الدفوعات المقدمة من علي الدميني الى هيئة المحكمة

الـتـهـم بـاطـلـة وهـي بـلا دلـيـل

لقد مضى زمن غير قصير على اعتقال دعاة الإصلاح الدستوري في المملكة، وفي كل يوم تتأخر محاكمتهم، فمرة تكون علنية، وأخرى سرية، ومرة يحضرها المراقبون والصحفيون، ومرة أخرى لا يسمح بحضور الجلسة إلا لرجال المباحث الذي يملؤون المقاعد بدلاً عن الآخرين! ومرة يحاكمهم شيخ جاهل جاء لإدانتهم حسب أوامر وزير الداخلية فيقول للمعتقلين بأن في رأسهم حبّ يحتاج الى طحن!، ثم يأتي ليقول بأن محكمته غير مختصة بمحاكمة (أصحاب الحبّ!) بعد أن مضى نحو عام على اعتقالهم، ثم تعود الحكومة فتطلب من المحكمة الإستمرار وهكذا. هذا غير التأجيل المتكرر، ومنع منظمات المجتمع المدني في العالم من حضور الجلسات.

ومع أن الإصلاحيين رفضوا أن يحاكموا محاكمة سرية بعد أن طرح الإدعاء ما في جعبته علناً من اتهامات لرموز الإصلاح، إلا أنهم وبشكل انفرادي قدّموا طعونهم مكتوبة، وقد نشرنا في العددين الماضيين (29/30) دفوعات الدكتور عبدالله الحامد. وفي هذا العدد ننشر وثيقة تفصيلية قدّمها الرمز الاصلاحي الاستاذ علي الدميني لهيئة المحكمة في سياق رد الاتهامات التي وجهتها ضده، وقد اشتملت على خلفية شاملة لطبيعة النشاط الاصلاحي وردود فعل الحكومة وتالياً لائحة الاتهامات التي قدّمها القضاء.

وفيما يلي عرض لأهم النقاط التي وردت في دفوعات الدميني المقدّمة الى هيئة المحكمة.

انتفاء الأساس الشرعي والنظامي للاتهام

في البداية، أؤكد لأصحاب الفضيلة القضاة، على بطلان كل التهم الموجهة إليّ من الإدعاء العام، لأنها لا تستند إلى دليل.

وقد نصت المادة (36) من النظام الأساسي للحكم، على أنه (لا جريمة، ولا عقوبة إلا بنص شرعي أو نظامي)، وهذا التحديد يتأسس على قوله تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) (الإسراء، آية 15)، وقوله تعالى (وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً) (القصص، آية 59).

ومؤدى هذا المبدأ في الشريعة الإسلامية، أنه لا يجوز توقيع العقاب على أي شخص إلا عن فعل قد تم النص على تجريمه، بشكل محدد ودقيق قبل ارتكاب الفعل، وهو ما يُسمّى بمبدأ التنبيه والاستجابة، أي الإنذار والتحذير من جانب المكلٍّف، ثم الاستجابة من جانب المكلَّف، فلا حكم ولا تكليف قبل ورود النص المجرِّم للسلوك تجريماً محدداً، حتى يتمكن الأفراد من معرفة الأفعال التي تعدّ محظورة، وبالتالي يسعون لتجنبها.

ولذا فإنني أطالب الإدعاء العام، بإبراز النص الذي يجرّم مطالبتنا بالإصلاح الشامل في بلادنا، كما أطالبه بإيراد النص الذي يحدّد العقوبة المترتبة عليها.

ثم أنني اتساءل... كيف يمكن للإدعاء العام، أن يكيل لنا كل هذه التهم الخطيرة والمحرّمة بحسب ما ورد في (لائحة دعوى عامة)، إذا كانت أجهزة المباحث قد عرضت علينا في الساعات الأولى من اعتقالنا، إطلاق سراحنا، مقابل (تعهّد) يلزمنا بعدم ممارسة أي نشاط، مماثل لأنشطتنا (المطلبية) السابقة؟

وهذا يدلّ على أن ما قمنا لا يستحق التجريم أو العقاب، وأن ما ادّعى به علينا الادعاء العام من تهم، يُعدّ أمراً باطلاً، وأن الأمر الوحيد الذي نمثُل من أجله أمام فضيلتكم، هو رفضنا التوقيع على التعهّد المعروض علينا من قبل الأجهزة الأمنية بتاريخ 25-1-1425 هـ.

وحيث لا يوجد نص يحدد الجرم ولا العقوبة المترتبة على ما ورد في لائحة الاتهام من ادعاءات، وحيث أن ما شاركت فيه من نشاط سلمي يطالب بالإصلاح السياسي في بلادنا، هو أمر مشروع يقع ضمن منظومة حقوق المواطنة، الذي كفلته القوانين والمواثيق الدولية التي وقعت عليها المملكة، فإنني أناشد عدالتكم بالوقوف في ذلك على ما ورد في (الميثاق العربي لحقوق الإنسان) (الميثاق) الذي وقعته المملكة، ثم الحكم منكم على ذلك باعتباره جزءاً من منظومة التشريع المعترف به في بلادنا، والذي نصت مادته (24)، على الحقوق التالية:

أ- لكل مواطن الحق في حرية الممارسة السياسية.

ب- لكل مواطن الحق في حرية تكوين الجمعيات مع الآخرين، والانضمام إليها.

ت- لكل مواطن الحق في حرية الاجتماع وحرية التجمع بصورة سلمية.

وبأخذ هذه الحقوق المكفولة للمواطن –بحسب النظام - بعين الاعتبار، فإن اعتقالي كل هذه المدة يعد امتهاناً لكرامة الإنسان وحقوقه المشروعة، وقد رافق ذلك ارتكاب الجهات المعنية للعديد من الانتهاكات أوجزها فيما يلي:

1- تم اعتقالي وزملائي بشكل تعسفي وبدون سند قانوني، وهذا مخالف للفقرة (أ) من المادة(14) من الميثاق العربي لحقوق الإنسان، حيث تنص على: (لكل شخص الحق في الحرية وفي الأمان على شخصه، ولا يجوز توقيفه أو تفتيشه أو اعتقاله تعسفاً بغير سند قانوني).

2- عدم تمكيني من الاتصال بأهلي يوم اعتقالي، وهذا مخالف لما جاء في المادة (14) من الميثاق، وفي فقرتها (ج) التي تقرر: (..كما يجب إخطاره فورا بالتهمة أو التهم الموجهة إليه، وله حق الاتصال بذويه).

