعة في كل صفحة، وعدد صفحاتها، وقد دعاني إلى إرسالها إليكم الأمور التالية:

1 ـ إعتبار قرار الهيئة المشكّلة لمحاكمتنا نحن المعتقلين الثلاثة من دعاة الدستور، بالحكم بعدم الاختصاص في النظر في قضيتنا، جزءاً من محاولة القضاء التدليس على العدالة، إذ إن القضاء على العموم والهيئة على الخصوص لا زال لا يدري ما الجهة التي يمكن أن نترافع أمامها، رغم مضي سنة على اعتقالنا، فقرار الهيئة كشف جانباً يدل على أن ضمان نزاهة القضاء غير متوافرة. من أجل ذلك ليس لنا - نحن المعتقلين الثلاثة من دعاة الدستور – تعليق لا بالموافقة ولا بالمخالفة، على قرارا الهيئة، لأن الجلسة التي اتخذ فيها القرار جلسة سرية، ولذلك لزمنا نحن المعتقلين الصمت، لاعتبار الجلسة السرية باطلة الإجراء، ولأن ما بني من الأحكام على إجراء باطل فهو باطل، وهذه قاعدة قانونية في الشرع الإسلامي وفي سائر القوانين العدلية.

وحيث أننا نحن المعتقلين الثلاثة من دعاة الدستور الإسلامي قد قررنا عدم حضور أي جلسة سرية، فإرسال الدفوع مكتوبة خير من عدم إرسالها.

3 ـ وبناءً على ذلك فسواء وافقت محكمة التمييز على عدم الاختصاص واعادتها إليكم، أو أحالتها إلى هيئة أخرى. فالمسالة تحصيل حاصل، إنها المحاكمة السرية إذن.

4 ـ ولكي أرفع عنكم الحرج وعن الهيئة التي تحال إليها القضية، وأدفع عن نفسي العنف المادي المتوقع، الذي يحتمل أن يكون كالعنف اليدوي الذي مارسه الجنود مرتين متتاليتين بأمر من القضاة، حين دفعوا بأيديهم رجلاً تجاوز عمره الخمسين، يعاني من مرض السكري ومضاعفاته، التي أوصلته إلى استخدام حقن الأنسلين بكرة وعشيا، وما يصحب التقدم في العمر والسكر من لين العظام، وارتخاء المفاصل، ولكي لا اضطر مرة أخرى لمراجعة مستشفى قوى الأمن لعلاج تمزق أربطة العضلات الذي حدث بسبب أمركم الجنود بدعِّنا من ظهورنا دعّا.

5 ـ ولكي أجنب نفسي مزيداً من ألفاظ التقريع القاسية من مثل القاضي سعود العثمان، كحديثه عن أنه سيطحن الحب في رؤوسنا، وأمره لنا بالأدب في حضرته، وكل هذه الأمور يقولها قاض يتوقع منه أن لا يظهر منه ما يخل بحياده ونزاهته. ولأن أمره لنا بالأدب هو الصورة المصغره للعبارة التي وصفنا بها الأمير سلطان: ''أبناء تمردوا على آبائهم''، وأتصور أن هذا السلوك مخل بنزاهة القضاء، وان من تصدر منه مثل هذه التصرفات في قضية من القضايا، ينبغي أن يتنحى، أو أن يُنحى من البت فيها، تحقيقاً للعدالة ولكي يثبت القضاء أن مثل هذه التصرفات ليست هي القاعدة، وإنما هي كبوة نادرة. كل هذا قبل أن يسمع دفوعنا، ولأن باقي أعضاء الهيئة لم يتخذوا موقفاً علنياً يمنع مثل هذا الإخلال.

6 ـ ولأن حكم الهيئة بعدم الاختصاص غير طبيعي، فقد أثير موضوع الاختصاص في مشروع الجلسة الثانية 7/7/1425هـ وصرح لنا احد أعضاء الهيئة بأن هناك أمراً سامياً لهم بالحكم فيه بالقضية، فكيف يقول القضاء أن القضية إذن مستثناة من الاختصاص بالأمس، ويقول: أنه غير مختص بالنظر فيها اليوم، بعد سبعة أشهر من إحالة القضية، وبعد حوالي سنة من سجننا، منذ 25/1/1425هـ 16/3/2004م وهذا يدل على أن وراء الأكمة ما وراءها، وهو دليل من عدد من الأدلة على أن ضمانات النزاهة في محاكمتنا غير متوافرة.

لذا أرسل إليكم الدفوع، فإن رفضت هيئة التمييز قراركم وأعادت القضية إليكم، اطلب النظر في القضية على أساسها، وإن وافقت هيئة التمييز قراركم، أرجو إحالتها إلى المحكمة الجزئية التي تحال إليها القضية، ونحملكم جميعاً - وعلى الخصوص رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي صالح اللحيدان ورئيس المحكمة القاضي سليمان المهنا ووزير العدل على العموم - تبعة ما ينالنا وينال غيرنا من إجحاف يمارس باسم الشريعة.

وأقول للجميع: وسيرى الله عملكم والمؤمنون، وهم شهود الله في أرضه. وانظروا ماذا ستقولون اليوم لشهداء الله في أرضه، وماذا ستقولون للواحد الديّان يوم الحساب، أمام عدالة السماء، يوم لا ينفع مال ولا بنون ولا سلطان إلا من أتى الله بقلب سليم. وماذا سيقول الشعب عن دور القضاء في قمع دعاة القسط الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، عندما يجرم ما اعتبرته الشريعة بصورة قطعية، واجباً أو مستحباً، أو مباحاً على أقل تقدير.

أنني لا أطالب بالبراءة من التهمة فحسب، بل أطالبكم بتعويضي مادياً ومعنوياً على ما لحق بي من جور وظلم. وثقوا أن إنصافكم، سيقيم سداً من السدود أمام تجاوزات وزارة الداخلية، وسيبرهن على أن في القضاء إصلاحيون يريدون تعزيز استقلال القضاء، ومثل هذه القضية فرصة لكم إن كنتم راغبين؛ لاسيما أن تداعياتها لن تنتهي بصدور حكمكم الذي قد يفتح ملف القضاء برمته شعبياً وإعلاميا.

لقد انتهى الزمن الذي يتم فيه التعتيم على الأحكام القاسية، التي تجرم الحقوق الشرعية في التعبير والتأثير، و ''ما يوم حليمة بسر''، ولن يسكت دعاة الدستور أين ما كانوا عن القضية، وسيتظلمون، و ''لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم'' فاتقوا الله في أنفسكم أيها القضاة، وتذكروا أن العدالة والشورى من أصول الدين، التي ما أصيب الملة والأمة طوال العصور إلا بتهميشها، وشر أنواع التهميش أن لا يعدها الفقهاء والوعاظ وطلاب العلم والآمرون بالمعروف والنهي عن المنكر، من الأولويات المقدمة على الثانويات، وشر أنواع الظلم أن يبرر القضاء منكرات الظلم والاستبداد، فيصبح ركناً من أركان الفساد. إن ظلم الدولة واستبدادها أعظم أنواع الفساد الديني، وأن إنكار هذين من أعظم أنواع الإصلاح الديني، وصدق الله العظيم: ''فَاسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ، وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أولياء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ... وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ، فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ، وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ'' (هود: 112-117).


د/أبو بلال عبدالله الحامدالقاضي سعود العثمان قرّع المعتقلين وهددهم بطحن الحبّ الذي في رؤوسهم!، وأمر الشرطة بدعّ المعتقلين دعّاً فتمزّقت عضلات الحامد وأدخل المستشفى

الأستاذ السابق في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

سجن عليشة

حرر في 18/12/1425هـ

28/1/2005م

صورة مع التحية لصاحب المعالي الرئيس الأعلى للقضاء

صورة مع التحية لصاحب المعالي وزير العدل

صورة مع التحية لصاحب الفضيلة رئيس المحكمة الكبرى بالرياض القاضي سليمان المهنا


(2)

مقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، الذي التزم بالعدالة والشورى وعلى المهتدين بهديه من دعاة القسط والمعروف إلى يوم الدين: ''ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين''. أما قبل: أصحاب الفضيلة رئيس وأعضاء الهيئة القضائية لمحاكمتنا في المحكمة العامة بالرياض. نحن المعتقلين الثلاثة من دعاة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي.

في البدء أسجل شكري الوافر لفريق الدفاع من المحامين المحتسبين الذين ساعدونا في هذه الدفوع، وقدموا لنا خلاصة تجاربهم، لقد ضرب الفريق أمثلة حية، للإيثار وتقديم المصلحة العامة على الخاصة، والتطوع للدفاع عن الموقوف وإغاثة الملهوف، ومن أجل ذلك أعلن شكري وشكر زملائي للمحامين، وأسأل الله لهم جميعاً حسن الثواب.

لقد سبق المحامي عبدالله الناصري المتطوعين فذلل عديداً من المصاعب، وصابر، كما صابر الأساتذة: المحامي عصام بصراوي والمحامي سليمان الرشودي والمحامي عبدالعزيز الوهيبي، حتى استبعدهم وزير العدل، في برهان من براهين تدخل الحكومة في القضاء.

والأساتذة: المحامي إبراهيم المبارك وعبدالرحمن اللاحم ومحمد السنيدي كانت جهودهم تجربة جديدة في أول محاكمة سياسية علنية، واجه فيها المحامي النشيط عبدالرحمن اللاحم عقوبة السجن بسبب تحمسه في الدفاع عن علنية المحاكمة، ولم يبق إلا المحامي خالد المطيري، الذي سلمه الله من الآفات والمعوقات رغم كثرة المشقات، فواصل جهده مستعيناً بخبرة من ذُكرتْ أسماؤهم، وبخبرات الأساتذة الآخرين من خارج منطقة الرياض ولاسيما الدكتور: باسم عالم. فلكل هؤلاء شكر موصول بشكر، وعند الله وحده الأجر.

وأنوه بفضل الشيخ سليمان الرشودي القاضي السابق والمحامي الآن، الذي راجع هذه المبيضة وأود أن أذكر بما يلي:

1 ـ لعلكم تستغربون أن يدافع كل منا عن نفسه مباشرة، من دون أن يكل الدفاع إلى المحامين، كما جرت العوائد، أمام القضاء، عند الاستعانة بالمحامي، ويبدو أن لدى عدد غير قليل لبس في وظيفة المحامي عن المعتقل، إذ يحصرونها في الدفاع أمام المحكمة، بيد أن أهم وظائف محامي المعتقل هي أن يشارك في ضمان حقوق المعتقل، بمواصفات (توقيف) إنسانية، بحيث لا يتحول مفهوم الإيقاف من (تعويق) عن الحركة، إلى (تضييق) ينال الجسد والنفس بكثير من الأذى كما جرت العادة في السجون السعودية. وقام المحامون بجهد كبير في هذا المجال، ولاسيما الأستاذ عبدالله الناصري.

