الدميني يطالب المحكمة بتطبيق الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي وقعت عليه الحكومة

الدعوة للإصلاح السياسي حق لنا

أضاف الأستاذ الشاعر والإصلاحي الكبير علي الدميني الى مرافعته ضد الإتهامات التي وجهت إليه، رسالة الى أعضاء هيئة المحكمة، يوضح لهم فيها أن الحكومة وقعت على مواثيق عديدة بينها الميثاق العربي لحقوق الإنسان والذي وقع عليه في تونس العام الماضي، وأشار الى ان الحكومة ملزمة بتنفيذ الميثاق، وأن ما يحتويه من نصوص ومواد تسقط الدعوى ضده وضد زملائه، وتجعل منها دعوى باطلة، وتلزم الحكومة بتوفير مساحة للتعبير عن الرأي وعدم التعرض للمواطنين. وأشار الدميني الى أن ما وقعت عليه الحكومة يدعم دفاع المعتقلين الإصلاحيين، من جهة أن ما قاموا به أمرٌ شرعي وقانوني، وأن الحكومة هي التي انتهكت باعتقالها ما وافقت عليه ووقعت عليه من معاهدات عربية وغير عربية.

والمعلوم أن الحكومة السعودية وقعت على معاهدات دولية عديدة تتعلق بالتزامها احترام حقوق الأنسان والمرأة ومنع التعذيب والإعتقالات التعسفية، ولكنها لم تلتزم بها ولم تصبح جزءً من منظومتها القانونية، بل هي ـ كما في حالة الإصلاحيين المعتقلين ـ انتهكت كل ذلك، ولا أدل على هذا من لائحة الإتهامات التي وجهت الى المعتقلين والتي تتناقض مع حقوق المواطنين البديهية التي أقرها الإسلام والقوانين الدولية.

ولكن الحكومة السعودية تحاول، وعبر مشايخها الفاسدين في جهاز القضاء، الترويج لانتهاكات قام بها الإصلاحيون على أساس ديني، واستخدام عبارات: نشر الفتنة، والتطاول على حقوق ولي الأمر!، وغيرها من العبارات المطاطة؛ والتي يجدر أن يتهم بها أمراء العائلة المالكة أنفسهم ومن يدور في فلكهم.

فيما يلي نص رسالة الدميني، الشاعر والمعتقل الإصلاحي.


بسم الله الرحمن الرحيم

أصحاب الفضيلة أعضاء هيئة المحكمة الموقرة، حفظهم الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مع التحية والتقدير، أرفق لكم مدونة «الميثاق العربي لحقوق الإنسانٍ» (الميثاق) الذي تبنت التوقيع عليه حكومات الدول العربية في قمتها السادسة عشرة التي استضافتها تونس في 23 مايو/ أيار 2004م، وقد أعلنت الوسائط الإعلامية عن توقيع حكومة المملكة العربية السعودية على هذا الميثاق، وتم إيداع الموافقة لدى جامعة الدولة العربية. وكما ترون، فإن هذا الميثاق لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، وإنما يتوافق مع قيمها الخالدة في كفالة الحرية والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية، والتسامح والأخوة بين البشر.

وقد تعهدت الدول العربية الموقعة على هذا الميثاق، ومنها حكومة بلادنا، على أن يتمتع كل شخص خاضع لولايتها بالحقوق والحريات المنصوص عليها فيه، دون تمييز، ومنها ضمانة الحق في الإعلام وحرية الرأي والتعبير كما تعهدت الحكومات العربية أيضًا بموجب توقيعها على هذا الميثاق على تطبيق ما ورد فيه من حقوق للمتهم، ومنها على سبيل المثال: الحق في محاكمة عادلة، وأن تكون المحاكمة علنية إلا من حالات استثنائية تقتضيها مصلحة العدالة في مجتمع يحترم الحريات وحقوق الإنسان، وكذلك ما نص عليه الميثاق من «أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص تشريعي سابق»، و..«أن كل متهم برئ حتى تثبت إدانته بحكم باتّ وفقًا للقانون».

وإن حكومة بلادنا بتوقيعها على هذا (الميثاق) تعزز الأسس العادلة التي قامت عليها الدولة، وتدعم الأسس الشرعية لحقوق الإنسان في الإسلام، وتفتح المجال أمام كفالة حرية الرأي والتعبير، وحماية المواطن من انتهاكات الجهات الأمنية أو غيرها لتلك الحقوق والحريات، صونًا للحقوق وعملاً بسيادة القانون العادل على الجميع.

وإن سلطات القضاء الموقرة، التي تأخذ علي عاتقها إقامة العدل وتطبيق الشرع والقانون، هي الأولى بأن تكون الجهة الأكثر حرصًا على جعل هذا (الميثاق) جزءًا من منظومتها التشريعية والنظامية بحيث يصبح واحدًا من الأنظمة المرعية المعمول بها في بلادنا.

أصحاب الفضيلة:

إن في التزامكم بالعمل بموجب بنود الميثاق العربي لحقوق الإنسان تأكيد على مصداقية تنفيذ ما التزمت به حكومة المملكة من تعهدات على المستوى العربي والدولي من جهة، وفيه تأكيد من الجهة الأخرى على حرص القيادة في بلادنا على المضي في طريق الإصلاح السياسي الشامل، لأن كفالة حرية الرأي والتعبير والضمير عنوان رئيس للمضي في عملية الإصلاح الطويلة.