3- تم وضع القيود في قدميّ في مطار الرياض، ولم تكن قد ثبتت عليّ أية تهمة، وهذا أمر يحط بكرامة الإنسان أمام الناس، وهو مخالف لما جاء في المادة(8) من (الميثاق، و(في فقرتها أ)، والتي تقول: يحظر تعذيب أي شخص بدنياً أو نفسياً، أو أن يعامل معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة، أو تحط بالكرامة).

4- بالرغم من إنهائي التحقيق مع المباحث في الدمام، ومع هيئة الادعاء العام أيضاً، بدون حضور محامي، وفي الأسبوع الأول من فترة اعتقالي، إلا انه لم يتم تقديمي إلى المحكمة إلا بعد خمسة اشهر من الاعتقال، والذي تضمن الحبس الانفرادي لمدة شهرين، وهذا كله مخالف لما جاء في المادة (13) من (الميثاق)، وفي فقرتها (هـ)، والتي تنص على: (يُقدّم الموقوف أو المعتقل بتهمة جزائية دون تأخير أمام أحد القضاة أو أحد الموظفين المخولين قانوناً بمباشرة وظائف قضائية، ويجب أن يُحاكم خلال مهلة معقولة أو يُفرج عنه).

5- طالما أن اعتقالي وزملائي واحتجازنا كل هذه المدة، قد تم بدون وجه حق، أو سند قانوني، فإنني أطالب بإطلاق سراحنا وتعويضنا عما لحق بنا من أضرار مادية ومعنوية، وفق المادة، (14)، في فقرتها (ز) والتي تقول: (لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال تعسفي أو غير قانوني، الحق في الحصول على تعويض).

ومع احتفاظي بحقي في مطالبة الادعاء العام بإبراز ما أشرت إليه بعاليه، وتدعيماً لما ورد آنفاً من دفوع فإنني سأستعرض تفاصيل ردي على ما ورد في لائحة الادعاء العام من تهم باطلة تليت - من قبل - على رؤوس الأشهاد، وابدأ بالنقطة الهامة التالية:

اتهمني الادعاء العام، بـ (السعي إلى إثارة الفتن وبث بذور الخلاف بين أبناء الشعب وإثارة التحزب المذهبي والطائفي)، وهذا الجهد التأويلي العجيب، يجعلنا نستنتج ما يلي:

1- إن المطالبة بالحرية والعدالة وحقوق الإنسان، فتنة ينبغي القضاء عليها، وأنها، بحسب كلمات الادعاء العام، فعل محرمٌ، ومعاقب عليه شرعاً ونظاماً!

2- إن إقامة المؤسسات الدستورية، وتمكين الشعب من المشاركة السياسية في اتخاذ القرار، وتشريع عمل جمعيات المجتمع المدني المعبرة عن تطلعات كافة الشرائح، والتشكيلات الاجتماعية في كافة ميادين الحياة، يعتبر من وجهة نظر الإدعاء العام عملاً يبذر الخلاف بين أبناء الشعب.

3- إن إزالة المظالم الاجتماعية بكافة أشكالها الفئوية والطائفية والمناطقية، وتطبيق مبدأ التوزيع العادل للثروة بين كافة الشرائح والمناطق، وتمكين جميع المذاهب والطوائف من ممارسة حقها الطبيعي في إتباع قواعد مذاهبها، سوف يعمل على إثارة التحزب المذهبي والطائفي.

كما أورد المدعي العام في تهمة أخرى قولي (إن من أهم أسباب انتشار الإرهاب والعنف في المملكة، هو أن احتكار تيار فقهي واحد من التيارات الأربعة، ونفي ما عداه من مذاهب وطوائف، قد أدى إلى تغلغل هذا التيار في كافة مفاصل النظم التعليمية والتربوية والاجتماعية والسياسية، وأنه تم استقطاب الشباب ضمن رؤية أيديولوجية تكفّر المجتمع، وان مجتمعنا أصبح مجتمع الرأي الواحد المغلق، بالإضافة إلى عوامل معيشية تتمثل في أزمات صحية وإسكانية وتعليمية، وفي الفقر والبطالة) حيث اعتبر هذا الكلام تبريراً للعنف، واستغلالاً للعمليات الإرهابية للنيل من نهج البلاد والطعن في مرتكزاتها الدينية.

وهذه القراءة المتعسفة لما قلته، تفسح المجال أمامنا لطرح التساؤلات التالية:

1- هل بني نهج الدولة وكيانها ومشروعيتها، على العدل واحترام حقوق المواطنة أم على حرمان الإنسان من حقوقه في التعبير السلمي عن الرأي، وعلى سكوته عما تشهده بلادنا من أزمات، تمثلت في الفقر والبطالة والدين العام، وما يعيشه المواطنون من اختناقات معيشية تطال التعليم والصحة والسكن والبيئة؟

وهل بنيت مشروعية الدولة، على إزالة الظلم وتحقيق العدالة الاجتماعية أم على السكوت على مظاهر الفساد والرشوة واستغلال المال العام؟

2- هل ترعرع الإرهاب، لأننا طالبنا بمعالجة جذوره الفكرية والمعيشية، أم لأن هناك خللاً ثقافياً وتربوياً واجتماعياً ضخماً فشلت أجهزة الدولة في معالجته، مما أدى إلى انتشار تيار التشدد والتكفير والعنف والإرهاب؟

 وفي الحقيقة فإن كل هذه السلبيات والاختناقات لا تمت بصلة إلى مرتكزات الدولة ومشروعيتها بل إنها أمراض فتاكة تهدّد أمنها واستقرارها، وحاضرها ومستقبلها أيضاً. كما أن الصمت حيال السلبيات والأزمات الخطيرة، هو الجريمة المنكرة التي تعتبر إخلالاً بثوابت الدولة ونهجها العادل الذي قامت أسسها عليه.

ويهمني أن أؤكد على أن من يتصدى بأسلوب سلمي وعلمي، لانتقاد مظاهر الخلل والأخطاء في أجهزة الدولة، ليس هو العدو، بل إنه هو المحب المخلص، وهو الأكثر وفاءً للأسس العادلة التي قامت عليها نظرية بناء الدولة، وهو الأكثر انتماءً وولاءً للدولة، وهو الأشد حرصاً على أمنها ورخائها واستمراريتها.

ثانياً: تفنيد ما ورد في لائحة الدعوى من اتهامات

ولمتابعة تفنيدي لما ورد في (لائحة دعوى عامة) بالتفصيل، فإنني سأورد إجاباتي عليها في قسمين، يختص الأول منها بالبيانات والخطابات المطلبية التي ساهمت في إعدادها أو التوقيع عليها، أما القسم الثاني فيختص بمداخلاتي الحوارية في موقع الساحل على الانترنت.