2 ـ أن يدلي المتهم باعترافاته في جو شرعي، ليس فيه ضغط على الإرادة، يفقده الرضا والاختيار أو أحدهما بسبب ضغوط السجن النفسية، التي تسلبهما معا أو تسلب احدهما، وقد توافر ذلك أيضاً.

3 ـ أن يدافع المحامي أمام الرأي العام، فيلتزم الموضوعية ويدين أي انتهاك لحقوق المتهم، وقد قام الأخوة بجهد كبير في هذا المجال، ولاسيما الأستاذ عبدالرحمن اللاحم، الذي أدخل الزنزانة من أجل إدانته المحاكمة السرية.

4 ـ بعد هذه الوظائف الحقوقية الثلاث، تأتي مسألة الاستعانة بالمحامي من أجل الدفاع عن المتهم، الذي بذل فيها المحامون أمام المحكمة أو المحامون المستبعدون جهداً طيباً، كالمحامي ابراهيم المبارك، واخص بالذكر الأستاذ عصام بصراوي، الذي عكف على إعداد دفاع شامل، استفدنا منه جميعاً.

نحن على كل حال لا نستغني عما للمحامين من خبرة علمية وعملية، لتدعيم الجوانب القانونية والشرعية في دفوعنا، وقد استفدنا من هذه الخبرة كثيراً، ولاسيما في وقوفهم معنا، الذي دلل على شجاعتهم ونبلهم، ولذا فنحن محتاجون إليهم، ولكننا نرغب في أن ينبري كل منا للدفاع عن نفسه بنفسه للأسباب التالية:

(1) لدينا من الثقافة الفقهية والقانونية والسياسية والمعرفية، ما يكفي، التي شفَّ عنها الوثائق العشر للإصلاح الدستوري: ''خطاب الرؤية'' و ''النداء الدستوري'' و ''رؤية لاستقلال القضاء السعودي'' و ''المسودة الأولى للدستورالإسلامي للدولة الإسلامية الحديثة'' و ''دعوة الدستور الإسلامي''، فضلاً عن الخطابات السبعة التي كتبناها لـ: للهيئة السابقة المشكلة لمحاكمتنا و لرئيس المجلس الأعلى للقضاء و للأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب الملك.

(2) نحن لا نبحث عن المخارج التي تبرئ ساحتنا، كما جرت العادة حين يتبع المحامون الأسلوب السائد، عندما يتولون الدفاع، وهو محاولة كسب القضية بالإفراج، أو تقليل مدة العقوبة، بترك التصريح إلى التلويح، وتلمس الأعذار، وتليين العبارات، لكي تبرئ المحكمة ساحتنا، أما ما نريده فهو أن نصدع بكلمة العدل، أمام السلطة سواء أكانت سياسية أم قضائية أم اجتماعية، أم دينية تؤول صريح الشريعة، للإخلال بمقاصدها، أو للإخلال بترتيب أولوياتها، أو نظامها الهندسي المترابط، أو تهميش أصول الدين كأحكام الإمامة، واشتراط الشورية والعدل في البيعة، من أجل ذلك أصررنا على علانية المحاكمة.

بل هدفنا الأساسي هو عرض مشروع الإصلاح السياسي الذي شارك في تبنيه والدعوة إليه، ووقعه أكثر من ألف شخصية علمية واجتماعية وثقافية، هذا المشروع نعتقد أنه هو الحل الوحيد، الذي يصد العاديات التي تنذر بها الظروف المحلية والإقليمية والدولية. ومن اجل ذلك حرصنا معشر المعتقلين من دعاة الدستور الإسلامي ضامناً لحقوق الأمة، وتطبيق شرع الله، على أن نحدد دور المحامين بما ذكرنا.


(3)

أولاً: لماذا نصرُّ على علانية المحاكمة؟

إننا لا نطمع في إنصاف القضاة لنا. سواء تولينا الدفاع عن أنفسنا أم قام بذلك المحامون، وإن كان إنصافنا أمراً محتملا لماذا؟ لسببين:

الأول: لأننا نطالب بإصلاح القضاء، وفوق ذلك نطالب بإصلاح النظام الأساسي للحكم نفسه.

الثاني: أن كثيراً من الفقهاء والمثقفين، لا يحيطون بتفصيلات الموضوع علما، وأحدهم هو المدعي العام ، ولا دليل عندنا على أن القضاة مستثون من هذا، ولأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، إننا نقر بما نسبه إلينا المدعي العام (مذكرة الدعوى ص 7 س 3): ''التشكيك في استقلالية القضاء''.

ومن أجل ذلك نريد علانية المحاكمة لتكون منصةً نعلنُ من خلالها دفوعنا، كما أعلن المدعي العام اتهامنا، وينبغي لنا أن لا نبالي بالثمن الذي ندفعه، لأننا ندرك أن الإصلاح السياسي، ولو كان سلميا، لن يكون من دون تضحيات، فهذه سنة الله في خلقه، وقد تصل التضحيات إلى الفصل عن الوظيفة، وإلى شتى أنواع المضايقات، وقد تصل إلى الإقامة في السجون، وقد تصل إلى الشهادة، وعلينا أن نوطن النفوس على ذلك، ونسأل الله أن يرزقنا الثبات على الحق ، ليكون شعارنا قولة يوسف عليه السلام: ''رب السجنُ أحبُ إليَّ من ما يدعونني إليه'' أو قولة خبيب بن عدي: ولست أبالي حين أقتل مسلماً/على أي جنب كان في الله مصرعي.

فعندما ننعي على الحكومة وعلى القضاء تفريطهما بمبدأ العدالة، لا ينبغي أن نتوقع الإنصاف، فهما إذا لم يتفهما مشروعنا خصمان ألدان، وحكم القضاء المتوقع دليل جديد على أن القضاء شريك للحكومة في قمع دعاة القسط (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) سواء من خلال سكوته على سجن الناس من دون محاكمة، أم توثيق الاعترافات غير الشرعية، أو من خلال التدليس في المحاكمات السرية، أو من خلال إصدار أحكام تجرِّم ما اعتبرته الشريعة حقاً أو واجباً، وأكثر من ذلك إصدار أحكام قاسية بالسجن والجلد على ما هو مباح في الشرع أو واجب.

نعلم أن هناك عدداً كبيراً من القضاة الفضلاء، لم تتلطخ سمعتهم بقبول امتيازات عن زملائهم كمنح الأراضي والجوائز أو المكافآت النقدية أو العينية، ولم تتلطخ أيديهم بمداخلات مع الأمراء والأعيان، مما تشين القاضي وكاتب العدل، وتطعن في نزاهته وحياده، مثل هؤلاء لا نشك في رغبتهم وحرصهم على الإنصاف، ولكننا نشك في قوتهم وقدرتهم على الحياد للأسباب الآتية:

(1) أن القضاء نفسه أصدر عديداً من الصكوك، للأمراء والأعيان، ملَّكهم بها كثيراً من المساحات الشاسعة في المدن فضلاً عن السواحل والأرياف، وأحد هذه الصكوك بمدينة جدة، فقد قررت المحكمة صحة منح إمام الدولة، أحد الأمراء، ثمانين مليون متر مربع. إن القضاء الذي يسمح بمثل هذه الاعتداءات الصارخة على مال الشعب، لا يُتوقع أن تكون فيه منظومة عدلية ضامنة لإقرار العدالة والحقوق، نحن لا ندين القضاء أشخاصاً، بل نقول إن صدور مثل هذه الصكوك، يدل على أن ضمانات النزاهة للناس عامة وللمتهمين بالقضايا السياسية خاصة غير موجودة.

(2) أن القضاء لا يقوم بما يجب على القاضي، من تفقد للسجون من نواحيها الثلاث: الأولى: الاطمئنان إلى أنه لا يوجد في السجن أحد دون حكم قضائي. الثانية: الاطمئنان إلى شروط السجن الشرعية، وأنه محصور بـ(التعويق) لأن ممارسة (التضييق) على السجين جور كبير. عشته ورأيته وسمعت به، فهو القاعدة في السجون السياسية في بلادنا. ''ولا ينبئك مثل خبير''. الثالثة: الاطمئنان إلى أن السجين يلقى رعاية صحية كافية، نفسياً وجسدياً وغذائياً.

(3) أن القضاة يسمعون عن التعذيب في السجون، ولعلهم يقرّونهُ أو يدلسون، وهم في هذا مخالفون للشريعة، وإن تمسكوا ببعض آراء الفقهاء الذين تأثروا بفقه الضرورة المستقر في ظل الحكم الجبري الجائر، أمويا وعباسيا وعثمانياً وطوائفياً، وقد نص نظام الإجراءات الجزائية، على حظر التعذيب، فهل للقضاة قدرة على تفقد السجون وإدانة التعذيب؟ والقضاة يومياً يصادقون على عديد من التعهدات والإقرارات، دون أن يسألوا السجين المتهم عن مسألة صحة الاعتراف، ودون أن يكون لهم سلطة على وزارة الداخلية، ليلزموها بمنع التعذيب، إذا ثبت عليها، ليحموا المتهم من الضغوط التي تجبره على الاعتراف تحت التعذيب النفسي أو الجسدي أو هما معا، أو التهديد بهما. نحن في السجن منذ سنة تقريباً، ولم نسمع أن قاضياً جاء ليتفقد السجون، القضاء الذي لا يقوم بوظيفته في تفقد السجون، هل يضمن إنصافه؟

(4) أن من الواضح أن الحكومة تسيطر على القضاء، وأن القول بأن القضاء مستقل ومحايد، كلام لا برهان عليه، بل إن من يقرأ النظام الأساسي للحكم أو نظام القضاء ونحوهما، يدرك أن القضاء ولاسيما في الأمور السياسية، تابع لوزارة العدل، وهذا مخل باستقلال القضاء، وفوق ذلك فإن وزارة العدل خاضعة للتنسيق مع وزارة الداخلية، ومجلس القضاء الأعلى خاضع لوزارة العدل، وهكذا أُنشئت وزارة العدل لكي تكون كابوساً على القضاة، كما عرف القاضي النزيه عبدالله بن حميد – رحمنا الله وإياه –الذي استقال من محاكم القصيم عند إنشائها، رفضاً لتدخلاتها.