ولكل ذلك، فإنني أطالب عدالتكم بتطبيق ما ورد في هذا الميثاق من مواد تتعلق بقضيتنا، وأخص من ذلك ما يلي:

أ- كفلت بنود «الميثاق العربي لحقوق الإنسان» الحقوق السياسية للمواطن في بندها رقم (24)، والذي ينص على:

1ـ لكل مواطن الحق في حرية الممارسة السياسية.

2ـ لكل مواطن الحق في تكوين الجمعيات مع الآخرين، والإنضام إليها.

3ـ لكل مواطن الحق في حرية الإجتماع وحرية التجمع بطريقة سلمية.

كما أن بنود (الميثاق)، قد أكدت على كفالة حرية التعبير عن الرأي في البند (32)، في الفقرة(1) التي تقول: «يضمن هذا الميثاق الحق في الإعلام وحرية الرأي والتعبير، وكذلك الحق في استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة دونما اعتبار للحدود الجغرافية».

ولذا، فإن ماقمت به وزملائي والمشاركون معنا ـ الذين يزيد عددهم على ألف مواطن ومواطنة ـ من نشاط يدعو القيادة إلى المضي في عملية الإصلاح السياسي الشامل، يقع ضمن حقوقنا التي كفلها ذلك الميثاق.

وفي هذا السياق يصبح اعتقالي وزميلي الدكتور الحامد والدكتور الفالح، طيلة هذه المدة التي تجاوزت عامًا وشهرين، اعتقالاً تعسفيًا لا مبرر شرعيًا أو قانونيًا له، وذلك بحسب البند (14) من الميثاق الذي ينص على: « لكل شخص الحق في الحرية، والأمان على شخصه، ولا يجوز توقيفه أو تفتيشه أو اعتقاله تعسفًيا بدون سند قانوني».

ب- كان ينبغي تقديمي وزملائي إلى القضاء لمحاكمتنا علنيًا في وقت مبكر من مدة اعتقالنا للبت في مشروعية إبقائنا في السجن، وذلك حسب البند(13) من الميثاق وما ورد في فقرة «هـ»، والتي تنص على: «يقدم الموقوف أو المعتقل بتهمة جزائية دون تأخير أمام أحد القضاة أو أحد الموظفين المخولين قانونًا بمباشرة وظائف قضائية، ويجب أن يحاكم خلال مهلة معقولة أو يفرج عنه».

وهذا مع الأسف ما لم يتم العمل به في قضيتنا.

ج- وحيث أن اعتقالي وزميلي طوال هذه المدة يدخل ضمن مسمى الاعتقال التعسفي، فإنني أطالب عدالتكم بتبرئة ساحتنا، والإفراج الفوري عنا، وتعويضنا عما لحق بنا من أضرار مادية ومعنوية، وذلك بحسب البند (14) من الميثاق في فقرته «ز» والتي تقول: «لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال تعسفي، أو غير قانوني، الحق في الحصول على تعويض».

ولعله من المهم أن أشير إلى أن مضمون هذا البند قد ورد في نظام الإجراءات الجزائية في المملكة.

د- كما أود أن أوضح في هذا المقام أن نظام الإجراءات الجزائية في المملكة قد اشتمل بنود عديدة لضمانة حقوق المتهم، إلا أنه لا يتم تطبيقها، ومن ذلك عدم إحالة المعتقلين في قضايا التعبير عن الرأي إلى الإدعاء العام للتحقيق معهم، فيما يتفرد محققو المباحث بتلك المهمة، ومنها عدم تمكين المتهم من توكيل محام لحضور التحقيق معه والترافع عنه أمام القضاء، كما أن سجون المملكة تعتقل المئات من مسجوني الرأي أو العنف والإرهاب ممن لم يتم تمكينهم من توكيل محام لحضور التحقيق معهم، ولم يتم تحويلهم إلى القضاء بعد أن أمضوا مدد زمنية تجاوزت الستة أشهر، وهذا مخالف لنظام الإجراءات الجزائية في المملكة.

ويهمني التأكيد هنا، على أنه في الوقت الذي أطالب فيه بالالتزام بالعمل بما ورد في «الميثاق العربي لحقوق الإنسان» من بنود تكفل حقوقنا، وترفع عنا الظلم الذي لحق بنا، فإنني أطالب السلطات القضائية الموقرة بالعمل على تطوير نظام الإجراءات الجزائية في المملكة بما يتوافق مع بنود الميثاق العربي لحقوق الإنسان، لأنه لا يمكن الإبقاء على نظامين متعارضين ضمن منظومة تشريعية واحدة.

كما أطالب السلطات القضائية الموقرة بإلزام الجهات المعنية بالعمل بموجب النظام والقيام بتفقد السجون وأحوال السجناء والتأكد من تطبيق الأنظمة التي تكفل حقوق المتهمين، ومحاسبة المخالفين لتلك الأنظمة.

وفي الختام، أسأل المولى العلي القدير أن يوفقكم إلى إقامة موازين العدل، والنظر فيما يستجد في حياة الناس من أحوال وتنظيمات لا تتعارض مع المقاصد الكلية للشريعة، من أجل إحقاق الحق، والعمل على ضمانة حقوق الإنسان، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

علي الدميني

من دعاة المجتمع المدني والإصلاح الدستوري

الرياض 24/3/1426هـ ـ 3/5/2005م

الصفحة السابقة