القسم الأول: الخطابات والبيانات المطلبية

(1): خطاب رؤية لحاضر الوطن ومستقبله

لقد ساهمت مع عدد كبير من المهتمين بالشأن العام في بلادنا، في التشاور والحوار لإعداد خطاب (رؤية لحاضر الوطن ومستقبله) والذي قدم لسمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد في يناير 2003م، حيث استقبل سموه عدداً من الموقعين على ذلك الخطاب، وعبر لهم عن أن (رؤيتهم هي مشروعه).

واستناداً إلى قوله تعالى(إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت) فإن قضية الإصلاح السياسي والدستوري في بلادنا ليست جديدة ولا مستغربة، وكانت المطالبة بالإصلاح مستمرة منذ الخمسينات الميلادية وحتى اليوم، ولكن هذه القضية قد غدت هماً عاماً، وموضوعاً مطروحاً للنقاش على مستوى الكتّاب والمثقفين والمهتمين بالشأن العام، وعلى المستوى الشعبي أيضاً، وقد أصبح الحديث عنها مفتوحاً في الكثير من وسائل الإعلام المقروءة، والمرئية، والمسموعة خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، 2001م.

وإذا كانت بلادنا قد عانت من مشكلات مزمنة في التعليم، والصحة، والإسكان، والعمل، والبطالة، والفقر، وارتفاع مديونية الدولة، وتفشّي ظواهر الفساد المالي والإداري؛ فإن بلادنا أيضاً كانت تعاني من غياب المؤسسات الدستورية، والمشاركة الشعبية، ومن غياب حرية التعبير السلمي عن الأفكار والآراء.

ولكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وما تبعها من بروز توجه جديد للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وخاصة منطقة الخليج العربي، بلغ حد التلويح باحتلال بلادنا أو تقسيمها، وقد وضعتنا في مواجهة حاسمة مع خيارات أشد حسماً.

ولذلك جرى الحديث بين الكثيرين من المهتمين بالشأن العام في المنطقة الشرقية وجدة والرياض، حول ضرورة وضع رؤية تحليلية لواقع بلادنا وتحديد أهم أزماتها واقتراح الحلول العملية لمعالجتها، وتم بلورة هذه الفكرة في لقاء تم في البحرين على هامش مؤتمر (مقاومة التطبيع مع العدو الإسرائيلي) بين عدد من المثقفين حضروا المؤتمر، من مختلف مناطق المملكه. وبعد مداولات طويلة تم اعتماد الصيغة النهائية للخطاب، ولذا يمكن القول بأن هذا الخطاب يعبر عن توافق على المشتركات العامة فيما بين العديد من الشرائح والفعاليات الدينية والثقافية في بلادنا, حيال كافة التحديات التي نجابهها.

ويستند هذا الخطاب وما تبعه من خطابات أخرى, على الثوابت التالية:

1. مرجعية الشريعة الإسلامية السمحاء في كل ما تصدر عنه.

2. تصليب الجبهة الداخلية، والتمسك بثوابت الوحدة الوطنية والعمل على إزالة كل ما يسئ إليها.

3. الالتفاف حول القيادة باعتبارها صمّام أمن بلادنا وازدهارها، في ضوء مضيها في طريق الإصلاح السياسي والدستوري الشامل.

4. الوقوف في وجه كافة التدخلات الأجنبية في شئون بلادنا. وإدانة العنف والإرهاب من كافة أطرافه ومصادره، كوسيلة للتعبير عن الرأي أو عن استغلال قوة القانون.

وقد انطلق خطاب (رؤية لحاضر الوطن ومستقبله)، الذي يعد أساسا لكل الخطابات التي تلته من هذه الثوابت, وصاغها في عناوينه الرئيسية التي أوضحت المشاكل وآليات الحل من خلال:

محور الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وتضمن التركيز على أهمية التنمية الأقتصاديه المستدامة،والتنمية البشرية,والعناية بنشر ثقافة التسامح وحقوق الإنسان، وضمان التوزيع العادل للثروة بين مختلف الشرائح والمناطق, والقضاء على كافة أشكال التمييز الطائفي والمناطقي،وتمكين المرأه من نيل كافة حقوقها الشرعيه، والمبادرة إلى حل الأزمات المستفحلة في مجالات التعليم والصحه والسكن ,والعمل والبطاله والفقر،ومعالجة المديونيه المتضخمه، والقضاء على الفساد الإداري والمالي.

محور الإصلاح السياسي: وقد حدد هذا المحور الآليات الكفيلة بمعالجة تلك المشكلات, وقد تضمن وضع دستور للبلاد يقوم على الشريعة الإسلامية السمحاء، وتطبيق مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث، وتعزيز استقلال القضاء، وإقرار المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، والسماح بعمل جمعيات المجتمع المدني، وكفالة الحقوق الأساسية للمواطنين في العدالة والمساواة وحرية التعبير، وتكافؤ الفرص.

أما بخصوص ماورد في (لائحة دعوى عامة) من تهم - تجرّم المطالبة بالإصلاح السياسي الذي ذكرت مقوماته آنفاً- من حيث قول المدعي العام (الطعن والتشكيك في نظام الحكم، ونزاهة القضاء، ومؤسسات الدولة) ص2 سطر 14،15 فإنني أرد بما يلي:

إن تبنّي الدول المتقدمة في العالم، والعديد من الدول العربية والإسلامية من اليمن إلى البحرين إلى الأردن والمغرب وغيرها، لآليات المؤسسات الدستورية وتشريع عمل جمعيات المجتمع المدني، قد أثبت نجاحها في تجسيد الوحدة الوطنية، وتطبيق مبادئ العدالة والمساواة وحرية التعبير، وأسهم في القضاء على الفساد الإداري والمالي، وتثبيت أسس العدالة الاجتماعية لهذه الشعوب، ويصدق على ذلك كلام إبن القيم في الطرق الحكمية حيث يقول (فإن الله سبحانه وتعالى أرسل رسله، وأنزل كتبه، ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت عليه السموات والأرض، فإذا ظهرت أمارات العدل وأسفر وجهه بأي طريق كان، فثمّ شرع الله ودينه.)

وإذا أردنا في هذا البلد الإسلامي المبارك، أن نسهم في إثبات أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، وأن نفتح باب الاجتهاد في تحقيق المصالح الكلية التي جاء بها الإسلام، فإن الأخذ بآليات بناء الدولة الإسلامية الحديثة المستندة إلى كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، هو المدخل الصحيح لمواجهة كافة الأزمات والتحديات التي نعيشها، وهو الكفيل بأن تبقى بلادنا، لا كمهوى لأفئدة الناس وحسب، ولكن كأنموذج حي للدولة الإسلامية الحديثة، القادرة على مواجهة أزماتها المعيشية، ومخاطر التطرف والإرهاب في داخل البلاد، ومواجهة ما تحمله المخططات الأجنبية من تحديات للقيادة والشعب معاً.