(5) من أبسط الأدلة المشاهدة على ضعف ضمانات حياد القضاء، أن وزير العدل يعزل خمسة من محامينا، ويأمر القاضي بتنفيذ ذلك، فكيف يطمع في حياد قاض يستسلم لقرار شخص إداري ليست له صفة قضائية. وطبيعة ووظيفة ومؤهلات الوزير غير قضائية، والأنظمة التي أصدرتها الدولة تدل على تضخم في مركز وزير العدل، يخل بضمانات نزاهة القضاة.

(6) من أبسط الأدلة على ضعف ضمانات حياد القضاء، أن حرس المحكمة الذين يضبطون الأمن في ردهاتها تابعون لوزارة الداخلية، وهم يدخلون بالأسلحة الرشاشة والمسدسات، وكأن المحكمة مبنى وزارة الداخلية أو البلدية، ولو كان للقضاء استقلال، لكان للمحكمة حرس خاص، يأتمر بأمر قضاتها، ويحمل شعارها، فالقضاة حسب نظام القضاء، هم الذين أنيط بهم حفظ النظام داخل المحاكم.

(7) أن مركز (الإمام)عند القضاة تضخم فصار هو مرجع السـلطات الثلاث، وهو – عندهم - أدرى بالمصلحة، فإذا كان الإمام أدرى بالمصلحة؟ فقد قرر الأمراء المصلحة سلفاً، عندما سجنونا ومر علينا الآن حوالي سنة، فالحكم علينا في المحكمة إذن إدارى، لمنح ذلك مشروعية دينية، وطابعاً قضائياً.

(8) أن مركز الإمام أمام القضاة أيضا تضخم، حتى اعتبروه هو القاضي الأول، وهو القاضي الأصيل، فإذا كان الأمراء هم القضاة الأُصَلاء، وليس قضاة المحاكم إلا وكلاء، فكيف يمكن تحقيق العدالة في نزاع قائم أصلاً، بين الأمراء ودعاة الدستور الإسلامي.

(9) ومؤدى ذلك أن تصبح الأمور ملتبسة، ويزيدها التباسا، قاعدة التعزيز التي تعطي للقاضي، بأن يمدد العقوبة من ضربة بالسوط إلى ضربة بالسيف، فكيف يُطمئن إلى العدل في إطار هذه القاعدة الفضفاضة؟

(10) أن القضاة ليس لهم ثقافة سياسية كافية، في موضوع الدعوى كالدستور والمجتمع المدني، فهم لا يدركون أن الدستور والمجتمع المدني، يمكن أن يكون إسلامياً، كما يمكن أن يكون علمانياً أو شيوعياً وقد يخطئون في إدراك قضايا ومفاهيم الدستور والمجتمع المدني الإسلامية التفصيلية، ومفاهيم الدولة الشورية، كالتعددية، وحرية الرأي والتعبير، وأعرف مناهجهم في كليات الشريعة والمعهد العالي للقضاء، سواء من خلال تدريسي في كلية الشريعة، أو من خلال عضويتي في المجلس العلمي ومجلس الجامعة في جامعة الإمام، وسيطبقون إذن علينا منظومة القضاء العباسي، الذي تقنع قناع الشريعة، فأخل بها إخلالاً عظيماً. تحت ألفاظ: (عصيان ولي الأمر) و (والفتنة) و (سد الذرائع) و (البلبلة) ؛ ومن المتوقع إصدارهم عقوبات قاسية على أمور مباحة في الشرع أو واجبة.

(11) ليس في القضاء مدونة تحدد ما هو جريمة وما هو جنحة، وفي جو الاجتهاد المفتوح من دون معالم تضيع حقوق الأمة.

(12) أن الهيئة السابقة المشكلة لمحاكمتنا، ثبت عليها الالتفاف على مفهوم علنية الجلسات أو التدليس عليه، فهي تجعل جلسة إلقاء التهم علينا علنية، حتى تُشرِّق التهم علينا وتُغرِّب، وتنشر في وسائل الأعلام، فإذا جاء دورنا للدفاع، أحالوها إلى سرية، مخلين بمبدأ تساوي الخصمين أمام القاضي.

(13) وفوق هذا تعسف القضاة في استعمال حقهم في تحويل العلنية إلى سرية، مع أن هذا يضرنا نحن المتهمين، فهل القضاء يخاف من العلانية؟ ولماذا يخاف من وسائل الأعلام والصحافة؟ سؤال ينبغي الجواب عليه. وتحويلها إلى سرية، تعسف في استعمال الصلاحية، ضرَبَ به القضاة روح العدل والنظام ونصوص اللائحة الجزائية. فإذا كانت الحكومة والقضاء هما خصما المتهم، فكيف تضمن إجراءات العدالة في محاكمة سرية؟

(14) ومن ما يدل على عدم توافر ضمانات نزاهة القضاء وحياده في القضايا السياسية، أن هيئة محاكمتنا، وبعد تسعة أشهر من سجننا، وبعد خمس جلسات اكتشفت أنها غير مختصة بالنظر في القضية! سبحان الله! بعد تسعة أشهر ونحن في المعتقل، وبعد خمس جلسات طوال شهور، تكتشف الهيئة أنها غير مختصة، كيف لم تكتشف ذلك في الجلسة الأولى، وهذا يدل على التفريط بحقوق الناس، أليس هذا دليلاً على ظلم في نظام القضاء، هل القضاة معصومون عن الخطأ؟ من يحاسب على مثل هذه الأخطاء؟ قضية يمر عليها حوالي عام، والقضاء لم يبت في جهة الاختصاص، والمتهمون مسجونون، ما ذا يدل عليه هذا التخبط؟! هل يدل على نزاهة القضاء؟!

(15) أن العدالة لا تجزأ، فهي منظومة متكاملة، والدين لا يُبعض، فعندما يخل القضاء بهذه الأمور الأساسية، من حقوق الناس عامة والمتهمين خاصة، فإن العدل غير محتمل وإن كان ممكناً، لذلك رفضنا المحاكمة السرية. وأصررنا على علنية المحاكمة، ليعرف الناس ما يجري داخل الأروقة والغرف المغلقة.

(16) أن التحقيق معنا يفتقد الصفة الشرعية القانونية معا، لسببين:

الأول: عام وهو أن التحقيق نوع من أنواع القضاء، وهيئة التحقيق والادعاء ملحقة – كما نص نظامها- بوزارة الداخلية. وهذا مخالف لطبيعة عملها، فعملها قضائي، ولا يضمن عدلها مالم تكن تابعة للسلطة القضائية. أو مستقلة على الأقل مرتبطة بالملك مباشرة. صحيح أن نظامها عامل المحققين كالقضاة، لكنهم لا يتمتعون بحصانة قضاة القضاء العام، ومثل هؤلاء في الدول الشورية، كفرنسا يعاملون كالقضاة تماماً، ويسمون القضاة (الواقفين) تمييزاً لهم عن قضاة المحاكم العامة الذين يسمون القضاة (الجالسين).

الثاني: بسبب سيطرة وزير الداخلية على الهيئة، لا تُنفذ قراراتها التي نصت عليها لائحة الإجراءات الجزائية، مع احترامنا لمن فيها من الفضلاء، فالمشكلة ليست في الأشخاص، المشكلة في نظامها المكتوب من جانب، وفي تجانف التطبيق عن النص المكتوب من جانب آخر ونضرب لذلك نموذجاً من ضعفها:

أ - الهيئة لم تصدر مذكرة قضائية بسجننا، ومعنى ذلك أن هناك أمراً سامياً، خالف نظام الإجراءات الجزائية الذي حدد جهات القبض بها.

ب - ليس للهيئة سلطة قضائية، لأن ما قمنا به لا يُعدُ – في نظام الإجراءات الجزائية- من الجرائم التي تتطلب التوقيف، ومثل تُهَمُنا يُحال فيها المتهمون إلى القضاء من دون توقيف، فالذي أمر بتوقيفنا قد أصدر قراراً إدارياً خالف به النظام، فمن يستطيع الانتصاف منه؟

ج - قررت الهيئة قبول التزامنا بطاعة الدولة بـ(المعروف)، وكاتبت وزير الداخلية، تطلب إطلاق سراحنا، فرفض أن نشترط ''الطاعة بالمعروف''. وقد حصل هذا لغيرنا أيضا، مِنْ مَنْ سجنوا في قضايا، تعتبر من الحقوق الشرعية، كشقيقي عيسى الحامد، وأحمد بن عبدالرحمن القفاري. وحاصل ذلك أن الهيئة ليست لها سلطة، إنما هي هيئة إدارية وأسيرة نظام مكتوب، لا يحقق شروط العدل، وهذا النظام المكتوب على ضعفه، لا يُطبق إلا إذا شاء وزير الداخلية.

هذه الملاحظات التي ذكرنا: مما وضعتنا قضيتنا تلقاءه من دون قصد ولا تعمد، وحيث إننا نشكك في استقلال القضاء، فإنه ينبغي لنا أن نبين المشكلات والحلول. ونؤكد مرة أخرى على أن ضمان نزاهة القضاء وعدالته واستقلاله ليس في كفاية الأشخاص فحسب، بل إن كفاية وفاعلية النظام القضائي أهم، ولا يمكن ضمان إنصاف القضاء، ولاسيما إذا كانت الخصومة بين الأفراد والدولة، إلا بتوافر الآليات والإجراءات التي لم تتوافر في القضاء السعودي حتى الآن، وأهمها:

1 - وجود مدونة دستورية تكفل حقوق الناس اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية، كما أقرها الإسلام قبل أربعة عشر قرناً من تنادي الأمم الحديثة إليها.

2 - وتكفل حقوق المتهم، ولاسيما السجين، سواء أكان موقوفاً أو معاقباً، كما أقرها الإسلام قبل أربعة عشر قرناً من تنادي الأمم الحديثة إليها، واللوائح التي أصدرتها الدولة جيدة، ولكنها لا تكفي، وفوق ذلك فإنه لم يستقر تطبيقها، كعلانية المحاكمة وحظر التعذيب ومشروعية توكيل المحامي.

3 - وجود مدونة قضائية للقواعد القضائية، التي يحكم بها القضاة تتوافر فيها صفات أربع: التحديد والتدوين، والتوحيد في جميع المحاكم، وإعلانها للكافة، وضبط قاعدة التعزير، بصورة تزيل فوضى الاجتهاد.

4 - ولا يمكن ضمان نزاهة القضاء، ما دام إمام الدولة ينفرد بتعيين القضاة وعزلهم، ما لم تكن المجالس القضائية هي المخولة بـ(التعيين الأولي)، وما لم تقتصر سلطة إمام الدولة على الاعتراض أو إصدار القرار.

5 - ولا يمكن ضمان نزاهة القضاء، ما دامت الحكومة هي التي تصدر القوانين والأنظمة، ما لم يوجد مجلس نواب، يجسد أهل الحل والعقد، من أولي الأمر الذين أوجب الله طاعتهم،المطلقة، لأنهم يجسدون إجماع الأمة، ويقرر مدونات قواعد القضاء وقواعد حقوق الإنسان والمتهم، ويقر جميع القوانين التي تصدرها الدولة، كقوانين الجنسية والعملة والضرائب والميزانية، ويكون هو الأدرى بالمصلحة، لأنه يمثل الأمة، فالأمة هي المكلفة بحفظ الشرع كما قال الإمام ابن تيمية.

6 - ولا يمكن ضمان نزاهة القضاء، ما لم تنشأ (محكمة العدل العليا)،لكي تقر مشروعية القوانين التي تصدرها الدولة، ويكون من صلاحياتها نقض كل قانون يخاف شريعة القسط.

7 - ولا يمكن ضمان نزاهة القضاء، ما دام مركز وزير العدل أقوى من مجلس القضاء الأعلى، وما لم تعزز إجراءات حصانة ونزاهة القضاة، تفتيشاً وتأديباً وعزلاً وترقيةً ونقلاً. ولا يكون ذلك من دون قصر دور وزارة العدل على الخدمات، وتوسيع صلاحيات مجالس القضاء، ورؤساء المحاكم، وتوليهم شئونهم المالية والإدارية. إن دور وزارة العدل المالي والإداري من معوقات استقلال القضاء، ويفتح الباب للتدخلات. إن وزارة العدل وظيفتها الأساسية هي خدمة القضاء، لا ترؤسه.

8 - ولا يمكن ضمان نزاهة القضاء، ما دام في الدولة أكثر من ثلاثين لجنة - تجارية وعمالية وضريبية ومصرفية وعسكرية - مستثناة من شروط القضاء الشرعية، ولا بد إذن من ضم هذه اللجان إلى مظلة القضاء.

9 - ولا يمكن ضمان نزاهة القضاء، ما دام القضاء الإداري الذي يسمى (ديوان المظالم) منفصلاً عن جهاز القضاء العام، ينفرد إمام الدولة بتعيين رئيسه، ولابد لضمان النزاهة من ربطه بسلطة القضاء.

10 - ولا يمكن ضمان نزاهة القضاء، ما دامت هيئة التحقيق والإدعاء مرتبطة بوزير الداخلية، والتحقيق نوع من أنواع القضاء، وينبغي – لضمان النزاهة - من ربطه بسلطة القضاء.

11 - ولا يمكن ضمان نزاهة القضاء، ما دام دور القضاء في متابعة ومراقبة السجون مفقوداً أو هامشياً، ومن أجل تعزيز دور القضاء في ضمان العدالة ينبغي ربط السجون بإشراف وزارة العدل، لأن السجين إما موقوف قضيته أمام القضاء، وإما معاقب صدر عليه حكم قضائي، والقضاء في كلتا الحالتين لابد أن يكون حاضراً.

12 - ولا يمكن ضمان نزاهة القضاء، ما دامت المحاكم تصدر أحكاماً كثيرة ولا تنفذ، إما بسبب الروتين، أو بسبب تدخلات السلطة التنفيذية ومماطلة الكبراء، ومن أجل ضمان النزاهة ينبغي أن ينشأ مكتب قضاء تنفيذي في كل محكمة، يشرف عليه قاض، وفيه كتبة وجنود، لإلزام المماطلين بتنفيذ الأحكام.

13 - ولا يمكن ضمان نزاهة القضاء، ما دام كثير من القضاة يغلقون أبواب مجالس القضاء، ويميلون إلى السرية في الجلسات، ولضمان النزاهة، ينبغي اعتبار أي محاكمة سرية باطلة، إلا إذا تراضى الخصمان على سريتها، ولاسيما إذا كانت سياسية.

وينبغي السماح للفئات الأربع المعنية بالعدالة بالحضور: أهل الأعلام، والمحامون، وجماعات حقوق الإنسان، والمهتمون بالشأن العام. فأولئك هم شهود الله في أرضه. إن الغرف المغلقة هي آفة العدالة في كل زمان ومكان.

14 - ولا يمكن ضمان نزاهة القضاء، ما دام بطء البت في القضايا هو القاعدة، سواء أكان بسبب قلة عدد القضاة، أم بسبب عدم تقسيم المحاكم إلى اختصاصات، أم بسبب ضعف أدوات قياس الانجاز، فالعدالة المتأخرة نوع من أنواع الظلم، كما هو معروف في معايير نزاهة القضاء.

15 - ولا يمكن ضمان نزاهة القضاء، ما دامت ضوابط كفاية القضاة المهنية على هذا الحال، وليس ثمة قدرٌ وافٍ، من الثقافة الحقوقية والقانونية، ولاسيما في القضايا المالية والاقتصادية، تتسم بالدقة والوضوح والمنهجية، ولا يكفي التدريب بعد الخدمة لتلافي هذه النواقص، ومن أجل ذلك ينبغي إصلاح التعليم القضائي في أقسام كليات الشريعة، لرفع مستوى كفاية القضاة المهنية.

16 - ولا يمكن ضمان نزاهة القضاء، ما لم تضمن جميع حقوق القضاة، بحيث يأمنون الحيف في النقل والتفتيش والعزل، ويكون لهم الحق في إقامة جمعية خاصة بهم، تدافع عن حقوقهم، وتسهم في تعزيز استقلال القضاء، وتجديد الآليات والإجراءات، فالقاضي الذي لا يتمتع بحقوقه، لا يستطيع صيانة حقوق الناس.

لا نلقي الكلام على عواهنه عند ما نقول إن ضمانات النزاهة والحياد غير متوافرة في القضاء السعودي، بل ننطلق من رؤية علمية منهجية مدعمة بالتأسيس الفقهي كما في كتابي المطبوع: (معايير استقلال القضاء الدولية في بوتقة الشريعة الإسلامية) بيروت، 2004م، ومدعمة بالأمثلة والأدلة المستقاة من الأنظمة العدلية التي أصدرتها الدولة، بينتها في كتابي (استقلال القضاء السعودي: عوائقه وكيفية تعزيزه) بحث ألقي في المؤتمر العربي الثاني للعدالة؛ القاهرة، فبراير 2003م.

والمأمول من المحافظين في القيادة السياسية والقضاء، من أمراء وفقهاء ، أن يتذكروا أن المحاكمة العلنية؛ حق أجمعت عليه الأمم، حتى فرعون الذي حكم بقتل السحرة، لم يقل لموسى نحاكمك محاكمة سرية، أو نلقيك في سراديب السجون، بل قبل المنازلة العلنية: فقال (موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى).

إذن فكيف تحاول الهيئة القضائية أن تجبرنا -ولاسيما القاضي سعود العثمان- على خيارين أحلاهما مر: إما أن يَدُعَّنا رجال الأمن في المحكمة إلى الجلسة، بأكفهم دعَّاً ودفعاً باستخدام العنف اليدوي، حتى يصاب أحدنا بتمزق عضلي في الكتف، أو يلتهب ظهر الأخر، أو يخر وجه الثالث على الأذقان، وكلنا ''كهول'' تجاوزوا الخمسين عاماً، يعانون من داء السكري ، وما يصاحب هذا وذاك من لين العظام، لإجبارنا على محاكمة سرية، لا تحضرها صحافة ولا إعلام ، ولا محامون ولا دعاة حقوق إنسان ولا مهتمون بالشأن العام ولا رأي عام. لماذا؟ هل هي لا تريد أن يسمع الناس هذا الكلام. القضاء أعلن بذلك أنه غير مستقل عن سلطة الحكومة، هل القضاء يخاف العلانية؟ أم أنه تابع لوزارة الداخلية، يمارس التدليس على ما يقع في دهاليز البوليس: والستر دون الفاحشات ولا يلقاك دون الخير من ستر.


(4)

سجن ثلاث مرات:

سوابق جهاد حقوق إنسان في سبيل الله أم سوابق فتنة وإجرام؟

الدعوى:

قال المدعي العام (ص 8 س 5) ''من خلال أوراق القضية تبين أن الأول سبق سجنه ثلاث مرات، ومنع من السفر، ثم وجه وزير الداخلية بتسليمه جواز سفره، وأخذ عليه تعهد بتاريخ 22/10/1420هـ وأفهم بأن العودة إلى شيء من مسببات الحظر يستدعي عقوبات اشد، ولكنه لم يلتزم بما تعهد به''.

الدفاع:

متى يطلق سراحهم؟

حضرات القضاة:

1 ـ التشويه عبر الإيحاء والتدليس، واضح من سلوك المدعي العام بابتار الاستشهاد، واقتناص الكلمات، ولي أعناق النصوص. فهو يبحث عن سوابق عبدالله الحامد، فيصرح بأنه سجن ثلاث مرات، وأنه كتب تعهداً خطيا، ولم يصرح المدعي العام بأسباب السجن، في المرات الثلاث، لأن أسباب السجن تثبت أن الحامد كان على صواب وأن وزارة الداخلية على خطأ، وتضعف مذكرة الإدعاء إن لم تنقضها من أساسها؛ فعبد الله الحامد سجن ثلاث مرات، المرة الأولى سببها اشتراكه في إنشاء (لجنة حقوق الإنسان الشرعية). وإنشاء لجنة حقوق الإنسان الشرعية، واجب شرعا، حتى لو جرمته وأثمته هيئة الإفتاء. والمناداة بها من صميم الولاء للدولة، حتى لو اعتبرها بعض الأمراء من عقوق الأبناء.وهي من ما يرسخ الوحدة الوطنية، القائمة على الشريعة الإسلامية، حتى لو اعتبرها أمراء آخرون من ما يخل بها، ولجنة حقوق الإنسان عمل أهلي، داخل في باب التواصي بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعاون على البر والتقوى.

وقد وقع تعهدا غير شرعي، فالتعهد باطل، لأن العمل غير مجرم في الشريعة، فإنشاء اللجنة من باب الاحتساب على السلطة، وقد قرر الفقهاء كابن تيمية وابن حزم والغزالي، أن رفض السلطة قيام الناس بالاحتساب عليها، منكر من المنكرات السلطانية، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشروع، بأذن السلطة وعدمه.