ومن جانب آخر، فإنني أعتقد بأن ما ورد في خطاب (رؤية لحاضر الوطن ومستقبله) وما تبعه من خطابات مطلبية أخرى، تعبر في مجملها عن مطالب أغلبية الشعب، ولا تقتصر على المجموعات القليلة التي وقعتها.

وحين يقول الادعاء العام في لائحة الدعوى (حتى أصبح هذا التوجه أشبه ما يكون بمضمار يتنافس فيه هؤلاء وكأنهم أوصياء على المواطنين، وهم فئة قليلة) ص1 سطر 12، فإنني أطالب بإجراء استفتاء شعبي عام خلال مرحلة الانتخابات البلدية القادمة، لكي نضع مصداقية تعبير هذه المطالب عن المواطنين على محك الاختبار، لكي نحقق معنى الحديث الشريف (أنتم شهود الله في أرضه). كما أؤكد على أن قلة عدد الموقعين على هذه الخطابات والبيانات المطلبية، لا يعود إلى عدم تأييدها من أغلب الفعاليات الاجتماعية، وإنما يعود إلى تغييب جمعيات المجتمع المدني في بلادنا حتى لا تعبر عن رأيها، بل إن كل ذلك يرجع إلى غياب الحريات وسيادة القمع وتكميم الأفواه.

وما اعتقالنا لمدة تزيد عن خمسة أشهر بدون عرض قضيتنا على المحكمة الموقرة، وما اضطرار زملائنا من (دعاة المجتمع المدني والإصلاح الدستوري) الذين اعتقلوا معنا على خلفية هذه الخطابات المطلبية، وإطلاق سراحهم بعد أن فرض عليهم التعهد بعدم معاودة المطالبة بالإصلاح السياسي، ثم منعهم من السفر، وما هذه التهم الجاهزة التي كالها لنا الادعاء العام من خلال تجريمه لمطالبنا الشعبية العادلة، ومطالبته بإيقاع أقصى العقوبات علينا، ومطالبته بالحجر علينا بالتعهد بعدم الاستمرار في المطالبة بالإصلاح السياسي والدستوري، إلا انتهاك صارخ لحقوق المواطنة وحقوق الإنسان، التي كفلتها الشريعة الإسلامية، ومواثيق حقوق الإنسان التي وقعتها بلادنا.

(2): بيان (معاً في خندق الشرفاء)

وفق الاهتمام بالشأن العام، وللرد على المؤامرات الخارجية ضد بلادنا، قمت مع عدد من المهتمين بالشأن العام من مختلف أرجاء المملكة، بالتشاور في إعداد خطاب (معاً في خندق الشرفاء) لقوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى)، وقد عبر الخطاب عن التمسك بالوحدة الوطنية والالتفاف حول القيادة، كما عبر بالنص التالي: (نقف ضد كل أشكال التدخل في الشئون الداخلية لأي دولة، أو تعريض أمنها ووحدتها للخطر، وندعو كل الشرفاء في العالم لفضح وإدانة ما يتردد في كواليس الإدارة الأمريكية من أفكار حول التدخل لتقسيم بلادنا المملكة العربية السعودية، تحت عناوين ومبررات تجفيف منابع الإرهاب وقضايا حقوق الإنسان).

كما تضمن الإشارة إلى مطالبة القيادة بإجراء عملية إصلاح سياسي شامل.

(3): خطاب دفاعاً عن الوطن:

شاركت مع عدد من المهتمين بالشأن العام، بالتشاور وإعداد خطاب (دفاعاً عن الوطن) استناداً إلى قوله تعالى (ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)، وقد كان أول بيان يعبر بشجاعة ووضوح عن إدانة الإرهاب في داخل المملكة، بدون مواربة، وقد عرض البيان لأسباب الإرهاب الداخلية، ليس من أجل تبريره، وإنما ليسهم مع غيره في البحث عن أسباب ظاهرة الإرهاب وممكنات علاجها، وقد أدان البيان كافة أشكال العنف والإرهاب في العبارات التالية: (وإننا في الوقت الذي نعلن فيه، عن إدانتنا واستنكارنا لكافة أشكال التطرف والعنف المادي والرمزي، التي تسعى لاختطاف المجتمع، وتدمير مقومات وأسس الدولة، فإننا نطالب كافة المشاركين في هذه الأعمال والمحرضين عليها، بالقيام بنبذ كافة أشكال التطرف والعنف والإرهاب، قولاً أو عملاً).

كما تضمن التذكير بما ورد في خطاب (رؤية لحاضر الوطن ومستقبله)، ودعا إلى البدء في الإصلاح السياسي الشامل كمدخل لمعالجة كافة الأزمات والتحديات التي تجابهها بلادنا داخلياً وخارجياً.

وقد وقّع عليه أكثر من ثلاثمائة مواطن ومواطنة من الأكاديميين والأطباء والكتاب والمثقفين من مختلف أرجاء الوطن وتكويناته الاجتماعية والدينية المختلفة.

لقد بادرنا إلى إعلان هذا الموقف الوطني الصادق في الوقت الذي لم يجروء على التعبير عن هذا الموقف كثير من العلماء وطلاب العلم، وغيرهم مجاملةً للتيار المتشدد.

صالح اللحيدان: القضاء الفاسد

(4): خطاب (معاً على طريق الإصلاح):

وقد وقعت على هذا البيان الذي تجاوز عدد الموقعين عليه ألف مواطن ومواطنه، استنادا لقوله تعالى (إن أرد إلا الإصلاح ما استطعت)، والذي يتضمن تأييداً للتوجهات الإصلاحية للدولة، ويطالبها بتنفيذ ما ورد في خطاب (رؤية لحاضر الوطن ومستقبله)، وما تضمنه من توصيات مؤتمر الحوار الوطني الثاني المنعقد في مكة المكرمة، والذي رعته الدول.

فهل يمكن أن يتم تفسير كل هذه المطالب العادلة، والمواقف الوطنية المسئولة التي عبرت عنها مع المئات من المواطنين والمواطنات، (على أنه تشكيك في نهج الدولة وإثارة للفتن وتجاهل لولي الأمر)، وسواها من التهم المدونة في لائحة دعوى عامة؟

القسم الثاني: دفاعي عن الآراء الواردة في حوار على موقع الساحل على الانترنت، وإذاعة مونت كارلو:

أما فيما يخص الأقوال المنسوبة إليّ فمنها ما ورد في (نهاية الصفحة الخامسة وبداية الصفحة السادسة). والتي تقول (إن من أهم أسباب انتشار العنف في المملكة هو احتكار تيار فقهي واحد من التيارات الأربعة ونفي ما عداه من مذاهب وطوائف، مما أدى إلى تغلغل هذا التيار في كافة مفاصل النظم التعليمية والتربوية والاجتماعية والسياسية).