2 ـ التعهد باطل لأنه تعهد إكراه، لأن الحامد مجبر على ذلك وإلا بقي في سراديب سجن الحائر وزبانيته الرهيبة، فقد سجن في الحائر حوالي أربعة أشهر في زنزانة انفرادية، لم يشاهد فيها الشمس إلا مرة واحدة، في حدود عشر دقائق، ولم يهاتف أهله إلا بعد أكثر من ستين يوما من الاعتقال، وقد حتت الرطوبة والظلمة شعر رأسه وجسده، وظل طوال تسعين ليلة، يقاد ليليا إلى غرفة التحقيق، منذ حوالي العاشرة حتى آذان الفجر، ويخوفه فلان وفلان بأن لديهما غرفة خاصة بآلات التعذيب التكنولوجية. وضرب بالعصا حتى تكسرت أظافره وسال الدم منها وسال الدم من أذنه اليسرى، ومنع من القراءة والكتابة، ولا محامي ولا حقوق، فأي مشروعية لهذا التعهد؟

3 ـ إثارة النقطة السابقة، تستدعي الحديث عن التعذيب وانتهاك الحقوق، التي شاهدها الحامد في الحائر، وقد كتب قصائد مطولة، عن انتهاك الحقوق، و لاسيما (ملحمة السجن)، التي نددت بأساليب التعذيب النفسي والجسدي، وهي قصيدة مطولة من حوالي 750 بيت عن التعذيب النفسي والجسدي الذي يقوم به البوليس، ويقره القضاء بالإغضاء والتدليس، وقد كتبها الحامد، وكأنها الوصية التي تبقى بعد موته، جواباً لرئيس التحقيق آنذاك، الذي هدد الحامد بالاغتيال، وقال له ما مضمونه: إلزم بيتك، فأنت حشرة، وإن لا فإن الدولة تقضي عليه بحشرة على قدر مقاسك. وكتبها ليقول للذين يخوفونه برمال الدهناء، أو بمستشفى شهار: حتى لو اختل عقلي أو دفنت حيا، فإن كلماتي حية. كتبتها لكي لا تنمو تراكمات انتهاك حقوق الإنسان والمتهم في سجون بلاد الحرمين، فتصير على غرار إنجازات (صلاح نصر) أو (أبو غريب).

4 ـ الحامد لم يوقع تعهدا واعتذارا، إلا بعد أن قال ما يعتقده الحقيقة في صفحات طوال، ولم يقل أن عمله غير مشروع، بل قال إنه اجتهد اجتهاداً شرعياً مشروعا، ولكنه قام بما يرى أنه حدود استطاعته في إنكار المنكرات السلطانية.

5 ـ ثم إن الحامد وقع تعهدا على عدم الكلام في موضوع حقوق الناس، ثم إن الدولة نفسها وهيئة الإفتاء اعتبرت قيام لجان لحقوق الناس حلالاً ومشروعا، بعد أن كان جرما وعلمنة، وها هي الدولة تقيم لذلك اللجان، وها هم الفقهاء الذين حرموا قيام لجنة حقوق الإنسان الشرعية، يمتدحون قيام اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، الحرام بالأمس صار حلالا اليوم، وهذا دليل على أن الدولة تجرم من دون أساس شرعي، وأن هيئة الإفتاء تابعة غير مستقلة. وما أشبه الليلة بالبارحة فها هي دعوة (الدستور الإسلامي) ضامناً لحقوق الناس ليس غريبا أن يعتبرها بعض الأمراء والفقهاء والقضاة اليوم جرما، وأن تعتبرها الدولة غدا عندما تفئ إلى الإنصاف من وسائل تحقيق مقاصد الشريعة، فإذا بالقضاة والفقهاء يتبعونها؟!.

6 ـ وسجن الحامد مرة ثالثة، بسبب كتابه (حقوق الإنسان) بين عدل الإسلام وجور السلطان، والسبب الذي بدا (من خلال تركيز أسئلة التحقيق) أن أحد فصول الكتاب بعنوان: لا صاحب سمو ولا صاحب دنو في الإسلام؟ فهل هذا الكلام حق أم باطل؟ ولم يعتذر الحامد عن الكتاب ولا عن ما فيه من أفكار، ولقد رفض الاعتذار عن الكتاب، وخرج من دون أي تعهد.

7 ـ في كل المرات السابقة لم أكتب شيئاً من التعهدات غير الشرعية، أقصى ما يمكن أن نقول: إننا اجتهدنا اجتهادا شرعيا بضوابط الاجتهاد الشرعي وهو اجتهاد معتبر، فإن كان خطأ فلنا أجر، وإن كان صواباً فلنا أجران، وليس تحديد الصواب والخطأ مقصورا على صاحب سمو ولا صاحب فضيلة.

8 ـ سوابق الحامد ـ في ميزان وزارة الداخلية ـ من أعمال المجرمين (أصحاب السوابق) أي تُضاعف على تكرارها العقوبة، هذا ما صرح به الأمير نايف في لقائه بدعاة الدستور الإسلامي عندما هددهم بالسجن عامة وخص أرباب السوابق بمزيد من الترهيب، أليس من المنكرات الصريحة أن يعتبر السلطان ما قررته الشريعة من واجبات ومستحبات جرائم؟ ومن الغرائب أن تجرم الحكومة حقوقاً للناس أقرت بها الدولة ووقعت على تعهد بضمانها في المؤتمرات والوثائق العربية والدولية، كـ(مؤتمر تونس) و (وثيقة القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام).

أما إذا سوّغ القضاء أعمالها وبررها، فقد أعلن عن أمرين: الأول: أنه غير مستقل عن الحكومة. الثاني: انه الضلع الثاني من ثنائية قمع حقوق الناس: وقمع البوليس، وقمع القضاء. فانتظار الإنصاف منه إذن كما قيل: والمستجير بعمرو عند كربتهِ/كالمستجير من الرمضاءِ بالنارِ.

غرض المدعي العام من ذكر سجني ثلاث مرات، أن يقول للقضاة: إن سوابق الحامد التي يحسبها الناس من فضائل دعوة القسط والشورى، إنما هي من سوابق الجريمة والجُناة، كالزنا والخمر والمخدرات، فضاعفوا عليه إذن العقوبات، فما ذا سيقول القضاة؟


(5)

البحرين واللبراليون والعلمانيون؟

الدعوى:

قال المدعى العام: ''فكرة إعداد خطاب'' رؤية لحاضر الوطن ومستقبله، بدأت أثناء لقاء في مملكة البحرين، حيث جرى نقاش بين عدد من الأطياف الثقافية، منها إسلامية ولبرالية وعلمانية، واتفق بينهم على أسسه وشارك هو في إعداده''.

الدفاع:

يا حماة الشريعة:

1 ـ ماذا يريد المدعي العام من هذا الكلام؟ عندما أشار إلى أن بداية الاتفاق بين دعاة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي، كانت في البحرين بين إسلاميين ولبراليين وعلمانيين، وماذا يريد بذكر البحرين واللبراليين والعلمانيين؟ إنه يريد تشويه مقاصد دعوة القسط والشورى الإسلامية، التي جوهرها تطبيق الشريعة، وهي مقتضى البيعة الشرعية على الكتاب والسنة.

والحقيقة أن المثقفين وجدوا أن الساحة تكاد تخلو من خطاب إصلاح استراتيجي واللبراليون والعلمانيون، مشغولون بقضايا الحقوق والحريات الأساسية والتعددية والتسامح ونحوها من قضايا الدستور والمجتمع المدني، وهياكله الرسمية والأهلية؟ والإسلاميون المهتمون بتجديد الخطاب الإسلامي يوافقون هذه الفئات على العناية بهذه القيم، لأنها قيم إنسانية عالمية مشتركة، والإسلام قد وضع مبادئها قبل أربعة عشر قرناً.

2 ـ عندما ظهر خطاب الرؤية، تعجب الناس كيف التفت كل هذه التيارات على خطاب واحد، وهي في البلدان العربية مشغولة بالخلاف على الثانويات، تعجبوا وكيف وقع ليبراليون وعلمانيون على خطاب إسلامي لأنه يتصور أن الإسلام غير معني بقضايا العدالة والشورى، مؤصلاً الفقه السياسي عبر منهج أصول فقه الكتاب والسنة، وعندما أنجز دعاة الدستور والمجتمع المدني، خطاباً إسلامياً أثبتوا ما في الإسلام الأصيل (الكتاب والسنة) من نبع صاف يروي العطش إلى العدالة والحرية السامية.

لذلك فإن المثقفين الذين وقعوه بكافة أطيافهم دللوا على أن جوهر المشكلة، ليس في صورة الإسلام الناصعة في ظلال الحكم الراشدي الشوري، بل في صور الإسلام المشوهة والباهتة والمحرفة، التي استغلت شعار الإسلام، وقمّصتهُ أفكار ونظريات نبتت في ظلال الحكم الجبري، أو بحلولٍ غابرة لمشكلات وقتية بائدة، يُراد تقليدها في كل عصر ومصر.

إن قضية الإسلام، قضية عادلة ولكن بعض المحامين عنها فاشلون، كيف ظهرت الاتجاهات والدول العلمانية على أنقاض الخلافة الإسلامية؟ لم تكن لتظهر لو كان الخطاب الإسلامي الرائج عند الجمهور، قد ثمّن شق الشريعة المدني، الذي عموده العدالة والشورى، كما أن عمود شق الشريعة الروحي الصلاة، لأنها لم تدرك ارتباط إقامة العدالة بإقامة الصلاة الذي أشار إليه الحديث الشريف ''أول ما تفقدون من دينكم الحكم وآخر ما تفقدون منه الصلاة''، والمقصود في الحديث هو الحكم الشوري لا الجبري.

هذه الفئات من علمانية ولبرالية، واشتراكية أثبتت أنها تتبنى مشروع الدستور الإسلامي، وأنها لا تغرب ولا تشرق، عندما تجد خطابا عند دعاة الإسلام وفقهائه، يحل المشكلات المعاصرة، ويركز على الشق المرئي من الديني، ويعيد إلى العدالة والشورى، مركزهما بصفتهما من أركان الدين العظمى كما ذكر الشيخ محمد الغزالي وغيره.

لأن المهتمين بالشأن العام، يركزون على العدالة والشورى الجماعية، ولم يتطلعوا إلى الأفق الغربي، إلا بحثا عن الخلاص من الحكم الجبري الجائر، عندما لم يتصدر الفقه التقليدي ورموزه، لبناء منظومة فكرية إسلامية، تكشف أن الإسلام لم يحلّق في الآفاق، إلا بجناحي العدالة والحرية الإسلامية، وعندما خلب الغرب الأبصار، بالحرية البراقة والعدل الجذاب، دار عديد من المثقفين والمفكرين في ذاك مدار، لأن ورثة علم الشريعة الإسلامية صاروا مجرد مقلدين يرددون نصوص الفقهاء الأولين وكأنها نصوص مقدسة كما قال الشاعر: رأى البدر غربيا فحنّ إلى الغرب/ولو لاح شرقيا لحنّ إلى الشرق.

3 ـ ماذا حصل حين أمكن صوغ خطاب العدالة والشورى، الذي هو مضمون عبارة (الدستور والمجتمع المدني الإسلامي) مؤصلا فقهيا؟ صوغاً حديثاً للفكر السياسي، يتمسك (السلفية) منهجاً ومادة قرآنية ونبوية وينتج أفكاراً مؤسسة على كليات الكتاب والسنة القطعية، إنها السلفية الجديدة، فالسلفية حرّكت تجديد، وعندما لا تعالج المشكلات، فإنها هي حركة تقليد، السلفية في عهد الأئمة الأوائل الأربعة، ولاسيما الأمام أحمد بن حنبل، كانت جواباً للسؤال اليوناني، والسلفية في عهد الإمام أحمد بن تيمية، كانت جواباً لسؤال البدع والانحرافات المخلة بالقصور الفكري.

والسلفية في عهد الإمام محمد بن عبدالوهاب كانت تخليصاً للتوحيد من شوائب الشرك، وإقامة لحكومة المستبد العادل. نمط السلفية اليوم إنها هي التي تجيب عن أسئلة العدل والشورى في الدولة الإسلامية الحديثة، لتقاوم تحديات العلمنة وسباق العولمة، ورياح الهيمنة الافرنجية، إنها السلفية الجديدة (دعوة الدستور والمجتمع المدني الإسلامية).

فمن شكك في أن الدعوة إلى الدستور والمجتمع المدني ليست سلفية، فليأت ببرهانه؟: جاء شقيق عارضاً رمحه/إن بني عمك فيهم رماح.


(6)

المشاركة في تبني العرائض وتزعم الموقعين وحث غيرهم

الدعوى:

1 ـ قال المدعي العام: (ص 3 ص 10) ''كان مما أفاد به المدعى عليه الأول قيامه بالمشاركة في إعداد وتبني وإصدار بيانات وعرائض''؛ وقال (ص 7 س 14) ''إعداد الأول للعرائض (رؤية لحاضر الوطن ومستقبله) و (نداء إلى القيادة والشعب معا: دعوة الإصلاح الدستوري)''.

2 ـ وقال أيضا: ''ثم قام بعد ذلك بإعداد البيان المسمى (نداء إلى القيادة والشعب معا)، حيث أسند له ذلك من قبل زملائه وهذا البيان توسيع لما ورد من أفكار في خطاب (الرؤية) وقيامه بعد ذلك رفق الثاني بمراجعة عدد من التواقيع عليه كلا من طرفه''.

3 ـ قال المدعى العام: ص 2 س 12، 13 ''واتصال الأول والثالث بوسائل الإعلام الخارجي والتحدث إليها باعتبارهما من زعماء الإصلاح السياسي''.

الدفاع:

حضرات القضاة:

1 ـ هل الحامد انفرد بتبني العرائض؟، الحقيقة أن عديداً من المهتمين بالإصلاح، أحسوا أن من واجبهم تقديم رؤية في الإصلاح السياسي، (الدستور والمجتمع المدني الإسلامي) وبدأت الفكرة تناقش من خلال لقاءت عفوية، وبرزت محاور الفكرة لدى العديد منهم، بعناصر خمسة:

(أ) لا إصلاح تربويا ولا اقتصاديا ولا إداريا، إلا إذا أسس على إصلاح سياسي، ولا إصلاح سياسيا، ما لم يناد بـ(الدستور المجتمع المدني الإسلامي).

(ب) تأسيس ذلك على الإسلام الصافي (إسلام القرآن والسنة وتطبيقات النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، لا على الآراء الفقهية التي عاشت في ظلال الحكم الجبري الجائر، أموياً وعباسياً وعثمانياً وطوائفياً).

(ج) مؤازرة القيادة، والثوابت الوطنية، وفق مبادئ الإسلام (أي بالتزامها بالعدل والشورى الجماعية الملزمة)، ونصحها وتذكيرها بذلك لأنه هو مقتضى البيعة على الكتاب والسنة.

(د) وأن يكون الخطاب (عاما) أي وطنيا، ليس خاصاً بفئة من الناس، بل يعبر عن تطلعات الجميع، للخروج من ضيق مفهوم الدولة المذهبية إلى سماحة الدولة الإسلامية، والقبول بالتعددية تجاه الأقليات والطوائف كما جسدها الخلفاء الراشدون، ولا سميا علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وعمر بن عبد العزيز رحمه الله أمام الخوارج.

(هـ) وأن يكون موجها للقيادة وللشعب معا، إذ لا يمكن أن يكون إصلاح ما لم يتراكب الطرفان.

2 ـ كان اللقاء عفويا في مملكة البحرين، على هامش مؤتمر محاربة تطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني، تبلورت هذه الأفكار، عند مناقشتها بين الجميع، وكلف الحاضرون المجاهد المدني محمد سعيد طيب بصياغتها، وعدل عديد من المشتركين الصياغة، حتى ظلت أربعة أشهر تعدل في جدة والرياض والدمام، أكثر من عشرة أشخاص مشتركون في التبني، وحث الآخرين والتزعم، وأكثر من خمسة عشر شخصاً مشتركون في الصياغة.

3 ـ وكذلك خطاب الإصلاح الدستوري، تناقش أكثر الإخوة في موضوعه، ورأوا أن من المناسب تذكير الناس في القيادة والمجتمع بالإصلاح كل عام مرة وهذا ليس بعيب، وما لا يقل عن ربع الموقعين اشترك في بلورة الأفكار، وصغت الخطاب، وراجعته الفعاليات من إسلامية ولبرالية، في الحجاز ونجد والمنطقة الشرقية، وتبناه أكثر من عشرين شخصية.

4 ـ لم يسجن من هؤلاء الذين نادوا بالإصلاح السياسي إلا (13) شخصا، لأن الدولة تعرف نتائج سجن أكثر من مئة شخصية من رموز الإصلاح السياسي، لكن من المؤكد أنها تعرف أننا لم نتزعم الموقعين. أن يستطيع إنسان أن يجمع خمسة توقيعات، هذا ليس تزعما. على كل حال فإن التزعم في سبيل الخير شرف، ولكننا لا ندعيه، ليس لأننا نخاف من دفع ثمنه، بل لأننا نخاف من غمط حقوق الآخرين. والبحث عن المنصة لإلقاء خطبة أمر مشروع، فنحن في دعائنا نكرر: ''واجعلنا للمتقين إماما'' أن يكون الإنسان قدوة للجهاد المدني والعمل الصالح، أمر من ذروة سنام الإسلام.

5 ـ ولكن غرض المدعى العام اتهام سمعناه في وسائل الإعلام، هو رمي دعاة الإصلاح بالبحث عن الأضواء والشهرة، وكأن الأضواء يجب أن تركز على أناس تحددهم الحكومة، كما تحدد الصور في قنوات التلفزيون. هذا جزء من حملة التشويه التي يقوم بها الإعلام الموجّه، عبر الوجوه المكشوفة والوجوه المقنعة، التي تمارس وظيفتها في تشويه دعاة الإصلاح، الإصلاح عامة ودعاة الدستور الإسلامي خاصة، التي سمعنا فيها وقرأنا وصفنا بعبارات مثل: ''القفز في الظلام''، ''الجنوح الفكري''، والحديث من ''اللاذقية'' و ''لبنان'' و ''مصر'' ونحو ذلك من ما يصدر من بعض الخادعين والمخدوعين أصلحنا الله وإياهم، ونحن ينبغي أن نتأسى بقولة النبي الصالح: ''اللهم اغفر لقومي، فإنهم لا يعلمون''. لأنه ينبغي لدعاة الإصلاح السياسي، أن يضعوا نصب أعينهم القاعدة الذهبية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. (من اشتغل بالشأن العام، فقد تصدق بعرضه). وأن يقولوا للمرجفين قولة جميل: هنيئاً مريئاً غير ماء مخامر/لعزة من أعراضنا ما استحلت.

لأن من يتصدى للإصلاح السياسي ـ فضلاً عن من يدعو إلى الدستور الإسلامي في ظلال الحكم الجبري الجائر ـ ليس معرضاً للأذى الظاهري فحسب، بل إن الذي خلف الكواليس أشد، وعلى من سار في هذا الطريق أن يسأل الله الثبات، و أن يدفع الثمن برضا واطمئنان.

6 ـ إذا كانت الدولة لا تريد أن يتحدث الناس لقنوات (LBC) و(الجزيرة) و(الحرّة) و(ORBIT) وغيرها من استوديوهات سورية ولبنان ومصر، فلتسمح لهم بأن يتحدثوا من خلال استوديوهات محطة الرياض، بدلاً من قصر هذه المحطة، على المحسوبين على السلطة ونحوهم ممن شلت الحكومة أيديهم، خيفة أن يعلقوا الجرس. هل يريد المدعي العام أن لا يبرز أي إنسان بروزا طبيعيا، اللهم إلا إذا كان مغنيا أو لاعباً، ليس له تأثير إيجابي على الشئون العامة؟ هل من الإثم أن يظهر أناس يقدمون وجهات نظرهم، ويطئون الأشواك، ويجتازون الأسلاك؟ أم ذلك مخالفة لولي الأمر.

7 ـ هل يريدون من كل كاتب يعلن رأيه في قناة أو صحيفة أن يستأذن السلطة؟ نحن لسنا رعية تجري خلف كل ناعق، نحن شركاء في الوطن متساوون في الحقوق والواجبات، علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: ''لا يحقر أحدكم نفسه'' (رواه البخاري واحمد وابن ماجه)، وقال ''إن الله يكره الضعيف الذي لا زَبَرَ له (رواه مسلم والدارمي)، لسنا قاصرين نحتاج إلى ولي أمر وصي، كوصاية الراعي على رعية الأغنام، لا بد لمن أراد أن يؤثر عليها من أن يستأذن الراعي. والرسل ودعاة القسط يتهمون دائما، بالأهداف الدنيئة وحظوظ النفس العاجلة، كالبحث عن الشهرة والمال والمنصب، من أجل ذلك لا نستغرب أن نتهم بأننا نقدم أنفسنا بأننا من زعماء الإصلاح، ولكن لنا قدوة بالرسل عليهم السلام، فقد قيل لهم أكثر من ذلك: ''ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك''.