وقبل أن أورد في دفاعي عن ما ورد في هذه الجملة الطويلة من آراء واجتهادات، أود أن أوضح حقيقة تتصل بهذا الأمر، وقد وردت في ثنايا حواري على الإنترنت، ومفادها أن الاختلاف بين الناس، من حيث التشدد والغلو أو التسامح والموضوعية، فطرة وطبع فطر الله عليها عباده.

كما أن التشدد والغلو لا يختص بفكر دون آخر، ولا بتيار أو مذهب دون سواه، وأن هذه الظاهرة البشرية توجد في كل زمان ومكان، وقد نبهنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم إلى اجتناب المغالاة فيما ورد عنه في الحديث حيث قال (إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فيسّروا ولا تعّسروا، وبشّروا ولا تنفّروا).

لذا فإن طريق الغلو والتشدد والتطرف والإرهاب التي اختطها تيار ديني يستند إلى مذهب معيّن، لا يعني أن كل أتباع هذا المذهب هم من المتطرفين.

ووجود تفاوت بين المذاهب الإسلامية، أمر معروف لم أخترعه من عندي، وإنما هو شأن متداول بين الجميع، وأشير هنا لما أكدّه الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية، حيث نبّه إلى أن من ابرز ما يعانيه العالم الإسلامي اليوم، يكمن في الضعف والفرقة والتمزّق، وأن سببه الرئيس هو الخلاف المذهبي بين المسلمين، وأن هذا المأزق، يفرض على ولاة الأمور والعلماء والمفكرين، أن يبحثوا عن مخرج من هذا المأزق الذي يهدّد بمزيد من تدهور الأمور).

وانطلاقاً من إيماني بحق كافة مكونات المجتمع المذهبية والطائفية والثقافية بانتهاج الأسلوب السلمي للتعبير عن آرائها واجتهاداتها الدينية والحياتية، فإنني أعتقد أن من حق تيار الغلو والتشدد المستند إلى هذا المذهب أو سواه، أن يعبر عن فكره واجتهاده بطريق سلمي، وهذا ما أتاحته الدولة لهذا التيار عبر كافة المنابر والمؤسسات على مدى زمني طويل، إلا أن تفرده واحتكاره للفهم الصحيح للعقيدة ونفيه لما عداه، قد دفعا به إلى مرحلة التشدد والتطرف التي نعيشها، حيث خرج على تيار الاعتدال والوسطية داخل نفس المذهب الذي يمثله كبار العلماء، وخرج بالعنف المسلح على المجتمع والحكومة على السواء.

ولذا وقفت كما وقف غيري أمام ظاهرة التشدد والغلو والتكفير والإرهاب، لأرى أنها ظاهرة معقدة وتنطوي على أسباب عديدة فكرية ومعيشية وسياسية واجتماعية وتتداخل في تكوينها عوامل داخلية وخارجية أيضاً، مثل حرب أفغانستان، والمظالم الأمريكية والإسرائيلية في العالمين العربي والإسلامي.

وبالرغم من قناعتي بأن الإرهاب لا ينمو ولا يترعرع إلا في ظروف غياب الحرية، وتفاقم الأزمات الحياتية للناس، إلا أن تيار التشدد والغلو الذي يبلغ مرحلة التكفير والإرهاب في بلادنا قد حظي بمساحة كافية من الحرية0 ولكنها الحرية القاتلة، التي قمعت ما عداه من مكونات المجتمع، وقضت على إمكانية الحوار مع تيار الوسطية والاعتدال ومع المذاهب الفقهية الأخرى، وكرست إيهامه بصواب ما يذهب إليه، وجعلت منه كياناً مستبداً يحتكر الحقيقة.

ولذا تمكّن من الاستحواذ على قلوب الشباب وتجنيدهم في تنظيمات في مختلف مرافق الدولة ومناطق المملكة، ولو أن الباب كان مفتوحاً أمام حرية التعبير، وتكوين جمعيات المجتمع المدني، وأمام فقهاء المذاهب الأخرى، وأمام العقلاء من نفس المذهب، لما توهم ذلك التيار أنه على صواب دائم، ولما تمكّن من الاستحواذ على هذه القاعدة الكبيرة من الشباب، لأنها ستتوزع على المذاهب والتيارات الأخرى، مما يساعد على نشؤ حوار ثقافي وفكري، يؤدي إلى ترسيخ مبدأ القبول بالاختلاف، ومبدأ (رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب) الذي قال به الشافعي.

(ولضيق الوقت، فلن أجد مجالاً لقراءة مذكرة كتبتها، تحدد مفهوم العنف والإرهاب من جهة، وتوضح مفهوم المجتمع المدني وجمعياته المختلفة، ودورها في الحد من ظاهرة التشدد والإرهاب، وأرفقها لفضيلتكم، وأرجو اعتبارها جزءاً من مرافعتي).

ويتفق مع مجمل ما ذهبت إليه، كثير من الكتاب والمثقفين الذين ينشرون آراءهم في صحفنا السعودية، وأستشهد برأيين في هذا الصدد للدكتور خليل الخليل والشيخ أحمد بن عبد العزبز إبن باز.

يقول د. خليل الخليل، الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في مقال بعنوان (مؤتمرات ومواقف للبراءة. والإرهابيون ما زالوا يقتلون ويفجرون).

(أن الإرهاب قضية معقدة وتحتاج إلى مصداقية في الطرح، ووضوح في الرأي، والدولة في حاجة إلى تحرك الجهات الثقافية، وفي حاجة إلى تفعيل المؤسسات الدينية، إلا أن الحقيقة المرة، التي تتمثل في فقدان التعليم الديني حيويته، وغياب أسماء دينية وكبيرة ومؤثرة، إضافة لتشدّد الخطاب الديني، كل هذه الأشياء هي مسئولة أولاً وثانياً وثالثاً، عما حدث ويحدث) (الشرق الأوسط - في 29/4/2004).