8 ـ ونحن لا نزكي أنفسنا، من حظوظ النفس العاجلة، فالنفس أمارة بالسوء إلا من رحم ربي، ونحن من حيث القصد الأصلي، لا نبحث عن مكان ولا مكانة، زعيم الإصلاح الحقيقي هو (دعوة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي) نحن نحاول أن ترتبط دعوة الإصلاح بأمرين الأول: المنهج والثاني الهدف. لكي نسهم في إخراج الرأي العام من الدوران حول الأشخاص أو الأفكار الثانوية، إلى الدوران حول الأفكار الأساسية: أي المنهج السلمي والهدف المحدد هو الصعود إلى نموذج الدولة الإسلامية الشورية العادلة، والخروج من مفهوم الدولة الجبرية الجائرة أموية وعباسية وعثمانية وطوائفية، وهذا معنى عبارة: (الدستور الإسلامي) والوسيلة هي الجهاد السلمي عبر الكتابات والبيانات ونحوها، وهذا هو معنى عبارة (المجتمع المدني الأهلي الإسلامي).

نحن نحاول أن ندور مع الحق حيث دار، ونحاول أن نكون ''أذلة للمؤمنين'' أن نذل للحق طاعة لله، وحريصون على البقاء في الصفوف الخلفية، لأن ذلك أضمن وأسلم من الصفوف الأمامية، واضعين نصب أعيننا ''تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فساداً''.

9 ـ لكن السبب الأساسي في اتهامنا بالتزعم، أننا رفضنا أن نوقع على تعهد بطاعة الإمام (المطلقة)، واشترطنا ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم، من أن الطاعة بالمعروف، لأننا ندرك أن البيعة الشرعية لآل سعود مشروطة بالالتزام بالكتاب والسنة، وندرك أن مقتضى البيعة على الكتاب والسنة ؛ وندرك أن العدالة والشورى، هما الشرطان الأساسيان في أي بيعة شرعية، كما نص الفقهاء كابن عطية وغيره، وأن الدولة لا يمكنها تحقيق العدالة من دون شورى ملزمة: إما (مباشرة) عبر تجمعات المجتمع الأهلي ولاسيما المدني، وإما (غير مباشرة) عبر مجلس النواب (أهل الحل والعقد). أي لا يمكن أن يكون الحكم شورياً في الدولة الإسلامية الحديثة إلا إذا كان دستورياً، الدستور الإسلامي موجزه أن السلطة للأمة وان الحاكم وكيل، أليس هذا ما قرره ابن تيمية رحمنا الله وإياه بقوله: ''الأمة هي الحافظة للشرع''.

لعل ذلك لم يرق لمن سجنونا، فقد جرت التعهدات المألوفة في المباحث على أن تُملى على الراغب في الخروج من غيابة السجن؛ عبارات غير مشروعة مضمونها: ''أقر بأنني أخطأت في حق نفسي وحق وطني وحق ولي الأمر، وأنني أحدثت فوضى وبلبلة وفتنة، وأنني لن أعود إلى شيء من ذلك، وأنشغل بتربية أبنائي عن الشأن العام، لأكون مواطناً صالحاً''. هل بمثل هذه التعهدات تستقر الوحدة الوطنية القائمة على الشريعة، هل بذلك جففت منابع العنف والغلو والتدخلات الأجنبية؟ تلك التعهدات (تجرم) ما اعتبرته الشريعة (واجبا) مفروضا، واعتبرته الطبيعة الإنسانية حقاً مشروعاً، هل هذه العبارات من تطبيق للشريعة التي قامت عليها الوحدة الوطنية، أم أنها من إجراءات التطليق؟

ولأننا تعهدنا تعهداً شرعياً، أرادوا حصر المسؤولية بنا، على أساس أن الموقعين نوعان: زعماء تبنوا الخطاب وهم هؤلاء الثلاثة، والباقون موقعون عاديون، وهذا مخالف للحقيقة، ولو كان صحيحاً لما كان جرماً، بل هو واجب شرعي، أو مستحب أو مباح، علي أقل تقدير.

10 ـ من أجل ذلك قالوا لنا: سنسوقكم إلى المحكمة، لقد هددوا مئات الصحفيين والكتاب والدعاة بهذه المحاكم، صار القضاء شبحاً مخيفاً، أمام المثقفين، من أجل ذلك تناجينا بالبر والتقوى و تساءلنا: لماذا لا نقبل التحدي؟ قلنا: لا مانع لدينا، وإن كنا لا نرغب في تصعيد الموقف إلى القضاء، فإذا جرم القضاء المحتسبين، تكون قد برأت ذمتنا، لاسيما إذا أعلن القضاء دفوعنا كما أعلن اتهامنا.


(7)

القشة التي قصمت ظهر البعير:

إجتماع فندق الفهد اجتماع على خير مشروع أم على منكر محظور؟

الدعوى:

قال المدعى العام (ص 3 سطر 23 و 24 و 25): ''كما أفاد (أي الحامد) بمشاركته في الدعوة والإعداد للاجتماع الذي تم في فندق الفهد كروان، وأن إيصال الدعوة قد كتب باسمه، وأنه تم في هذا الاجتماع مناقشة أمور عامة تتعلق بالإصلاح في البلاد''؛ وقال أيضا (ص 1 ص 16 و 17 و 18): ''وقيامهم بعقد اجتماعات ومنتديات، وإصدار وثائق لاجتماعاتهم ومن ذلك الاجتماع الذي عقد مؤخرا في فندق الفهد كراون بمدينة الرياض في 15/01/1425هـ، وعزمهم على عقد اجتماع لاحق في 08/04/2004م''.

الدفاع:

الأكارم أعضاء الهيئة القضائية:

1 ـ لم يعقد من الاجتماعات إلا اجتماع واحد، هو ما تم في فندق الفهد كراون في 5/1/1425هـ، فما هي الاجتماعات الأخرى؟

2 ـ المحاسبة على النيات: وقال: إننا عزمنا على عقد اجتماع لاحق، أين الدليل على العزم؟ وهل المحاسبة أيضاً تكون على نية عمل قادم؟

3 ـ إصدار وثائق لاجتماعات: أين هذه الوثائق؟

4 ـ الشريعة تقرر بصراحة، وكذلك تنص المواثيق التي وقعتها الدولة، على أنه لا يجوز (تجريم) شيء لم تجرمه قاعدة قضائية، ولا نجد في مدونة القضاء نصا يقول: إن الاجتماعات في الفنادق ـ سواء أكانت ثقافية أو عائلية أو اجتماعية ـ محظورة، وليس في القواعد القضائية نص يقول إن الاجتماع للأمر بالعدل والنهي عن الظلم، يعاقب بكذا وكذا.

5 ـ ثم إننا تلقينا ضوءاً أخضر من الأمير عبدالعزيز بن فهد، لأنه هو الذي طلب منا تأجيل الاجتماع في رمضان، وذكر لنا في منزل الدكتور توفيق القصير في رمضان سنة 1424هـ أنما التأجيل موقوت برمضان، وذكر أنه مستعد أن يحضر الاجتماع، بعد رمضان أيضا، فإذا كان الاجتماع جريمة، فنحن إذا نطلب حضور الأمير عبد العزيز بن فهد، ليدلي بشهادته، ونطلب حضور الملتقين به في منزل الدكتور القصير لسماع شهادتهم.

6 ـ (السند) أو (الإيصال) الذي ذكره المدعي العام، ليس سند دعوة، بل (سند) وصل استلام الفلوس وكتابته باسم (الحامد) أمر عادي، والحامد على كل حال مفوض من إخوانه بترتيب مكان اللقاء من قبل الداعين في الرياض، وهم بضعة أشخاص، ولم تجر العادة أن يكتب وصل استلام أجرة عشاء في استراحة أو فندق بعدة أسماء.


(8)

هل الكلام في القنوات الفضائية جريمة سياسية لذاته أم بسبب أداته؟

الدعوى:

قال المدعى العام ص 4 س 2 ''كما أقر بإجراء مداخلة مع قناة (LBC)الفضائية بتاريخ 9-10/1/1425هـ

الدفاع:

أطلب من المدعى العام أن يحضر نسخة موثقة من قناة (LBC) الفضائية، أي أن يكون الشريط من مصدره الرئيسي، إذا كان القاضي يجرم ما نسبه إليّ المدعي العام في مطلع الصفحة الرابعة (السطر الرابع) حتى نهاية السطر الخامس من الصفحة الخامسة. لأن المدعي العام قام باقتطاع نصوص، يحتمل أنه جردها من سياقها العام، والسياق اللغوي ضروري لفهم الفكرة، والإنسان يمكن أن يخطئ حتى في فهم القرآن الكريم، إذا لم يرد المجمل إلى المفصل، والمطلق إلى المقيد، والعام إلى الخاص، والمتشابه إلى المحكم. وأفكاري صريحة في قنوات أخرى كبرنامج الجزيرة (الشريعة والحياة مايو 2003م) وبرنامج (LBC) قبل شهر من البرنامج الذي اعتمد عليه، وبرنامج (ORBIT) في الكويت، وهى مشروحة في كتبي (معايير استقلال القضاء الدولية في بوتقة إسلامية)، طبع الدار العربية للعلوم، بيروت 1425هـ (2004م)، وكتاب (ثلاثية المجتمع المدني) طبع الدار العربية للعلوم، بيروت 1425هـ (2004م)، وكتيب (استقلال القضاء السعودي: عوائقه وسبل تعزيزه) وهو بحث ألقي في مؤتمر العدالة الأول، القاهرة 1423هـ (2002م)، وكتيب (نحو دستور إسلامي ، يجسد مفهوم الحكم الشوري العادل ، بديلا عن الحكم الجبري الجائر، والعلماني الذي يدعي الخصوصية المفرط في الهوية)، وقصيدة (يسألني ياسر ما الدستور: الإسلام دستورنا).