ويقول الشيخ أحمد بن عبد العزيز إبن باز في مقالة بعنوان (سياسة الإقصاء): (إن سياسة إقصاء الآخر وعدم الاعتراف به ونزع الصبغة الشرعية عنه، وامتلاك الحق الأوحد في تفسير النص، وهي أهم صفات التطرف الفكري والذي يمارس لدينا في هذا البلد المبارك وبشدة، للأسف من بعض العلماء وطلاب العلم).. ويمضي في حديثه إلى أن يقول (إننا وبصراحة لا نعاني من أفعال متطرفة وحسب بل نعاني من بيئة متطرفة نعيشها جميعا، استطاع ذلك المنهج الاقصائي أن يساهم في إنشائها ويغرس جذوره فيها ويغذيها، عبر جميع وسائله التي يملك حقاً حصرياً باستخدامها منذ عقود من الزمن، من برامج تعليمية، وإعلامية منهجية كانت أو غير منهجية في هذا البلد المبارك (الشرق الأوسط 9320 في 4/6/2004).

هذا ما يخص الجانب الفكري الذي يبدو لي كسبب رئيس في تفشي ظاهرة الغلو والتطرف والعنف، أما (العوامل المعيشية المتمثلة في الأزمات الصحية والتعليمية والإسكانية والفقر والبطالة) التي وردت في حواري على الانترنت، فإنني أرى بأنها عوامل مساعدة، ولكن هذه العوامل تفسّر حالة الصمت أو التعاطف - التي لا ينكرها أحد- مع تيار العنف.

بيد أن الأهم من ذلك يكمن في أن هذه الأزمات المعيشية المتزامنة مع كبت حرية التعبير، سوف تعمل على تأزيم الأوضاع لكي تلد عنفاً جديداً، وبأشكال مختلفة، ما لم تسارع القيادة إلى البدء الجدي في عملية الإصلاح السياسي الشامل، ولعلي أذكر هنا أن ما ورد في بيان الرياض الصادر عن مؤتمر مكافحة الإرهاب؛ يتطابق مع تحليلنا لظاهرة العنف وأسبابها.

إننا نمتلك جيوشاً من العاطلين عن العمل، ومن الطبقات الفقيرة والمحرومة، ومن الشباب والشابات الذين لا يجدون لهم مقعداً في الجامعات، ومن المهمشين بدون جنسية، بما يكفي لخلق حالات أخرى، وصعبة من العنف.

ولو أن هذه الأزمات حدثت في الصومال، أو أي بلد فقير آخر، لما اعتبرناها سبباً مساعداً في توليد العنف والإرهاب، لأننا قد عشنا حالات الجوع والفقر مع الآباء، واعتدنا عليها كأمر طبيعي يشمل كافة الشرائح والطبقات، أما أن تحدث في بلد ينتج منذ أكثر من ربع قرن، ما يزيد على ثمانية ملايين برميل من النفط يومياً، ويتجاوز دخل حكومته مئات المليارات سنوياً، وتنيف مديونيته عن سبعمائة مليار ريال؛ فإن ذلك يصبح كارثة بكل المقاييس، وتؤدي بالمواطنين إلى الإحباط ودفعهم للصمت أو التعاطف مع الإرهاب أو التعبير عن احتياجاتهم بعنفٍ جديد.

أفي بلد (البترول) جوعٌ وعسرةٌ

و(دينٌ) تغشّانا، جبالاً رواسيا

أفي بلد (البترول) عجزٌ، ولم نجد

لطلابنا في الجامعات كراسيا

أفي بلد (البترول) مليون عاطل

ومليون مسكين، ينادي المواسيا؟

ترمّدت الآمال يا (جيل) حاضري

ويا (جيلنا) الآتي، ستحسو المآسيا

لعبنا بـ (مال الشّعب) حتى ترمّلت

بلادي، فلا تقي من البرد كاسيا

واستطراداً في الإجابة على ماورد من كلامي في الانترنت حول (تغلغل هذا التيار المتشدد في كافة مفاصل النظم التعليمية والتربوية والاجتماعية والسياسية، وأنه تم استقطاب الشباب وتجنيدهم ضمن رؤية أيديولوجية تكفّر المجتمع)ا.هـ. (آخر صفحة 5 وبداية صفحة 6)، فإنني سأستشهد هذه المرة بما يؤكد ما ذهبت إليه، وذلك بالإشارة إلى بعض ما عبر به المسئولون في الحكومة حول مشكلة الإرهاب.

وهنا أورد جزءاً صغيراً من مقالة كتبها الأمير خالد الفيصل، ونُشرت في جريدة الوطن بتاريخ 12/6/2004م حيث يقول فيها: (من علّم طفل دار الأيتام أن وطنه الإسلام - وليس السعودية - وأن مهنته المستقبلية هي الجهاد، وأن مشاهدة التلفزيون السعودي حرام لأن فيه موسيقى؟ من حول ساحات المدارس والجامعات إلى معسكرات حركية وجهادية؟! من حوّل المخيمات الصيفية إلى معسكرات تدريب على الأسلحة؟ من أقنع الشباب السعودي بأن أقرب طريق للجنة هو الانتحار, وقتل المواطنين والمقيمين ورجال الأمن وتفجير المجمعات السكنية؟ من فعل هذا بنا؟

أعتقد أن كل من في هذه البلاد يعرف الفاعل المسئول عن كل هذا, وما هي إلا عودة للكتب والمطويات والأشرطة, التي وزعت بمئات الآلاف, في المدارس والجامعات, والمساجد والجمعيات الخيرية, في السنوات العشرين الماضية, لنجد الأسماء مطبوعة عليها بكل وضوح!!! ومواقع الإنترنت تكشف عن البقية) انتهى كلام سمو الأمير.

أما من جانبي فإنني أتساءل أيضاً.. ألم يتم ذ لك تحت سمع وبصر المؤسسات الحكومية، وتتحمّل بذلك وزر ما حدث؟

أما معالي وزير الشؤون الإسلامية فقد ذكرت جريدة الحياة في عددها 15074وتاريخ 572004م، أن معالي وزير الشؤون الإسلامية، الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، قد اتهم بعض الإسلاميين في المملكة بمجاملة الإرهابيين والمنحرفين فكريا، والافتقار إلى الشجاعة في بيان الأحكام الشرعية وأداء الأمانة. وذكرت الصحيفة أنه عبر عن (خيبة أمله من تدني كفاءة الدعاة وطلاب العلم)، وإخفاقهم في دحض دعاوى التكفير ومبررات التفجير، وختم كلامه بالقول (لعل هذا يكون بداية لمزيد من الاهتمام بترسيخ الوسطية والاعتدال في مدارسنا وجامعاتنا، وكل أمور حياتنا، تطبيقاً لتعاليم القرآن الكريم الذي جعلنا أمة وسطا) ا.هـ.

وأصل الآن إلى حديث سمو ولي العهد الأمير عبدا لله بن عبدا لعزيز، الذي وجهه إلى أئمة المساجد وبثّه التلفزيون أكثر من مرة، بحيث أصبح معروفا للقاصي والداني. وقد ذكّر سموه أئمة المساجد، بواجبهم في تبصير الشباب بدينهم وبأخطار الإرهاب، وأشار إلى تقصير الكثيرين منهم، وأن الله سيسلط عليهم عبداً من عباده، وأكمل سموه (ونحن من عباده)، وإننا نراقبهم فرداً فرداً.

وحين نقف أمام الدعاة وأئمة المساجد، فإننا نتساءل:

• أليسوا من أبناء الوطن، ومن نتاج مناهجه؟

• ألا يسيطرون على أهم المفاصل الدعوية والتربوية في البلاد؟ ثم أليسوا موظفين لدى الحكومة؟

• وسأستمر في التساؤل حول شرائح أخرى، من الأفراد والجماعات المتشددة لأسأل:ألم يكن أسامه بن لادن أحد أبناء هذا الوطن؟

• ألم يشترك خمسة عشر شابا انتحاريا من المملكة في أحداث 11 سبتمبر؟

• ألا يوجد المئات من الشباب السعوديين يقاتلون في أفغانستان والشيشان والعراق؟

• وبالنسبة لأعضاء التنظيمات الإرهابية الذين أزهقوا أرواح المئات من رجال الأمن المخلصين، ومن المواطنين

المقيمين في بلادنا، ألا ينتمون إلى الوطن وإلى مناهجه وأنشطته الدعوية؟

• ألم تعتقل الأجهزة الأمنية المئات منهم؟

• فمن أين أتوا، ومن أين رضعوا فكر التشدد والغلو والتطرف والإرهاب؟

وأرجو بعد إيراد هذه المقتطفات والتساؤلات أن أكون قد دفعت عني التهمه التي تقول (كما تضمنت التشكيك في نهج الدولة والطعن في كيانها القائم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتبرير العنف والإرهاب، واستغلال العمليات الإرهابية، للنيل من نهج البلاد والطعن في مرتكزاتها الدينية، وزعمه أن نهج الدولة وسياستها ساهم في نشأة الفكر الإرهابي والتكفيري) ص6 سطر 4-7 وأؤكد هنا، أن ما عبّرت عنه لم يتضمن التشكيك في نهج الدولة ولا الطعن في كيانها، القائم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لأن من ينطلق من ثوابت العقيدة الإسلامية، وتعزيز الوحدة الوطنية، ويؤكد الالتفاف حول القيادة، لا يمكن أن يشكك في مشروعية الدولة ومرتكزاتها الدينية، وأن ما عبّرت عنه هو قراءة نقدية للأخطاء التي ارتكبتها الأجهزة الحكومية، لكي يشرع الجميع في العمل على مواجهة التحديات ومنها مشكلة الإرهاب.

أما ما يتعلق بتهمة تبرير العنف والإرهاب (6 سطر 6) فقد قلت في نفس الحوار على الانترنت، الذي استشهد به الادعاء العام، ما يلي (وبالرغم من أنني أنطلق هنا من إيماني بحق كافة القوى في التعبير عن حقوقها، ولا أهمّش دور الأوضاع المتأزمة، التي يمكن أن تقود إي تيار لاتخاذ الشكل الملائم للمطالبة بحقوقه، إلا أنني أدين وبشكل مبدئي قاطع، كافة أشكال العنف المسلح، كوسيلة للمطالبة بهذه الحقوق مهما كانت هذه الأسباب).

أما بخصوص التهمة التي تقول (والسعي إلى إثارة الفتن وبث بذور الخلاف بين أبناء الشعب، وإثارة التحزب المذهبي والطائفي) ص 1 سطر 6 فإن ردي على ذلك كالتالي:

إن الأزمات والتحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها بلادنا تستدعي منا، أكثر من أي وقت مضى العمل على تدعيم الجبهة الداخلية، والتمسك بالوحدة الوطنية، لكن الوحدة الوطنية لا تقوم على التمييز الطائفي والمذهبي والمناطقي، ولا على حرمان بعض الشرائح الاجتماعية والمناطق من نصيبها في الثروة والمراكز القيادية، ولكنها تترسّخ بالاعتراف بالاختلاف، وبحق تلك الفئات، والمذاهب، والطوائف في الوجود والتفاعل مع المكونات الأخرى بدون قسر أوتهميش أو إقصاء، وإن ما طالبنا به من إزالة لكافة أشكال التمييز المذهبي والطائفي والمناطقي، ومن مطالبة بالتوزيع العادل للثروة، هو السبيل الأمثل لرفع الغبن، وتعميق الإحساس بالمواطنة، وهو ما يقوي ويرسّخ دعائم الوحدة الوطنية والالتفاف حول القيادة.

وبخصوص التهمة الواردة في (ص6 السطر 13-20) والتي تقول (وأن هذه المؤسسة لا تستجيب ـ على حد زعمه ـ لضرورة التغيير، وحثه على استغلال المرحلة الدولية والمعارضة المطلبية في الخارج في الضغط على الحكومة للتغيير ـ بما يخدم مصالحهم ـ وكذلك الحث على استغلال السياسة الأمريكية الجديدة، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، في المنطقة، والتي ترفع شعارات مكافحة الإرهاب والخطر الإسلامي والدفاع عن حقوق الإنسان والجماعات الإثنية والدينية وحقوق المرأة، حيث يمكن ـ على حد قوله ـ أن تتقاطع مصالح تطوير بلادنا، مرحلياً مع تلك الشعارات، وأنه يجب الاهتمام بها والسعي بكل السبل في تعزيز فعاليات تطبيقها في البلاد على حد زعمه) ا.هـ.

فإنني أقول بأن هذه الدعوى قد أوردت كلامي بشكل محرّف، وأثبت لكم أدناه ما قلته حرفياً، وهو ما آمل أن يبطل التهمة.

لقد قلت (أما فيما يخص العامل الخارجي، والذي يمكن تحديده بشكلين هما: تأثير المعارضة المطلبية من الخارج من جهة، وتأثير ضغوط الدول الأجنبية على الوضع الداخلي من جهة أخرى.

وفيما يخص الجانب الثاني، فأرى أن السياسات الأمريكية الجديدة وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تسعى لفرض سيطرتها الشاملة على العالم، وعلى مقدرات وثروات المنطقة العربية تحديداً، وذلك تحت عناوين مكافحة الإرهاب والخطر الإسلامي، أو الدفاع عن حقوق الإنسان والمرأة والجماعات الإثنية والدينية، وذلك بصورة ذرائعية تصب في طريق تحقيق مصالحها وسيطرتها المطلقة على المنطقة، واستخدامها كورقة ضغط وابتزاز إزاء المنافسين الآخرين أو إزاء حكومة بلادنا.