والكتب سواء منها المخطوط والمطبوع متداولة حاضرة في الإنترنت، والغامض يرد إلى الواضح، والتلميح يرد إلى التصريح، والمتشابه ـ وهو موجود في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ـ يرد إلى المحكم. فإذا كان الصريح وجهة نظر معتبرة، فتجريمها جريمة، ولو افترضنا انه غير صريح فالاتكاء على الظنون والشبهات، لا يتم على أساسه تجريم، ولو افترضنا أنه خطأ صريح، فإن دوافعه شريفة. وليس ثمة قصد جنائي ''إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت'' وكما قال الشاعر: وعليّ أن أسعى وليس عليّ إدراك النجاح.


(9)

وتجريمه بدعة سلطانية نطالب القضاء بإثباتها على وزارة الداخلية؟

الدعوى:

1 ـ قال المدعى العام ص 3 س 2: ''الغاية ليست الإصلاح بل التأثير على الرأي العام''.

2 ـ وقال ''أن المتهمين يقومون بمحاولة إلزام ولي الأمر''.

3 ـ وقال ''التدليس على الناس بهدف التشويش على آرائهم وتأليبهم على ولي الأمر. وتأليب الرأي العام المحلي والدولي، لمصادمة السياسة الشرعية لولي الأمر، وتشكيل جماعات ضغط على الدولة، وتزعمها''.

4 ـ قال المدعى العام (ص 6 س 24): ''الضلوع في المشاركة في تبني العرائض المشار إليها وتزعم الموقعين عليها، [ص 1 س 9

وتهيئة الحلول لأنفسهم في التأثير على حكومة هذه البلاد، وحملها على تحقيق مطالب وأهداف ومصالح قاموا بتحديدها مسبقا، ويزعمون أنها من الإصلاح، ومحاولة إلزام ولي الأمر بها، وحث الناس على ذلك، تتضمن في مجملها تهميش دور ولي الأمر''.

الدفاع:

حضرات حراس العدالة:

1 - ليتنا نستطيع: بضغطنا السلمي، ومجتمعنا الأهلي، أن نحمل الدولة على تعزيز العدالة وتعزيز الشورى الشعبية الملزمة، إذن لحققنا قول الرسول صلى الله عليه وسلم ''لتأطرنهم على الحق أطرا، ولتقصرنهم عليه قصرا، أو ليخالفن الله بين قلوبكم''. ولسحبنا البساط من تحت أقدام حركات العنف وحركات الإصلاح الانقلابي. وإذن لرسخت العدالة والشورى في الدولة. ودعاة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي؛ لم يقدموا أنفسهم أوصياء على الشعب، بيد أن بعض الأمراء لم يألف من المواطن المطالب السياسية، فاعتبر كل عدل وشورى وإصلاح تشويشاً على الناس، وإساءة إلى سمعة الدولة، حتى لو كان صوتاً لا يهش ولا ينش. دعوة الإصلاح إنما هي توحيد لجهود الإصلاح السياسي، وهي إنجاز يحسب للمثقفين الذين التقوا على قواسم مشتركة تصب في مصلحة المجتمع والقيادة. هل الذي لا يشوش على الدولة، أن ينفرد الإسلاميون بخطاب، والسلفيون بآخر، والإخوانيون بثالث، والأشاعرة برابع، والشيعة بخامس، والقوميون بسادس واللبراليون بخطاب سابع، ثم يثور بينهم الصراع والصداع.

على أن دعاة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي قالوا: هذا رأينا ولم يلزموا الدولة، وليس لهم سلطة معنوية تسمح لهم بالإلزام، فكيف يعد ذلك تأليباً على ولي الأمر؟؟.

2 - والحكومة لديها أجهزة إعلام ضخمة، فكيف تعتبر بيانات لم يوقعها أكثر من ألف شخصية إلزاما للدولة بتحقيق مطالب معينة، أو محاولة لإلزام الحكومة بذلك. هل التأثير في الرأي العام، حق خاص بأجهزة الحكومة من إذاعة وتلفاز وصحف. والتأثير في الرأي العام مسألة طبيعية، فوسائل الإعلام هدفها الإخبار والتأثير، فلماذا يحجر على هؤلاء، أن يسعوا إلى التأثير على الناس؟ هل في خطاباتهم محذورات، تسيء إلى استقرار قيام الدولة على الشريعة!

3 - إنهم أفراد عزل يطالبون بتعزيز العدالة والشورى، يخشى المدعي العام من تأثيرهم على الناس، لأنه يريد دعاة العدل في قسمة المال والمناصب و الشورى في الإدارة السياسية معزولين، ''لا يجدون على الخير أعوانا''، لكي تتراكم الديون ويتفاقم الفساد السياسي و الإداري، وننتظر الإصلاح بضغوط الهيئات الدولية (كمنظمة الجات) أو ضغوط الدول الكبرى.

ونود أن نسأل المدعي العام، هذه الأنظمة العدلية: نظام الإجراءات الجزائية، ونظام المرافعات ونظام المحاماة، وهيئة التحقيق والإدعاء العام التي أنشئت قبل أمس، واللجنة الحكومية لحقوق الإنسان التي أنشئت اليوم، هل اكتشفت القيادة ضرورتها فجأة، بعد أكثر من نصف قرن على إنشاء الدولة؟ أم أنها أنشئت استجابة لمطالب دعاة الإصلاح السياسي منذ حرب الخليج، الذين نالهم الأذى عامة والذين فصلوا من أعمالهم خاصة، والمجاهدون المدنيون الذين طالبوا بحرية التعبير والرأي المشروعة فذاقوا ويلات السجون؟ أما أنها بسبب الضغوط الأجنبية، ورياح التغيير الإقليمية والعالمية، فإن كانت بسبب الضغوط الأجنبية، فلماذا تسمح الدولة للهيئات الدولية أن تضغط وتؤثر، وتحرم على مواطنيها، الذين هي لهم وكيل يعبر عن إرادتهم. أحرام على بلابله الدوح/حلال للطير من كل جنس؟ وإن كانت بسبب جهاد دعاة الإصلاح السياسي، فلماذا تقمعهم وهم في مطالبهم يتأسون بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو قدوة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، في تلك الوظائف المقدسة في الدعوة والشهادة والبشارة والنذارة والإعلان، التي تصت عليها سورة الأحزاب (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا) (الأحزاب:46)

إذ لا نبي بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فالرسول خاتم الأنبياء والعلماء المصلحون ودعاة القسط من الناس هم ورثة الأنبياء، نسأل الله أن يجعلنا منهم.

4 - المدعي العام يجرم من دون نص نظامي أو شرعي: المدعي العام يجرم من دون نص قضائي على الجرائم والعقوبات، ونسي ما نصت عليه المادة (38) من النظام الأساسي للحكم بقولها ''... ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص شرعي أو نص نظامي..'' وقد جاء هذا النص تأسيساً على قوله تعالى ''وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً'' (الإسراء آية 15) وقوله ''وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً يتلوا عليهم آياتنا'' (القصص، آية 59) ومؤدى مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات في الشريعة الإسلامية أنه لا يجوز توقيع العقاب على أي شخص؛ إلا عن فعل قد تم النص على تجريمه بشكل محدد قبل ارتكاب الفعل، وهو ما يسمى بمبدأ (التنبيه والاستجابة)، أي الإنذار والتحذير من جانب السلطة، ثم الاستجابة من جانب المكلَّف، فلا حكم ولا تكليف قبل ورود النص المجرم للسلوك تجريماً محددا، حتى يتمكن الأفراد من معرفة الأفعال التي تعد محظورة، و يسعوا إلى تجنبها.

وباستقراء لائحة الدعوى العامة التي قدمها المدعي العام نجد أن جميع التهم الواردة فيها تخالف مبدأ الشرعية المشار إليه أعلاه، حيث لم يرد نص، لا في الشريعة ولا في الأنظمة، يجرم ما قمت به خاصّة. وما قام به دعاة الدستور عامة.

5 - بل إن المدعي العام فعل ما هو أسوأ من ذلك فهو يجرِّم ما أوجبته الشريعة أو استحبته أو أباحته على أقل تقدير، فدعوى الإدعاء فيها مخالفة صريحة للمقاصد الإسلامية الكلية، التي دلت عليها الأدلة الخاصة، كقوله تعالى ''ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير...''، أو الأدلة العامة كقوله تعالى ''وتعاونوا على البر والتقوى''، والإسلام لم يقل يا أيها الفقهاء، ولا يا أيها الأمراء مروا الناس بكذا وكذا، بل الخطاب جاء للأمة، وفى ذلك دليل على أن الأمة مخاطبة بهذه الأوامر ومسئولة بجميع أفرادها عن القيام بذلك كما نص الفقهاء كابن تيمية، ومنوط بها تنفيذ شرع الله، واتخاذ الوسائل المناسبة لذلك، يؤيده ويبينه الدليل العملي الصريح في تطبيقات النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان المصطفى يشاور الناس في كل أمر هام وعام... ومن أجل هذا فإن تأثير أهل العلم والثقافة في المجتمع مما يحقق المصلحة العامة للأمة فهو أمر محمود، مشروع على العموم، بل هو واجب على الخصوص.

6 - اختلطت الرؤية على المدعي العام في الفرق بين التيار الفكري والتيار السياسي، التيار الفكري سلاحه القلم والكتابة، والتيار السياسي سلاحه التنظيمات السياسية، والقيام بالمظاهرات والاعتصامات ونحو ذلك، ونحن لم ننشىء تنظيماً سياسياً، نحن مجموعة من أساتذة الجامعات والفقهاء، والمفكرين والمثقفين، مختلفون في المشارب والثقافة والخلفيات الاجتماعية والمناطقية وغيرها، نحاول رسم خط فكري، للإصلاح السياسي، ولذلك أطلق بعض الإخوة على هؤلاء: ''دعاة الإصلاح الدستوري والمجتمع المدني'' هؤلاء الدعاة همهم تأصيل هذا الموضوع فكريا، بالإسهام بترسيخ ثقافة المجتمع المدني قيماً ونظماً (مؤسسات رسمية وأهلية) منبثقة من الشريعة الإسلامية نصوصاً واستقراءا، يؤلفون الكتب والأبحاث ويكتبون المقالات، وهم في القنوات الفضائية كغيرهم، ليس هناك من لقاء خاص بهم، بل هم قد اشتركوا مع أعضاء من مجلس الشورى ورؤساء صحف، وعرضوا آراءهم في الصحف والقنوات والإنترنت، وقد عارضها رسميون موظفون وآخرون مستقلون، وصوتهم ضعيف، لا يصل إلى واحد في المئة من أصوات الرسميين، فلما ذا كل هذا التكبير من حجمهم وحجم اتجاههم؟

الصفحة السابقة