وبالرغم من كل ذلك، لا يمكننا إغفال الأهمية الكونية لهذه القيم والمفاهيم باعتبارها تمثل ضرورة وحاجة مشتركة لكل البشر، ولذا يمكن أن تتقاطع مصالح تطوير بلادنا مرحلياً مع تلك الشعارات، وعلينا الاهتمام بها والسعي بكل السبل لتعزيز فعاليات تطبيقها في وطننا وفي كل مكان في العالم).

وأود إيضاح المقصود من عبارة (لذا يمكن أن تتقاطع مصالح تطوير بلادنا مرحلياً مع تلك الشعارات) بالتشبيه التالي: لو أن ألدّ أعدائك مر من عند بيتك وأنت تطفئ النيران المشتعلة فيه، وقال إن هذا البيت يحترق ولا بد من إطفاء النار، فهل تتوانى عن إطفاء الحريق لأن كلامه توافق مع ما تقوم به؟

وأما حديثي عن المعارضة الخارجية فقد قلت فيه حرفياً:

(أما فيما يخص تأثير المعارضة الخارجية فإنني أتركه للزملاء المساهمين من خارج المملكة للحديث عن فعاليته، فهم أدرى به مني). (وهنا أرجوا من عدالة المحكمة أن تطلع على كامل الحوار لتقف بنفسها على إدانتي للإرهاب، ووقوفي ضده، وعلى تركيزي على تعميق وتجسير العلاقة مع القيادة).

وأما بشأن تهمة المشاركة في حضور اجتماع خارج البلاد مناقشة بعض قضايا الشأن العام للبلاد، فإن كان المقصود هو الاجتماع الذي عقد قي البحرين على هامش (مؤتمر مكافحة التطبيع مع العدو الإسرائيلي) فقد أجبت بالموافقة عليه سابقاً، وهو حق من حقوقي كمواطن، أما أن يكون لقاءاً أخر فأرجو إيضاح ذلك..

وفي الختام، أود الإشارة إلى ما ورد في آخر (لائحة دعوى عامة) من أنه قد سبق توقيفي في 14/3/1403هـ لانتمائي لما يسمى (الحزب الشيوعي في السعودية).

وأؤكد هنا على صحة هذا الكلام، إلا أنني اعتقلت قبل ذلك التاريخ بحوالي أربعة أشهر.

وقد كنت منتمياً إلى إحدى منظمات الحزب وهي (لجنة أنصار السلم) وتعمل كلجنة لحقوق الإنسان، والإسهام في الجهود الثقافية العالمية لتثبيت دعائم السلم العالمي، والحوار والتعايش بين كافة شعوب ودول العالم.

كما أود أن أوضح بأن هذا الحزب، كان تنظيماً سياسياً يعبر في برنامجه ـ الذي توجد نسخة منه لدى الجهات الأمنية ـ عن توجهات اقتصادية وسياسية واجتماعية يتوقع من خلال تطبيقها أن يتم تحقيق العدالة الاجتماعية الكفيلة بضمان العيش الكريم للمواطنين، ولا سيما الطبقات الفقيرة والمحرومة منهم.

وإنني أستغرب الحديث عن هذا الموضوع بعد مضي أكثر من 22 عاماً عليه، لا سيما وأن الدولة خلال فترة اعتقالنا كانت تنفي وجود معتقلين سياسيين في سجونها سواء من الحزب الشيوعي أو من سواه، كما أن قضيتنا لم تُحل للمحكمة الشرعية، رغم إضراب بعضنا عن الطعام في السجن ومطالبتنا بمحاكمة علنية عادلة.

وقد تم الإفراج عنا بعفو ملكي عام 1403هـ، بعد أن نالني جراء ذلك قضاء مدة تقارب عشرة أشهر في السجن، كما تم فصلي من عملي بعد إطلاق سراحي، وتم حرماني من السفر إلى الخارج، لمدة تتجاوز إثني عشر عاماً.

كما أن الأجهزة الأمنية طلبت منا يوم الإفراج عنا، عدم التحدث عن موضوعنا للناس، كما أن خطاب وزارة الداخلية الموجه لمقر عملي في (أرامكو) لفصلي من عملي، لم يشر إلى اعتقالي في قضية سياسية، وإنما ذكر(أن المذكور قد سجن في قضية معلومة لدى سمو وزير الداخلية).

واليوم.. إذا أردنا أن نعمل بشكل إيجابي ملموس، على جعل الإسلام مصدر جذب وأنموذجاً صالحاً لكل زمان ومكان، فإن علينا أن نقطع الطريق على القوى التي اختطفت الإسلام، وعملت على تسويقه كدين تطرف وعنف وإرهاب وعداء للآخر وللعصر.

وإذا أردنا أيضاً أن نرد على هجمات القوى المعادية، التي تصِم الإسلام بالتخلف والرجعية؛ والتمييز ضد المرأة، فإن علينا أن نبرز الوجه الحضاري للإسلام، الذي يحقق قيم العدل والتسامح والإقرار بحق الاختلاف، وقبول الآخر. كما أن علينا الأخذ بآليات وهياكل بناء الدولة الحديثة، القادرة على تطبيق العدالة والمساواة وحقوق الإنسان، وتمكين المرأة من نيل حقوقها الشرعية، وكل ما من شأنه تحقيق التطبيق الأمثل للعدالة الاجتماعية.

وأعتقد أن كل ما قمت بالتوقيع عليه - من خطابات وبيانات - مع المئات من المواطنين، من العلماء، والأكاديميين، وأساتذة الشريعة، والمثقفين، والمهتمين بالشأن العام رجالاً ونساء، ما هو إلا إسهام منا للمطالبة بإرساء دعائم الدولة الإسلامية الحديثة، التي تتبنى الدستور القائم على كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، والذي ينص على الفصل بين السلطات الثلاث، وتعزيز استقلال القضاء، وكفالة حرية التعبير عن الرأي بكافة الطرق السلمية، وتشريع قيام جمعيات المجتمع المدني السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، للتعبير عن مطالب منتسبيها.

إن كل ذلك سيعمل على إبراز الوجه الحضاري للإسلام، وتأكيد صلاحيته لكل زمان ومكان على صعيدي العقيدة وتطبيقات العدالة الاجتماعية. وإن في تبني هذه الآليات، ما يدعم الأمن والاستقرار والسلام الاجتماعي، ويعزز تماسك الجبهة الداخلية، وتجذير الانتماء الوطني، ويدعم الالتفاف حول القيادة، لكي نجابه جميعاً كافة التحديات الداخلية والخارجية، وكافة الأزمات التي تواجهها بلادنا اليوم وغداً.

الصفحة السابقة